النسب (علم-)
نسب (علم)
Genealogy - Généalogie
النسب (علم ـ)
تعريفه ومضمونه
هو علم قائمٌ بنفسه تميّز به العرب من سائر الأمم، بِهِ تُعرف أنسابهم من جهة الآباء والأمهات، ويبيّن أواصر القربى مِن بُنوّةٍ وأُخوّةٍ وعمومة وخؤولة، وانتقال بعضهم من قبيلة إلى أُخرى وسبب ذلك.
وتُذكر فيه الكُنى والألقاب، والمفاخر والمثالب وهو علمٌ جليل القدر عندهم، لا يليق بذي الشّرف والهمة أن يجهله، وقد افتخروا به على العجم؛ لأنهم احترزوا به مما وقعت به الأمم الأخرى من اختلاط الأنساب وجهل الأواخر بالأوائل.
ولم تزل العرب تعتني بأنسابها منذ الجاهلية إلى يوم الناس هذا ـ في حواضرهم وبواديهم، يحفظونها ويعلّم الرجل منهم ولده نسبه كما يعلّمه ما ينفعه، ليحوطوا بذلك أحسابهم، ولايدخل أحدهم في غير قومه، إلا من اختلط منهم بعد الإسلام بالعجم اختلاطاً شديداً أو سكن في مدن كبيرة مختلطةٍ، فانتسب إلى بلدٍ أو حرفةٍ أو لقبٍ أو نحو ذلك مما يُشتَهرُ به، فجُهل بذلك نسبه.
والعرب تبني أنسابها على طبقات، أكبرُها الجِذم، فالجمهور أو الجَمهَرة، فالشّعب، فالقبيلة، فالعِمارة، فالبَطن، فالفخذ، فالعشيرة، فالفصيلة، فالرّهط؛ ومثاله: جِذْمُ «عدنان»، فجمهورُ «مَعَدّ» أو جمهَرتُه، فشَعبُ «نزار»، فقبيلة «مُضر»، فعِمارة «خِنْدف»، فبطن «كِنانة»، ففخذ «قريش»، فعشيرة «قصيّ»، ففصيلة «عبد مَناف»، فَرَهط «بني هاشم»؛ هذا هو الأصل في بناء أنسابهم، ولكن كثيراً ما يُسمى البطن قبيلةً أو جمهرةً أو عشيرة، ويُسمّى الفخذ بطناً أو عشيرةً أو رَهطاً. ويُسمّون (جُمْجُمةً) كلّ جماعةٍ تفرّعت منها فروع اكتفت بالانتساب إليها، مثل جمجمة «غَطفان» التي تفرعت منها قبائلُ مثل عبس وذبيان.
ولا تُثبِت العرب في أنسابها ما فوق «قحطان» و«عدنان»، مع علمهم أن عدنان ينتهي نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وإن أَورد النّسّابون ما فوق قحطان وعدنان في كتبهم؛ وذلك لما ورد عن النبيr أنّه كان يرفع نسبَه فيسرده إلى معد بن عدنان ثم يقول: «كَذَبَ النسّابون»، يعني نقلَهم ما بعد عدنان عن أهل الكتاب، وفيه اختلاط واختلاط كثير، وكذلك الحال فيما بعد قحطان، ومعنى (الكذب) في لغة أهل الحجاز: الخطأ.
وقد وَجّه بعض المستشرقين ومَن تلقّف آراءهم من الباحثين العرب إلى أنساب العرب طعوناً وشكوكاً لا تكاد تختلف عن طعونهم وشكوكهم في صحة الشعر الجاهلي، ولايسمح المجال بنقدها، وإنما تكفي الإشارة إلى أنها طعون وشكوك مدفوعةٌ بغاياتٍ غير نزيهةٍ ولا علميةٍ عند تمحيصها.
فائدته والحض على تعلمه والاهتمام به:
لا غنى عن هذا العلم لأي باحث في التراث العربي والإسلامي، سواءٌ أكان في التاريخ أم الأدب أم العلوم الإسلامية، وما يتعلق بذلك من معرفة الأحوال الاجتماعية والسياسية والدينية، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى لا غِنى عنه لحياة الناس اليوم، فقد أثبتت الدراسات أَثر الوراثة والأجناس في الأمراض الوراثية، وأثرها في الأخلاق والميول، إلى جانب الحاجة إليه في السجلات المدنية، وما ينبني عليها من حقوق وواجبات اجتماعية وشرعية وإدارية.
وقد اهتمت العرب قبل الإسلام بأنسابها لأسباب قبلية وإنسانية تتعلق بالتراحم والتواصل والتحالف والتآلف في سِلمهم وحربهم، وكانت في اليمن ممالك ذات تنظيم عظيمٍ وحضارة عريقةٍ، وكانت لدى اليمنيين سجلاتٌ في الأنساب يتوارثونها، بقيت إلى ما بعد الإسلام، فنقل عنها الهمداني مراتٍ عدةً وهو يدون أنساب اليمنيين في كتابه «الإكليل»؛ فلما أن جاء الله تعالى بالإسلام وتشريعاته لم يزد ذلك إلا قوة، وإن كان يقرر للناس جميعاً أن أكرمهم عند الله أتقاهم، ولكن لا بد من معرفة الأنساب لشد أواصر القربى والرحم، ومعرفة ما يحل وما يحرم من الزواج، وما يجب من طلب الأكفاء فيه، ومعرفة ما يكون عليه تقسيم الميراث بين الآباء والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأعمام والعمات، ونحو ذلك من أمورٍ أشار إليها القرآن الكريم.
ومما ورد في الحديث عن النبيr قوله: «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم»، وقوله: «تخيّروا لِنُطَفِكم، وأنكحِوا الأكفاء، وانكحُوا إليهم» وعن عمر بن الخطابt: «تعلموا أنسابكُم، وصِلوا أرحامكم؛ فوالله إنّه ليكون بين الرجل وأخيه ما لو يعلم الذي بينه وبينه من مَثاب الرّحم وقُرب دخيلةِ النسب لرَدعه عن انتهاكه»، وقوله أيضاً: «تعلموا النسب تَصلوا به أرحامكم، ولا تكونوا كَنَبطِ السّواد، إذا سُئل أحدُهم: ابنُ من هو؟ قال: مِنْ قرية كذا وكذا»، ويَعني بنَبَط السّواد أهل القرى في العراق.
وكانت الحاجة إلى النسب ومعرفته لأسبابٍ حربية؛ إذ كانت الكتائب تُقَسّم تقسيماً قبلياً لكل قبيلة أو مجموعة من القبائل لواءٌ، فكان هذا يَحض كل قبيلة على التحمس في القتال لئلا يُؤتى المسلمون من قبلها، ويَسْتَميتُ الرَّجُلُ منهم في الدفاعِ عن حَسَبِ عشيرته وعن أخيه وابن عَمِّه، أو في النَّيْلِ ممّن أصابه؛ وقد كان ذلك في فتح مكّة وما بعدها من الفتوح والمعارك.
واشتدت الحاجة إلى معرفة النّسب في عهد عمر بن الخطابt، لتنظيم شؤون البُعوث والجِهاد، وتوزيع الموارد من الغنائم والفيْءِ والخراجِ والزّكاة والصّدقةِ، فجمع ثلاثةً من علماء قريش بالأنساب، هم: عقيلُ بن أبي طالبٍ من بني هاشم، ومَخْرمةُ بن نوفل مِنْ بني زُهرة، وجُبَيْرَ بن مُطْعِمٍ من بني نَوْفَل بن عبد مناف، فكَتَبُوا لَه أنساب العرب في ديوان.
ولمّا كان عهد الخليفة الأموي الوليد ابن يزيد بن عبد الملك أَمر العلماء والرواة، فَجُمِعَتْ لهُ أشعار العرب وأخبارها وأنسابها ولُغاتُها.
ثم ظهر الشعوبيّون ولاسيما من الفُرسِ فأبْدوا عداوَتَهم للعرب وازدروا كل ما يَمُتُّ إليهم، فطعنوا في أنساب العرب وألّفوا الكتب في مثالبهم، فاندفع علماء العرب يؤلفون في الرّدّ عليهم ويجمعون مَفاخر العرب ومآثِرهم هذا إلى جانب نَشاط حركة التأليف التي كان لها أثرٌ واضحٌ في كثرةِ التدوين في الأنساب.
مشاهير النّسابين وكتب الأنساب:
عُرف في العرب عددٌ كبيرٌ من النسابين في الجاهلية والإسلام، ومِن أشهرهم: أبو بكر الصّدّيقt، وجبير بن مطعم وقد أخذ علم النسب عن أبي بكر، وعقيل بن أبي طالبt، ومَخرمة ابن نوفل، وجميعهم من الصحابة، ومنهم دِغفِل بن حنظلةَ السَّدوسيّ الذُّهلي الشيباني، وعَبيد بن شَريّة الجُرْهمي، وصُحارُ بن عيّاش العَبْدي، وهؤلاء أدركوا الجاهلية والإسلام وعاشوا إلى العصر الأمويّ؛ ومنهم: سعيد بن المسيب، وعبد الله بن عمرو اليشكريّ المعروف بابن الكوّاءِ، وزيد بن الكيّس النّمريّ، وكان أبوه نسابةً في الجاهلية، وشهاب بن مذعور بن الحارث ابن حلّزة اليشكري، والنخّار بن أوسٍ العُذْريّ، والحنتف بن زيد التميمي، وعيسى بن يزيد بن دَأب الكِناني، وعَوانة بن الحكم الكلبي، وشرقي بن القطامي الكلبي، ومحمد بن السائب الكلبي، وزهير بن ميمون الهَمْداني القرقُوبي، ومجالد بن سعيد بن عُمير الهمداني، ومعظم هؤلاء نَبَغَ في العصر الأموي، وذكَرَ بعضهم الشعراء، ومن ذلك قول مسكين الدارمي في منافرته ومفاخرته لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
كِلانا شاعرٌ في حيّ صِدقٍ ولكن الرّحى فوق الثِّقالِ
وحَكِّمْ (دِغْفِلاً) نَرْحَلْ إليه ولا نُرِحِ المَطِيَّ من الكلالِ
تعالَ إلى «بني الكوّاءِ» يَقْضُوا بعلمهم بأنساب الرِّجالِ
تعالَ إلى «ابن مَذعورٍ، شِهابٍ» يُخَبِّر بالسَّوافِلِ والعَوالي
وعندَ «الكيِّسِ النَّمِريِّ» علمٌ ولو أَمسى بِمُنْخَرَقِ الشَّمالِ
ثمّ كان من بعدِهم في العصر العباسي عدد كبير من النّسّابين، ومنهم النسّابة البكريُّ أبو ضمضم، وأبو اليقظانِ النسّابة سُحيم بن حفص، وأبو عُبَيْدة مَعْمَرُ بن المثنى، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي، والهيثم بن عدي الطائي، وعبد الملك بن هشام الحميري، والمصعب الزبيريّ القرشي، والزبير بن بكار الزبيري القرشيّ، ومحمد بن حبيب، وأبو عُبيد القاسم ابن سلاّم، وغيرهم كثيرٌ لا يكاد يُحصى، وقد ترك هؤلاء كتباً في الأنساب، ثم توالتْ كتب الأنساب من بعدهم.
ومن أشهر كتب الأنساب المطبوعة المبذولة بين أيدي الناس اليوم: «جمهرة النسب»، و«نسب معدّ واليمن الكبير»، وكلاهما لهشام بن محمد الكلبي، ومختصر الجمهرة المعروف باسم «كتاب النسب» لأبي عبيد القاسم بن سلاّم، و«مختصر جمهرة النسب» لياقوت الحموي، و«جمهرة نسب قريش» للزبير ابن بكار، و«مؤتلف قبائل العرب ومختلفها» لمحمد بن حبيب، و«الاشتقاق» لابن دريد، و«الإكليل» للحسن بن أحمد الهمداني، و«أنساب الأشراف» للبلاذري، و«الإكمال» لابن ماكولا، و«الإيناس بعلم الأنساب» للوزير المغربي، و«جمهرة أنساب العرب» لابن حزم الأندلسي، و«الأنساب» للسمعانيّ، ومختصره «لُباب الأنساب» لعزّ الدين بن الأثير، و«لبُّ اللباب» للسيوطي، و«نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» للقلقشندي، وطُبِعَ في عُمان كتاب «الأنساب» للعوتبي الصحاري، وهو كتاب عظيم الفائدة لولا ما أصابه من جهلِ الناسخ وفَسادِ التحقيق، وهو جهلٌ وفسادٌ لم يسلم منهما كثير من كتب الأنساب، ولاسيما كتاب «جمهرة النسب» و«نسب معدّ واليمن الكبير» لابن الكلبي، و«كتاب النسب» لأبي عُبَيْد، و«مختصر جمهرة النسب» لياقوت. وفي المكتبة العربية كتب مطبوعة كثيرة في علم النسب.
محمد شفيق البيطار
مراجع للاستزادة: |
ـ حاجي خليفة، كشف الظنون (دار الفكر، بيروت 1414هـ/ 1994م).
ـ ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب (مصر 1948).
ـ فؤاد سزكين، تاريخ التراث العربي (الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة 1971).
ـ إحسان النص، العصبية القبلية في العصر الأموي (دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر، القاهرة، د.ت).
- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 621 مشاركة :