معلقات (فن)
Al-Mu'allaqat - Al-Mu'allaqât

المعلَّقات (فنّ ـ)

 

يطلق مصطلح المعلَّقات على عدد من القصائد المختارة المشهورة المتميزة من أشعار العرب في الجاهليَّة، وقد عرف عبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093 هـ) هذا المصطلح بقوله: «ومعنى المعلَّقة أن العرب كانت في الجاهليَّة يقول الرجل منهم الشِّعر في أقصى الأرض، فلا يعبأ به أحد، حتى يأتي مكة في موسم الحج، فيعرضه على أندية قريش فإن استحسن روي، وكان فخرا لقائله وعلّق على ركن من أركان الكعبة حتى يُنظر إليه وإن لم يستحسنوه طرح، ولم يُعبأ به وأول من عُلِّق شعره في الكعبة امرؤ القيس …».

وأقدم من روي عنه خبر تعليق بعض الشِّعر الجاهلي على الكعبة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، إذ نقل عنه أنه قال: «قصيدتا عمرو بن كلثوم والحارث بن حلّزة من مفاخر العرب، كانتا معلَّقتين بالكعبة دهراً»، ثم ابن الكلبي (ت204هـ) الذي قال  أول شعر علِّق في الجاهليَّة شعر امرئ القيس، علّق على ركن من أركان الكعبة أيام الموسم حتى نُظر إليه ثم أُحدر، فعلَّقت الشعراء ذلك بعده، وكان ذلك فخراً للعرب في الجاهليَّة، وعدد من عُلِّق شعره سبعة نفر»، ثم قال ابن عبد ربه (ت 328هـ) في حديثه عن الشِّعر: «... بلغ من كلف العرب به وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيرتها من الشِّعر القديم، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلقتها بين أستار الكعبة، فمنه يقال مذهبة امرئ القيس ومذهبة زهير والمذهبات السبع، وقد يقال لها المعلَّقات» وقد أورد ابن رشيق وابن خلدون نحواً من ذلك.

وما سبق يعني أن الحديث عن تعليق العرب لبعض شعرها على الكعبة معروف منذ صدر الإسلام، غير أن أبا جعفر النحاس النحوي المصري (ت 338هـ) أنكر ذلك حين قال: «واختلفوا في جمع هذه القصائد السبع، فقيل إن العرب كان أكثرها يجتمع بعكاظ ويتناشدون، فإذا استحسن الملك قصيدة؛ قال: علَّقوها، وأثبتوها في خزانتي، وأما قول من قال: إنها عُلِّقت في الكعبة؛ فلا يعرفه أحد من الرواة، وأصح ما قيل في هذا أن حماداً الراوية لما رأى زهد الناس في حفظ الشِّعر جمع هذه السبع وحضهم عليها وقال لهم: «هذه المشهورات»، فسميت القصائد المشهورة لهذا.

وتعلق عدد من الباحثين المتأخرين من العرب والمستشرقين بكلمة النحاس هذه، وذهبوا إلى إنكار تعليق هذه القصائد على الكعبة، وساقوا على ذلك حججاً خالفهم فيها كثيرون أثبتوا خبر التعليق، وهو أثر يسوق الخوض فيه إلى كلام طويل، غير أن عادة تعليق الشِّعر في الأماكن المقدسة عند العرب ليس حديث عهد في الجاهليَّة؛ فإن ملحمة جلجامش كانت معلَّقة في معابد العراق قبل آلاف السنين مثل (معبد نبو) إله الحكمة والمعرفة لدى العرب الآشوريين في نينوى، واكتشف مؤخراً قصيدتان بلغة حمير القديمة إحداهما منقوشة على الحجر في محرم بلقيس باليمن، وكذلك تعليق الشِّعر (أي تدوينه) وحفظه في خزائن الملك، فإن كثيراً من الشِّعر القديم وُجِد في خزائن الملوك، إذ عُثر على ملحمة جلجامش في خزانة الملك الآشوري آشور بانيبال (668 ـ 626ق.م) وعُثر أيضاً على أشعار العرب الكنعانيين في أغاريت (رأس شمرة) بالقرب من اللاذقية، وذكر ابن سلام وابن جني أن النعمان بن المنذر اللخمي ملك الحيرة أمر، فنسخت له أشعار الفحول وما مُدح به هو، وما مدح به أهل بيته، ودُفن في قصره الأبيض، ثم استُخرج في الإسلام، ويضاف إلى ذلك أن شهرة القصائد المذهبات يدعو إلى تفسير التسمية تفسيراً مادياً يؤكد كتابتها بماء الذهب.

وقد أُطلق على المعلَّقات أسماء أخرى منها المُذْهَبات لكتابتها بماء الذهب ومنها المشهورات أو المشهورة لشهرتها وشيوع ذكرها، ومنها السبع؛ لأن عددها المُتَّفق عليه هو أنها سبع، ومنها الطوال؛ لأنها جميعاً قصائد طويلة يزيد عدد أبيات كل منها على ستين بيتاً، ومنها السّموط وهي تسمية فنية جمالية تشبيهاً لها بالسّموط؛ وهي الأسلاك التي تُنظم بها حبات العقد.

ولا خلاف بين الرواة في أن القصائد المعلَّقات المذهبات الطوال المشهورات سبع لا أكثر، ولكن وقع خلاف في أصحاب بعضهن، وفي تحديد قصيدة بعض الشعراء.

فأما ما لا خلاف بينهم فيه من تلك القصائد؛ فهي:

معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي، التي مطلعها:

قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ

                              بِسِقطِ اللِّوى بَينَ الدَّخولِ فَحَومَلِ

ومعلَّقة طرفة ابن العبد البكريّ، التي مطلعها:

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ

                          تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ

ومعلَّقة زهير بن أبي سلمى، التي مطلعها:

أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ

                      بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ؟

ومعلَّقة لبيد بن ربيعة العامري:

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُها

                      بِمِنىً تَأَبَّدَ غَولُها فَرِجامُها

ومعلَّقة عمرو بن كلثوم التغلبيّ:

أَلا هُبّي بِصَحنِكِ فَاصبَحينا

                      وَلا تُبقي خُمورَ الأَندَرينا

وأما ما اختلفوا فيه منها فهي:

معلَّقة عنترة بن شداد العبسي:

هَل غادَرَ الشعراءُ مِن مُتَرَدَّمِ؟

                       أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ؟

ومعلَّقة الحارث بن حلّزة:

آذَنَتنا بِبَينِها أَسماءُ

                  رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ مِنهُ الثَواءُ

ومعلَّقة عبيد بن الأبرص:

أَقفَرَ مِنْ أَهلِهِ مَلحوبُ

                  فَالقُطَبِيّاتُ فَالذنوبُ

ومعلَّقة النابغة الذبياني، وقد ذهب بعضهم إلى أنها قصيدته التي مطلعها:

يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَّنَدِ

                  أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ

وذهب آخرون إلى أنها:

عُوجُوا فحَيّوا لِنُعْمٍ دِمْنَةَ الدَّارِ

                      مَاذَا تُحَيَّونَ مِنْ نُؤْيٍ وأَحْجَارِ؟

ومعلَّقة الأعشى البكري، وذهب بعضهم إلى أنها:

وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَّكبَ مُرتَحِلُ

                          وَهَل تُطيقُ وَداعاً أَيُّها الرَجُلُ؟   

وذهب آخرون على أنَّها:

ما بكاءُ الكبيرِ بالأطلال

                وسؤالي؟ فهل تردُّ سؤالي؟

والذي أثبته أصحاب شروح المعلَّقات هو الخمس الأولى التي لا خلاف حولها إلى جانبها معلَّقة عنترة ومعلَّقة الحارث بن حلزة؛ فهي السبع في حين أسقط أبو عبيدة ـ فيما نقل عنه أبو زيد القرشي في «جمهرة أشعار العرب» وتابعه عليه ـ قصيدتي عنترة والحارث وأثبت قصيدة الأعشى (ما بكاء الكبير) وقصيدة النابغة (عُوجوا فحيُّوا..) لكن النحّاس أثبت السبع السابقة وألحق بها قصيدة الأعشى (ودِّعْ هريرةَ) وقصيدة النابغة (يا دار ميّة) في كتابه «شرح القصائد التسع المشهورة»، وتابعه على ذلك التبريزي في «شرح القصائد العشر» جاعلاً قصيدة عبيد بن الأبرص عاشرتها، وهي القصيدة التي نص ابن قتيبة على أنها إحدى السبع وشذَّ ابن خلدون شذوذاً بعيداً حين جعل علقمة بن عبدة من شعراء المعلَّقات السبع بدلاً من لبيد بن ربيعة مع إسقاطه عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة ووَضْعِهِ النابغة والأعشى مكانهما.

وقد لقيت المعلَّقات عناية كبيرة بشرحها والتعليق عليها، فإلى جانب شروحها في دواوين أصحابها ظهرت كتب مفردة لشرحها مجتمعة ويحسن ذكر بعض المطبوع منها، مما هو شائع مشهور مبذول بين أيدي الناس والباحثين ومنها:

«شرح القصائد السبع الطوال» لابن الأنباري؛ وهو أجود الشروح، و«شرح القصائد التسع المشهورات» لأبي جعفر النحاس، و«شرح المعلَّقات السبع» للحسين بن أحمد الزوزني، وهو أشهرها وأوسعها انتشاراً لسهولته ووضوحه، و«شرح القصائد العشر» للخطيب التبريزي، جمع فيه فوائد الشروح السابقة، والقصائد العشر لأحمد بن الأمين الشنقيطي، وهو شرح متأخر، وشرحها أبو زيد القرشي في كتابه جمهرة أشعار العرب، وهنالك شروح أخرى منها القديم ومنها المتأخر، وهي إما مطبوعة طباعات نادرة وإما ضائعة لم يصل إلينا غير خبرها، وإلى جانب ذلك هناك ترجمات متعددة لعدد منها إلى اللغات الأعجمية.

منزلتها الشِّعرية

أجمع أهل العلم بالأدب الجاهلي على أن المعلَّقات ذات قيمة عالية في الشِّعر الجاهلي، وقد دلت تسمياتها على ذلك مثل السموط، والمشهورات، والطوال، وكانت العناية بشرحها والتعليق عليها وترجمتها وإقامة الدراسات حولها دليلاً واضحاً على أنها من الشِّعر المتميز، وقد أجاد ابن طيفور (ت280هـ)، وأوجز في مقدمة كتابه «القصائد المفردات التي لا مثيل لها» حين بدأ كتابه بشهرتها وإجماع العلماء على تقديمها لاشتمال كل واحدة منها على معان كثيرة لا مثيل لها، إلا لمن استعار منها وسلك طريق أصحابها.

ثم عدَّهن واحدة واحدة مع ما يميزها، فقال في معلَّقة امرئ القيس: «خرج فيها إلى كلّ معنى وكل ما قاله فهو كل ما قاله الناس جميعاً في ذلك المعنى، ومنه أخذوا، وعليه بنوا» وقال في معلَّقة طرفة: «فإنها ما لأصحاب الواحدة مثلها وقد اشتملت على أشياء من المحاسن لم تجتمع في قصيدة غيرها وقد ختمها بأحسن مثل وأبلغه وأتمها معنى ولفظا وجزالة وبلاغة وقد عارضها من شعراء الجاهليَّة عدّة فلا أتوا بمثلها ولا شبيهها»، وقال في قصيدة عبيد: «لم يقل أحد في وزنها وعروضها ولا مثالها إلا ذو الإصبع العدواني وما قاربها ولا دنا منها، وهي إلى أن تكون خطبة بليغة أولى من أن تكون قصيدة كاملة»؛ يعني ما يذهب إليه النقاد من خلال في بعض أبياتها، وهو أمر فيه نظر إلى جانب ما فيه من الوعظ والحكمة.

وقال عن معلقات زهير وعنترة ولبيد «وأما قصيدة زهير بن أبي سلمى التي وصف فيها الحر ب وتمثل فيها بمثل وتمثل به وقال في الصلح ما قاله وعاتب بما عاتب، فكذلك هي أيضا لا مثيل لها في معناها.

وفي قصيدة عنترة من الشجاعة وحسن الصفات وما يشتمل من المحاسن على ما قد استغرق كل الإحسان وعلا على كل الأشعار واستعار منها كل شاعر.

ولما كانت قصيدة لبيد عين شعره وأجود كلامه، وجمع فيها من محاسن المعاني ما جمع أُلحق بأصحابها.

ثم قال في قصيدتي عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة: «وقد أجادا وأحسنا وأبلغا وليسا كمن قدَّمنا ذكرهم، وهما ممن انفرد بالواحدة وأحسن» وأتبع بذلك حكمه على قصيدة النابغة (يا دار مية) وقصيدة الأعشى (ودع هريرة)، وقد أدخل قومه قصيدة النابغة في الاعتذار في السبع وإنما انفرد بالمعنى الذي لم يسبق إلى مثله في العذر ولما كانت عين شعره وأجود كلامه ألحقها قوم بالسبع...، وقد ذكرنا قصيدة الأعشى ألحقوها بالسبع، هي وإن كانت غاية في الجودة وصاحبها واحد في الإجادة؛ فليست إلى القصائد الأُوَل ولا هي منها في شيء»، وعلَّق بعد ذلك بقوله: «ولولا شهرة هذه القصائد وكثرتها على أفواه الرواة وأسماع الناس وأنه أول ما يتعلَّمه الصبيان في الكُتَّاب؛ لذكرناها وذكرنا ما به فُضِّلت» وكلام ابن طيفور السابق كله كلام نفيس، يكاد يجمع كلاماً طويلاً جداً مما قيل في تقدير المعلَّقات وتميّزها، وفيه دلالة على حرص القائمين على تربية الأجيال العربية قديماً على أن ينشئوهم بتعلم ما فيه الأصالة والجزالة ومعالي الأمور من الأخلاق والآداب والفنون أيَّام كانت الأمة تلبس ثوب عزّتها بنفسها وتضع تاج فخرها بتراثها وعراقتها على رأسها.
 

محمد شفيق البيطار

مراجع للاستزادة:

ـ الزوزني، شرح المعلَّقات السبع، تحقيق محمد علي حمد الله (المكتبة الأموية، دمشق  د.ت).

ـ ابن النحاس، شرح القصائد المشهورات الموسومة بالمعلقات (دار الكتب العلمية، بيروت 1995)

ـ الخطيب التبريزي، شرح القصائد العشر، تحقيق فواز الشعار(مؤسسة المعارف، بيروت 1998).


- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : عمارة وفنون تشكيلية - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 104 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة