المواد (علم-)
مواد (علم)
Materials science - Science des matériaux
المواد (علم ـ)
يتناول علم المواد materials science دراسة خصائص المادة material proprieties للتدخل ببنيتها الجزيئية بغرض تطويرها أو إعادة تشكيلها لإيجاد بُنى جديدة تلبي الاحتياجات التكنولوجية الجديدة. وهو علم تطبيقي مبني على التقاطع بين علوم الفيزياء والكيمياء والتعدين، ويتوجه بأغراضه لتخديم الصناعة الحديثة المتطورة. ولا يقتصر هذا العلم على مواد معينة بل يشمل المواد المعدنية metallics واللامعدنية (أشباه المعادن) nonmetallics.
سمح علم المواد في الربع الأخير من القرن العشرين بتطوير كمٍّ كبير من المواد واستحداث أخرى، كاستحداث مركبات عضوية ذات بنىً هيدرو- كربونية حلت مكان مواد معدنية شائعة الاستخدام؛ مما سمح بدفع العلوم التطبيقية نحو آفاق جديدة كانت مستحيلة.
دخلت مثل هذه المواد في خدمة مجالات عدة كتحويل الطاقة energy transformation والطاقة المستدامة والنقل transport والاستكشافات الفضائية والحواسيب computers، والاتصالات telecommunication والتطبيقات الطبية الحديثة وغيرها…
ولعل القرص المدمج CD-ROM هو أدل إبداع لهذا العلم، فهو يحول كماً هائلاً من الأصوات والصور والمعطيات البيانية المترجمة إلى بيانات رقمية digital data.
خصائص المادة
توجد المادة في الطبيعة بشكل بلوري ناتج من تجمع عدد من الذرات، وقد تكون من ذرات متماثلة مشكلةً جسماً صرفاً، أو من ذرات متغايرة المنشأ مشكلة جسماً خليطاً. يشكل أصغر تجمع حر للذرات ذات المنشأ الصرف أو الخليط ما يدعى بالجزيئة التي تحدد الخصائص الكيمياوية للمادة.
تُوَصَف المادة استناداً إلى خصائصها الفيزيائية والكيمياوية والميكانيكية وقابليتها للتعدين. كما ينظر لخصائصها الحرارية والكهربائية كتوابع لخصائصها الفيزيا- كيمياوية.
الخصائص الفيزيائية
وتُحَدَد بكثافة المادة ووزنها النوعي الذي يرتبط ببنيتها الجزيئية، كما يُعد حجمها وشكلها الحر وخشونة سطحها من الخصائص الفيزيائية أيضاً.
الغضار مثلاً جسم خليط موجود في الطبيعة بصورة صفيحات مترابطة بشكل سلاسل، تتكون هذه الصفيحات من ذرات السيليكون والألمنيوم وذرات الماء الثابتة إضافة إلى ذرات معادن أخرى (مثل الحديد والنحاس…إلخ)؛ تحدد كثافته حسب طول سلاسله الطبيعية وتركيبه المعدني وذرات الماء الحرة الداخلة في بنيته.
الخصائص الميكانيكية
هي خصائص فيزيا- ميكانيكية لأنها ترتبط ببعض خصائص المادة الفيزيائية. وتُعرف الخصائص الميكانيكية بمعايير عدة تختلف بحسب الوظيفة التي تؤديها المادة.
وتُحدد هذه المعايير بتجارب عيارية، وتُعرف بدلالة الإجهاد كقوة على واحدة السطح والتشوه النسبي كمقدار للاستطالة أو التقلص نسبة للطول الأساسي للعنصر.
يحدد بموجب هذه المعايير مقاومة المادة للكسر المباشر breaking والشد tension والانضغاط compression والفتل torsion والليّ bending والمطاوعة malleability…، إضافة إلى معيار اللزوجة viscosity حيث تُربط العلاقة بين التشوهات والإجهادات مع السرعة، ومن أهم هذه المعايير:
- القساوة hardness: تقاس بمقدار الاهتراء الحاصل في سطح الجسم نتيجة تعرضه للاحتكاك مع مواد أخرى.
- المرونة elasticity: وهي تحدد مقدار القوى الحدية الممكن تطبيقها على سطح عنصر من دون أن تترك هذه القوى بعد زوالها أي تشوهات متبقية.
- المطاوعة malleability: وهي قابلية المادة للتشكل بالطرق.
- التعب fatigue: وهي من المعايير المهمة للمواد الداخلة في الصناعات الميكانيكية، وهو مقاومة المادة للتصدعات الموضعية نتيجة الحركات الميكانيكية الترددية أو المتكررة التي تؤدي غالباً إلى تطور التصدع الموضعي وانتشاره حتى انهيار العنصر، وهذه الظاهرة من أخطر الظواهر التي تتعرض لها الطائرات الحربية، ويوليها مهندسو الصناعات الحربية اهتماماً كبيراً.
- اللدونة plasticity: قابلية المادة للتلدن أي تعرضها لتشوهات متبقية تحت تأثير الأحمال الكبيرة أو الحرارة المرتفعة من دون دخول المادة مرحلة الانهيار، وهي من الخصائص المهمة التي يسعى مهندسو التصميم الميكانيكي إلى تحديدها.
الخصائص الكيمياوية
تُحَدَد الخصائص الكيمياوية للمادة وقابليتها للتفاعل مع المواد الأخرى بخصائص الطبقة الإلكترونية الخارجية لذراتها، من حيث قابليتها لفقد إلكترونات جديدة أو كسبها.
يسمى عدد الإلكترونات اللازم لتحقيق وضع توازن إلكتروني للذرة بالعدد المكافئ الذي يوجز أهم الخصائص الكيمياوية للمادة.
تقسم هذه المواد بحسب قابلية الذرة لكسبها أو فقدها عدداً من الإلكترونات من طبقتها الإلكترونية الأخيرة إلى مواد معدنية قابلة للتخلي عن بعض إلكتروناتها، ومواد لامعدنية (أشباه المعادن) شرهة لكسب بعض الإلكترونات.
الخصائص الكهربائية
تسمى صفة اكتساب المادة أو فقدها بعض الإلكترونات بالتأين، وهذه الظاهرة هي خلل في التوازن الكهربائي بين عدد إلكترونات الذرة وعدد بروتونات نواتها؛ ووفق عدد إلكترونات مستوى الطاقة الخارجي للذرة تنقسم المواد إلى: معدنية قابلة للتأين الموجب، ولامعدنية (أشباه المعادن) قابلة للتأين السالب. وترتبط صفة التأين وشدتها بتوزع الإلكترونات وبُعد مستواها عن النواة، وهذا ما يحدد خصائص المادة للناقلية الكهربائية.
خصائص العازلية الحرارية والصوتية
إن البنية الفيزيائية للذرة ولجزيئات المادة لا تؤثر في الخصائص الكيمياوية والكهربائية فحسب بل تؤثر أيضاً في خصائص مهمة كالعازلية الحرارية thermic insulation والعازلية الصوتية acoustic insulation.
ويولي علم المواد الاهتمام أيضاً بمعايير أخرى كالخفة lightness، والشفافية transparency وقابلية الإذابة dissolution والانصهار fusibility والانحلال solubility وسهولة التشكل modeling، والكهرطيسية electromagnetic والناقلية الضوئية photo transmission.
المواد المحدثة
دخلت المواد الأساسية في صناعة المواد المحدثة كالمعادن بأنواعها المختلفة وأشباه المعادن، ومن أهمها السيليكون (Si) silicon والمطاط الطبيعي والمشتقات البترولية وغيرها، فأسهم علم المواد في ظهور مركبات عضوية جديدة وخلائط معدنية اتصفت بالخصائص التجميعية لمجمل المواد الداخلة في تراكيبها، كالزجاج الذي يسمح بالرؤية ولا يسمح بعبور أشعة الشمس أو الصوت.
ساعدت هذه المواد المحدثة على إنجاح كثير من التطبيقات الصناعية المتطورة والدقيقة. ففي بدايات الستينيات من القرن العشرين شهدت الصناعات الإلكترونية دخول أشباه المعادن - مثل السيليكون - في صناعة أنصاف النواقل الكهربائية semiconductors، ليحل مكان المواد المعدنية التي تعذر استخدامها في شروط الحرارة المرتفعة. سمحت هذه المادة للعلماء بدمج آلاف الدارات الكهربائية في رقائق صغيرة جداً من السيليكون فاقت بناقليتها ناقلية المواد المعدنية بمئات الأضعاف، وسمح ذلك بتطوير أجهزة معقدة جداً امتازت بالخفة وصغر الحجم، وهما شرطان أساسيان في الصناعات الفضائية ومجال الاتصالات. وفي بداية الثمانينات أتاح علم المواد تطوير مركبات من السيراميك، وهو من مركبات السيليكون، لاستخدامه ناقلاً كهربائياً في مناخ ذي درجة حرارة عالية تفقد المواد المعدنية فيها صلاحيتها؛ امتازت هذه المادة بتأمين تزايد مطرد للناقلية مع تزايد حرارة الوسط وهو ما كان مستحيلاً باستخدام المعادن التقليدية.
ظهرت أيضاً الألياف الضوئية بشكليها: الألياف الضوئية الزجاجية ”glass optical fibers”- GOF التي يراوح قطرها بين 10 -600 ميكرون، والألياف الضوئية البلاستيكية ”plastic optical fibers” -POF التي يراوح قطرها بين 750 - 2000 ميكرون، وهي قادرة على نقل الطاقة الضوئية التي حلت محل الطاقة الكهربائية في مجال الاتصالات الأرضية والفضائية والحواسيب والتطبيقات الطبية.
استجاب علم المواد أيضاً للاحتياجات الصناعية الحديثة كصناعة الطائرات بإدخال مواد من المركبات العضوية، أهمها المركبات الكربونيةcarbon والهدروكربونية hydrocarbon (ومن مشتقاتها اللدائن plastics). امتازت هذه المواد بالكلفة المنخفضة إضافة إلى خفة الوزن والمقاومة العالية والسهولة بالتشكل لتحل مكان الألمنيوم والمواد المعدنية الأخرى التي استخدمت مسبقاً استخداماً شائعاً في مثل هذه الصناعات. ظهرت من هذه المواد ألياف الكربون التي استخدمت في تطوير بعض المواد الرابطة كالإبوكسي epoxy. ومن هذه المركبات أيضاً مواد ذات شفافية متميزة ودرجة انصهار عالية وناقلية حرارية منخفضة وأخرى صعبة الإذابة بالمُحِلات الأسيتونية والبنزينية.
دخلت هذه المركبات حقولاً عدة كالبناء والصحة والصناعة الحربية والصناعات الفضائية والسيارات والاتصالات، كما دخلت في صناعة الأقمشة المقاومة للشد والاهتراء والحريق واختراق الرصاص.
علم المواد والصناعة
تبقى أمور نقل الطاقة وتحويلها والحد من هدرها إضافة إلى تصنيع المادة سلعة وفق نظام فني اقتصادي مميز الهواجس الأساسية في أي تطبيق صناعي. وتظل العلاقة بين علم المواد واستثمار الطاقة علاقة متشعبة، ففي كل مرحلة من مراحل تحويل الطاقة واستثمارها تظهر الحاجة إلى مواد جديدة تحقق هذه العلاقة الأساسية والجوهرية؛ لذا فإن التقدم في فهم خواص المادة وجوهرها يسمح بالكشف عن خصائصها الكامنة بغية تحقيق هذه المعادلة.
تصنف المواد في مجال الصناعة بين مواد مولدة للطاقة energy-conversion ومواد حاضنة containers لعملية إنتاجها ، ففي مجال تصنيع تجهيزات الطاقة كالمحركات والمحولات تتجه المساعي إلى توفير مواد حاضنة لتتحمل الإجهادات stresses والحرارة العالية من دون تغيير ملموس بمردودها الإنتاجي، في حين يأخذ المنحى الثاني في هذا العصر اتجاه تطوير مواد مولدة بديلة من المواد البترولية أكثر مردوداً وأقل تلويثاً. وفي مجال صناعة آليات النقل فالسعي متجه وفق منحيين: الأول تطوير مواد الهيكل لضمان مواد خفيفة (اللدائن والألمنيوم) مقاومة للصدم وسهلة التشكل، والثاني تطوير مواد الاحتراق لضمان مواد اقتصادية وغير ملوثة.
أفاق علم المواد
تعقد الآمال على علم المواد للمساهمة في استحداث مواد جديدة والكشف عن خصائص كامنة لم تكن معروفة قبلاً، ويبقى لهذا العلم الدور الأكبر في مجالات الفضاء والطب والطاقة وحماية البيئة.
إن استشفاف المستقبل يكشف أن المشتقات البترولية لا تزال تشكل المخزون الأكبر من الخامات القادرة على تخديم التطبيقات العلمية الحديثة والمستقبلية، كما يبدو أن للإلكترو- كيمياء electro-chemistry دوراً مستقبلياً مهماً في هذه المجالات.
وأمام علم المواد مجال واسع من البحث لإيجاد مواد قابلة للتفكك الذاتي auto degradation تسهم في حماية البيئة، ولاسيما أن كميات النفايات الملوثة - البسيطة منها والخطرة مثل المواد المشعة radioactive - قد تزايدت إلى حد أصبحت تعدخطراً كبيراً على سلامة البيئة والإنسان.
عفيف رحمة
الموضوعات ذات الصلة: |
اختبار المواد ـ الألياف الضوئية ـ أنصاف النواقل ـ التعدين ـ الحاسوب ـ الدارات الكهربائية ـ الذرَّة ـ الكهرطيسية (القوة ـ) ـ الكيمياء ـ اللدائن ـ المركبات العضوية المعدنية ـ المطاط.
مراجع للاستزادة: |
- PIERRE LOURDIN & PATRICE COUVRAT, Macrogalleria (The University of Southern Mississippi.1996).
- AMEDEO GIGLI, La lumière des inventions (Dargaud Editeur, France.1973).
- التصنيف : الصناعة - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 797 مشاركة :