الدم (إبيضاضات-)
دم (ابيضاضات)
Leukemia - Leucémie
الدم (ابيضاضات -)
ابيضاضات الدم leukemias هي تكاثر سرطاني لأحد أنواع الخلايا المولدة للدم.
تقسم ابيضاضات الدم تبعاً لسرعة تطور الأعراض السريرية إلى حادة ومزمنة وتبعاً لنوع الخلايا السرطانية إلى نقوية ولمفية، وبذا تقع معظم ابيضاضات الدم ضمن أحد الأقسام العامة الأربعة التالية:
ـ ابيضاضات دم نقوية حادة acute myelogenous leukemia (AML)، وتشكل 46% من الحالات.
ـ ابيضاضات دم لمفية حادة acute lymphocytic leukemia (ALL)، وتشكل 11% من الحالات.
ـ ابيضاضات دم نقوية مزمنة chronic myelogenous leukemia (CML)، وتشكل 14% من الحالات.
ـ ابيضاضات دم لمفية مزمنة chronic lymphocytic leukemia (CLL)، وتشكل 29% من الحالات.
يصادف حدوث نحو 8 إلى 10 حالات جديدة من ابيضاضات الدم كل عام في كل مائة ألف نسمة.
تنجم الأعراض العامة لابيضاضات الدم عن تراكم الخلايا السرطانية في نقي العظام وتثبيطها لتكاثر الخلايا الدموية الطبيعية المتولدة به، مما يؤدي إلى تناقص تولد الكريات الحمر وظهور أعراض فقر الدم من شحوب ووهن، وتناقص تولد الكريات البيض وظهور الأخماج، وتناقص تولد الصفيحات وظهور النزوف الداخلية والخارجية.
تنجم الأعراض الأخرى للابيضاضات عن تراكم الخلايا الخبيثة بالدم مما قد يؤدي إلى حدوث الخثرات الدموية، ومن ارتشاح الخلايا السرطانية في أعضاء الجسم الأخرى مؤدية إلى تضخمها أو إلى اضطراب وظائفها أو إلى الحالتين معاً وقد يرى هذا في الطحال والكبد والعقد اللمفية والكلى والقلب والدماغ وغيرها.
معظم حالات ابيضاضات الدم مجهولة السبب ولكن قد يعثر في بعض الحالات على عوامل مسببة، من هذه العوامل التعرض للأشعة النووية فقد كثرت نسبة الإصابات بالابيضاضات اللمفية الحادة ALL والابيضاضات النقوية الحادة AML والنقوية المزمنة CML عند من تعرضوا لأشعة التفجير النووي في نكازاكي وهيروشيما.
كما اتهمت بعض الفيروسات في التسبب ببعض ابيضاضات الدم، وعرف منها نوعان حتى اليوم: الفيروس المسمى HTLV.I الذي يرى في ابيضاض الدم بخلايا T اللمفية عند الكهول adult T Cell leukemia، والفيروس HTLV II المتهم بإحداث أحد أنواع ابيضاضات الدم النادرة.
وللوراثة شأن في حدوث ابيضاضات الدم، إذ تكثر مشاهدة بعض الابيضاضات في أفراد العائلة الواحدة، وكذلك عند بعض التوائم، وفي المصابين ببعض المتلازمات الخلقية الصبغية كالمنغولية.
كما يؤدي التعرض لبعض المواد الكيمياوية الصناعية أو أخذ بعض الأدوية لظهور ابيضاضات دموية معينة، كما في المتعرضين للمواد الحاوية على البنزين والمرضى المعالجين بالـ melphalan إذ تكثر حوادث الابيضاضات النقوية الحادة AML في كليهما.
تترافق الخلايا السرطانية بابيضاضات الدم باضطرابات صبغية مختلفة، ويظن أن لهذه الاضطرابات شأناً في آلية حدوث هذه السرطانات، إذ يعتقد أن ابيضاضات الدم تنشأ عن تعرض الخلايا المولدة للدم إلى عامل أو عدة عوامل مسرطنة متتالية تؤدي في النهاية إلى اضطراب صبغي بأحد هذه الخلايا، مما يسبب اضطراباً في الوظائف الطبيعية لهذه الخلية من انقسام وتكاثر وتميز، وتنجم عن ذلك خلية سرطانية ذات وظائف معتلة وانقسام ذاتي غير مراقب. ولتحديد نوع هذه الاضطرابات الصبغية أهمية بالغة لتشخيص بعض أنواع ابيضاضات الدم تشخيصاً صحيحاً، كما قد ينبئ وجود بعضها بإنذار المرض أو يوجه لنوع العلاج.
يتطلب علاج الابيضاضات الدموية إعطاء أدوية كيمياوية خاصة، ولهذه الأدوية تأثير سام على الخلايا السرطانية والخلايا الطبيعية، لذا يحتاج علاج الابيضاضات الدموية لبراعة طبية تعين بدقة المقادير الدوائية المناسبة لإحداث أعظم تخريب ممكن للخلايا السرطانية وأقل ضرر متاح للخلايا الطبيعية.
قد يزداد نقص عدد الكريات الحمر والمحببة والصفيحات في أثناء المعالجة بهذه الأدوية الكيمياوية، ولكن خلايا النقي السليمة تعود غالباً لنشاطها الطبيعي بعد مدة قصيرة من انتهاء العلاج. ويمكن إعطاء الأدوية الكيمياوية مفردةً ولكن يغلب إشراك اثنين أو ثلاثة منها معاً للحصول على أعظم تأثير مثبط للخلايا السرطانية.
تبدي معظم هذه الأدوية الكيمياوية تأثيرها الخلوي السام من خلال تنشيطها للانقسام الخلوي وهو يحدث بعدة آليات منها على سبيل المثال تعطيل تصنيع الدنا DNA والرنا RNA أو عرقلة هجرة الصبغيات على المغزل الخلوي.
يؤدي العلاج الكيمياوي إلى هجوع الأعراض المرضية في معظم ابيضاضات الدم كما يطيل عمر المرضى ويحسن نوعية حياتهم، وقد يؤدي إلى الشفاء التام في بعض أنواع الابيضاضات الدموية كما في ابيضاضات الدم اللمفية الحادة عند الأطفال.
أنواع ابيضاضات الدم
ـ ابيضاضات الدم الحادة النقوية واللمفيةacute myelogenous and lymphocytic leukemias (ALL,AML) : تنشأ جميع أنواع خلايا الدم من خلايا بدائية تدعى الأرومات، ومنذ الانقسامات الأولى للأرومات تبدأ الخلايا المتولدة بانتحاء طرق مختلفة لتطورها، فيختص بعضها لإتمام تطوره لإنتاج كريات حمر ناضجة وينتحي الآخر سبيل نضج آخر لإنتاج كريات بيض لمفية بالغة، وهكذا تخضع كل من هذه الخلايا البدائية لسلسلة من التغيرات البنيوية والوظيفية والشكلية تنتهي بها إلى الشكل البالغ الناضج من خلايا الدم. تدعى سلسلة هذه التغيرات التميز الخلوي وتدعى الخلايا الناضجة الناتجة بالخلايا المتميزة، وتدعى جميع الخلايا المتشكلة في سلسلة التميز عدا الخلايا الناضجة بالخلايا غير المتميزة.
تضم الخلايا المتميزة بالدم الكريات الحمر، والكريات البيض بما فيها من لمفيات ووحيدات نوى ومحببة (عدلة وحمضة وأسِسَة)، والصفيحات، ولكل من هذه الخلايا سلسلة تميز خلوي خاص.
تنشأ ابيضاضات الدم الحادة عن خللٍ مسرطن يحدث في الأطوار الأولى من تميز إحدى خلايا الدم، مما يؤدي إلى توقف تميز هذه الخلية وتكاثرها غير المراقب فيسبب تراكم هذه الخلايا غير المتميزة في أماكن تولدها كنقي العظام والعقد اللمفية ثم انصبابها في الدم الجاري وارتشاحها بالأعضاء الأخرى.
تصنف كل من ابيضاضات الدم الحادة النقوية منها واللمفية في عدة أصناف فرعية بحسب نوع الخلايا السرطانية المتكاثرة ودرجة تميزها وبحسب الاضطرابات البنيوية والصبغية والمورثية الحادثة فيها. ولتشخيص هذه الأصناف أهمية كبرى أحياناً لتوقع سير المرض وإنذاره ولاختيار نوع الأدوية الفعالة للعلاج.
العوامل المسببة لابيضاضات الدم الحادة غير معروفة غالباً ولكن بعض هذه السرطانات ينجم بعد التعرض للأشعة النووية أو بعض المواد الكيمياوية أو تناول بعض الأدوية أو حدوث اضطرابات مورثية. ترى الغالبية العظمى لابيضاضات الدم اللمفية الحادة عند الأطفال وقسم صغير منها يرى عند المسنين، في حين تزداد الإصابات بابيضاضات الدم النقوية الحادة مع تقدم العمر ويرى نصفها عند من تجاوز الخمسين عاماً من العمر.
آلية حدوث الابيضاضات الحادة غير معروفة بوضوح وربما كان للاضطرابات الصبغية والمورثية المختلفة التي ترى في معظم الحالات شأن في آلية حدوث هذه السرطانات.
تتظاهر الابيضاضات الحادة بأعراض مفاجئة سريعة التطور تنجم عن تثبيط نقي العظام (فقر دم أو نزوف أو التهابات) أو من ارتشاح الخلايا السرطانية بالأعضاء الأخرى كالطحال والكبد والعقد اللمفية مؤدياً إلى تضخمها، أو السحايا والدماغ مؤدياً إلى أعراض شبيهة بالتهاب السحايا أو نوبات الصرع، أو الجلد مؤدية إلى طفح جلدي سرطاني وهكذا. ولبعض الأنواع الفرعية أعراض خاصة بها كالتخثرات الدموية التي تكثر في الصنف M3 من الابيضاضات النقوية الحادة.
يرى في معظم الحالات ازدياد كبير في عدد الخلايا البيض في الدم المحيطي (وتشمل الزيادة الخلايا البيض السليمة والخلايا السرطانية غير المتميزة)، ولكن في بعض الحالات يكون هذا العدد طبيعياً أو دون الطبيعي، وتسمى الحالات الأخيرة بابيضاضات الدم اللاابيضاضية وتكون خلايا النقي الطبيعية فيها قد ثبطت عن التكاثر بوجود الخلايا السرطانية بالنقي، ولكن الأخيرة لم تنصب بعد في الدم المحيطي، كما يُري فحص الدم المحيطي نقصاً في عدد الكريات الحمر والصفيحات في الغالبية العظمى من الابيضاضات الحادة.
تتطلب ابيضاضات الدم الحادة علاجاً فورياً لإحداث هجوع كامل للمرض، يعرّف هذا الهجوع بالتراجع الكامل للأعراض السريرية وإعادة النقي والدم إلى مكوناتها الخلوية الطبيعية بعد القضاء على الخلايا السرطانية.
يتضمن العلاج تصحيحاً فورياً لفقر الدم والنزوف والأخماج بنقل الكريات الحمر والصفيحات وإعطاء الصادات ثم تعطى الأدوية الكيمياوية لقتل الخلايا السرطانية ويتم الهجوع الكامل في 90% من الحالات اللمفية الحادة عند الأطفال و70% من الحالات النقوية الحادة واللمفية الحادة عند الكهول.
يستمر هذا الهجوع أكثر من خمس سنوات تحت معالجات كيمياوية داعمة في 50 إلى 70% من الأطفال وفي 20 إلى 40% من الكهول الذين نجوا من النوبة الحادة الأولى للمرض ودخلوا في هجوع مرضي، أما في بقية الحالات فيعاود المرض شكله الحاد وهنا تعاد المعالجة الأولى التي قد تؤدي إلى هجوع ثان قصير الزمن في بعض المرضى. وفي مثل هذه الحالات قد يستطب إجراء نقل نقي العظام. تبدأ هذه المعالجة بإعطاء أدوية كيمياوية ذات تأثير شديد قاتل الخلايا السرطانية، ولكن مثل هذه الأدوية تقتل أيضاً الخلايا الطبيعية المولدة للدم بنقي المريض ويصحح هذا فيما بعد بنقل نقي العظام من معطٍ سليم إلى المريض، ومثل هذا العلاج يترافق بنسبة عالية من الوفيات (30% تقريباً) ولكن قد يؤدي إلى علاج ناجع في ابيضاضات الدم الحادة المستعصية على العلاجات الكيمياوية.
ـ ابيضاض الدم النقوي المزمن chronic mylelogenous leukemia (CML): يتصف ابيضاض الدم النقوي المزمن بفرط تصنع الخلايا النقوية خاصة منها المحببة المعتدلة، تتراكم هذه الخلايا في نقي العظام ومنه تخرج للدم حيث يصبح عددها عشرات أو مئات أضعاف عددها الطبيعي بالدم.
تبدي الخلايا السرطانية تميزاً شبه طبيعي، شكلاً ووظيفةً، لذا ترى هذه الخلايا عند فحص الدم بجميع أطوار تميزها مع ندرة وجود الأرومات blast cells.
العوامل المسببة لهذا الابيضاض غير معروفة عدا ازدياد نسبة حدوثه عند الأشخاص الذين تعرضوا لإشعاع التفجير النووي في اليابان وبعد بعض المعالجات الشعاعية.
تترافق الغالبية العظمى من ابيضاضات الدم النقوي المزمن بوجود شذوذ صبغي في الخلايا السرطانية يشمل الصبغيين 9 و22.
ينقل في هذا الشذوذ قسم من الذراع الطويل للصبغي 9 إلى الصبغي 22، ويقابله انتقال مقابل من الذراع الطويل للصبغي 22 إلى الصبغي 9. يـدعـى الصبغـي 22 الشاذ المتكون صبغي فيلادلفيا، ويرى في الخلايا السرطانية للابيضاض النقوي المزمن في أكثر من 90% من الحالات.
ترى معظم حالات هذا الابيضاض عند الكهول بين 45 إلى 50 سنة من العمر، وهذا الابيضاض تكشف معظم حالاته بشكل غير مباشر من فحص دموي لأسباب مرضية أخرى، وتنجم معظم الأعراض عند حدوثها عن فقر الدم أو ضخامة الطحال أو عن ازدياد الاستقلاب الأساسي للجسم.
لا يحتاج هذا الابيضاض إلى علاج فوري إن كان لا عرضيا. وتهدف المعالجة التقليدية، عند ظهور الأعراض، إلى تثبيط سرعة توالد الخلايا السرطانية بالنقي مما يسبب إنقاص أعدادها بالدم وتراجع الأعراض.
غالباً ما يتابع المرض سيره المزمن السليم الخاضع للمعالجة عدة سنوات، تتزايد فيه الهجمات العرضية شدة وتقارباً مع الزمن ولكن تتفاقم أعراض المرض في بعض المرضى بشكل مفاجئ يشبه سريرياً ومخبرياً ابيضاضات الدم الحادة.
تمتد حياة معظم المرضى بالمعالجة الحديثة لأكثر من خمس سنوات وربما لعشر سنوات أو أكثر.
ـ ابيضاض الدم اللمفي المزمن chronic lymphocytic leukemia (CLL): ينجم ابيضاض الدم اللمفي المزمن عن تراكم خلايا لمفية سرطانية في نقي العظام والعقد اللمفية والدم وأعضاء أخرى.
وتبدي الخلايا اللمفية الخبيثة تميزاً شكلياً ولكنها غير ناضجة وظيفياً، يزداد عدد اللمفاويات الخبيثة بالدم ليصل لعشرات أو مئات أضعاف العدد الطبيعي للخلايا البيض بالدم.
المرض مجهول السبب، يكثر حدوثه بين أفراد العائلة الواحدة مما يدعو للظن بوجود أسباب وراثية. وقد شوهد عدد من الاضطرابات الصبغية في الخلايا الخبيثة للابيضاض اللمفي المزمن وقد ترافق بعضها بإنذار سيئ للمرضى.
يبقى المرض لاعرضياً مدة قد تتجاوز عدة سنين وغالباً ما يكشف مصادفة بإجراء فحوص مخبرية لمرض آخر.
غالباً ما تكون الأعراض عند حدوثها لا نوعية تتصف بتعب ونقص شهية ووزن، ويرى تضخم العقد اللمفية في ثلثي الحالات منذ بداية تشخيص المرض وأما تضخم الطحال فيرى في 40% من الحالات فقط.
لا يحتاج المرض اللاعرضي إلى علاج، وأما إذا كان المرض عرضياً أو ترافق مع مشعرات مخبرية سيئة الإنذار فالعلاج بالأدوية الكيمياوية يصبح مستطباً.
ويهدف العلاج إلى إعادة عدد اللمفيات إلى حدودها الطبيعية بالدم وتنشيط النقي وإزالة الضخامات العقدية والأعراض الأخرى. وقد يلجأ إلى المعالجة الشعاعية لإنقاص حجم العقد اللمفية والطحال المستعصيين على المعالجات الكيمياوية. يتابع المرض سيره المزمن المتأرجح بين سكون عرضي وهجمات عرضية مستجيبة للمعالجة عدة سنين.
وفي نسبة ضئيلة من المرض قد يتطور الابيضاض اللمفي المزمن إلى ابيضاضات دموية أخرى ذات أعراض حادة أو إنذارات سيئة تكثر فيها الوفيات، وقد تحصل الوفاة باستفحال المرض التدريجي أو من أحد مضاعفاته الخمجية منها خاصة.
والمعالجات الحديثة قد يمتد بها عمر المريض لأكثر من عشر سنين بعد بدء المعالجة أو أكثر.
منقذ حقي
الموضوعات ذات الصلة: |
الأشعة (المعالجة بـ ـ) ـ الأورام ـ الدم.
مراجع للاستزادة: |
- CECIL, Textbook of Medicine, (Published by: W.B. Saunders Company 21nd edition 2000).
- التصنيف : طب بشري - النوع : صحة - المجلد : المجلد التاسع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 331 مشاركة :