زرزور (فارس-)
زرزور (فارس)
Zarzour (Faris-) - Zarzour (Faris-)
زرزور (فارس ـ)
(1929 ـ 2003)
يعد الأديب فارس زرزور من أبرز كتّاب الأدب الواقعي، ومن أهم كتّاب الرواية التاريخية في الأدب السوري المعاصر. ولد ونشأ في حي شعبي في دمشق، لأسرة بالغة الفقر، ولم يتوافر في بيته الماء النظيف ولا الكهرباء، وكان أبواه أميين. كان والده بائعاً بالمقايضة في قرى حوران، أرسله إلى الخجا (شيخ الكتّاب) حيث تعلم القراءة والكتابة وتعلم أصول الفقه والتجويد في مدرسة إسلامية بدمشق. نال الشهادة المتوسطة في عام 1947 وعين معلماً في محافظة الجزيرة، حيث احتك عن قرب بحياة الريف وعرف معاناة الفلاح. ثم نال الشهادة الثانوية في عام 1949، فانتسب إثرها إلى الكلية العسكرية، متأثراً برواية «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» للكاتب الألماني إريش ماريا ريمارك[ر]، وتخرج فيها ضابطاً. كان زرزور يقرأ الكثير، مستأجراً الروايات والقصص من سوق الوراقين (المسكية) في دمشق مقابل خمسة قروش للكتاب، كان يدفعها مما ادخره من عمله أجيراً في أثناء العطلات الصيفية.
قام زرزور في الخمسينيات بعدة رحلات إلى لبنان والعراق والكويت، كما أقام مدة قصيرة من الزمن في مصر بصفة ملحق عسكري، إلى أن سُرِّح من الجيش في عام 1959 مع بداية عهد الوحدة بين سورية ومصر، فمارس أعمالاً مختلفة متصلة بالتحرير الصحفي والكتابة وانتسب إلى اتحاد الكتّاب العرب بدمشق، كما قام بزيارتين طويلتين إلى الاتحاد السوفييتي في عام 1967 وإلى رومانيا عام 1973.
بدأ زرزور خطواته الأولى في مجال الكتابة القصصية منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، ونشر بعض قصصه منذ عام 1950 في مجلة «الجندي» التي كانت تستقطب عدداً من الكتّاب المرموقين السوريين والعرب. واستحضر دعماً لخطه الواقعي، وانتقى جل شخصيات قصصه ورواياته من الحياة المعيشة التي جربها عن قرب أو شاهدها بإمعان. ومع أنه من أبناء المدينة، فقد صوّر جوانب واسعة من حياة الفلاحين في القرى والأرياف، وبيَّن عن خبرة وممارسة كلاً من فرح الفلاح وبؤسه، كما في روايته «المذنبون» (1974) التي وقفها على معاناة الفلاح، لاسيما في سني الجفاف، وانصراف الدولة عن المشاركة في التخفيف من هذه المعاناة. وقد بدت هذه الرواية للدارسين إحدى أعمدة الفن الواقعي في الرواية العربية الريفية: «فهي الأصدق تمثلاً لأساليب الواقعيين، بكل ما حملت من صور القسوة، وفجاجة الأحاسيس، وصراحة الرصد والتحليل» بحسب رأي محمد حسن عبد الله، في كتابه «الريف في الرواية العربية». وقد تطرق زرزور إلى الموضوع نفسه في روايته الحوارية «الأشقياء والسادة» (1971).
اهتم الكاتب بالقصة القصيرة جنساً أدبياً، ونشر مجموعات لافتة، منها «حتى القطرة الأخيرة» (1961)، و«اثنان وأربعون راكباً ونصف» (1967)، و«لاهو كما هو، ولاشيء مكانه» التي نشرها في تونس عام 1976، وكذلك مجموعة «أبانا الذي في الأرض» (1983). وتتسم قصة زرزور عامة بطرافة اللقطة الواقعية وحدة النقد الاجتماعي مع مسحة من السخرية اللاذعة، بلغة سلسة معاصرة.
نشر زرزور عام 1962 بحثاً تاريخياً بعنوان «معارك الحرية في سورية» رصد فيه تاريخ نضال الشعب العربي السوري من أجل حريته واستقلاله. ولم يبق اهتمامه بهذا الجانب من التاريخ محصوراً بالبحث والتقصي، بل امتد إلى الكتابة الروائية متجسداً في ثلاثيته التاريخية «حسن جبل» (1969) و«لن تسقط المدينة» (1969) و«كل ما يحترق يلتهب» (1986). وقد قام المخرج السينمائي نبيل المالح بتحويل الجزء الأول من الثلاثية إلى سيناريو فيلم أخرجه بعنوان «الفهد» من إنتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق. ويحلل الكاتب في هذه الثلاثية جوانب مختلفة من أشكال وصور النضال ضد المستعمر الفرنسي، عبر مجموعة من الشخصيات، نساء ورجالاً، استطاعت أن تحمل لواء المقاومة بصلابة، في تصوير واقعي أخاذ.
إلى جانب قضايا الفلاحين كان زرزور منحازاً فكرياً وأدبياً إلى جانب العمال والكادحين. وقد عبر عن موقفه وقناعته في عدد من الروايات، منها «الحفاة وخُفَّي حنين» (1971) و«غرفة للعامل وأمه» (1975) و«آن له أن ينصاع» (1986) التي رصد فيها تطورات بناء سد الفرات وما يرتبط بذلك من قضايا حياتية تهم الفلاح والعامل والمثقف معاً.
على الرغم من حصول زرزور على عدد من الجوائز عن بعض أعماله، فقد ظل يعتقد أنه لم ينل ما يستحقه من الاهتمام، ولاسيما من النقاد والدارسين، هذا إلى جانب كثير من المشكلات العائلية التي عاناها في السنوات الأخيرة من حياته بسبب ابنه المعوق ومرض زوجته، لهذا آثر العزلة وأهمل مظهره الخارجي وغدا لا مبالياً، فأعرض عنه كثير من زملائه ومعارفه، ونسيته الصحافة أو تناسته لما صار إليه.
توفي في دمشق وكانت وفاته مفاجئة، وترك زرزور وراءه مخطوطة «مذكرات فارس زرزور» في ثلاثة أجزاء ورواية «الحصاد من مكان بعيد»، وهي أعمال لم تجد طريقها إلى النشر بعد.
عبد الرحمن الحلبي
الموضوعات ذات الصلة: |
سورية (الأدب ـ).
مراجع للاستزادة: |
ـ بوعلي ياسين، نبيل سليمان، الأدب والإيديولوجية في سورية (بيروت، 1974).
ـ سمر روحي الفيصل، تجربة الرواية السورية (دمشق، 1985).
ـ فادية المليح الحلواني، الرواية والإيديولوجية في سورية (دمشق، 1998).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 334 مشاركة :