الخزف والخزافة
خزف وخزافه
Porcelain and Ceramics - Porcelaine et la céramique
الخزف والخزافة
الخزف ceramic and porcelain لغة هو ما عُمل من طين وأحرق بالنار فصار فخاراً. والخزف في المفهوم العصري هو الفخار المزجج والمطلي بالمينا أو المعالج بالألوان. والخزافة هي مصدر للفعل الذي يدل على مهنة أو صناعة، وفن الخزف من أقدم الفنون التي تداولتها المجتمعات القديمة، فهو أكثر الفنون اتصالاً بتاريخ البشرية ومرافقته لنا عبر العصور ومع مختلف الحضارات الغابرة.
والخزف جاء لخدمة الإنسان في مجالات عدة، الحياتية منها والروحانية، وصنعت منه أشكال كثيرة لاستعمالها في الطقوس الدينية، إذ كانت الأشكال والرسوم مقتبسة من الطبيعة، وكان لهذا الفن دور كبير في التعرف على فلسفة حياة الإنسان القديم كيف كان يفكر وكيف يفرح ويحزن.
وفن الخزف وجد منذ آلاف السنين ببلاد الرافدين والحضارات المجاورة لها، وحضارة الشرق هي بالتأكيد من أقدم الحضارات التي تملك دليلاً قاطعاً على وجود تراث عريق في فن الخزف لديها.
وقد عرف الإنسان الصلصال واكتشف ليونته وقدرته على تشكيله بحسب رغباته وحاجاته الفردية، وأدى تطور تلك المجتمعات إلى تطور حاجاتهم ورغباتهم، مما دفع بالفخار وبصناعة الخزف إلى قيام صناعة فنية متكاملة.
وفي البداية كانت عملية صناعة الأواني الخزفية تشكل باليد، ويتم تدويرها عفوياً حتى تم اكتشاف الـدولاب نحو عام 3000 قبل الميلاد في بـلاد الرافدين في مدينة «أور»، فظهرت الخطوط التي تؤكد وجود حركة دائرية في أثناء عملية تشكيل الطين على الأواني الفخارية، وانتشر هذا الاكتشاف واسعاً، مما أدى إلى تسهيل عملية صنع الأواني الخزفية والى زيادة الإنتاج وإيجاد أشكال جديدة أكثر تطوراً.
وجرت أول عملية حرق للطين ليصير فخاراً في بلاد الرافدين، حيث ظهر التطور المهم في معالجة ألوان الأواني الخزفية مباشرة بعد خمسة آلاف عام، يؤكد ذلك اكتشاف لوح خزفي عليه كتابات بابلية في شمالي العراق، ويحتوي على وصفات سرية خاصة بالألوان الزجاجية ذات التركيب النحاسي والحديدي، قادرة على تقبل الوصفات اللونية الأخرى في الإناء الواحد. وتطورت تقنية استخدام الألوان الزجاجية ذات الأساس القلوي والتي تدخل في تركيبها الكيمياوي مادة الرصاص. وأدى هذا التطور السريع إلى دخول صناعة الخزف في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في تلك المجتمعات القديمة، وأدى إلى إنتاج خزف له مواصفات جمالية وصالح للاستعمال.
تركزت التجمعات المنتجة للخزف في القطاعات الشرقية من بلاد الرافدين وفارس، وظهرت صناعة جيدة لفن الخزف في «تل حلف»، في الألف الخامس قبل الميلاد. وكانت تلك أهم مرحلة تقنية متطورة لفن الخزف لم تشهدها منطقة الشرق الأوسط بعد ذلك حتى دخول الخزف اليوناني المسيني. واستعمل في تنفيذه الطين المصفى جيداً من الشوائب والمحتوي على الحديد، كذلك استعملت الأفران المرتفعة الحرارة جداً لتعطي الأواني الخزفية الملونة ملمساً ومظهراً زجاجياً لامعاً بجدران رقيقة مستديرة ذات ألوان حمراء وسوداء في أشكال هندسية جميلة لتصبح أسلوباً متبعاً ومميزاً.
وقد أدرك خزّافو تل حلف، من تجاربهم الخاصة بعملية حرق الأواني الفخارية، أهمية السيطرة على درجة الحرارة بحسب الألوان الخزفية، واستعملوا ألواناً جاءت من «أرباشيا» في شمالي بلاد الرافدين ووصلوا بالخزف إلى أهم مرحلة تاريخية في تلك الحقبة، على الرغم من توصل بعض الخزافين في منطقتي «عبيد» و«أريدو» كذلك منطقة «ديالا» إلى إنتاج خزف مميز في تلك الحقبة.
كذلك تمكن خزافو بلاد فارس أواخر 6000 قبل الميلاد، من تطوير أسلوب تزيين الخزف الخاص بهم على صعيد الشكل والزخرفة واللون.
ومع بداية منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، شهدت تلك الحقبة هجرات إلى بلاد فارس من الشمال والشمال الشرقي حاملة معها أسلوباً جديداً في فن الخزف، أعطت دفعاً جديداً لتطور هذا الفن.
رافق هذا التطور في الشرق الأوسط تطوراً مماثلاً في فلسطين ومصر، واستطاع الخزافون أن يخرجوا من أسلوب الخزف باللون الواحد إلى استخدام الألوان المختلفة، وابتدعوا أسلوباً جديداً بالرسم على الأواني الخزفية عام 300 قبل الميلاد. وبقي الخزف الملون موضوعاً نادراً مدة طويلة، حيث قدمت إلى المنطقة هجرات كبيرة من الشمال، فمنذ تلك الفترة وحتى نهاية العصر الحديدي، كان الخزف الملون مرغوباً في كثير من المناطق، على الرغم من ضآلة الإنتاج بالمقارنة مع إنتاج بلاد فارس وبلاد الرافدين والأناضول والصين
لمحة تاريخية ودور العرب في صناعة الخزف
أدرك الفنان العربي المسلم الحس الجمالي للأعمال الخزفية، فحسّن وطوّر صناعة الخزف، وخاصة في فترة الخلافة العباسية، إذ كان هناك تشجيع واضح من الخلفاء والأمراء الذين دعموا الخزافين وقدموا لهم المشاغل في قطاعات مختلفة من بلاد الشام، مما أدى إلى انتشار واسع لصناعة الخزف وتوصلوا إلى إيجاد ألوان زجاجية جيدة، أعطت الخزفيات مظهراً متميزاً في البداية، لكنهم توصلوا إلى إكساب أعمالهم اللون اللامع، وهو اكتشاف بقي سراً في بلاد الشام مدة طويلة. ويقسم الخزف الإسلامي إلى قسمين: أ - الخزف غير المزجج، ب - الخزف المزجج
الخزف غير المزجج
يؤلف الحيز الأكبر من مجموعة الأواني والجرار الكبيرة المصنوعة من الطين الأبيض أو الطين الأصفر أو من عدة أطيان مختلفة، وتضم الزخارف رسوماً حيوانية وخاصة الطيور، وأضيفت الخطوط والنقاط، إما بشكل نافر أو حزوز في السطوح الفخارية، وهذا الشيء كان سارياً على كل أنحاء العالم الإسلامي، فهي متقاربة في أشكالها ورسومها حتى في نوعية طينها.
الخزف المزجج
ظهرت في هذه المرحلة الألوان ذات التركيب الرصاصي وذات المشحات اللونية، يدخل فيها الطينة السائلة البيضاء فوق السطوح الخزفية الحمراء، وغطي الشكل باللون الزجاجي الشفاف (الكليز).
واقتصرت الألوان على مجموعة قليلة من الأخضر والأصفر والبنفسجي المنغنيزي، حيث وضعت في حزوز عميقة وبكثافة جيدة، أو وزعت على مساحات كبيرة. وتميزت زخارف هذه المرحلة بالبروز الزائد، حيث رسمت العناصر الزخرفية بارزة عن المستوى الأصلي لسطح الإناء. ووجد هذا النوع من الخزف في قصور سامراء المؤلفة من الزخارف المتنوعة من الأشكال الهندسية والطيور، إضافة إلى الخط الكوفي مع كلمة بركة المتكررة. وانتشر في منطقة بلاد الشام التي ترجع إلى الفترة الزمنية بين القرن التاسع وأوائل القرن العاشر، حيث كان هناك تأثير واضح لبعض الخزافين المسلمين من إيران في عدة مناطق من بلاد الشام، إذ إن الخزف الأخضر المزجج وجد في مناطق عدة من إيران، وعثر على أوان مشابهة في مصر الفسطاط خاصة في خزفيات الأكواز والمشربيات ذات اللونين الأزرق والأخضر.
ولعل أهم ما أنتجته الحضارة الإسلامية هو ذلك الخزف ذو البريق المعدني في العصر العباسي، فقد ظهرت مجموعات كبيرة منه على جدران الخاقاني والأشيق في سامراء. كما عثر على قطع من هذا النوع في المراكز التي زاولت صناعته مثل (سوسة - سمرقند) كما أنها وجدت في بلاد الأندلس في تنقيبات الزهراء في القرن العاشر، وأغلب الظن أنها صنعت في العراق. ووجدت كذلك في حائط مسجد القبلة بمدينة القيروان، بلاطات مربعة ذات بريق معدني وضعت في ترتيب هندسي على وجه المحراب داخل التجويف، وينطبق أسلوب هذه الترابيع تماماً على أسلوب سامراء الخزفي، وتكاد تلك العناصر الزخرفية لا تخرج من أسلوب خزافيها، وأهم ميزات الخزف ذي البريق المعدني أنه يتألف من عجينة نقية صفراء أو بيضاء تغطى بطبقة من المينا القصديرية، وترسم العناصر الزخرفية بالأكاسيد المعدنية بعد حرقها للمرة الأولى، ثم تحرق ثانية ببطء ضمن حرارة أقل من الأولى؛ يدخل عليها دخان الأخشاب فتتحول بعملية الأكسدة والإرجاع إلى طبقة معدنية بحسب التركيب الكيميائي للطلاء المستعمل. وقد اختلف الباحثون في تحديد منشأ هذا الخزف فبعضهم يسنده إلى العراق وبعضهم الآخر إلى مصر وتونس، ولعل مرد هذا الاختلاف يرجع إلى أن هذا النوع الخزفي المميز قد انتشر في البلاد الإسلامية كلها بين القرنين التاسع والخامس عشر الميلادي. وهذا النوع من الخزف المزجج نشأ في العراق، لأن مدينتي بغداد والبصرة كانتا من أهم مراكز صناعة الخزف، وقد هاجر كثير من الخزافين إلى مصر وتونس واستقروا في فسطاط وسوسة، حيث اكتشف الكثير من بقايا الخزف ذي البريق المعدني هناك.
ومع انتصاف القرن العاشر، بدأ ينحسر إنتاج الخزف ذي البريق المعدني في بلاد الشام، وبدأ يظهر في أشكال أكثر إبداعاً في إنتاج الخزف الفاطمي في مصر. فالعصر الفاطمي كان عصر ازدهار عظيم للمنتجات الخزفية بجميع أنواعها، والسبب يرجع إلى الحضارة الفاطمية التي استقطبت الفنانين وحثتهم على تحسين وسائلهم في الإنتاج الخزفي والإقبال على استعمال عناصر زخرفية مبتكرة. وبانتهاء الحكم الفاطمي في مصر عام 567هـ/1171م وتسلم الأيوبيين الحكم في سورية ومصر حتى عام 648هـ/1250م تولى المماليك الحكم، فانحسر فن الخزف في تلك المراحل بسبب الحروب مع الصليبين وحالة عدم الاستقرار وهجرة كثير من الفنانين إلى جنوبي إيطاليا وصقلية وإسبانيا، حيث توجد جيوب فاطمية ينتشر فيها الطراز الفاطمي في الفنون الخزفية.
وفي عهد الحكم العثماني لبلاد الشام، أخذ السلطان سليم معه أساطين الفن ومهرة الصناع كي يسهموا في النهضة الفنية لتركيا، حيث دخل الخزف التركي بيئة جديدة من الفنون المحيطة بهم، وقامت فنونهم على أسس فنون سابقة عليه في المنطقة التي ظهرت بها وتوسعت الدولة العثمانية فيها.
وأهم المدن التي اشتهر فيها فن الخزف مدن أزنيك وقونية، وهي مدن أصبح لها شهرة واسعة في صناعة الخزف بفن القيشاني.
وبعد ذلك انحسر الخزف العربي الإسلامي في العصر الحديث، واقتصر على بعض التجارب التراثية في المغرب وتونس ومصر، ودخل عليه كثير من الأفكار المستوردة الأوربية، ليفقد كثيراً من هويته وتراثه المحلي، فالسوق التجارية للأعمال الفنية أثرت في القيم الجمالية لهذا الفن العظيم وصار الإنتاج الفني للخزف وسيلة للربح السريع بعيداً عن النزعة الروحية والجمالية.
المواد الداخلة في صنع الخزف
يتكون الخزف من المنتجات الطينية ومنها الكاؤلين kaolinite أي الغضار والطين يدخل فيها الشاموط shamot، وتصنع إما على الدولاب أو يدوياً أو عن طريق الصب في قوالب جاهزة، ومن ثم تجفف بالشمس حتى تذهب الرطوبة منها، وتدخل إلى الفرن بدرجات حرارية معينة وتخرج لتصبح فخاراً. ومن ثم تلون بألوان زجاجية خاصة وهذه المرحلة تسمى بمرحلة التزجيج فتخرج من الفرن ذات ألوان براقة لامعة وقاسية.
وأغلب الأكاسيد المستخدمة في عملية التزجيج تصنع من الزجاج المصهور، وأحياناً يضاف إليه أنواع من الطين ورمل الزجاج النظيف كأكسيد البوتاسيوم وأكسيد الكالسيوم والألمنيوم والرصاص وحمض البوريت والبوراكس والبوتاس وأكسيد القصدير وأكسيد الكوبالت والنحاس والكروم وغيرها.
أنماط الخزف الصناعي
1- الخزف الصناعي: يتميز بخشونة ملمسه أو نعومته، ومنه ما يستخدم للمستلزمات المعمارية، كقرميد السطوح والسقوف، والأرضيات كبلاط البورسلان والعوازل والأنابيب والمواد الصحية المستخدمة داخل البناء وخارجه، ويدخل معه مواد الديكور ومستلزمات الخزف التطبيقية من صحون وطناجر وفناجين مستخدمة ضمن مطابخ البيوت.
2- الخزف الفني التشكيلي: وهذا الخزف يعتمد على الثقافة التشكيلية البصرية أو التزيينية والتشكيل في الفراغ أو الجداريات التزيينية، ويدخل ضمن نطاق الفنون التشكيلية، ويحتوي فيها التشكيل الإنساني والحيواني أو الهندسي والنباتي إضافة إلى التجارب اللونية المختلفة. وتقام لهذه الأعمال معارض في الصالات المتخصصة إلى جانب معارض فن النحت والرسم من أجل الثقافة البصرية لهذا الفن العظيم.
مراكز تصنيع الخزف اليوم
أشهر الدول التي اشتهرت بصناعة الخزف، فرنسا في مدينة ليموج، وتونس في مدينتي قرطاج ونابُل، وتركيا في مدينتي أزنيك وقونية، ومصر في القاهرة والإسكندرية، إضافة إلى المغرب العربي وإسبانيا وإيطاليا واليونان وبعض الدول الإفريقية.
والخزف، عامة، أصبح هوية للوطن وللأمة، فحين تُشاهد قطعة خزفية يُعرف موطن إبداعها من الشكل واللون والرموز التي تعلوها، فأصبحت ثروة قومية وجزءاً من شخصية شعبها، أسهمت في تعريف المجتمعات ببعضها، وفي تطوير المعرفة الإنسانية والتفاعل مع غيرها كعلاقات ثقافية.
أكثم عبد الحميد
مراجع للاستزادة: |
ـ روبرت تشارلستون، الخزف في الشرق الأدنى ما قبل التاريخ (1968).
ـ محمد إبراهيم حسين، الخزف الإسلامي في مصر (1984).
- التصنيف : الصناعة - المجلد : المجلدالثامن - رقم الصفحة ضمن المجلد : 802 مشاركة :