زنوجه
Negritude - Négritude

الزنوجة

 

الزنوجة La négritude كلمة أصلها لاتيني nigritudo تطلق على ذوي البشرة السوداء. يشير مدلولها أيضاً إلى خصائص أسلوبهم الأدبي، حاولوا إثبات وجودهم نتيجة اضطهاد واستعمار سياسي، كما يقول الكاتب الفرنسي سارتر[ر].

بدأت حركة الزنوجة في نيويورك عام 1919 عندما أطلق عليها اسم حركة الزنوجة ـ النهضوية Mouvement de la négro-renaissance وامتد نشاطها إلى باريس، فنشرت روايات وقصائد في مجلة «العالم الأسود» La Revue du Monde noir التي أسسها عام 1921رنيه ماران René Maranالحائز على جائزة غونكور، بهدف إبراز النتاج الفكري للملونين، والتف حوله الأديبان الأمريكيان لانغستن هيوز Langston Hughes وكاونتي كَلن Countee Cullen، وليون داماس Leon Damas من غويانا، وليوبولد سيدار سِنغور[ر] من السنغال، وإيتيين ليرو Etienne Lero من جزر المارتينيك.

إلى جانب نشاط هذه النخبة الأدبية، وضع الطلاب الجامعيون السود في فرنسا منشوراً أسموه «الدفاع الشرعي» Légitime défenseأثاروا فيه مشكلة الزنوج من جوانب ثلاثة: السياسية والعرقية والثقافية. وتميز هذا المنشور بلهجة عنيفة نددت بمنطق المستعمر الذي يبدأ بالاستعباد الجسدي وينتهي بالاستعباد الفكري، وصولاً إلى تقبل المستَعبَد بوضعه في أسفل السلم الاجتماعي، وهو وضع يراد دائماً تبريره من قبل المُستعمِر تاريخياً وبيولوجياً. كما طرح هذا المنشور مشكلة الملونين الذين تجردوا من أصولهم وتفاخروا بانتمائهم إلى مجتمع البيض، فتبنوا لغته وديانته وقيَمه وحتى أحكامه الباطلة بحقهم. وأبرز المنشور مأساة الإنسان الذي يخجل من أصله فيصبح منبوذاً من البيض والسود معاً. كان هذا المنشور بمثابة شعلة أضاءت الفكر الناقد وسط المجتمع الطلابي في باريس الذي التفت حوله شخصيات أدبية أمثال إيميه سيزير Aimé Césaire وسنغور وداماس. وولّد هذا التجمع صحيفة «الطالب الأسود» L’étudiant noir ومنها برزت فكرتان أساسيتان شكلتا انطلاقة حركة الزنوجة: نقد النظام الاستعماري ودفاع الزنجي عن ذاته وكرامته. وإن تجنب بعض الأدباء استخدام كلمة الزنوجة التي تحمل في منظورهم مدلولاً عرقياً فقد أوردها سيزير عام 1939 في منشور «العودة إلى مسقط الرأس» Cahier d’un retour au pays natal، ثم عرّفها عام 1961 بعد أن أصبحت شعاراً يقول بأن «الزنوجة هي أن يتقبل الأسود ببساطة واقعه وتاريخه».

ومع تزايد حركات التحرر في المستعمرات الآسيوية والإفريقية، عقب الحرب العالمية الثانية، تقدم بعض المفكرين الفرنسيين أمثال سارتر وجيد[ر] ومونييه Mounier بمبادرات ثلاث تمنح حركة الزنوجة أبعاداً على الصعيد الدولي. كانت المبادرة الأولى تأسيس مجلة «الاستوائيات» Tropiques عام 1941 في جزر المارتينيك، بهدف إيصال الفكر الزنجي إلى امريكا الجنوبية وهايتي وجزر الأنتيل، والثانية كتاب سنغور «ديوان الشعر الزنجي والمدغشقري الجديد الناطق باللغة الفرنسية» (1948) L’Anthologie de la nouvelle poésie nègre et malgache de langue française الذي يمكن أن يُعد ميلاد أدب زنجي وطني، وعرّف سارتر في مقدمته الزنوجة وما أثارته من جدل، أما المبادرة الثالثة فكانت مجلة «حضور إفريقي» (1947ـ1960) Présence africaineالتي أسسها أليون ديوب Alioune Diop ووحدت المفكرين الأفارقة في أول تجمع عالمي لأهل الفكر اتخذ باريس (السوربون) أول محطة له في عام 1956 وروما المحطة الثانية عام 1959.

أصبحت كلمة الزنوجة رمزاً للدفاع عن القضية الزنجية والكلمة المرادفة للحرية، إلا أن هذه الكلمة لم تلق تجاوباً لدى الشعوب الإفريقية المستقلة، إذ وجد المفكرون حاجزاً بينهم وبين هذه الشعوب التي لم تكن على استعداد لخوض معركة عرقية أخرى. وهكذا بدأت أهمية هذه الكلمة تضمحل منذ عام 1961، عندما صرّح الشيخ حميدو خان Cheikh Hamidou Kane بلسان بطله في «مغامرة غامضة» L’Aventure ambiguë «أنا لا أحب كلمة زنوجة ولا أعرف ماذا تخفي وراءها»، ولم يعد الزنجي في موقع الدفاع عن ذاته بل تجاوزه للبحث عن العدالة والحقيقة.

شهد عام 1972 ظهور كتابات مهمة، منها مقالة مونغو بيتي[ر] «الاستيلاء على الكاميرون» Main basse sur le Cameroun، هاجم فيها الحكومة وسياستها التي سمحت لفرنسا باستمرار فرض سيطرتها، كما نشر أليوم فانتوري Alioum Fantouréرواية «دائرة الاستوائيات» Le cercle des tropiques تحدث فيها عن الآثار الاجتماعية والسياسية للانقلابات العسكرية. وهكذا تمخضت عن الاستقلال خيبة أمل تزايدت مع الأيام وأصبحت كلمة الزنوجة تراثاً من الماضي وسنغور المدافع الوحيد عنها. فقد انقسم الأدباء إلى فئات ثلاث: واحدة وجدت نفسها غريبة عن جو الحي اللاتيني في باريس فامتنعت عن الكتابة وغرقت في براثن العمل، وثانية التزمت الصمت نتيجة القمع الذي مارسته السلطة، وأخرى تنقلت في أوربا وأمريكا باسم الزنوجة التي اكتسبت منها صفة الغرابة والطابع الإفريقي.

واختلف مفهوم الزنوجة بتتابع الأحداث ومرور الزمن، إذ اختلفت وجهات النظر بين جيل وآخر، وظهر تيار فكري جديد بدا للوهلة الأولى أكثر قوة، لأنه نشط في إفريقيا وليس في المنفى، تيار جسده الكاميروني مارشن تووا Marcien Towa في كتابه «دراسة حول الإشكالية الفلسفية في إفريقيا الحالية» Essai sur la problématique philosophique dans l’Afrique actuelle. وإذا فقدت كلمة الزنوجة اليوم إيديولوجيتها السياسية بسبب التجاوزات واحتلت مكانها كلمات أخرى مثل الأفريقانية أو وحدة الشعوب الإفريقية panafricanisme فالنتيجة لم تُعرف بعد ولم تعد الكلمة أياً كانت تقنع أحداً، سواء بين المفكرين الشباب أو الشعوب الإفريقية، فالكل يبحث عن حلول ملموسة لا عن نظريات، والجميع مقتنع أنه لا قيام لإفريقيا إلا بالتقانة والعلم.

نواف مخلوف، طارق علوش

مراجع للاستزادة:

 

- J.NANTET, Panorama de la littérature noire d’expression française (Fayard 1972).

- J.KI ZERBO, Le Monde africain noir, histoire et civilisation (Hatier 1964).

- R.PAGEARD, Littérature négro-africaine (Le Livre africain 1966).

 


- التصنيف : الأدب - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 423 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة