بييه (محيط)
Environment - Environnement

البيئة (المحيط)

 

لا بد لنا من تحديد معنى البيئة environment بوضوح، وخاصة أننا لا نستطيع أن نعرف ما هي أهداف التربية البيئية اللازمة دون أن نحدد عناصر البيئة أولاً، ثم أوضاعها ووظائفها وماهيتها والعوامل الثابتة فيها والمتبدلة، وشمولها. كما لابد لنا من تمهيد لتعريفها تعريفاً شاملاً، إذ إن الطبيعة بحد ذاتها لا تقدم إجابات ماهرة إلا للأسئلة الواضحة، كي ندرك طبيعة موضوعنا وشمولهُ وجميع أبعاده.

تطور مفهوم البيئة

يعود استخدام المصطلح الفرنسي «الوسط المحيط» environnementإلى العالم الفرنسي سانت هليير St.Heliere عام 1835، ليؤكد وجود ارتباطات وثيقة العرى بين المتعضيات organismes (الأحياء) وبيئتها الجغرافية الطبيعية، وليشير إلى أن البيئة هي التي تقرر مصير الكائنات التي تقطنها.

تطور هذا المفهوم على يدي أوغوست كونت August Comte الذي أكد أن فكرة الحياة تتطلب دوماً ارتباطاً حتمياً بين عنصرين هما: وجود كائن حي مناسب وبيئة مناسبة، ويشير إلى أن ظاهرة الحياة إنما تبرز دوماً من خلال التأثيرات المتبادلة بين هذين العنصرين.

إلا أن مناقشة مفهوم الارتباطات أو العلاقات من حيث الشمول قد تمخض عن ثلاثة آراء:

الرأي الأول

التأثير المتبادل: وهذا يعني أن الكائن الحي لا يتأثر بكل ما يحيط به من شروط الحياة من تربة وماء وهواء وحرارة وطاقة وغذاء فحسب، بل إن البيئة ذاتها تتأثر هي الأخرى بالكائن الحي ذاته عن طريق ما يسمى علمياً «بالتغذية الراجعة الخارجية»]التي يسري تيارها باتجاه البيئة.

وبعبارة أخرى: هو نوع من التبادل في العلاقات بين المتعضيات وبقية عناصر البيئة.

أي إن البيئة (المحيطة) هنا هي: الإطار الذي تقوم فيه العلاقة بين الكائنات وبقية عناصر البيئة، من علاقة مكانية وعلاقة وظيفية وعلاقة تفاعلية.

وهكذا، فإن ما استوطن بيئةً معينةً من نبات، وما دب عليها من حيوان، وما سكنها من إنسان، لابد له من العيش في حدود «نظام بيئي» لايكون له موقف سلبي، من المؤثرات الطبيعية، بل يتخذ موقف مواجهة بابتداع طرق حياتية (بيولوجية)، وثقافية، أي إن الكائن الحي ذاته إنما هو وليد شروط البيئة وصانعها في وقت واحد، ومع ذلك لكل قاعدة شواذ، إذ إن هنالك ظروفاً تسود فيها عناصر البيئة، أو قد تسود فيها ارتكاسات الأحياء (ردود الفعل) في أحيان أخرى، ولكن الارتباط بين عنصري البيئة لابد موجود حتماً في كلتا الحالتين.

الرأي الثاني

الحتمية البيئية: ومفادها أن البيئة المادية قوة ذات فعل حتمي على المكنونات الحية ونشاطاتها وتعضيها، ويفسر العالم البلجيكي واكسويلو Waxillo ذلك بقوله:

«إن كل كائن حي لابد أن يعتمد من خلال أعضائه ووظائفه، على العناصر الأخرى في بيئة من مناخ وغذاء وتربة، ومكان، وضوء وغير ذلك. المهم أن أصحاب هذا الرأي يميلون إلى وجود تدفق وحيد المنحى من البيئة إلى مكتنفاتها من الأحياء بما في ذلك الإنسان».

الرأي الثالث

الحتمية الحضارية: ومعناها أن البيئة تتشكل وترقى بما للكائنات الحية والمجتمعات الإنسانية من تأثير دائم في المكان الذي تعيش فيه، وإحداث تشويه في توازن البيئة، نتيجة نشاط حضارة الإنسان.

مفهوم البيئة

مفهوم البيئة ليس حديثاً. فهنالك رأي قديم للفيلسوف الإغريقي هيرود يقول فيه: «كما أن البيئة مكونة من قوى ومؤثرات تسهم فيها المكونات الحية نباتية أم حيوانية، ويعززها كل كائن له نفس يتردد بكل ما يعتريه من تغيرات متبادلة، فإن الإنسان ذاته قد وضع في الأرض ليكون سيد البيئة، ويغيرها بفنه ويده». وقد غير الإنسان بيئته حقاً بأساليب شتى، فمنذ أن اختلس النار من السماء، وسخر الفولاذ لأمره، وأخضع الحيوان، بل أخاه الإنسان لإرادته، وسخر النبات معها لتحقيق أغراضه، فإنه يفعل في بيئته تغييراً وتحويراً.

كانت أوربة برمتها في زمن ما، غابة شديدة الرطوبة، وكانت أقاليم أخرى تجود فيها الزراعة، ولكنها أضحت معرضة للشمس بعد أن أُسيء استغلالها، كما أن السكان أنفسهم قد تغيروا بتغير البيئة، ومع ذلك فإن الإنسان لو لم يغير في بيئته لما كانت مصر مثلاً سوى أرض يغمرها الطمي، ولو أن الإنسان لم يستطع أن يبدل نفسه مع ظروف بيئته التي حولها وأبدعها لما استطاع البقاء.

ويعتقد علماء آخرون أن الكائنات الحية قد اندمجت في المادة الحيوية للكون، فنتج عن ذلك خَلْقُ الغلاف الجوي الحاوي على الأوكسجين منذ 75 مليون سنة تقريباً، وغزت القارات تلك النباتات منذ أكثر من 500 مليون سنة، وأنشأت بالتفاعل مع البيئة أنواع التربة المختلفة. وهكذا يعتقد هؤلاء الباحثون أن الحياة التي دبت في الأجسام العضوية قد أبرزت بيئة معقدة، ليست في الواقع سوى شبكة خفية دقيقة ساعدت على اتساع دائرة البيئة (المحيط الحيوي) زماناً ومكاناً، وأدت باستمرار إلى رقي في منتجاته، وزيادة في مقدرته وإمكاناته.

ويعتقد غولدشتاين: أن البيئة المحيطة بالكائن العضوي لم تبلغ ذروة كمالها بعد، وأنها تتغير باستمرار من حال إلى حال باستمرار، تغير الكائن الحي ونشاطاته الوظيفية.

أما نظرية النشوء والارتقاء في علم الطبيعيات، فلها رأي آخر بالبيئة تعتقد فيه: «أن نمو الكائنات إنما يتم على شكل سلسلة متصلة الحلقات من أنواع النمو الفيزيائي ـ الكيميائي ـ البيولوجي ـ النفسي ـ الاجتماعي ـ الثقافي، إلى أن ينتهي الأمر بتكوين الإنسان نفسه، وهو أعلى مراتب المكنونات الحية وبما يقوم به هذا الإنسان من عمل إيجابي أو سلبي في بيئته».

أما ظهور الإنسان في المحيط الحيوي، فقد أدى فعلاً إلى نتائج بعيدة المدى؛ ذلك أن النشاط الثقافي والحضاري للمجتمعات البشرية العاملة على وجه الأرض، يخلق من الأرض ذاتها كوكباً تقنياً (تكنولوجياً) ومناظر طبيعية عامرة بالسكان وسلسلة من المناطق الاقتصادية، وجملة من المخلفات المتنوعة التي تبدل وجه البيئة، وتنشر فيها أسباب الدمار وعدم الاتزان، إلى جانب وجه إيجابي خلاق، قام به الإنسان ذاته، وهو الجمع بين موارد الطبيعة وقدرته على الإبداع، ولاشك في أن الجمع بين موارد الطبيعة وبين قدرة الإنسان على الإبداع، هو الذي يحول البيئة المادية إلى بيئة إنسانية، بكل ما في الكلمة من معنى.

عناصر البيئة ـ تعريفها

إن من عيوب الاستعمال غير العلمي لكلمة «بيئة» من شأنه أن يضفي مفهومات كثيرة على هذه الكلمة، لذلك لا ندحة من تحديد خصائص البيئة، وتحليل العناصر المشكلة لها، لننتهي إلى تعريفها تعريفاً يفي بالغرض، فقد تبين أنه من الأفضل أن ننسب البيئة إلى الإنسان لأنه ساكنها، وبانيها، والمنتفع بها، فالبيئة التي سنتحدث عنها هي إذن «البيئة الإنسانية»، فلا بد لتعريفها من تحليل عناصر البيئة الكلية.

«الإنسان» هو أول عناصر البيئة، وهو المخلوق الوحيد القادر على التحدث عن بيئته، أما الحيوان فإنه لاشك ينظر إلى البيئة نظرة مختلفة عن نظرة الإنسان، والإنسان نفسه قادر على وضع المعايير التي يدرك بها بيئته ويقدرها، ولما كان هذا الإنسان ينتمي إلى ثقافة معينة، وطبقة اجتماعية معينة، ويعيش في منطقة معينة، كان اختلاف في نظرته إلى البيئة سيحدث لا محالة، فالبيئة عند سكان مدينة (لوس أنجلوس) في الولايات المتحدة قد تكون التلوث بوجه عام لأنها متأثرة به، ولكن القاسم المشترك في نظرة الإنسان في شتى أنحاء الدنيا إلى البيئة لابد من أن تشتمل على ثلاثة عناصر هي: النظام الطبيعي (الطبيعة) والنظام الاجتماعي والنظام الثقافي

أ ـ النظام الطبيعي أو الطبيعة:

الطبيعة هي المسرح المعد لتمثيل الوقائع الإنسانية، بكل ما تشتمل عليه من نظم بيئية، وظواهر جوية. وتتضمن الطبيعة، دورة الطاقة والمادة في النظم البيئية، تلك الطاقة التي تنطلق من عملية الاصطناع الضوئي.

ولاشك أن الطبيعة مبدأ حياة وحركة وتوازن وتغير، وأنها نظام وضرورة.

ب ـ النظام الاجتماعي:

ويشمل العمليات الآلية، والأوضاع والعلاقات، والتغيرات التي تتسم بها المجتمعات الخاصة بكل من الإنسان والحيوان.

والمجتمع كما نعلم، هو نظام يسير طبقاً لقوانينه الخاصة التي قد تتفق وقد تختلف مع النظام الطبيعي.

ج ـ النظام الثقافي:

ويقتصر على مجتمعات الإنسان فحسب، إذ إن الثقافة culture تشمل كلا من السلوك الذي يتعلمه الإنسان من غيره، والسلوك الذي يبدعه الإنسان بنفسه.

والثقافة، هي تراث الإنسان الماهر، أي أنها التثقيف الإداري للعقل. ومع أن «الإنسان» جزء من الطبيعة، ينمو فيها «ويعي الطبيعة بذاتها»، فإن هذا النمو في الوعي ليس عفوياً، بل إنه وليد عمل فكري واجتماعي. وللثقافة ذاتها بعدان: بعد عقلي، وبعد مادي، أو ما أشبه، وتصير الثقافة متداولة بين الناس عن طريق الإنتاج العقلي في كلمات وكتب، وتتجسد مادياً في المنتجات الصناعية التي هي ثمرة براعة الإنسان ومهارته، أي إن الثقافة تتجسد في البيئة في الأنشطة البشرية التي تغير وجه البيئة.

والثقافة في الواقع لاتبرز إلى حيز الوجود إلا بمنزلة رد على تحديات البيئة بوجهيها الطبيعي والاجتماعي، وهي تتألف من سلسلة من ردود الفعل للمشكلات البيئية.

الثقافة إذاً هي القدرة على حل المشكلات، ولو أننا أنعمنا النظر في بيئتنا لوجدنا أن النظام الثقافي للمجتمعات البشرية هو المسؤول عن الاعتداء التقني على الطبيعة، وأن المحيط التقني هذا في كثير من الحالات، إنما يمثل آفة لثقافة غنية بالمنتجات الصناعية، ويتحكم في مناظر الطبيعة فيعدلها، تحسيناً أو تدميراً.

ولابد لنا بعد أن ألقينا بعض الأضواء على العناصر الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي تشكل البيئة من أن نقر بأن:

«البيئة لا تقتصر على جملة الأمور المادية التي تشكل المظاهر الطبيعية، والتي يتفاعل بعضها ببعض باستمرار، بل هي أبعد شمولاً، إذ أنها تشتمل على بعد اقتصادي واجتماعي وثقافي».

فلزاماً على كل من يتصدى لتحليل البيئة تحليلاً دقيقاً أن يدرس التأثير الشامل للإنسان وثقافته على العناصر البيئية المحيطة به كافة، وأن يدرس في الوقت ذاته تأثير العوامل البيئية في كل ناحية من نواحي حياة البشرية.

فالنظرة الصحيحة للبيئة إذن:

هي النظرة التي تتكامل فيها النواحي الحياتية (البيولوجية)، والوظيفية والاقتصادية والثقافية، من خلال إدراك ترابط هذه النواحي معاً في بيئة واحدة متغيرة باستمرار.

إن هذا المفهوم للبيئة لاشك أنه أوسع دائرة وأقرب إلى الحقيقة من القول: «إن البيئة هي جملة العلاقات المتبادلة بين الكائنات الحية وبيئتها الطبيعية. أو إنها النظام الفيزيائي والبيولوجي الخارجي الذي يحيا فيه الإنسان والكائنات الأخرى ككل متكامل، بل هي في حقيقتها، وسط وجملة من العلاقات في وقت واحد».

وذلك إشارة إلى أن الإنسان الحديث لايسكن نظاماً بيئياً فحسب، وأنه ليس على اتصال مباشر بالنظام الحيوي، بل إنه يتصل بهذا النظام عن طريق النظام الاجتماعي والنظام التقني.

فبيئة الإنسان، هي قبل كل شيء مجموعة من التقنيات أو الطرائق والأساليب الفنية التي يستخدمها في الإنتاج وفي تنظيم بيئته.

التعريف الدولي للبيئة

وسنتبنى التعريف الذي أُقر للبيئة في مؤتمر «استوكهولم» (1972)، وتبيليسي (1978) هو:

«البيئة هي مجموعة من النظم الطبيعية والاجتماعية والثقافية التي يعيش فيها الإنسان والكائنات الأخرى، والتي يستمدون منها زادهم، ويؤدون فيها نشاطهم». وهذا المفهوم كما هو واضح، يشمل الموارد والمنتجات الطبيعية والاصطناعية التي تؤمن إشباع حاجات الإنسان.

ولكن ما هي مكونات كل من البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية ؟

تتكون «البيئة الطبيعية» من أربعة نظم، يرتبط بعضها ببعض ارتباطاً وثيق العرى وهي:

الغلاف الجوي.

الغلاف المائي.

الغلاف الصخري.

الغلاف الحيوي.

وهذه المجموعة من العناصر الطبيعية تسعى دوماً إلى تحقيق حالة من التوازن عبر تغيرها المستمر. لكن النشاط البشري يؤثر تأثيراً كبيراً في معدل هذا التغير وكيفيته، إيجاباً أو سلباً.

أما «البيئة الاجتماعية» فتشمل الجماعات البشرية والبنى الأساسية المادية التي أقامها الإنسان، وعلاقات الإنتاج، والنظم المؤسسية التي وضعها.

وتدل البيئة الاجتماعية على كيفية تنظيم المجتمعات البشرية، وسير الأمور فيها، للوفاء في المقام الأول بالحاجات من الغذاء والمأوى والصحة والتعليم والعمل.

وحين تُشبع في بعض المجتمعات هذه الحاجات الأساسية، يسعى الإنسان إلى أهداف أكثر طموحاً، وقد سعى الإنسان مستفيداً من خبرته ومن الدروس المستمدة من العلم، ومن الوسائل التي تهيؤها له التقانة (التكنولوجيا) ومدفوعاً بالتعطش إلى التقدم وإلى الجديد، إلى المزيد من التفتح عن طريقين هما:

الثراء الفكري الثقافي والثراء الروحي، من جهة، والرفاه المادي من ناحية أخرى. ونتيجة للمغالاة في هذين الأمرين فقد ظهرت المشكلات البيئية في المجتمع المعاصر.

المفهوم الفكري (الأيديولوجي) للبيئة

يعتبر المفهوم الأيديولوجي للبيئة مسألة مهمة، إذ يجب أن تُحَلل التربية البيئية عملياً تلك الحالات التي تتفتت أو تتشوه فيها الحقيقة، فمن الممكن النظر إلى البيئة من وجوه شتى، كأن تُتخذ على سبيل المثال:

1ـ سلاحاً نفسياً، تتذرع به البلاد الصناعية (المتقدمة) لتثبيط همة البلاد غير الصناعية (المتخلفة)، عن السير في طريق التصنيع، بحجة أن المصانع من الملوثات الرئيسية للبيئة.

2ـ وسيلة لتشجيع اتجاه جديد نحو الطبيعة في الحضارة الغربية، ويمكن أن يظهر هذا الاتجاه بصور شتى، تتراوح بين شكل النشاط الاجتماعي والاقتصادي ووضع قيم جديدة (تقديم النظام البيئي على النظام التقني)، للمحافظة على البيئة القديمة، وضع دستور لأخلاقيات البيئة.

3ـ أداة للتنبؤ أو الاستشعار بحدوث كارثة.

4ـ وسيلة لوضع مشروعات جديدة، بغية إعادة التنظيم السياسي على نطاق عالمي عن طريق وضع خطط مثالية للإصلاح الاجتماعي والسياسي في المستقبل.

5ـ يمكن أن يكون تلوث البيئة وتدميرها أو إخلال التوازن فيها، موضوعاً يستغله مدّعو العلم، والصحفيون المولعون بإثارة الناس، لإشعار الناس بنهاية العالم.

6ـ وسيلة لبرنامج انتخابي، لحركة تستخدم الأزمة البيئية لوضع حد للصراع الطبقي.

7ـ قد تستغل البيئة الطبيعية الفئاتُ المعارضة للحضارة.

8ـ وأهم من كل ذلك، مفهوم يتصل اتصالاً وثيقاً بالبيئة، لكنه يدعو لشيء من التوضيح، ألا وهو نوعية الحياة في البيئة، فمن المعلوم أن دراسة البيئة هي أداة لوصف حقيقة الحياة فيها، ونوعية الحياة من العوامل التي تضفي عليها قيمة كبرى، ذلك أن مفهوم «نوعية الحياة في البيئة»، تعني بالنسبة للمثقفين، من أهل الحضارة الغربية، ما هو أكثر من المناظر الطبيعية الجميلة، والأشجار والزهور والرياحين والماء العذب، ذلك أن المفهوم الإنساني لنوعية الحياة يشتمل على بعض المثل العليا، كتوفر مستوى لائق من المعيشة للناس كافة، واحترام حقوق الإنسان، والتمتع الجماعي بثمرات الفكر وإبداع القرائح، وفتح أبواب التعليم لأفراد الشعب كافة، والتنمية الاقتصادية للمجتمع بكل فئاته من الريف والمدينة، والتوازن بين منجزات الحضارة الاجتماعية، والنظام الطبيعي.

وبكل أسف، يبدو في واقع الأمر، أن الطبقات المتمتعة بالمزايا الاجتماعية هي التي تلح على طلب نوع أسمى من الحياة، ولكن نوعية الحياة في جوهرها تعني شيئاً آخر بالنسبة للطبقات المهضومة الحقوق، والمجتمعات التي تعيش على هامش الحياة في العالم، ولذلك يجب أن تهدف التربية البيئية التي نريد، إلى أن تثير في نفوس هذه الفئات الفقيرة والمعدومة من مجتمعات العالم، جذوة الأمل في حياة أفضل، وتبين لهم كيف يمكن الوصول إلى هذه الحياة، وهذا المستوى اللائق، ولكن هذا الهدف يتطلب لأدائه مدرساً مثقفاً بكل مافي الكلمة من معنى، باعتبار أن آراء الشعوب وآمالها متباينة، وعليه في الوقت ذاته، فهم واحترام وتقدير معايير القيم التي قد تختلف أحياناً عن معاييره إلى حد كبير.

هل أزمة البيئة أزمة تصور وإدراك؟ مفهوم النظام (النسق):

سؤال يتضمن روح الموضوع، فلا مندوحة من الإجابة عنه ولو بإشارة دون إبانة، لا شك أننا كلما عرفنا المزيد عن بنيان الطبيعة وديناميتها وتقلباتها، ازداد رأينا في الطبيعة، والبيئة صحة، والعلم الذي يعالج هذه الموضوعات يعرف باسم علم التبيّؤ[ر]، وهو علم بدأ بدراسة قطاعات منفصلة في البيئة، ولكنه جعل غايته مؤخراً تحليل السلوك السوي للنظم البيئية في الزمان والمكان، لكن النظرة الساذجة للأشياء التي تعتبر العناصر التي تشكل البيئة وحدات منعزلة غير مترابط بعضها ببعض ترابطاً حقيقياً قد حالت بيننا وبين رؤية التفاعلات العميقة المتسمة بالتنسيق والتكامل والتساند، وبالديمومة، وبين كل من الغلافين المائي والجوي والصخري والنبات والحيوان، وبين الجماعات البشرية، وجعلتنا لا ندرك وحدة المحيط الحيوي والنظم البيئية (على حد تعبير تانسلي)، وما حدث، هو أن تطور طرق التحليل المتخصصة لم تتبع بنظرية عامة صالحة للتطبيق، تدمج المعلومات التي توفرها مختلف فروع المعرفة بعضها في بعض في إطار التكامل، لكي تشكل علماً واحداً نافعاً يعكس طبيعة البيئة.

ويوضح «برتا 1968، وتشير تشمان 1970» فكرة النظام systeme من حيث المضمون والأسلوب، بوصفه أنسب نموذج للطريقة التي يعمل بها المحيط الحيوي، والنظم البيئية الطبيعية والبشرية والكائنات الحية، بل حتى الخلية ذاتها على انفراد.

وتبدو أزمة البيئة في أصلها عائدة إلى أن الإنسان يدمر النسيج المعقد للحياة، لعجزه عن رؤية بيئته كواقع حي له تقلباته، ولعجزه عن أن يدرك أن البيئة التي يتفاعل معها مركبة من شبكة من التفاعلات ضمن أشياء أخرى، ومن القوى والأحداث، ولأنه لم يدرك أيضاً أن الضغط على جزء منها يترتب عليه ردود فعل على مجموع العلاقات والتوازنات، والآليات المنظمة الدقيقة البنيان، والمتسمة بالتنسيق والتكامل فيما بينها.

فنحن وأمثالنا مكلفون عن طريق البحث والتعليم أن نحل المشكلة التي تتمثل في أن نحل محل التصنيف البسيط للغاية للبيئة، رؤية منهجية تغير الأسس العقلية والثقافية لتصورنا للبيئة عامة، وعلى هذا نجد أن أزمة البيئة في الوقت الحاضر هي في الواقع أزمة تصور وإدراك

 

سعيد محمد الحفار

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

التبيؤ، البيئة (حماية ـ).

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ سعيد محمد الحفار، نحو بيئة أفضل (دار الفكر المعاصر، بيروت 1986).

ـ سعيد محمد الحفار، بيئة من أجل البقاء (دار الفكر المعاصر، بيروت 1993).


- التصنيف : علم الحياة( الحيوان و النبات) - المجلد : المجلد الخامس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 813 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة