تشعيع اغذيه
Food irradiation - Irradiation d’alimentaire

تشعيع الأغذية

 

يعد تشعيع الغذاء food irradiationأحد طرائق حفظ الغذاء، التي تستعمل فيها مستويات منخفضة من الأشعة، بغية إقلال فساده والحد من انتشار العوامل الممرضة فيه. وتستعمل في هذه الطريقة تقانات وتجهيزات متخصصة إضافة إلى ضمان متطلبات الصحة والسلامة ويمكن بوساطتها تحقيق أهداف لا يمكن تحقيقها بطرائق أخرى لحفظ الغذاء.

آلية التشعيع وطرائقه

وتشمل الأشعة المؤينة وجرعة الأشعة وآلية التشعيع

أ ـ الأشعة المؤينة: وهي طاقة كهرمغناطيسية تسبب إنتاج جسيمات مشحونة كهربائياً في المواد التي تصيبها. وقد بينت التجارب الأولى قدرة هذه الأشعة على قتل البكتريا، إلا أن استخدامها في معالجة الغذاء تأخر إلى نهاية القرن العشرين، حيث صممت وطورت آلات توليد الأشعة المؤينة وبكلفة مقبولة.

ب ـ جرعة الأشعة: هي كمية الطاقة الإشعاعية التي يمتصها الجسم المعرض لها. وتعدّ العامل الأهم في تشعيع الغذاء، وتسمى الوحدة الخاصة بالجرعة الممتصة غري Gray ورمزها Gy. وتعرَف بأنها متوسط الطاقة التي تمتصها وحدة كتلة المادة من الأشعة، والغري الواحد يساوي جولاً Joule واحداً لكل كيلوغرام من المادة. أما الوحدة القديمة التي كانت تستعمل في قياس الجرعة فهي الراد rad وهي تساوي 0.01 من الغري. إن مقدار الجرعة التي ينصح بها في الدليل الغذائي الدولي FAO/WHO Codex Alimentarius Commission لتشعيع الغذاء لا تتجاوز 10 كيلوغري. ويعادل مقدار الطاقة الحرارية اللازمة لرفع درجة حرارة 1 كغ من الماء 2.4 درجة مئوية ويتوقع أن يكون التغير الذي تحدثه هذه الطاقة في الغذاء محدوداً، إذ يبقى الغذاء المشعع مأموناً للاستهلاك البشري. ويجب أن يؤخذ في الحسبان تحديد وقت الجرعة الممتصة ونوع المصدر المشع وقوة خروج الأشعة منه ونظامها وسرعة مرور العينات أمامه.

ج ـ آلية التشعيع: يجب معرفة طاقة المنبع وحساب العلاقة الفراغية بين المنبع والهدف ومدة التعريض، وتراوح الجرعة الإشعاعية المستعملة في تصنيع الغذاء بين 50 غري و 10 كيلوغري.

يختلف تصميم منشآت التشعيع وتنظيمها بحسب الغرض من استعمالها ويوجد نموذجان أساسيان هما نظام الدفعة والنظام المستمر. وتركب فيهما منابع الطاقة في حجرة مدرعة shielded room ومصممة لحماية العاملين من الأشعة، وتعمل أدوات التحكم خارج حجرة التشعيع لمراقبة المنشأة وتوجيه عملها. وتكون وحدات التشعيع ثابتة في مواقع محددة أو متنقلة.

مصادر الأشعة

وتشمل المسرعات والنكليدات المشعة

1ـ المسرعات: هي آلات تنتج أشعة مؤينة إلكترونية في الذرة، تتألف من جسيمات شحنتها سالبة وكتلتها متناهية الصغر. ويمكن استعمال حزم من الإلكترونات المسرعة لتشعيع الغذاء وبكلفة قليلة نسبياً. إلا أن أحد عيوب هذه الطريقة يكمن في أن الإلكترونات المسرعة محدودة القدرة على اختراق الطعام، ومع ذلك تفيد الأشعة في معاملة الحبوب وعلائق الحيوان والغذاء المتداول على شكل طبقات رقيقة. وتعدّ القدرة على التشغيل أو الإيقاف بحسب الرغبة ميزة كبيرة من ناحية الأمان.

2ـ النكليدات المشعة radionuclide: تعد من أهم مصادر الأشعة المؤينة وهي تتألف من عناصر نشطة اشعاعياً أهمها الكوبالت60 والسيزيوم137، وكلاهما يُصدر خلال تفككه أشعة غاما القادرة على إختراق المواد إلى عمق كاف لتحقيق أهداف التشعيع الغذائي.

يمكن للأشعة المؤينة في سويات الطاقة العالية أن تجعل مكونات الغذاء نشطة إشعاعياً، إلا أن هذه التفاعلات لا تحدث في سويات الطاقة المستعملة في تشعيع الغذاء. وقد اقترحت لجنة خبراء مشتركة من منظمات الأغذية والزراعة والصحة العالمية عام 1980 حصر مستويات الطاقة للمصادر المستعملة في تشعيع الغذاء في مستويات تقل كثيراً عن تلك المصادر التي تحرض على إنتاج نشاط إشعاعي في الغذاء.

تأثيرات التشعيع

تشمل التأثيرات الكيمياوية والفيزيائية على الأحياء الدقيقة والقيمة الغذائية للمادة المشععة على صحة المستهلك.

1ـ التأثيرات الكيمياوية: يتكون عدد كبير من المواد عند تشعيع الغذاء، ويتوقف نوع هذه المواد وكميتها على عوامل كثيرة أهمها مقدار الجرعة الاشعاعية، ودرجتي الحرارة والرطوبة، ووجود الأوكسجين أو غيابه في أثناء التشعيع إضافة إلى التركيب الكيمياوي للغذاء. وتكون عادة التغيرات ضئيلة باستعمال جرعات منخفضة. وقد تكون نواتج التحلل الشعاعي موجودة في الغذاء بكميات قليلة يمكن كشفها في المنتجات الغذائية غير المشععة.

2ـ التأثيرات الفيزيائية والحسية: تشكل المحافظة على ثبات الأنسجة النباتية وتماسكها الحدود العليا للجرعات المستعملة في تشعيع الفاكهة والخضراوات، إذ تسبب جرعات من 1 إلى 3 كيلوغري طراوة يبدأ ظهورها في بعض الفاكهة بعد مدة من التشعيع. كما قد تسبب نقصاً في لزوجة بعض الأغذية المحتوية على النشاء مما ينقص في مدة طهوها، وقد تغير بعض الجرعات لون الغذاء أو نكهته يرتبط ذلك بمقدار الجرعة وظروف التشعيع وعلى سبيل المثال تغير نكهة اللبن ومنتجاته لتعرضها لجرعات منخفضة نسبياً نحو100 غري، أما جرعات التعقيم فتحدث تغيراً واضحاً غير مرغوب به في طعم اللحم الأحمر، ولكنه يتناقص تدريجياً وقد يختفي في أثناء التخزين أو الطهو. وتتأثر الأغذية المجمدة بالتشعيع على نحو أقل من تأثر الأغذية الطازجة بذلك.

3ـ التأثيرات في الأحياء الدقيقة: تُقتل بكتريا السلمونيلة Salmonellaeالمسببة للتسمم الغذائي بالأشعة، وكذلك معظم البكتريا السالبة الغرام، أما أبواغ spores البكتريا فتحتاج إلى جرعات عالية نسبياً.

وتُعد الفيروسات أكثر مقاومة للإشعاع، وتليها تنازلياً أبواغ البكتريا ثم الخميرة ثم الفطريات الأخرى ثم البكتريا الموجبة الغرام، وأقلها مقاومة للأشعة البكتريا السالبة الغرام. كما تختلف سلالات النوع الجرثومي الواحد في حساسيتها للأشعة.

تبيد جرعة إشعاعية معينة جزءاً من أعداد الميكروبات التي تتعرض لها فكلما كانت الحمولة الجرثومية عالية قبل التشعيع بقيت أعداد أكبرمنها، ولن يكون التشعيع بديلاً عن النظافة الصحية في إنتاج الغذاء وتصنيعه.

4ـ التأثيرات في القيمة الغذائية: ترتبط التأثيرات في القيمة الغذائية بمقدار الجرعة وظروف التشعيع، ويكون الفقد ضئيلاً في الجرعات المنخفضة (حتى 1 كيلوغري) ويحتمل حدوث بعض الفقد في فيتامينات الغذاء المعرض للهواء بالجرعات المتوسطة، ويمكن الإقلال من هذا الأثر بالتشعيع في درجة حرارة منخفضة وإبعاد الهواء في أثناء المعالجة والتخزين.

بعض الفيتامينات مثل الريبوفلافبن والنياسين وD قليل الحساسية للتشعيع في حين يتخرب بعضها الآخر مثل الفيتامينات K, E, B1, A وتعتمد أهمية الفقد في فيتامين معين على أهمية المصدر الغذائي.

أثر استخدام الجرعات المختلفة للتشعيع

تشمل منع الإنبات والتخلص من الحماية الحشرية والطفيليات ونقاوة الأحياء المحمولة بالغذاء وإزالة التلوث.

منع الإنبات: تؤدي الجرعات المنخفضة من الأشعة إلى منع الإنبات (التزريع) في البطاطا والبصل والثوم، وتراوح الجرعة المستعملة بين 0.05 و0.15 كيلوغري وتعتمد الجرعة المناسبة على الصنف وصفات الناتج. تطبق جرعات بين 0.25 و0.50 كيلوغري على الشعير المجفف في عملية تصنيع المالت malting إلا أنها لا تمنع الإنبات تماماً ولكنها تؤخر نمو الجذور.

التخلص من الإصابة الحشرية والطفيليات: يؤدي استعمال جرعات منخفضة (0.2-0.7) كيلوغري إلى قتل الحشرات الضارة في الحبوب والفاكهة والخضار المجففة أو إحداث العقم لجميع مراحل تطورها. ويعد استعمال الأشعة بديلاً مهماًعن التبخير أو استعمال المواد الكيمياوية، ويسهم في تجنب الأضرار الصحية والبيئية.

وتؤدي الأشعة أيضاً إلى تعطيل نشاط بعض الطفيليات مثل الديدان الأسطوانية Nematoda والشعريات Trichinella في لحم الخنزير والديدان الشريطية Cestoda.

مقاومة الأحياء المحمولة بالغذاء: تفيد الجرعة المنخفضة نسبياً في القضاء على البكتريا المرضية غير المكونة للأبواغ مثل Campylobacter, Listeria, Yersinia, Salmonella والتغلب على المشكلات الصحية التي تسببها. وقد تبين أن المعاملة بجرعات بين 2 و7 كيلوغري تجعل الغذاء خالياً من المسببات المرضية المحمولة.

ويفيد تشعيع الأغذية الجافة أو مكوناتها، مثل البهارات والتوابل والأعشاب المجففة والنشاء ومركبات البروتين المستعملة في تحضير الغذاء في التخلص من الحمولة الجرثومية باستعمال جرعات تراوح بين 3 و10 كيلوغري من دون إحداث تغيرات غير مرغوبة في النكهة والقوام والصفات الأخرى. كما يؤدي استعمال هذه الجرعات إلى تحسين مواصفات الغذاء الطبيعية مثل زيادة مردود العصير في العنب وإنقاص زمن طهو البقوليات.

وتستعمل جرعات عالية (25 كيلوغري) في تعقيم مواد تعبئة الحليب والعصير ووجبات رواد الفضاء والوجبات الجاهزة لمرضى المستشفيات الذين توقف نظامهم المناعي بسبب المرض.

إزالة التلوث وإطالة مدة عرض الأغذية: يعتمد مقدار الأشعة التي يتطلبها قتل الأحياء الدقيقة على مدى تحمل الكائن الحي للأشعة وعلى حمولته الجرثومية في حجم معين من الغذاء. وتستعمل لهذا الغرض جرعات بين 1 و3 كيلوغري لكل من السمك الطازج والفريز والأغذية البحرية وبعض الفاكهة والخضار، إضافة إلى إمكانية استعمال المعاملة المشتركة بالحرارة والأشعة في هذا المجال.

الآثار المختلفة للأغذية المشععة في الصحة العامة

إن مستوى الجرعات المستعملة في التشعيع لا يجعل الغذاء، ولا مواد تغليفه، ولا تجهيزات المنشأة نشطة إشعاعياً، كما لا يحدث تغييرات مهمة في المظهر أو الرائحة أو الطعم إذ طُبق التشعيع على نحو صحيح. وتجدر ملاحظة أن التشعيع في المستويات المستعملة في التصنيع الغذائي لا يقضي على جميع الأحياء في الغذاء، إذ تبقى بعض منها حي، ويمكنه أن ينمو من جديد حين توافر الشروط الملائمة مثل أبواغ المطثية الوشيقية Clostridium butulinum التي لاتقتل بالأشعة المنخفضة.

وتجدر الإشارة إلى أن لجنة الخبراء المشتركة من الهيئات الدولية FAO / IAEA / WHO توصلت عام 1980 إلى أن تشعيع أي سلعة غذائية بجرعة كلية متوسطة لا تتجاوز 10 كيلوغري لن تسبب خطراً على الصحة أو مشكلات غذائية أو جرثومية خاصة. وهناك اتجاه حالي للأبحاث العلمية يسعى إلى استعمال جرعات أعلى من 10 كيلوغري حين الحاجة.

التشريعات القانونية

تُحدث عمليات تشعيع الأغذية بعض التغيرات في طبيعتها، إلى جانب احتمال تعرض العاملين للمخاطر في أثناء عملية التشعيع. ولحداثة هذه الطريقة فقد تصدت الحكومات المختلفة لهذه العملية، وشرَّعت قوانين وتنظيمات تتعلق بالغذاء المشعع وتجهيزات التشعيع. كما يتطلب الأمر تحديد الأغذية التي يمكن معاملتها بالأشعة، والغرض المحدد من ذلك، والجرعة المناسبة في كل حالة، كما يجب أن ترفق هذه الأغذية بلصاقات توضح المعلومات المتعلقة بذلك، وأن تخضع منشآت التشعيع إلى إشراف السلطات الحكومية المسؤولة وإلى برنامج تفتيش منتظم.

المواصفات والمعايير

يقدم نظام المعيار العام للأغذية المشععة The Codex of General Standard of Irradiated Foods ونظام الممارسة الدولية في تشغيل مرافق التشعيع المستخدمة لمعالجة الغذاء International Code of Practice for Operation of Irradiation Facilities used for the Treatment of Food تعليمات وإرشادات حازمة معترف بها من قبل سلطات التنظيم والصناعة في جميع أنحاء العالم وهي تشكل أساساً لتشعيع آمن وفعّال، إضافة إلى إخضاع منشآت تشعيع الغذاء للأسس والتوصيات العامة بصحة الغذاء التي أعدتها لجنة من منظمتي الصحة العالمية والزراعة لضمان تداول الغذاء وتصنيعه على نحو جيد.

 

نجم الدين الشرابي

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ تشعيع الغذاء تقنية لحفظ الغذاء وتحسين سلامته، ترجمة نجم الدين الشرابي (منظمة الصحة العالمية ـ جنيف 1988).

ـ محمود توفيق محمد شرباش، تكنولوجيا الإشعاع في الأغذية الزراعية (جامعة الدول العربية، الخرطوم 1996).

ـ تعقيم وحفظ المواد الغذائية بالإشعاع (الهيئة العربية للطاقة الذرية 1995).

ـ حقائق حول تشعيع الأغذية، ترجمة حمد نزار (المجموعة الاستشارية الدولية لتشعيع الغذاء 1994).


- التصنيف : الزراعة و البيطرة - المجلد : المجلد السادس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 461 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة