المقايضة (عقد-)
مقايضه (عقد)
EXCHANGE CONTRACT - CONTRAT DE ECHANGE
المقايضة
مفهوم المقايضة
المقايضة barter تعني تبادل الناس للأشياء والحاجات والسلع والمنافع فيما بينهم من دون استخدام النقد. وجاءت المقايضة في اللغة العربية من فعل قايض، يقايض، مقايضة. أي بادل يبادل الشيء مبادلة مع شيء آخر، لهذا فإن معنى المقايضة هو التبادل exchange لسلعة مقابل سلعة أخرى موازية لها بالقيمة، وليس بالضرورة أن تكون مشابهة أو من الصنف والنوع نفسه. وتحتاج المقايضة إلى وجود طرفين في العملية أو أكثر للقيام بالمقايضة ووجود موضوعات التبادل. وقد يكون موضوع المقايضة سلعاً commodities للاستهلاك الشخصي، أو أدوات ذات نفع عام وتلبي حاجة إنسانية. وقد يكون موضوع المقايضة والتبادل أشياء مادية كالأغذية والأطعمة أو مواد أولية أو مواشي أو بشر كالعبيد والنساء أو الأسرى كما في المجتمع العبودي.لقد عرفت البشرية المقايضة في عصور التاريخ الباكرة كأول شكل لتبادل الحاجات والمنافع المادية البسيطة أو ما عُرف بالتبادل العيني ضمن دورة الاقتصاد الطبيعي،قبل أن يعرف البشر النقد وسيلة للتبادل في قياس قيم السلع التي هي موضوع التبادل.
التطور التاريخي للمقايضة
وكانت أول مقايضة في التاريخ الإنساني حين بدأ أبناء آدم يتبادلون الأخوات كزوجات، ومن ثم قايض أهل الصيد والرعي الماشية ومنتجاتهم من اللحوم والجلود والفراء مع أهل الزراعة بالحبوب والنباتات والأغذية، أو جرت المقايضة بين الرعاة والمزارعين مع أهل الحرف للحصول على الأدوات وأسلحة الصيد.. إلخ. إن شرط المقايضة يقتضي وجود تقسيم اجتماعي للبشر بدلاً من أن ينتج كل فرد جميع احتياجاته بنفسه، أو تنتج كل جماعة كل ما تحتاج إليه بنفسها. بدأت عمليات المقايضة والتبادل الطبيعي مع ظهور أولى أشكال تقسيم العمل الاجتماعي بين البشر، وتخصص بعضهم بأعمال دون سواها، لأسباب فرضتها الطبيعة، أو المهنة، أو الخبرة والمؤهلات أو الوراثة الاجتماعية لمهنة الآباء والأجداد...إلخ، وقد تكون هذه المهن جميعها أو بعضها موجودة ضمن الجماعة البشرية الواحدة في البادية أو القرية أو المدينة، لكن البشر أصبحوا مضطرين إلى تبادل المنافع والحاجات والمنتجات مع بعضهم مع وجود الفائض عن حاجاتهم، وتقسيم العمل الاجتماعي وتطور قوى الإنتاج وأدوات العمل ووسائل الإنتاج. كانت المقايضة أو التبادل العيني تلبي حاجات المجتمع البدائي البسيطة واقتصاده الطبيعي، وكان أهل الأرياف يذهبون عادة إلى مكان خاص وهو السوق أو البازار وينقلون منتجاتهم الزراعية ليبادلونها مع منتجات أهل البادية أو الحرفيين فيقايضون بمنتجاتهم منتجات أخرى كالصوف والثياب والأدوات المختلفة على أساس القانون (سلعة= سلعة)، وكانت القيم تأخذ شكلاً معادلاً للسلعة مع سلعة أخرى مثل (كيس قمح =خروف، أو دجاجة =فأس ..إلخ) وتجري عملية المقايضة في أسواق مؤقتة، لكن مع تطور تقنيات العمل واكتشاف المعادن التي استخدمت في صناعة الأدوات - بدلاً من الحجارة والعظام - واستخدام الطاقة الطبيعية والبشرية بدأ المجتمع البدائي يتفكك، والاقتصاد الطبيعي الذي كان أساسه يقوم على إنتاج الناس لأشياء مخصصة للاستهلاك الشخصي، ومقايضة الفائض منها مع منتجين آخرين بدأ بالانحلال تدريجياً، ومع ظهور المجتمع القديم (العبودي) ظهر نمط جديد لتقسيم العمل بين العمل الجسدي والفكري، وبين التجارة والحرف والزراعة، فبدأت الجماعات البشرية تستخدم الفائض عن استهلاكها الشخصي للتبادل، لتشهد البشرية الانتقال للإنتاج السلعي البسيط الذي عرفته الحضارات القديمة في الهند والصين ومصر القديمة وسورية وبلاد الرافدين وحضارات الأنكا والأزتيك، إضافة إلى مجتمعات العبودية القديمة في اليونان وروما وإفريقيا، التي استخدمت المعادن الثمينة كالذهب والفضة على نطاق محدود في عمليات التبادل السلعي، وأصبح النقد وسيلة لقياس قيمة الأشياء والمنتجات والسلع المختلفة في التجارة، وفي التبادل بين الدول وداخل أسواق المدن. واستمر الإنتاج السلعي البسيط حتى المرحلة الوسيطة (الإقطاعية)، ولم تنتقل البشرية للتبادل السلعي- النقدي إلا في مرحلة متطورة، مع ظهور الرأسمالية والانتقال النهائي من الإنتاج المخصص للاستهلاك المباشر إلى الإنتاج المخصص للتبادل، واعتماد مبادئ حرية التجارة وحرية الأسواق أو مذهب (الليبرالية) أو الحرية الاقتصادية، الذي نادى علماء الاقتصاد الكلاسيكي باستخدام مبادئ مثل (دعه يعمل) و(دعه يمر)، وهذه المرحلة بدأت في أوربا بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث حل التجار البرتغال والإسبان محل العرب في السيطرة على التجارة العالمية بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح أواخر القرن الخامس عشر، ثم مع نضج الثورة الصناعية واكتشاف الآلة البخارية نشطت بريطانيا في مجال التجارة الماركنتلية، وسيطرت على التجارة العالمية في القرن التاسع عشر. ومع اكتشاف أمريكا (العالم الجديد) بدأت المعادن الثمينة الرخيصة (الذهب والفضة) بالتدفق من العالم الجديد إلى أوربا والأسواق العالمية؛ مما ساعد على توفر النقد على نطاق واسع في عمليات التبادل السلعي والتجاري، ومع الرأسمالية بدأت المقايضة تختفي لتحل محلها أنماط متطورة من التبادل السلعي- النقدي، الذي يعبر عنه بصيغة (بضاعة- نقد- بضاعة) وأصبح النقد رائجاً في التبادل وسيلة لقياس القيمة للمنتجات والسلع، ومعادلاً لجميع أنواع القيم الاقتصادية، مثل قيمة العمل التي يعبر عنها بالأجر، والقيمة الاستعمالية أو التبادلية للسلع التي يعبر عنها بالأسعار، في ظل سيادة قوانين السوق كالعرض والطلب، وأصبح النقد يقوم بوظائف التبادل والدفع والادخار والكنز والاستثمار..إلخ لكن مع ذلك لم تختف المقايضة تماماً، وكما كانت موجودة في العصور القديمة والوسطى في الأرياف فإنها كانت موجودة في العصور الحديثة، وكما تشير الدراسات الأنتروبولوجية كانت موجودة في بعض المجتمعات البدائية في إفريقيا، وكان لها أثر في الأرياف النائية في بلدان العالم الثالث، ويجب الإشارة هنا إلى أن النقد كان يستخدم وسيلة في تقييم السلع محل المقايضة على الرغم من عدم استخدامه فعلياً في عملية التبادل.
وإذا كانت المقايضة قد تضاءل شأنها بين الأفراد في معاملاتهم الداخلية في بلدانهم فإنه قد عظم شأنها وازداد في الوقت الحاضر في ميدان التجارة الخارجية، ذلك أن المصالح الاقتصادية العامة قد أصبح لها في نظر الدول الشأن الأول، فكل دولة تحرص على إقامة نوع من التوازن بين ما يُستورد من المنتوجات وما يُصدَّر منها كي لا يزداد الاستيراد على التصدير وتغرق البلاد في العجز والفقر، ولهذا أصبح كثير من الدول في عالم اليوم لا يسمح بدخول البضائع الأجنبية إلى بلاده إلا على سبيل المقايضة، أي أن يكون تسديد ثمن تلك البضائع ببضائع من إنتاج وطني.
المقايضة في القانون
المقايضة كما عرفها القانون المدني السوري ومثله قوانين عربية أخرى هي «عقد يلتزم به كل من المتعاقدين أن ينقل إلى الآخر، على سبيل التبادل، ملكية مال ليس من النقود».
فالعقد لا يعد مقايضة إلا إذا كان كل من العوضين مالاً ليس من النقود. والمقايضة كما ورد أعلاه تقع أكثر ما تقع في الأشياء المعينة بالذات، كهذه المزرعة بهذه الدار.
ولكن قد يكون كل من البدلين أو أحدهما معيناً بالنوع، كالمقايضة بين قنطار من القمح وبين قنطارين من الشعير، ووفقاً للمبادئ العامة لعقد البيع [ر] تنتقل الملكية في المعيّن بالذات بمجرد العقد، وفي المعيّن بالنوع بالإفراز.
النقد كعنصر لتعديل التوازن في المقايضة
إذا كانت المقايضة في أصل مفهومها مبادلة بين أشياء من غير النقود فإنه لا يخلُّ بذلك أن يوجد مع أحد البدلين نقود، إذ من النادر أن يوجد شيئان مختلفان في التكوين متفقان في القيمة؛ لذلك يستعين طرفا المقايضة بالنقد لتعديل التوازن بين القيم المختلفة لشيئين متقايض عليهما وذلك بتعويض الفرق لأحد الطرفين بمبلغ من النقود يضاف إلى ما قيمته أقل الشيئين المذكورين، كمقايضة الكتاب بالساعة مع مبلغ من النقود وهكذا.
وفي هذا المجال تقول المادة 451 من القانون المدني السوري ومثيلاتها في القوانين العربية الأخرى كالقانون المصري والليبي والعراقي: «إذا كان للأشياء المتقايض فيها قيم مختلفة في تقدير المتعاقدين، جاز تعويض الفرق بمبلغ من النقود يكون معدّلاً».
الأحكام العامة للمقايضة
يمكن إجمال أحكام المقايضة بجملة واحدة، إنها أحكام عقد البيع إلا ما لا تسمح به طبيعة المقايضة وهو فقدان الثمن فيها، فهي مبادلة مبيع بمبيع ولا يوجد فيها ثمن. وإلى هذا تشير المادة 453 من القانون المدني السوري، ونظيراتها في بعض التشريعات العربية، بالقول: «تسري على المقايضة أحكام البيع، بالقدر الذي تسمح به طبيعة المقايضة، ويعتبر كل من المتقايضين بائعاً للشيء الذي قايض به ومشترياً للشيء الذي قايض عليه».
وبنتيجة هذا الاعتبار فإن المقايضة يجري فيها بين طرفيها أحكام ضمان الاستحقاق وضمان العيب وغير ذلك مما ينطبق على صحة عقد البيع والالتزامات المترتبة فيه على كل من البائع والمشتري.
الأحكام الخاصة بالمقايضة
لما كانت طبيعة عقد المقايضة تختلف عن طبيعة عقد البيع - لوجود مبيع ومبيع في المقايضة فقط ووجود مبيع وثمن في البيع - فإن أحكام البيع تسري على المقايضة بما تسمح به طبيعتها وفي هذه الحالة تطبق الأحكام الخاصة بها، ومن هذه الأحكام ما أشارت إليه المادة 452 من القانون المدني السوري بالقول: «مصروفات عقد المقايضة وغيرها من النفقات الأخرى يتحملها المتقايضان مناصفة، مالم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك».
ومن الأحكام الخاصة بالمقايضة أيضاً ما تعلّق منها بثمن المبيع من حيث كونه نقداً، وعليه فالأحكام المتعلقة بالبيع لجهة ثمن المبيع من حيث كونه نقداً لا تطبق في المقايضة لأن العوض فيها سلعة لا نقد.
وكذلك الأمر من حيث البدء بالتسليم، ففي البيع يكلف المشتري تسليم الثمن أولاً مالم يتفق على خلافه، إلا أن هذا الحكم لا يمكن تطبيقه في المقايضة لأن كلاً من العوضين فيها مبيع وثمن في وقت واحد، فعلى الطرفين المتقايضين أن يقوما بالتقايض والتسليم معاً في آن واحد مالم يتفق على خلافه.
إلياس حداد، سمير الشيخ علي
الموضوعات ذات الصلة: |
الارتفاق (حق ـ) ـ علم الاقتصاد ـ اقتصاد الرفاه ـ الانتفاع (حق ـ) ـ البيع (عقد ـ) ـ الرأسمالية ـ العقد ـ الماركسية.
مراجع للاستزادة: |
ـ مجموعة من الأساتذة، موجز القاموس الاقتصادي، (دار الجماهير، دمشق )1972.
ـ مجموعة من الباحثين، الاقتصاد السياسي للرأسمالية (دار التقدم، موسكو 1976م).
ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، الجزء الرابع. ـ محمد الزحيلي، القانون المدني المقارن بالفقه الإسلامي، البيع، المقايضة الايجار (منشورات جامعة دمشق 1994).
- التصنيف : القانون - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 254 مشاركة :