الباكستان(تاريخ-)
باكستان(تاريخ)
Pakistan - Pakistan
التاريخ
منطقة الباكستان إحدى أقدم المناطق الحضارية في العالم، إذ تعود حضارة حوض نهر السند إلى 7000 عام تقريباً، وما تزال آثارها في موهنجودار وهاربا ودكت دنجي. وقامت فيها ديانات متعددة منها البوذية وما تزال آثارها في بشاور وراولبندي، وديانة السيخ في لاهور حيث تقوم معابدها، كما تنتشر فيها معابد الهندوس. وقد وصلت إليها الحضارة الإغريقية القديمة في أواخر القرن الرابع ق.م، حين دخلتها جيوش الاسكندر المقدوني، وأقامت على تخومها مملكة باكترية الهلينية. ومع دخول الإسلام إلى المنطقة ترسخت جذور الدين الإسلامي فيها منذ أوائل القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي، فكانت العقيدة الإسلامية أكثرها عمقاً وأقواها أثراً في الكيان الباكستاني الراهن. ومع الموجات الإسلامية التي دخلتها، من طرفها الشمالي الغربي، في حوض السند، دخلها العرب والترك والفرس ثم المغول فامتزجوا مع قبائل الباتان وشعب بلوجستان[ر] وأبناء حوض السند وتكونت منهم على مدى اثني عشر قرناً السمات العامة لباكستان المعاصرة.
بدأ وصول العرب إلى أرض الباكستان منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان، وفي عهد الوليد بن عبد الملك دخلت جيوش الفتح الإسلامي بقيادة محمد بن قاسم الثقفي (62-98هـ) أرض السند ووصلت إلى أطراف كشمير. وفي عهد ابنه، عمر بن محمد الثقفي، بدأ تشييد مدينتي المنصورة والمحفوظة. وما لبثت بلاد السند كلها أن غدت إسلاميةً في عهد أبي جعفر المنصور (158هـ/775م)، وأصبحت السند والبنجاب جزءاً من دولة محمود الغزنوي، ووصل ابنه مسعود إلى مدينة بنارس على ضفاف نهر الغانج. وفي عهد شهاب الدين وقطب الدين من الأسرة الغورية اعتنق الكثيرون من أبناء الهند الدين الإسلامي. وتعد هذه الحقبة حجر الأساس في قيام الممالك الإسلامية في الهند.
وفي عهد الأسرة الشمسية (ناصر الدين وغياث الدين) التي تبعتها الأسرة الخلْجية (جلال الدين وعلاء الدين) ثم الأسرة التَغْلقية (غياث الدين وابنه فخر الدين) ثم فيروز شاه، ضُمت إلى هذه الممالك الإسلامية بلاد الدكن وجزءٌ من التبت وازدهرت العلوم والفنون وانتشر العمران (كثر بناء المساجد والمستشفيات والمعاهد العلمية وانتشرت السدود والأقنية) وقد امتدت هذه الحقبة حتى أواخر القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).
وفي عهد الأسرة التيمورية، الذي بدأ بدخول ظهير الدين محمد بابر (888-937هـ/1483-1530م) مدينة دلهي، أصبحت أغرة هي العاصمة وعاشت الهند في ظل أوسع سلطنة إسلامية عرفتها، وتولى أمرها سلاطين عظماء مثل جلال الدين محمد أكبر شاه، وشاه جهان باني تاج محل، وأورنغ زيب[ر] الذي كفل لغير المسلمين حريتهم الدينية، وقد أفلت شمس هذه السلطنة عام 1857 عندما أكمل الإنكليز سيطرتهم الاستعمارية على شبه القارة الهندية.
ومنذ بدأ التوغل الاستعماري الإنكليزي في الهند مع بداية القرن السابع عشر، اعتمد في تحقيق أهدافه سياسة «فَرِّقْ تَسُدْ» بتحريض الأمراء الهنود بعضهم على بعضهم الآخر وإثارة العداء الديني للمسلمين وبخاصة بين أتباع الديانة الهندوسية. وكثيراً ما حدثت معارك دموية بين الهندوس والمسلمين دفعت هؤلاء إلى التفكير بإنشاء كيان سياسي مستقل.
ظهر أول منهج لإقامة دولة خاصة بمسلمي الهند عام 1924 على يدي عبيد الله السندي، كما أسهم الفيلسوف والشاعر محمد إقبال (1876-1937) بفكره وعاطفته في إغناء فكرة إقامة مثل هذه الدولة. وكانت قد تأسست منذ عام 1906 جمعية عُرفت باسم «الرابطة الإسلامية لعموم الهند» ولكن نشاطها السياسي لم يتبلور حتى عام 1937، فقد برز في هذا العام حزب المؤتمر الهندي الذي ينادي بالقومية الهندية وحزب الرابطة الإسلامية بقيادة محمد علي جناح وينادي بقيام دولة تجمع المسلمين وتضع حداً للنزاعات الدينية بين المسلمين والهندوس.
انعقد مؤتمر حزب الرابطة الإسلامية في مدينة لاهور (22-24 آذار 1940) لبحث مستقبل المناطق ذات الأكثرية المسلمة في شمال غربي الهند وفي شرقيها، وأعلن المؤتمر ما سُمِّي بقرار الباكستان. وفي 26 نيسان عام 1943 انعقد مؤتمر حزب الرابطة الإسلامية وقرر وضع برنامج عملي لتأسيس دولة الباكستان. وتألفت لجنة من ستة أعضاء برئاسة محمد إسماعيل خان لهذه المهمة.
ولما جرت انتخابات الجمعية التشريعية المركزية لعموم الهند في 2 كانون الأول عام 1945 فاز حزب الرابطة الإسلامية بكل المقاعد المخصصة للمسلمين. أما في انتخابات الأقاليم في 22 شباط 1946 فقد حصل الحزب نفسه على 440 مقعداً من أصل 495 مقعداً مخصصة لمسلمي عموم الهند.
وفي 9 نيسان 1946 ترأس محمد علي جناح (1876-1948) اجتماعاً ضم الأعضاء المسلمين في الجمعية المركزية والأعضاء المسلمين في جمعيات الأقاليم وتقرر تأسيس دولة مستقلة من المناطق ذات الأغلبية المسلمة وأصدر اللورد لويس مونتباتن (نائب الملك في الهند) بياناً في 3 حزيران 1947 حول استقلال الهند وفصل باكستان عنها وذلك بعد مشاورات مع حكومة لندن رافقتها خطوات سياسية داخل الهند.
وقد وافق كل من مجلس العموم ومجلس اللوردات على القرار الذي وقعه ملك بريطانية جورج السادس في 18 تموز 1947 والذي يقضي بما يأتي: «إنه بدءاً من 15 آب عام 1947 تؤسس دولتان مستقلتان في الهند دولة الباكستان ودولة الهند وإن لكل منهما حاكماً عاماً، ويستمر تطبيق قانون حكومة الهند لعام 1935 إلى أن تضع كل من الدولتين دستورها الخاص بها».
وتألفت أول جمعية تأسيسية للباكستان في 11 آب 1947 وطلب محمد علي جناح إلى أعضائها أن يضعوا دستوراً للباكستان وأن تقوم الجمعية بالمهمة التشريعية.
عقدت الجمعية التأسيسية في كراتشي احتفالاً في 14 آب 1947 بمناسبة انتقال السلطة إلى شعب الباكستان، خطب فيه كل من محمد علي جناح واللورد مونتباتن، وفي اليوم التالي أقسم محمد علي جناح اليمين الدستورية أول حاكم عام للباكستان وعُيّن «لياقت علي خان» أول رئيس للوزراء.
التطورات السياسية الدستورية والداخلية: منذ قيام دولتي الهند والباكستان غلب التوتر على العلاقات بينهما. فقد برزت مشكلات تسببت في حروب دامية، ومن هذه المشكلات: مشكلتا حيدر آباد وكشمير، وكان قد تقرر قبل الاستقلال أن يُترك للإمارات التي تتمتع بحكم ذاتي أن يقرر شعبها مصيره. وما إن بدأ عهد الاستقلال حتى بادرت الهند إلى فرض إرادتها. ففي إمارة حيدر آباد شعب يدين معظمه بالهندوكية في حين كان أميرها مسلماً. وقد اجتاح الجيش الهندي هذه الإمارة واستولى على كل ما فيها وضمها إلى جمهورية الهند. أما في كشمير فإن شعبها مسلم وأميرها هندوكي، وقد استعان هذا الأمير بالقوات الهندية لينضم إلى الهند خلافاً لرغبة سكانها، فاشتعلت الحرب بين الدولتين ولم تتوقف إلا بتدخل هيئة الأمم المتحدة، وثُبّت خط وقف إطلاق النار في 1/1/1949، وقُسِّمت كشمير إلى منطقتين الأولى كشمير وجامو وضُمت إلى الهند، والثانية آزاد كشمير تتمتع باستقلالها وتتعاون مع الباكستان في شؤون الدفاع والخارجية. وجرى تبادل السكان بين الدولتين، ونزح إلى الباكستان نحو سبعة ملايين مسلم من أنحاء الهند ونزح إلى الهند نحو ستة ملايين من الهندوس. وقد تعرضت مدن الباكستان لضغط متزايد بسبب التبادل، ونشأت عن ذلك صعوبات كثيرة ولاسيما في القسم الغربي من الدولة.
بعد وفاة محمد علي جناح (11 أيلول 1948) خلفه «لياقت علي خان» في زعامة الرابطة الإسلامية وتولى «الخواجة نظام الدين» منصب الحاكم العام. ولما اغتيل لياقت علي خان (في تشرين الأول 1951) انقسم حزب الرابطة الإسلامية إلى شطرين أحدهما في باكستان الغربية وقد عُرف باسم حزب جناح الإسلامي والثاني في باكستان الشرقية سُمي حزب عوامي الذي أخذ ينادي بالاستقلال الذاتي للجناح الشرقي (البنغال) متذرعاً بأنه الشريك الخاسر في الدولة وبسوء الأحوال الاقتصادية التي يكابدها. وفي 29 شباط 1956 أُعلن الدستور الاتحادي بين شطري الباكستان الغربي والشرقي، وكان يقضي بإقامة نظام جمهوري وبأن يُمثَّل شطرا الجمهورية في المجلس الاتحادي بالتساوي، ولكل شطرٍ مجلسٌ محلي الأول في لاهور والثاني في دكا. ويُنتخب رئيس الجمهورية من المجلس الاتحادي والمجلسين المحليين، وتكون الحكومة مسؤولة أمام المجلس ويُختار رئيسها من قبل رئيس الجمهورية. كما عدّ الدستور اللغتين الأُردية والبنغالية لغتين رسميتين للدولة. وتولى اسكندر ميرزا رئاسة الجمهورية مؤقتاً، وكان يشغل منصب الحاكم منذ آب 1955، واستمرت الاضطرابات بسبب النزاعات السياسية بين الشطرين الشرقي والغربي، فضلاً عن صعوبة الأوضاع الاقتصادية، مما دعا اسكندر ميرزا إلى تعليق الدستور في 7/10/1958 وإعلان حالة الطوارئ، وتسلّم قيادة البلاد الجنرال محمد أيوب خان فقام بتنحية اسكندر ميرزا في 28 من الشهر نفسه وتولى منصب رئيس الجمهورية.
وفي عام 1959 وُضع قانون الإصلاح الزراعي لحماية صغار الفلاحين كما وُضع في أوائل عام 1960 برنامج سياسي على أسس ديمقراطية تشارك فيه مجالس شعبية يتألف أعضاؤها من قسمين أحدهما تنتخبه جماهير الشعب والثاني تعيّنه الحكومة، وتُجدّد هذه المجالس كل خمس سنوات. وثُبّت في شهر شباط عام 1960 محمد أيوب خان في منصب رئاسة الجمهورية.
وفي الأول من آذار عام 1962 أعلن أيوب خان دستوراً رئاسياً يقضي بتأسيس جمعية وطنية يُنتخب أعضاؤها من الشعب، وجرت الانتخابات في 28 نيسان 1962، وفي حزيران من العام نفسه أُلغيت الأحكام العرفية وأخذت الأوضاع السياسية تستقر من جديد وأُعيد انتخاب أيوب خان لرئاسة الجمهورية عام 1965، ولكن مالبثت الباكستان أن دخلت في صراع مع الهند بسبب كشمير للمرة الثانية، إلا أن تدخل الدول الكبرى أوقف الحرب في العام نفسه. وقد استضاف الاتحاد السوفييتي (سابقاً) لقاءً بين الرئيس أيوب خان ورئيس وزراء الهند لال باهادور شاستري في طشقند ووُقِّع على بيان مشترك لإعادة العلاقات الطبيعية (10 كانون الثاني 1966)، وبقيت مشكلة كشمير معلقة. غير أن الأوضاع الداخلية عادت واضطربت، وبرز زعيمان حملا لواء المعارضة للرئيس أيوب خان أحدهما ذو الفقار علي بوتو[ر] الذي أسس حزب الشعب (تشرين الثاني 1967) في الباكستان الغربية والثاني الشيخ مجيب الرحمن زعيم حزب عوامي في الباكستان الشرقية.
وآثر أيوب خان أن يترك منصبه للجنرال يحيى خان في 25 آذار 1969، وبادر الرئيس الجديد إلى تعليق الدستور وأخذ يحكم البلاد حكماً عسكرياً. وجرت الانتخابات في كانون الأول 1970 وفاز فيها الحزبان المعارضان. وفي كانون الثاني 1971 أعلن مجيب الرحمن رفضه المشاركة في وضع دستور لا يستجيب لمطالب الباكستان الشرقية بالاستقلال الذاتي، وعادت الاضطرابات الداخلية في باكستان الشرقية خاصة، فلجأ يحيى خان إلى إعلان الأحكام العرفية واعتُقل مجيب الرحمن ونُقل إلى باكستان الغربية فأعلن أنصاره في 26 آذار 1971 استقلال الباكستان الشرقية تحت اسم بنغلادش[ر] وتألفت فيها حكومة مؤقتة، وتدخلت الهند عسكرياً لمساندة الحركة الانفصالية، فدخل جيشها مدينة دكّا (16 كانون الأول 1971) كما فتحت جبهة ثانية في كشمير، وهكذا اشتعلت الحرب الثالثة بين الهند والباكستان وكان من أهم نتائجها تثبيت انفصال بنغلادش.
تولى ذو الفقار علي بوتو[ر] رئاسة الباكستان خلفاً للجنرال يحيى خان (20 كانون الأول 1971) في مرحلة صعبة اقتصرت فيها الباكستان على الشطر الغربي وفي جو من العلاقات المتوترة مع الهند، ولكن عام 1972 شهد تقارباً بين الدولتين، إذ التقى علي بوتو رئيسة وزراء الهند آنديرا غاندي ووقعا اتفاقاً في 3 تموز 1972 عُرف باتفاق سيملا Simla عادت بموجبه العلاقات الطبيعية بين الدولتين وتبع ذلك إلغاء الأحكام العرفية.
وفي 10 نيسان 1973 وُضع دستور ثالث للباكستان على أساس اتحادي بين المقاطعات (البنجاب والسند وبلوجستان وإقليم الحدود الشمالية الغربية) ولكل منها جمعية تشريعية وحكومة محلية، وتولى فضل إلهي شودهري رئاسة الجمهورية وتولى بوتو رئاسة الوزارة وهو مسؤول أمام الجمعية التشريعية ويحكم البلاد بموجب صلاحياته الواسعة، التي أدت إلى نشوء أزمة سياسية واضطرابات واسعة نجم عنها قيام الجنرال محمد ضياء الحق بحركة عسكرية أطاحت حكم بوتو وأعدمته.
بدأ ضياء الحق عهده بالسيطرة على الاضطرابات وتمكن من التغلب على الأوضاع المتوترة بين مقاطعات الباكستان وأعاد الهدوء إلى بلوجستان، وانتقل عدد من رجال الجيش إلى الوظائف المدنية في الإدارة والقضاء والمؤسسات الاقتصادية والوظائف السياسية والدبلوماسية. ثم أعلن ضياء الحق عام 1983 إجراء انتخابات في مدة لا تتجاوز شهر آذار 1985، وكان الزعماء الإسلاميون يرفضون تطبيق الأنظمة الديمقراطية الغربية، ويؤكدون أن نظام الشورى الإسلامي هو الأفضل لدولة الباكستان. وقد أظهر ضياء الحق ميلاً إلى هذا الاتجاه إذ كان يؤكد في برنامجه عزمه على إيجاد دولة إسلامية. واستعان برجال لهم هذا الاتجاه من أبرزهم رئيس الوزراء محمد خان جوينجو الذي اشتهر ببرنامج يهدف إلى الانتقال من الحكم العسكري إلى نظام ديمقراطي إسلامي يزدهر فيه الاقتصاد ويستأصل البطالة ويتجه نحو التقنية العلمية بالإضافة إلى توفير الأمن والعدالة واتباع سياسة خارجية متوازنة وبناء جيش قوي لحماية الدولة. وجرت انتخابات الجمعية التشريعية عام 1985، وبدا أن عهد ضياء الحق قد حقق خطوات ناجحة في بناء الدولة على أسس علمية سليمة، وتمكن من إصلاح الأخطاء ومحاربة الفساد. ومع ذلك فقد برزت جبهة المعارضة من جديد بزعامة بي-نظير بوتو ابنة علي بوتو التي أخذت مكان أبيها في زعامة حزب الشعب. وفي 17آب 1989 انتهى عهد ضياء الحق بمصرعه في حادثة سقوط الطائرة التي كانت تُقله داخل الباكستان مع عدد من القادة ورجال الدولة والسفير الأمريكي في باكستان، وبذلك تيسّر للمعارضة أن تصل إلى الحكم.
الأوضاع الراهنة: جرت انتخابات عامة في أواخر عام 1989 وتمكنت بي-نظير بوتو مع حزبها من الفوز بالأكثرية، مما أتاح لها أن تتسلم منصب رئاسة الحكومة في 2كانون الأول من العام نفسه. وقد حاولت أن تعود بالباكستان إلى سياسة أبيها في بناء نظام ديمقراطي تجاري فيه، إلى حد كبير، الأنظمة الديمقراطية في الدول الغربية. وقد أثار هذا الاتجاه الفئات الدينية مرة أخرى وعدداً من رجال السياسة والقيادات العسكرية مما أدى إلى إطاحة حكمها في 6 آب 1990.
وفي العام نفسه انتُخبت جمعية تشريعية في 26 تشرين الأول 1990، أعقبها تولّي رئيس الوزراء نواز شريف قيادة الدولة في 6 تشرين الثاني من العام نفسه. ويتصف عهده باتباع سياسة داخلية وخارجية متوازنة بالإضافة إلى انتهاج سياسة اقتصادية رُسمت في الخطة الخمسية (1987-1992)، ومما يجدر ذكره أن وزير الخارجية في الحكومة الباكستانية أصدر بياناً يوم 18 كانون الثاني 1993 يتضمن رغبة الباكستان في التعايش بسلام مع جارتها الهند وحل المشكلات بين الدولتين على أسس سليمة وعادلة. وفي عام 1993 تمكنت بي-نظير بوتو من تولي منصب رئاسة الوزراء مرة ثانية بعد فوزها في الانتخابات، ولكنها واجهت صعوبات سياسية واقتصادية كبيرة، كما اندلعت أعمال عنف واضطرابات مختلفة سقط فيها مئات الأشخاص وخاصة في كراتشي العاصمة الاقتصادية والتجارية للبلاد. وأدت هذه الأوضاع إلى عزلها من منصبها في أواخر عام 1996 بقرار من رئيس الجمهورية فاروق ليغاري. وتولى خصمها السياسي نواز شريف رئاسة الوزارة منذ عام 1997 فهدأت الأوضاع. وفي شهر حزيران عام 1998 قامت الباكستان بتفجير قنبلتها الذرية الأولى رداً على قيام الهند بإجراء تجربة مماثلة. وردت الولايات المتحدة الأمريكية بتعليق مساعداتها لباكستان وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وتبنى نواز شريف مشروع قانون يجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للقوانين في البلاد فواجه بعض المعارضة. وفي صيف عام 1999 قامت مجموعات إسلامية مسلحة بعبور خط الهدنة في كشمير ومهاجمة المواقع الهندية مما أدى إلى اندلاع المعارك بين الهند وباكستان، وتدخلت الولايات المتحدة وأجبرت باكستان على سحب المقاتلين الإسلاميين من كشمير وكذلك الحد من دعمها لحركة طالبان الأفغانية، وأدى هذا إلى وقوع انقلاب عسكري في 12/10/1999 بقيادة الجنرال برويز مشرف أسفر عن إقالة رئيس الوزراء نواز شريف واعتقاله، كما أعلن الجيش تعليق العمل بالدستور وحل الحكومة والجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ وحكومات الأقاليم وفرض حالة الطوارئ في البلاد، وعُيّنت حكومة مؤقتة من العسكريين والمدنيين لإدارة البلاد وتشكيل مجلس للأمن القومي وبدأت حملة لمكافحة الفساد المستشري في الإدارات والوضع الاقتصادي والأمني المتدهور، وجرت محاكمة نواز شريف بتهمة الفساد والتآمر على قائد الجيش وأُدين ولكنه سُمح له في أواخر عام 2000 بمغادرة البلاد والذهاب إلى المنفى في المملكة العربية السعودية. كما جرت في شهر كانون الأول عام 2000 أول انتخابات محلية في ظل الحكم العسكري كخطوة على طريق إعادة الديمقراطية للبلاد.
علاقات الباكستان الدولية وسياستها الخارجية: انطلقت سياسة الباكستان، في علاقاتها الدولية، من منطلق تقوية مركزها لمجابهة حالة التوتر الخطرة بينها وبين جارتها الهند، ففي أقل من ربع قرن خاضت الباكستان ثلاثة حروب مع الهند على الرغم من محاولاتها المتكررة لتحسين علاقاتها مع جارتها الكبرى وحل مشكلاتها معها بروح المودة وحسن الجوار.
وقد ارتبطت الباكستان عام 1954 بحلف جنوب شرقي آسيا، وكانت الولايات المتحدة تعتمد على هذا الحلف لوقف انتشار الشيوعية إبان الحرب الباردة. ولما وقعت الحرب الثانية عام 1965 بين الباكستان والهند لم تبادر الولايات المتحدة إلى مساعدة الباكستان بل على العكس أوقفت مساعداتها العسكرية والاقتصادية، يضاف إلى ذلك أن موقف الولايات المتحدة في الحرب الثالثة بين الباكستان والهند عام 1971 اقتصر على تأييد الباكستان على الصعيد الدبلوماسي وامتنعت عن تقديم أي عون عسكري لها، وقد أدى ذلك إلى دفع الباكستان إلى التقارب مع الصين فحصلت منها على دعم سياسي واقتصادي ونمو في المبادلات التجارية فضلاً عن الإمدادات بالأسلحة.
وبعد توقيع اتفاقية سيملا عام 1972 في أعقاب الحرب الثالثة بين الباكستان والهند حدث انعطاف في العلاقات الهندية الباكستانية وتزايد أنصار التقارب وإقامة علاقات ودية معها، وتجنب أي مشكلة تحدث توتراً بين الدولتين، وهذا ما ظهر جلياً في عهد بوتو، واتجهت الباكستان نحو التخلص من سياسة الارتباط بالأحلاف العسكرية مثل حلف جنوب شرقي آسيا وحلف بغداد (سابقاً)، وقد أدى ذلك إلى تزايد علاقاتها مع الدول المحايدة، وضعف الصلات بين واشنطن وإسلام آباد عام 1976 وبخاصة عندما شرعت باكستان تقيم منشآت ذرية. وفي الوقت ذاته اتجهت الباكستان نحو تدعيم علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي الذي قام بإنشاء مصنع للفولاذ في كراتشي عام 1970. كذلك الأمر مع فرنسة وبريطانية على الرغم من انسحاب الباكستان من رابطة دول الكومنولث إثر انفصال بنغلادش.
وفي مضمار العلاقة مع أفغانستان فقد تحسنت عن ذي قبل بعد أن توقف قادتها عن المطالبة بقيام دولة باشونيستان التي تضم منطقة الباتان الباكستانية، وبعد تدخل السوفييت في الحرب الأهلية، التي استعرت في أفغانستان، لجأ عدد كبير من الأفغانيين إلى الباكستان ووصل عددهم إلى 2.5 مليون عام 1982 حتى إن قيادة المقاومة الأفغانية، للوجود السوفييتي في أفغانستان لدعم رئيسها نجيب الله، جعلت مقرها في الباكستان (بشاور) وأصبحت الحدود بين الجارتين مفتوحة لتَنَقُّل فصائل المقاومة الأفغانية مما جعل الولايات المتحدة تمد الباكستان بالعون العسكري والاقتصادي.
أما على صعيد العلاقات مع الدول العربية والإسلامية فقد حرصت الباكستان منذ البداية على إقامة علاقات متينة معها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، كما حرصت، في موقفها من القضية الفلسطينية، على تأييد الحق العربي، وأقرب الأمثلة على ذلك جولة رئيس الوزراء نواز شريف إبان أزمة الخليج (عام 1991) في عدد من الأقطار العربية والإسلامية ومنها سورية التي زارها في (24-25 كانون الثاني 1991) يرافقه وزير الخارجية زادة يعقوب خان. وقد شملت المحادثات العلاقات الودية بين الدولتين سورية والباكستان إضافة إلى بحث أزمة الخليج بروح من الصداقة وتبادل الأفكار.
محمد حسن عبيد
- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد الرابع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 629 مشاركة :