اسبانيه (تاريخ)
Spain - Espagne

إسبانية 

تاريخ إسبانية

 

حملت إسبانية أسماء كثيرة في التاريخ منها بيرينه وهسبانيه وإيبرية. سماها الفينيقيون إشفافية، وسماها العرب الأندلس، وتسمى بالإسبانية إسبانية Espania.

ودلت الأبحاث على أنها كانت مأهولة منذ العصر الحجري القديم، فقد وجدت بقايا إنسان نياندرتال بالقرب من جبل طارق ومنطقة مدريد. وفي أواخر ذلك العصر عاش إنسان كرومانيون، فقد عثر على أدوات ورسوم جدارية في كهوف ألتاميرا Altamira في منطقة بسكاي وتمثل هذه الرسوم مشاهد من الصيد وحيوانات مختلفة.

أما من العصر الحجري الحديث فتدل الآثار التي عثر عليها في كهوف منغا Menga وألِمرية Almeria على قدوم جماعات من الشمال الإفريقي عرفت الغزل والنسيج والأواني الفخارية والحجارة المصقولة ولاسيما في موقع المقاطعة التي تعرف اليوم باسم مقاطعة مالقة.

إسبانية قبل الفتح العربي الإسلامي

ما قبل الرومان: في أواخر الألف الثاني ق.م قدم الفينيقيون والإيجيون والإغريق وأقاموا محطات تجارية على الساحل الإسباني المتوسطي، وسمى الفينيقيون مضيق جبل طارق الحالي «مضيق ملقرت» (أحد آلهة مدينة صور)، ولحق بهم الإيونيون في القرن السابع ق.م. أما في داخل إسبانية فقد سكن الكلتيون (عناصر جرمانيه قدمت من الشمال) والإيبريون (الذين قدموا من الجنوب ولهم ملامح متوسطية).

ويعد القرطاجيون أبناء الفينيقيين. وقد أقاموا امبراطورية في غرب البحر المتوسط، وسيطر هانيبال على إسبانية واكتسح ساغونية (حليفة رومة) واستثمر موارد إسبانية وجند رجالها في خطة لغزو رومة براً من الشمال.

العصر الروماني: وفد الرومان إلى إسبانية منذ القرن الثاني ق.م ولم تتحقق سيطرتهم الفعلية إلا سنة 19 ق.م في عهد أغسطس. وقد نشروا ثقافتهم اللاتينية وتشريعاتهم وتنظيماتهم الإدارية واستثمروا ثرواتها المعدنية. وازدهرت الحياة الفنية والفكرية واشتهر من الشعراء سنيكا مارسياليس وبرز من بين الإسبان أباطرة عظام مثل تراجان، ومارك أوريل. ثم اعتنق الإسبان المسيحية، فأصبحت إسبانية من المراكز المهمة لها.

القوط الغربيون «الفيزيقوط» والفاندال: وهم من البرابرة الجرمان. أخذوا يتسربون إلى إسبانية منذ القرن الخامس الميلادي. وقد عهد الامبراطور الروماني هونوريوس إلى زعيم القوط آتولف زوج أخته بالعمل على دعم النفوذ الروماني في إسبانية. ولكن القوط ما لبثوا أن استقروا وتكاثروا في إسبانية وأجبروا الفاندال الذين كانوا يقيمون في فاندالوسية (الأندلس) على النزوح إلى شمالي إفريقية. وفي سنة 476م اعترف امبراطور الدولة الرومانية الشرقية زينون بزعيم القوط أوريك ملكاً على إسبانية.

استمرت دولة القوط أكثر من قرنين، وشملت معظم الأراضي الإسبانية بعد أن أجبر القوط جماعة السويف على النزوح إلى شمال غربي إيبرية. ومن أبرز ملوكهم ريكاردوس وقد تحول ومعه شعبه إلى الكاثوليكية في مجمع طليطلة الثالث سنة 589م، وكانوا يعتنقون الآريوسية [ر. آريوس والآريوسية]. وفي سنة 702م صعد ويتيزا Witiza العرش (ويسميه العرب غيطشة)، وقد كثرت في عهده المؤامرات والاضطرابات بسبب سوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، فقد كان النبلاء ورجال الكنيسة يعيشون حياة الترف في القصور الفخمة في حين كان العاملون في الزراعة والصناعة يعانون الفقر والإذلال. وكان جيرانهم من العرب المسلمين في إفريقية الشمالية يعيشون في ظل العدل والمساواة، ولعلَّ هذا من بين الأسباب التي سهلت الفتح العربي الإسلامي.

الفتح العربي الإسلامي 92هـ/ 711م ـ العرب في الأندلس

قبل فتح العرب المسلمين الأندلس[ر] بسنة واحدة تولى عرش إسبانية رودريغ (لذريق) بدعم من النبلاء وكبار الأحبار. وقد ساءت العلاقة بينه وبين يوليان صاحب سبتة. وكان موسى بن نصير يلي شمالي إفريقية من قبل الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86 - 96هـ/ 705- 715م). اتصل يوليان بموسى وشجعه على محاربة القوط وغزو إسبانية. فأرسل موسى حملة استطلاع بقيادة طريف بن مالك عام 91هـ/ 710م وعاد طريف بالغنائم ولمس ضعف القوط. عندها عهد موسى إلى طارق بن زياد[ر]، الذي كان قلّده طنجة، بقيادة حملة الفتح عام 92هـ/ 711م.

اجتاز طارق المضيق الذي غدا يحمل اسمه ورست سفنه عند الجزيرة الخضراء حيث صخرة الأسد (سميت جبل طارق) والتقى الطرفان في وادي نهر لكّة، وانتصر طارق وقتل رودريغ ثم أخذ جيش طارق يتقدم، فاستولى على قرطبة ثم طليطلة ومن بعدها سرقسطة ووصل إلى آستروغا في جيليقية شمال غربي إسبانية.

لحق موسى بن نصير بطارق عام 93هـ/ 712م وفتح مدينة قرمونة الحصينة وسار إلى إشبيلية وكانت محصنة فدخلها بعد حصار دام عدة أشهر، ومنها إلى ماردة ثم إلى برشلونة، ومن ثم تابع نحو جيليقية حيث وصل طارق. ودانت معظم إسبانية للحكم الجديد وأصبحت ولاية مرتبطة بدمشق عاصمة الخلافة الأموية.

أسرع العرب في تنظيم ولاية الأندلس. وعندما خلف عبد العزيز أباه في الولاية باشر بتنظيم الحكم، وألف مجلساً لاستنباط الأحكام الشرعية، وعُني بإنعاش الاقتصاد، ورَفَعَ عن الإسبان المظالم كما أمّنهم على أنفسهم ومعتقداتهم وأموالهم، وضمن حريتهم وشجع العرب المسلمين على حُسن معاشرة السكان ومصاهرتهم، كما أن خلفه أيوب بن حبيب الفهري نشر العدل والمساواة، وسمح لليهود المضطهدين في العهود الماضية بمزاولة التجارة وضمن سلامتهم وأموالهم.

تعاقب على ولاية الأندلس عشرون والياً برز منهم السمح بن مالك الخولاني الذي أغار على أكيتانية في غربي فرنسة واستشهد فيها، وعبد الرحمن الغافقي الذي استولى على أكيتانية التي استنجدت بملك الفرنجة شارل مارتل. واستشهد عبد الرحمن في معركة بلاط الشهداء[ر] بالقرب من بواتييه عام 114هـ/ 732م. ولما كانت ولاية يوسف الفهري، وصل الأندلس الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل[ر] (صقر قريش) عام 138هـ/ 756م وكان قد غادر بلاد الشام بعد انهيار الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية عام 132هـ/ 749م.

ممالك إسبانية الشمالية ونزاعها مع العرب: ضعف العرب في إسبانية (الأندلس) بعد زوال الدولة الأموية فيها عام 422هـ/ 1031م، وأخذ ملوك الطوائف يقتتلون ويستعين بعضهم على بعض بالممالك المسيحية في الشمال. واستفادت هذه الممالك من انقسام العرب فكانوا يغيرون على ملوك الطوائف ويستولون على الأرض وهذا ما سماه المؤرخون الغربيون حروب الاسترداد La Reconquista. علماً أن الحروب بدأت مبكرة إذ إن أولى معارك الاسترداد حدثت سنة 103هـ/ 722م حينما انتصر دون بيلايو Don Pelayo ملك آشتوريش في معركة كوفادنجا Covadongaعلى العرب المسلمين، وهذه المملكة هي ماتبقى من مملكة القوط الكبرى التي هزمها الفتح العربي الإسلامي سنة 92هـ/ 711م. وقد أخذت هذه المملكة تتوسع في حوض نهر دويرة (دورو Deuro) ونقلت عاصمتها من أوفيدو Oviedo إلى ليون في الداخل. وكان القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي حافلاً بالنزاع بين هذه المملكة والعرب ولكن عبد الرحمن الناصر ومن بعده الحاجب المنصور أرغما ملوكها على الانسحاب شمالاً مع دفع الجزية. وفي المرحلة ذاتها اعترفت مقاطعتا نافار وقطلونية في الشمال بسلطة الخلافة وقطعتا العلاقة مع فرنسة.

وبرزت مملكة قشتالة عندما استقل بها فرنان غونزاليز Fernan Gonzalez عام 350هـ/ 961م وتوسعت فيما حولها وأصبحت قادرة على منازلة ملوك الطوائف بسهولة وفرضت على بعضهم الجزية واشتهر من ملوك قشتالة ألفونسو السادس الذي استولى على طليطلة عام 478هـ/ 1085م مما دعا عرب الأندلس إلى الاستغاثة بالمرابطين[ر] ثم الموحدين[ر] في شمالي إفريقية.

المرابطون في الأندلس ـ معركة الزلاّقة: اجتاز أمير المرابطين يوسف بن تاشفين مضيق جبل طارق عندما دعاه صاحب إشبيلية المعتمد بن عباد والتقى الطرفان ابن تاشفين وألفونسو السادس بالقرب من بطليوس (479هـ/ 1086م) وجرت معركة ضارية سميت معركة الزلاقة [ر. الأندلس] هُزِمَ فيها الإسبان واستعاد المسلمون هيبتهم وحمل ابن تاشفين لقب أمير المسلمين. ووضع يده على الأندلس عندما عاد إليها ثانية لمحاربة ألفونسو الذي استعاد قوته. وظهر في هذه المرحلة سيد كامبيادور Cid Campeador واحتل بلنسية عام 483هـ/ 1090م كما بسط نفوذه على مملكة سرقسطة وهو في نظر الغرب بطل أسطوري أحاطوه بهالة من التقديس. واستطاع ملوك قشتالة فيما بعد أن يسيطروا على قادس وألمرية في أقصى الجنوب.

الموحدون في الأندلس ـ معركة حصن الأرَك: وعندما ضعفت دولة المرابطين استعاد ملوك الطوائف عروشهم الضعيفة. ولكن دولة الموحدين أخذت مكان المرابطين، ودخل أمير الموحدين عبد المؤمن بن علي الأندلس وأجبر الإسبان على الانسحاب من المناطق التي احتلها ألفونسو الثامن ولكن الحرب بين الموحدين وملوك قشتالة راوحت بين النصر والهزيمة إلى أن خاض حفيد عبد المؤمن وهو أبو يوسف يعقوب معركة حصن الأرك Alarcos سنة 590هـ/ 1195م وتحقق النصر للموحدين وحمل أبو يوسف لقب المنصور بالله. وقد استرد ملوك قشتالة بعد قرن ونصف قوتهم وسيطروا على جبل طارق.

ومن ممالك الشمال مملكة أراغون الصغيرة بجوار جبال البيرنية وكانت صغيرة المساحة ولكنها توسعت عندما وليها ميرو الأول. وقد وصل ملكها ألفونسو المحارب (394- 425هـ/ 1104- 1134م) إلى غرناطة كما وحّد آراغون وقطلونية. ثم توسعت فيما بعد ووصلت إلى برشلونة، وفي الجنوب إلى ألمرية.

أما مملكة البرتغال في الغرب فقد نشأت عام 486هـ/ 1093م بين نهري تاجه (تاجو) في الجنوب ومينيو Miño في الشمال وتولى حكمها أسرة من أصل فرنسي. وكان لها أثر في حروب الاسترداد واحتل ملوكها قرطبة وإشبيلية وقادس في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي.

دخلت دولة بني مرين التي خَلَفَتْ الموحدين النزاع العربي ـ الإسباني فاستعادت جيوشها جبل طارق سنة 733هـ/ 1333م، ثم فرضت حصاراً على مدينة طريف بالقرب من المضيق، ولكن دورها كان قصيراً بعد سقوط الجزيرة الخضراء بيد الإسبان سنة 742هـ/ 1342م. وتوقفت المعارك بين العرب والإسبان أكثر من قرن ولم يبق بيد العرب إلا مملكة غرناطة.

اتحاد مملكتي قشتالة وآراغون وسقوط غرناطة: كان على عرش مملكة آراغون خوان الثاني (860- 884هـ/ 1458- 1479م) خطب لابنه وولي عهده فرناندو ولية عهد قشتالة إيزابيلا وكان الزواج، واتحاد التاجين في كل من المملكتين بموجب اتفاقية عام 880هـ/ 1475م، وتتضمن أن يحكم الملكان الكاثوليكيان فرناندو وإيزابيلا معاً مع احتفاظ كل مملكة بقوانينها الخاصة. وبذلك تكون هذه الاتفاقية التاريخية منطلق الوحدة الإسبانية.

بدأت الأعمال الحربية على غرناطة سنة 886هـ/ 1481م، وكان يحكمها أبو عبد الله من بني الأحمر، فاستولت جيوش فرناندو وإيزابيلا على الحصون والقلاع في الداخل وكذلك على الموانئ من جهة البحر (مالقة وماربلا وقادس وألمرية) لقطع الصلة ببلاد المغرب، وأحكم الحصار على غرناطة عام 894هـ/ 1489م حتى أصبحت في ضيق شديد، واجتمع العلماء وأولو الأمر في بلاط أبي عبد الله واتفقوا على تسليم المدينة صلحاً. خرج أبو عبد الله مع حاشيته وحرسه وقام حاجبه أبو القاسم بتسليم مفاتيح المدينة. ودخل الملكان الكاثوليكيان المدينة وصعدا قصر الحمراء وبذلك فقد العرب الأندلس سنة 897هـ/ 1492م، وهذا ما عبّروا عنه بالفردوس المفقود.

إسبانية في العصر الحديث

يبدأ تاريخ إسبانية الحديث مع القرن السادس عشر. ويطلق عليه المؤرخون «القرن الذهبي» Siècle d’or في تاريخ إسبانية التي ورثت عن العرب تاريخاً غنياً كان له أثر مهم في النهضة الإسبانية والأوربية. وتعززت في هذا القرن وحدتها الإقليمية وأنشأت امبراطوريتها الاستعمارية فيما وراء البحار نتيجة للكشوف الجغرافية وتدفقت على موانئها ثروات مختلفة وامتلأت خزائنها بالذهب وأسواقها بالسلع الثمينة.

وحّد فرناندو وإيزابيلا إسبانية سياسياً، وإلى جانبها مملكة البرتغال الصغيرة نسبياً. وعهد الملكان إلى الكاردينال سيسنيروس بتنظيم الكاثوليكية، وتنصير السكان المسلمين واليهود. وقد بدأ هذا عمله بإنشاء محاكم التفتيش بموافقة البابا اسكندر السادس لملاحقة من بقي من العرب المسلمين، والذين اعتنقوا الإسلام من أصل نصراني إسباني (الإسبان المسلمين). وقد تظاهر كثير منهم باعتناق النصرانية وأسرّوا إسلامهم، أما اليهود فقد غادر كثير منهم البلاد، ومن بقي منهم تظاهر بالمسيحية. وفي عام 1501 أصدر الملكان الكاثوليكيان تشريعاً يفرض على المسلمين الاختيار بين النصرانية أو مغادرة البلاد. والتشريع الثاني أصدره شارلكان عام 1525 خاص بالإسبان المسلمين في منطقة آراغون وهو مكمل لسابقه. أما التشريع الثالث فقد أصدره فيليب الثاني عام 1556 ويفرض على بقية المسلمين ترك دينهم ولغتهم وعاداتهم. ثم أصدر فيليب الثالث عام 1609 تشريعاً يقضي بطرد المسلمين من إسبانية قسراً، ويقدر الباحثون عدد الذين قُتلوا أو طُردوا حتى مطلع القرن السابع عشر بنحو ثلاثة ملايين.

كذلك عمل الملكان على تدعيم مكانة إسبانية السياسية باتباع أسلوب مصاهرة الأسر الحاكمة في أوربة، فقد تزوج ولي عهد البرتغال مانويل «السعيد» من ابنتيهما إيزابيلا ثم مارية، وتزوج فيليب الأول وهو ابن الامبراطور النمسوي مكسيميليان من آل هابسبورغ من ابنتهما «خوانة»، وتزوج ابنهما خوان من مارغريت النمسوية أخت فيليب، وتزوج آرتور ابن ملك إنكلترة ابنتهما كتالينة. وبعد وفاة آرتور تزوجت كتالينة من أخيه الذي حمل بعدئذ اسم هنري الثامن. وتبين فيما بعد أن لهذه المصاهرة انعكاسات جرَّت إلى حرب الوراثة الإسبانية وحرب الوراثة النمسوية. وفي مجال التوسع احتل الملكان جزر الخالدات (كناري) في المحيط الأطلسي ومليلة وسردينية وروسيليون كما تم احتلال وهران وبجابة في الجزائر.

أما الكشوف الجغرافية فينسب المؤرخون إلى إيزابيلا الفضل في تمويل بعثة كريستوف كولومبس التي انطلقت بثلاث سفن من ميناء بالوس 3آب 1492 نحو جزر كناري، ثم اتجهت غرباً فوصلت جزر الباهامة ومنها إلى هاييتي ثم كوبة ثم عاد كولومبس إلى إسبانية بسفينتين في 15 آذار 1493. وكانت رحلته الثانية في العام نفسه نحو جزر الآنتيل وبنى أول مدينة أوربية في أمريكة سماها (لاـ إيزابيلا) وكشف جمايكة. وقام برحلة ثالثة عام 1498 إلى مصب نهر الأورينوكو في الساحل الشمالي لأمريكة الجنوبية. والرحلة الرابعة والأخيرة له عام 1502 كشف فيها كولومبس سواحل أمريكة الوسطى. أما بالبوا فقد اجتاز برزخ بنمة ووصل إلى ساحل المحيط الهادئ.

وكان ينافس إسبانية في ميدان الكشوف جارتها البرتغال فأصدر البابا اسكندر السادس عام 1493 براءتين وقسَّم بين الجارتين الأراضي المكشوفة.

ولم تستمر مسيرة الملكين فقد توفيت إيزابيلا عام 1504 فحكم زوجها فرناندو قشتالة وصياً على كارلوس بن فيليب الجميل واستمرت هذه الوصاية حتى وفاة فرناندو 1516 فخلفه الحفيد كارلوس (كارل) الذي حمل اسم شارلكان.

 شارلكان (1516ـ 1556): كان مولده في ثماند من بلاد الفلاندر (بلجيكة اليوم) ورث عن أبيه فيليب الأول هولندة والفلاندر وأراتوا ولوكسمبورغ وكونتيه في فرنسة. وورث عن جده فرناندو عرش آراغون وقطلونية وفالنسية وجزر الباليار وسردينية ونابولي وصقلية. كما ورث بسبب جنون أمه «خوانة» مملكة قشتالة وممتلكاتها في أوربة والمواقع المحتلة في شمالي إفريقية وممتلكات العالم الجديد. وعن جدِّه مكسيميليان عام 1519 النمسة وسائر ممتلكات آل هابسبورغ. وفي السنة نفسها انتخب امبراطوراً لألمانية باسم شارلكان (كارل الخامس). وهو بذلك أعظم ملوك أوربة.

ظهرت في عهده الحركة اليسوعية Jésuites عام 1540 أسسها المحارب الكاثوليكي إيغناس دولويولا Jgnace de Loyola وهي أقوى تنظيم ديني لخدمة الكاثوليكية.

اشتهر شارلكان بحروبه مع فرنسة ومع الدولة العثمانية. انتصر على فرانسوا الأول (ملك فرنسة) عام 1521 وأجبره وهو أسيره على توقيع معاهدة مدريد عام 1526 فاعترف لإسبانية بحقها في امتلاك ميلانو وبورغونيه. ولما رفض فرانسوا الأول فيما بعد تسليم بورغونية اندلعت الحرب ثانية واشترك البابا مع فرنسة مما جعل شارلكان يحتل رومة. وفي صلح لاس داماس (1529) بقيت بورغونية لفرنسة وتسلّم شارلكان تاج الامبراطورية من البابا عام .1530

أما حروبه مع الدولة العثمانية فقد حدثت عندما توغل السلطان سليمان القانوني في البلقان ووصلت جيوشه إلى أبواب فيينة. وقد عمل شارلكان على تأليف وحدة كاثوليكية ضد العثمانيين واستعان بالأمراء الألمان بعد عقد صلح نورمبرغ معهم سنة 1532 وتمكن عندها من فك الحصار العثماني عن فيينة سنة 1533. ثم احتل تونس سنة 1535 وأخفق في احتلال الجزائر 1541.

وكانت لشارلكان حروب طويلة مع البروتستنت انتهت بصلح أوغسبورغ سنة 1555 اعترف فيه لهم بحرية المذهب.

تابعت رحلات الكشوف الجغرافية نشاطها وكان أهمها رحلة ماجلان (آب 1519- أيلول 1522) ودخلت المحيط الهادئ بعد عبور المضيق الذي حمل اسم ماجلان. وبعد اجتيازه المحيط الهادئ قُتل في جزر ماريانوس (1521) ولكن الرحلة تابعت سيرها ودارت حول إفريقية وعادت سفينة واحدة، من أصل خمس في بداية الرحلة، إلى ميناء سان لوكار وسميت سفينة النصر. كذلك وصل الإسبان بلاد المكسيك وأسس قائد الحملة كورتيز مدينة فيراكروز وأخضع شعبها الآزتيك [ر]. ونزل المكتشفون في فلوريدا وكشفوا الميسيسبي كما وصلوا إلى البيرو حيث امبراطورية الإنكا. واستولوا على تشيلي وتم كشف سواحل ريودولابلاتا وأصبح معظم أمريكة الجنوبية تحت الحكم الإسباني وانتشرت فيها الكاثوليكية مع اللغة الإسبانية.

وفي المحيط الهادئ وصل الإسبان غينية الجديدة عام 1527 وجزر هاواي وكارولينة، وفي عهد فيليب الثاني ابن شارلكان وصلوا جزر الفيليبين وتم كشف جزر مارشال وهبريد الجديدة.

 فيليب الثاني (1556ـ 1598): تنازل له أبوه شارلكان عن عرش ميلانو ونابولي (1554) وعن عرش هولندة (1555) وعن عرش إسبانية (1556) قبل وفاة الأب بسنتين. وعهدُه هو ثالث العهود في القرن الذهبي الإسباني، وكان حافلاً بالحروب والأحداث الدولية.

لقد كانت البابوية في رومة تخشى من السيطرة الإسبانية على إيطالية وقد استغل البابا بولس الرابع (1555- 1559) عداوة فرنسة لإسبانية فحرّض هنري الثاني ملك فرنسة على محاربة إسبانية، ولكن فيليب الثاني حقق انتصاراً سريعاً وأجبر الملك الفرنسي على الاعتراف بالسيطرة الإسبانية على إيطالية بموجب معاهدة كاتوـ كمبريزيس(Cteau- Cambrésis (1559 وخلّد فيليب الثاني هذا الانتصار بتشييد مبنى الاسكوريال الشهير، وأعلن 1561 مدريد عاصمة لإسبانية. ومن الأمور الطريفة تمرد منطقة البشارات Alpujarras، فقد قام به الإسبان المسلمين في غرناطة وأعلنوا ملكاً عليهم، نبيلاً كان يؤكد انتسابه إلى الأمويين وحمل اسم فرناندو القرطبي. ودامت هذه الحركة ثلاث سنوات حتى عام 1569.

وفي الصراع العثماني ـ الإسباني حول السيادة في البحر المتوسط احتل الأسطول العثماني جزيرة كريت فاستنجدت البندقية بإسبانية والبابوية خوفاً على مصالحها التجارية، وانتهزت الدول الثلاث وجود قوة بحرية عثمانية عند مدخل خليج كورنثوس وأرسلت أساطيلها إلى هذا الموقع وجرت المعركة البحرية بالقرب من ساحل ليبانتو Lepante فانتصر التحالف الثلاثي وعزز هذا الانتصار مجد البحرية الإسبانية. غير أن انتصار ليبانتو (1571) انعكس بعد قليل في معركة وادي المخازن (1578). فقد استعان ملك البرتغال الدون سيباستيان بخاله فيليب الثاني وكانت الدولتان إسبانية والبرتغال تعملان على بسط نفوذهما في الشمال الإفريقي. أرسل فيليب جيشاً لمحاربة الأشراف السعديين وقد حذر عبد الملك السعدي من مغبة هذا العدوان. ولكن السفن التي تجمعت في ميناء قادس وهي قوة بحرية برتغالية ـ إسبانية اتجهت نحو البر المغربي ونزل الجنود عند مدينة القصر الكبير والتقى الطرفان في وادي المخازن ودارت بينهما المعركة التاريخية 3 جمادى الثاني عام 986هـ/ 4 آب 1578م وانجلت عن مصرع الدون سيباستيان وعدد كبير من جنوده وأسر من بقي منهم وانتصر الجيش السعدي على الرغم من تفوق العدو بعدده وعدته.

وفي أعقاب هذه الهزيمة ومقتل ملك البرتغال انتقل العرش إلى خاله الملك الإسباني واعترف مجلس الكورتيز بذلك عام 1580، وبقي الأمر كذلك حتى عام 1668 عندما ثار شعب البرتغال واستعاد استقلاله بتولي خوان الرابع ملكاً عليهم وبتأييد كل من فرنسة وهولندة وإنكلترة.

وفي الأراضي المنخفضة (هولندة وما حولها) تصاعدت حركات الاستقلال والتف الثوار حول غليوم من أسرة أورانج ولقي ذلك دعماً من إنكلترة وسبّب ذلك نقمة فيليب الثاني على إليزابيت الأولى ملكة إنكلترة: فعزم على غزو إنكلترة وخلع إليزابيت هذه وإعادة ماري ستيورات إلى عرش اسكتلندة ولكن إليزابيت دبرت مكيدة لغريمتها ماري ستيورات فأعدمت بعد محاكمة شهيرة (1587). أرسل فيليب الثاني على إثر ذلك حملة بحرية سميت الأرمادا التي لا تقهر. وكانت النتيجة أن الأسطول الإسباني تحطم نتيجة العواصف العاتية وحماسة القوات البحرية الإنكليزية وأصبح عام 1588 بداية لأمجاد البحرية الإنكليزية.

لقد اتصف القرن الذهبي في إسبانية ـ على الرغم من كثرة الحروب ـ بنهضة أدبية وفنية وعمرانية لا تقل عن مثيلاتها في الإمارات الإيطالية ذلك أن تيار الحركة الإنسانية Humanisme الذي تعود جذوره إلى القرن الخامس عشر في إيطالية وإسبانية كان من أبرز مظاهر النهضة في إسبانية.

القرن السابع عشرـ عصر الانحطاط

 خلف فيليب الثالث (1598- 1621) أباه وكان ضعيف الإرادة والتفكير وأطلق أيدي أفراد حاشيته الجشعة والفاسدة. وقد خسرت إسبانية بين عامي 1609- 1611 نحو نصف مليون من أمهر الحرفيين والفنيين العاملين في الزراعة والصناعة وهم من الإسبان المسلمين الذين طردوا من إسبانية فكان لذلك أثر سيء على الاقتصاد الإسباني.

كما أن الإمارات الهولندية بقيادة موريسيو دو ناساو (ابن غليوم أورانج) استمرت في قتال إسبانية مما اضطر هذه سنة 1609 إلى عقد هدنة هي بداية الاعتراف بالاستقلال. واستمرت السفن الهولندية تغير على المستعمرات الإسبانية في أمريكة الجنوبية.

أما فيليب الرابع (1621- 1665) فكان ذكياً وواعياً ولكنه انغمس في لهوه وترك أمور الدولة لدوق دو أوليفارس Do Olivares حتى 1643، وقد عُرف بغروره إلى جانب بعد نظره وثبات عزيمته مع سعيه للإصلاح.

خاضت إسبانية حرب الثلاثين عاماً للدفاع عن الكاثوليك وعن آل هابسبورغ في النمسة وللحد من نفوذ فرنسة في إيطالية. ولكن الوزير الفرنسي ريشيليو تمكن من إضعاف الموقف الإسباني بتغذية الاضطرابات في قطلونية ودفعها إلى إعلان استقلالها بحماية فرنسة، مما أدى إلى إخفاق أوليفارس وحل مكانه لويس مندس هارو، واضطرت إسبانية بعد هزيمتها أمام فرنسة إلى أن توقع معاهدة ويستفالية عام 1648 فانتهت بها حرب الثلاثين عاماً ونالت هولندة استقلالها. ولكن الحرب اندلعت من جديد وانهزمت إسبانية وتنازلت في معاهدة البيرنيه 1659 لفرنسة عن روسيليون وسردينية وآرتوا وعدة مدن في الفلاندر، كما وافق فيليب الرابع على زواج ابنته ماريا ـ تيريزا من لويس الرابع عشر ملك فرنسة. ولكن، ومع الانحطاط السياسي والاقتصادي، بقيت الحياة الأدبية متألقة، وكذلك الحال في الفن، ويعدّ بعض الباحثين هذه الحقبة العصرَ الذهبي في النشاط الحضاري.

 خلف كارلوس الثاني (1665- 1700) أباه وكان طفلاً في الرابعة، نحيل الجسم، ضعيف البنية. تولت الوصاية أمه ماريانا النمسوية. وقام نزاع بين الوصية ودون خوان خوسه النمسوي. وطالب لويس الرابع عشر بحق زوجته ماريا تيريزا في الممتلكات الإسبانية واشتعلت حرب الوراثة الإسبانية 1667 واستطاع لويس الرابع عشر أن يحقق أهدافه ولكن مساعدة إنكلترة والسويد وهولندة ـ خوفاً من التوسع الفرنسي ـ أدَّت إلى استعادة إسبانية ممتلكاتها عدا مدينة ليل وبعض مدن الفلاندر (معاهدة إيكس لاشابل 1668).

العرش الإسباني وآل بوربون ـ حروب الوراثة النمسوية ـ حرب السنوات السبع (في القرن الثامن عشر): بوفاة كارلوس الثاني انتهت أسرة هابسبورغ في إسبانية وانتقل العرش إلى آل بوربون بتولي فيليب الخامس (1700- 1746) وهو حفيد لويس الرابع عشر. وكان ذلك سيؤدي إلى اتحاد فرنسة مع إسبانية في دولة واحدة مما يثير مخاوف الدول الأوربية. وعلى هذا تألف حلف من إنكلترة وهولندة والنمسة وبروسية والبرتغال وانساقوا في مواجهة إسبانية وفرنسة، وبذلك استؤنفت من جديد حروب الوراثة الإسبانية. واستغلت إنكلترة الحرب واحتلت جبل طارق 1704، ولكن الشعب الإسباني التف حول فيليب الخامس لمواجهة مرشح الحلفاء النمسوي واستعاد معظم أراغون، وانتهت هذه الحرب بمعاهدة أوترخت (1713) التي اعترفت بفيليب الخامس ملكاً على إسبانية على ألا يتولى عرش فرنسة فيما بعد.

انتشرت في إسبانية كثير من مظاهر الحياة الفرنسية وتقاليد الطبقة الراقية فضلاً عن الفنون والآداب والعلوم. ويعود الفضل إلى فيليب الخامس في إنشاء الأكاديمية الملكية الإسبانية (1713) وأكاديمية التاريخ الملكية (1738) إضافة إلى أكاديمية الطب والفنون الجميلة والمكتبة الملكية.

أما حروب الوراثة النمسوية فقد اشتركت فيها إسبانية تجاه النمسة وإنكلترة وذلك تحقيقاً لرغبة إيزابيلا الزوجة الثانية لفيليب الخامس التي كانت تسعى لأن يتولى أبناؤها الإمارات الإيطالية بدلاً من النمسة. وقد أسفرت هذه الحروب عن تولية الابن الثاني لإيزابيلا، وهو الأمير فيليب، دوقية بارمة (معاهدة إيكس لاشابل 1748).

بعد وفاة فيليب الخامس تولى الملك ابنه فرناندو السادس (1746- 1759) من زوجته الأولى لوتيسية. وقد اعتمد الملك الجديد على المركيز دولا آنسينادا في تنمية الثروة الوطنية، وكان الاقتصاد الإسباني قد ضعف بسبب الهجرة إلى العالم الجديد كما حرص على التزام الحياد المتوازن بين فرنسة وإنكلترة في أثناء حرب السبع سنوات 1756- 1763.

لم ينجب فرناندو السادس خلفاً له فانتقل العرش بعده إلى ابن أخيه كارلوس الثالث (1759- 1788) بعد أن ترك عرش نابولي ويعدُّ عهده امتداداً لعهد أخيه في متابعة إصلاح الاقتصاد وتوفير أسباب الحياة الكريمة وتحسين أوضاع الطبقات الفقيرة، واتُخذت إجراءات تحد من امتيازات النبلاء ورجال الكنيسة. ولكن كارلوس الثالث لم يلتزم سياسة الحياد في حرب السنوات السبع فانحاز إلى جانب فرنسة. وقد ألحقت إنكلترة هزيمة بإسبانية في هافانة ومانيلة ولكن معاهدة باريس 1763 في نهاية الحرب أعادت إلى إسبانية مانيلة بدلاً من فلوريدة وعوضتها فرنسة بمنطقة لويزيانة، كما استعادت مينورقة وفلوريدة بعد هزيمة إنكلترة في حرب الاستقلال الأمريكية واعترافها باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية (معاهدة فرساي 1783).

إسبانية في القرن التاسع عشر

بعد وفاة كارلوس الثالث خلفه ابنه كارلوس الرابع (1788- 1808) وقد سيطرت عليه امرأته ماريا لويزا واعتمدت على صديقها مانويل غودوي Godoy الذي عرف بلقب أمير السلام. وفي هذه الحقبة شهدت فرنسة اندلاع ثورتها الكبرى (1789) وحاولت إسبانية إنقاذ لويس السادس عشر من الإعدام واشتركت في أول حلف أوربي تجاه حكومة الثورة، ولكن قوات الثورة هزمت الجيش الإسباني ودخلت الأراضي الإسبانية. طلب غودوي الصلح وتخلى لفرنسة عن جزيرة سان دومنغو (اتفاقية بال 1795) وزاد غودوي في التودد فوقع مع فرنسة معاهدة الصداقة (1796). واشتركت إسبانية مع فرنسة في معركة الطرف الأغر (1805) في مواجهة الإنكليز فخسرت أسطولها وانتهت قوتها البحرية. وعندما رفضت البرتغال طلب نابليون بونابرت المشاركة في الحصار القاري الذي أعلنه على إنكلترة عبر نابليون بجيوشه إسبانية ليصل إلى البرتغال وبموافقة غودوي. ولكن ولي العهد الإسباني الأمير فرناندو اختلف مع غودوي في سياسته المتخاذلة. والتف الشعب حول فرناندو فتنازل له أبوه كارلوس الرابع عن العرش عام 1808 ولكن نابليون أسرع وعيّن أخاه جوزيف بونابرت ملكاً على إسبانية.

 تجمعت الجماهير في مدريد (2 أيار 1808) وهاجمت قوات نابليون وانتشرت الثورة على الاحتلال الفرنسي وتألفت لجان محلية في الولايات تربط بينها لجنة مركزية عليا. ووصلت حملة إنكليزية بقيادة ويلنغتون لمساعدة الإسبان فانسحبت الجيوش الفرنسية في 30 آب من العام نفسه.

عاد نابليون ودخل مدريد وأعاد أخاه جوزيف إلى عرش إسبانية وانسحب الإنكليز. وما إن رجع نابليون إلى فرنسة حتى عادت المقاومة الإسبانية بزعامة آسيوس والراهب سيرينو كما رجع ويلنغتون بجيشه. اضطر نابليون إلى سحب قسم من قواته لمهاجمة روسية، واستطاعت المقاومة الإسبانية أن تنتصر على القوات الفرنسية في سلمنقة عام 1812، وعندها أخذت القوات الفرنسية تنسحب وتحررت إسبانية من الاحتلال، واعترف نابليون بفرناندو السابع ملكاً على إسبانية (معاهدة فالنسي 1813).

كان مجلس الكورتيز (مجلس الشيوخ) قد انعقد عام 1812 في قادس لإعادة تنظيم البلاد. وقد تبنى معظم أعضائه الاتجاه التحرري فألغى امتيازات النبلاء وأقر مبدأ المساواة أمام القانون. وأصدر الكورتيز دستوراً في ذلك العام نص على أن الشعب هو مصدر السلطة، وعلى الحكومة الجديدة أن تحكم باسم الأمة ويكون الملك مجرد ممثل للأمة! وعندما استعاد فرناندو السابع (1814- 1833) عرش إسبانية أصدر قرار بلنسية بتعطيل مقررات قادس وحاول التمسك بالحكم الاستبدادي المستنير، ولكنه سرعان ماتظاهر بالتراجع عن موقفه وانحنى أمام التيار الجديد، وأقسم اليمين باحترام دستور قادس (1812).

مرت إسبانية بمرحلة من المد والجذر، فقد أدى صدور قانون إلغاء امتيازات الكنيسة إلى حدوث رد فعل في الأوساط الدينية، وانتهز الملك هذه الفرصة واستعان بملوك العصبة المقدسة التي تألفت في أعقاب مؤتمر فيينة عام 1815 للمحافظة على الحكم الملكي المطلق ومحاربة مبادئ الثورة الفرنسية، واستجابت العصبة وطلبت إلى لويس الثامن عشر ملك فرنسة أن يرسل جيشه لمساعدة العرش الإسباني. إلا أن فرناندو السابع مال إلى الاعتدال ليكسب الطبقة الوسطى مما حدا بأنصار الملكية المطلقة إلى العمل على استبدال الملك بأخيه دون كارلوس وقد عُرف هؤلاء بالكارلوسيين.

انعكست أوضاع إسبانية على مستعمراتها في أمريكة فتألفت فيها مجالس محلية Junta وعدت نفسها في حل من التبعية الإسبانية. وقد أعلن مجلس بونس آيرس نفسه حكومة ثورية في وقت مبكر (1810) وحذت حذوه مجالس كولومبية وتشيلي والمكسيك وباراغواي وفنزويلة. وكان لقيادة الزعماء الثوريين المحليين أمثال بوليفار وسان مارتان وسوكرة بشجاعتهم وكفايتهم أثر عظيم في استقلال هذه المستعمرات الإسبانية. وكانت الولايات المتحدة تساند هذه المستعمرات لنيل استقلالها. ويعد عام 1824 خاتمة الحكم الإسباني في أمريكة الجنوبية.

بعد وفاة فرناندو السابع ورثته ابنته إيزابيلا الثانية (1833- 1868) وهي في الثالثة من عمرها. استعانت أمها مارية كريستينا بالمتحررين في حكم البلاد. فأسرع هؤلاء بإصدار قانون بتأميم أملاك الكنيسة وبيعها في المزاد لتغطية الديون العامة. عندها ثار الكارلوسيون وتمكنوا من السيطرة على بعض المناطق في شمالي إسبانية وشرقيها.

شهدت إسبانية سلسلة من الحروب الداخلية برز فيها إسبارتيرو Esparteroالذي هزم الكارلوسيين، وكانت الملكة الأم قد عهدت إليه بالوصاية عام .1840 حكم ثلاث سنوات حفلت بالاضطرابات فانسحب من الحكم، عندها قرر الكورتيز إنهاء الوصاية وتولّية إيزابيلا الثانية العرش، وتسلّم الحكم المعتدلون الذين أعادوا إلى الكنيسة أملاكها وعوّضوها ما بيع منها. وهنا ثار التقدميون 1854 وعاد إسبارتيرو إلى الحكم.

ظهر حزب جديد سمي «الاتحاد التحرري» بزعامة أودونل O’Donnel. وعندما عهدت إليه الملكة تأليف الحكومة حل الكورتيز وأجرى انتخابات ربحها حزبه. وبعد خمس سنوات من الهدوء عادت الاضطرابات في مواجهة سياسة التعسف التي مارستها الملكة، فاعتزلت العرش 1868 ولجأت إلى فرنسة. وبشغور العرش الإسباني حتى 1870 قرر الكورتيز أن يتولى ابن ملك إيطالية الأمير أماديو دوسافويا Amadeo de Savoya عرش إسبانية، وقد تولى منصبه نحو سنتين (1871- 1873) كثرت فيهما النزاعات ما بين الجمهوريين وأنصار ألفونسو بن إيزابيلا الثانية والكارلوسيين. كما قامت ثورة في كوبة لنيل استقلالها.

إعلان الجمهورية الأولى وسقوطها: أعلن الكورتيز الجمهورية في شباط 1873 وتعاقب على رئاستها أربعة في سنة تقريباً (فيفوراس ومارغال وسالميرون وكاسترال)، ولم يتمكن أي منهم من معالجة الفوضى والاضطرابات، واتجهت الأنظار إلى تولي ألفونسو بن إيزابيلا الثانية. فقام الجنرال كامبوس Campos بحركة عسكرية أعلن معها تنصيب ألفونسو ملكاً باسم ألفونسو الثاني عشر (1874- 1885).

أصدر الكورتيز دستوراً جديداً عام 1876 ينص على احتفاظ الملك بالسلطة التنفيذية وإطلاق الحريات الدينية واتخاذ الكاثوليكية مذهباً رسمياً للدولة. توفي الملك 1885 قبل أن يرى ابنه النور. وعند مولده (1886) حمل اسم ألفونسو الثالث عشر (1886- 1931) وتولت أمه ماريا كريستينا الوصاية في ظل الدستور الجديد. تناوب على الحكم حزبان: حزب المحافظين بزعامة كانوقاس وحزب المتحررين بزعامة ساغستا. وفي عام 1902 أنهيت الوصاية وتولى الملك شؤون الحكم في أحوال صعبة داخلياً وخارجياً.

إسبانية وتطورها في القرن العشرين

دخلت إسبانية القرن العشرين وأوضاعها السياسية والاقتصادية مضطربة، ظهرت معها الحركات الانفصالية في قطلونية ومناطق الباسك، وجرت محاولة اغتيال الملك بعد زواجه من الأميرة فيكتورية حفيدة فيكتورية ملكة إنكلترة عام 1906. واشتدت الاضطرابات عام 1909 عندما دعا زعيم الفوضويين فيرير Ferrer إلى الثورة واضطر رئيس الوزراء مورا زعيم المحافظين إلى الاستقالة.

كانت سنوات الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) سنوات هدوء نسبي في إسبانية التي وقفت فيها على الحياد. وما كادت تنتهي هذه المدة حتى شهدت إسبانية حالة من التدهور والفوضى والعنف واغتيل رئيس الوزراء داتو Dato عام 1921. وقد تأثرت الأوضاع الاقتصادية بالأزمة العالمية عام 1929. وحاول رئيس الحكومة الجنرال بريمو دو ريفيرا De Rivera أن يتغلب على الصعوبات الأمنية والاقتصادية ولكنه استقال عام 1930 بعد شعوره بالخيبة واشتداد المعارضة، وخلفه الجنرال داماسو بيرنغوير Berenguer. ومع بداية عهده قام ضابطان جمهوريان (غالان، وهرنانديز) بإعلان الثورة في شمالي البلاد إلا أن جيش الحكومة المركزية سحق الحركة وأعدم الضابطين. ومع هذه الأحوال الداخلية السيئة كانت الامبراطورية الإسبانية الاستعمارية تسير نحو نهايتها. فقد استقلت كوبة منذ عام 1898. وتخلت إسبانية للولايات المتحدة عن بورتوريكو والفيليبين وجزيرة غوام. وباعت لألمانية جزر بالايوس وكارولينة وما تبقى من جزر ماريان.

وفي المغرب الأقصى (مراكش) منيت إسبانية بهزيمة في مليلة أمام الثوار المغاربة. وبعد أن بسطت نفوذها على الريف المراكشي بالاتفاق مع فرنسة تلقت جيوشها على يد الأمير عبد الكريم الخطابي قائد الثورة في الريف عدة هزائم (1921- 1925) ولم تستعد سيطرتها إلا بعد النجدة الفرنسية.

الجمهورية الثانية 1931: أعلنت اللجنة الثورية في مدريد في 14 نيسان 1931 قيام الجمهورية وتعيين زامورا Zamora رئيساً مؤقتاً لها. وفي العام نفسه صدر الدستور الجديد الذي ينص على نظام علماني اشتراكي مع جواز قيام حكومات إقليمية مستقلة ذاتياً، وتطبيق سياسة الإصلاح الزراعي. وتولى التحالف الجمهوري الاشتراكي تأليف الوزارة برئاسة مانويل آزانيا Azania. ولكن الاضطرابات لم تتوقف، وقام الفوضويون بإحراق الكنائس في مدريد وغيرها من المدن. وأعلنت قطلونية عصيانها في مطلع عام 1932 واعترف الكورتيز باستقلالها الذاتي ولحقت بها مقاطعة الأندلس بعد سنة. وبالمقابل تزعم الجنرال سان خورخو San Jurjo حركة يمينية، وظهر تجمع الأحزاب اليمينية. كما تألفت منظمة الكتائب الإسبانية بزعامة دو ريفيرا.

وفي عام 1933 ألف الحكومة باريو Barrio وبادر إلى حل الكورتيز وأجرى انتخابات جديدة أسفرت عن أكثرية للأحزاب اليمينية فأحدث ذلك رد فعل يسارياً ثورياً في برشلونة وريوخا والأندلس. وتجمعت أحزاب اليسار عام 1935 في الجبهة الشعبية. ونالت هذه الجبهة الأكثرية في انتخابات 1936 فعزلت زامورا واختارت مكانه آزانيا رئيساً للجمهورية.

الحرب الأهلية (1936- 1939): كانت شرارة هذه الحرب اغتيال سوتيلو Sotelo زعيم الحزب الملكي فاتهم رجال الأمن بهذه الجريمة (13 تموز 1936). وبعد أيام قليلة (17 تموز) أعلن الجيش الإسباني في مراكش قيام الحركة الوطنية، وما لبثت أن شملت الجيش في إسبانية وبرز في قيادتها أربعة من كبار القادة (الجنرالات: سان خورخو، ومولا، وفرانكو، ودوليانو). وبعد مصرع سان خورخو حل مكانه الجنرال كابا نيلاس. وفي تشرين الأول 1936 أعلنت الحركة الوطنية تولي الجنرال فرانكو (فرنسيسكو فرانكو بهاموندة) رئاسة الدولة وأصبح القائد الأعلى للقوات الوطنية في البر والبحر والجو.

انقسمت إسبانية إلى جبهتين: الحركة الوطنية وقد التفت حولها الأحزاب المحافظة (الكارلوسيون والملكيون) واليمينيون والجانب الأكبر من الأسطول والجيوش النظامية ومنظمات المتطوعين، وجبهة اليسار الجمهورية تساندها حامية مدريد وأكثر شعبها وقوى الشرطة وحرس الحدود وجانب كبير من سلاح الجو وجانب من الباسكيين مقابل وعد بالاستقلال الذاتي. وفي حين ساندت ألمانية وإيطالية حكومة فرانكو الوطنية، ساندت فرنسة وإنكلترة والسوفييت حكومة مدريد الجمهورية.

سيطرت جيوش الحكومة الوطنية على بطليوس وقرطبة منذ آب 1936 ثم طليطلة بعد حصار مرّ. كذلك في أيلول سيطرت على سان سيباستيان وحوض نهر إبرو وتقدم جيش إفريقية نحو إشبيلية وضرب حصاراً على مدريد استمر حتى نهاية الحرب. وهكذا دانت معظم إسبانية لفرانكو منذ البداية. ومع بداية 1937 سيطرت قواته على المدن مابين مالقة في الجنوب وبلباو في الشمال وكذلك على منطقتي اشتوريس وبسكاي في الشمال. وفي عام 1938 تمت السيطرة على المناطق الشرقية وحوض نهر الإبرو الأسفل كما سقطت قطلونية في أوائل عام .1939 وفي آذار 1939 سقطت مدريد ثم بلنسية وأليقنت وألمرية ومرسية. ومع أول نيسان 1939 أعلن عن استسلام باقي القوات الجمهورية وبالتالي نهاية الحرب الأهلية.

إسبانية في عهد فرانكو (1939- 1975): بعد دخول فرانكو العاصمة مدريد وهو رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة حمل لقب كوديو Caudillo وهو لقب رفيع يعني الزعيم، على غرار الدولة التي يحكمها نظام فردي. وكان قوي الصلة بزعامتين فرديتين في ذلك الوقت هما هتلر وموسوليني. وقد سبق لهما أن اعترفا بفرانكو منذ بداية الحرب الأهلية. وكانا يتمتعان بمركز دولي قوي آنذاك.

تبنى فرانكو نظام حكمٍ ذا طبيعة مشابهة للنازية في ألمانية والفاشيستية في إيطالية. وقد أعلن حياده عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945)، ومع ذلك فقد احتل ميناء طنجة عام 1941 وأرسل مقاتلين إلى جانب القوات الألمانية التي هاجمت الاتحاد السوفييتي في العام نفسه. ومن أبرز ما حدث في سنوات الحرب صدور قانون 17 تموز 1942 الذي يقضي بتأليف مجلس يحمل الاسم التقليدي (كورتيز) يتم تعيين قسم من أعضائه من قبل الحكومة وينتخب القسم الآخر من مختلف الهيئات الاقتصادية والثقافية.

وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عانت إسبانية العزلة التي فرضتها عليها الدول، والإدانة التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة لنظام فرانكو. وبعد أن تبين للزعيم الإسباني الصعوبات التي تواجه بلاده أخذ يعمل على اتخاذ خطوات عملية للتخلص من هذا الموقف الدولي. فبادر إلى إجراء استفتاء عام على إعادة الحكم الملكي بعد حكمه وتم الاستفتاء في 6 تموز 1947. ثم أخذ يتقرب من زعيمة المعسكر الغربي (الولايات المتحدة) فعقد معها عدداً من الاتفاقيات للتعاون بين الدولتين في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية. عندها نجحت إسبانية في الحصول على مكان في المؤسسات الدولية، وأصبحت عضواً في اليونسكو عام 1951 وفي هيئة الأمم المتحدة عام 1955 واستطاعت أن تحل الأزمة الاقتصادية والمالية بالاعتماد على السياحة إضافة إلى تنفيذ خطط التنمية في مجال الزراعة ومشاريع الري وإقامة صناعات متطورة والتوسع في العلاقات التجارية مع كثير من دول العالم ولا سيما الدول الغربية.

لجأ فرانكو ـ بعد أن عاشت إسبانية سنوات من الاستقرار ـ إلى تخفيف وطأة السياسة الداخلية التي طبقها مع بداية حكمه فسمح للمعارضة بأن تعبّر عن أفكارها بإصدار قانون المطبوعات (نيسان 1966) فضلاً عن التعبير بالوسائل الأخرى كالمظاهرات والإضراب وغيرها. وأصدر أيضاً عفواً عاماً عن المعتقلين السياسيين. وجرى استفتاء عام في السنة نفسها على تطبيق نظام دستوري وألغيت الامتيازات التي كانت تتمتع بها المؤسسات الفاشية. وتحولت لجنة الحركة الوطنية التي يرأسها فرانكو نفسه إلى هيئة عليا استشارية. وفي عام 1969 أذاع فرانكو وثيقة أعلن بموجبها دون خوان كارلوس (حفيد ألفونس الثالث عشر) خليفة يتولى العرش الإسباني من بعده.

إسبانية والنظام الملكي الحالي

توفي فرانكو في العشرين من تشرين الثاني 1975. وتولي الملك دون خوان كارلوس (من آل بوربون) عرش إسبانية، وسرعان ما اعتمد على رئيس وزرائه آدولفو سواريز Suarez في وضع نظام حكم ديمقراطي يؤدي إلى حدوث تغيرات عدة، كالاعتراف بجميع الأحزاب السياسية والحرية النقابية وحرية الانتخابات والحرية الاقتصادية. وتم وضع دستور جديد تمت الموافقة عليه باستفتاء عام سنة 1978. وبعد ذلك بقليل صدر نظام شبيه بالفدرالية استفادت منه عدة مقاطعات (قطلونية ومناطق الباسك والأندلس وغاليسية...) وقد ألف الوزارة سواريز نفسه بفضل نجاح حزبه (الاتحاد المركزي الديمقراطي) وخلفه من بعده ليوبولد كالفو سوتيلو Sotelo. وعندما جرت انتخابات 1982 تولى الحكم فيليب غونزاليس Gonzalez. تابعت إسبانية في ظل الملكية الدستورية الحالية سياسة الانفتاح في الداخل والخارج وهي تحظى بمكانة دولية مرموقة.

أما علاقاتها بالدول العربية فهي إيجابية، ولم تعترف بدولة إسرائيل إلا في وقت متأخر. وتعيش في إسبانية جاليات عربية كثيرة. وتسعى المملكة المغربية حالياً لاستعادة بعض المواقع التي لا تزال تحت الحكم الإسباني مثل سبتة ومليلة والجزر القريبة منها.

أما موقف إسبانية من القضية الفلسطينية فهو منسجم مع قرارات الأمم المتحدة المؤيدة لحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره واستعادة أرضه المحتلة. وقد استضافت الحكومة الإسبانية ـ بمظاهر الترحيب ـ مؤتمر السلام الذي دعت إليه كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في 30 تشرين الأول 1991 وافتتحه في مدريد كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش والسوفييتي ميخائيل غورباتشوف. وقد عبرت جميع الدول العربية عن رغبتها في أن تستمر المحادثات في مدريد لشعورها بنزاهة الموقف الإسباني.

محمد حسن عبيد

 

 

 


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد الثاني - رقم الصفحة ضمن المجلد : 37 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة