نفسي (انحراف)
Aberration - Aberration

النفسي (الانحراف ـ)

 

الانحراف aberration هو اضطراب نفسي شديد تظهر آثاره في السلوك ووظيفته. وهو ليس مجرد توتر يرافق الإنسان لحظة من الزمن، ولا مجرد خوف عابر أو قلق مرتبط بظرف قائم، بل هو اضطراب نفسي يؤدي إلى أذى يصيب صحة الفرد النفسية، فيبدو لديه على شكل تكيف غير سوي يشبه العادة في تكراره واستمراره، مثل الإجرام المعتاد، والوسواس المسيطر والقلق الشديد المستمر، ورؤية أشياء لا وجود لها في الواقع، والاعتقاد بالملاحقة دون وجود من يلاحق.

إن من وظائف السلوك السوي إرضاء الحاجات، فالعطشان يبحث عن الماء، والجائع يبحث عن الطعام، ولكن حين يغيّر السلوك موضوع إرواء الحاجة (سلوك العدوان لتحقيق الحاجة إلى تأكيد الذات)، أو يُبالغ في سلوك الإرواء (المبالغة في سلوكات الحذر والاحتياط لتحقيق الشعور بالأمن النفسي)؛ يكون السلوك قد انحرف عن وظيفته.

المعيار النفسي الموضوعي في تحديد الانحراف:

بما أن الانحراف يتمثل في الاضطراب الوظيفي الشديد؛ فإن المعيار النفسي الموضوعي المحدد للانحراف ينطلق من اتجاهين في سعيه وراء هذا التحديد:

يقوم الاتجاه الأول على دراسة الحالة السلوكية التي يبدو أنها تعبّر عن خلل وظيفي، وذلك بتحليل الوظيفة التي تؤديها الحالة، ونوع نشاطها وأعراضها، والآثار التي تخلفها في السلوك. فإذا كانت الحالة أفعالاً قهرية متكررة ومستمرة عبر الزمن، يُحدَّد نشاطها وأعراضها (المبالغة في الغسل المتكرر للأيدي، التكرار والمبالغة في إغلاق صمام الغاز أو مزلاج الباب). وتدرس الوظيفة التي تؤديها الحالة، وقد تظهِر الدراسة أن الوظيفة التي يؤديها الفعل القهري (المبالغة في غسل الأيدي) هي تجنب ظهور رغبة مكبوتة، أو إبعاد خوف مدفون في ساحة اللاشعور عن الظهور في ساحة الشعور؛ الأمر الذي لا يحتمل الشخص مواجهته، مثل الرغبة في تدمير أشخاص معيّنين أو الخوف من الوقوع في إثم محدد.

ويقوم الاتجاه الثاني على النظر إلى الشخصية من ناحية أنها منطوية على عدد من النظم النشطة المتداخلة المتفاعلة فيما بينها. فالدوافع المختلفة تؤلف نظاماً متفاعلاً، والقدرات العقلية تكوِّن تنظيماً داخلياً يبدو في طرائق التفكير وسير المحاكمات وتكوُّن المفاهيم، والقيم والقناعات المتكونة تمثل أيضاً نظاماً من نظم الشخصية. والاضطراب الذي يحدث في السلوك هو أذى لحق بإحدى هذه النظم. وتتم في هذا الاتجاه دراسة عدد من نظم الشخصية لدى الفرد، ويكون النظر إلى الانحراف من زاوية أنه تغير حدث في إحداها باتجاه ما هو مضطرب أثّر في أكثر من نظام ضمن منظومة الشخصية.

وفي كلتا الحالتين يوازَن الحاصل بدراسة الحالة مع معلومات علمية استقيت من دراسات متنوعة. وفحص الحالة والموازنة العلمية هما اللذان يسمحان في النهاية بتكوين حكم عن الحالة وتحديد ما إذا كانت تمثل نوعاً من أنواع الانحراف أو درجة من درجات ما هو سوي. وغالباً ما يعتمد فحص الحالة ملاحظة السلوك، وتقرير الفرد اللفظي عن نفسه، واستعمال الروائز الموضوعية.

الانحراف والشذوذ:

يستخدم هذان المصطلحان للتعبير عن الاضطرابات النفـسية المختلفة التي تشمل العصابات (الأمراض النفسية)، والذهانات (الأمراض العقلية)، والأمراض الجسمية ذات المنشأ النفسي، والسـلوك اللااجتماعي. وتجـعل بعض الأبحاث النفسية مصطلـح (الشذوذ النفسي abnormal) شاملاً الاضطرابات النفسية كافة، وتقصر مصطلح الانحراف على حالات السلوك اللااجتماعي، مثل الإجرام والبغاء والانحرافات الجنسية وإدمان المخدرات.

الانحراف وسوء التكيف:

يكون التكيف حسناً، أو يكون سيئاً. يضم سوء التكيف استجابة أو استجابات تنطوي على اضطراب نفسي لدى الشخص في الموقف الذي يكون فيه. فهل يعبّر مصطلحا (سوء التكيف) و(الانحراف أو الشذوذ) عن مفهوم واحد؟

إن كلمات الشذوذ النفسي، والاضطرابات النفسية، والاضطرابات السلوكية، وحالات سوء التكيف هي أمثلة على المصطلحات التي تستعمل للتعبير عن السلوك المنحرف عن السوي. والسلوك السوي يكون على درجات، وأدناها يتداخل بأولى درجات الاضطراب الذي يكون هو نفسه على درجات. والتمييز بين مصطلحي (سوء التكيف) و(الانحراف) يعتمد على ما هو غالب في عملية تكوّن الاضطراب. فمصطلح (سوء التكيف) يستعمل حين يكون العامل النفسي وتفاعل الفرد مع محيطه ومع شروط الحياة اليومية الأساس في نشوء الاضطراب، ويطلق مصطلح (الانحراف أو الشذوذ) على الاضطراب الذي يكون الأصل الغالب فيه فيزيولوجياً. وحين يكون الحديث عن المرض النفسي وتـصنيفاته يستعمل مصطلح (الشذوذ أو الانحراف). وعند الحديث عن المعالجة النفسية والتربوية للاضطرابات يكون الميل إلى استعمال مصطلح (سوء التكيف)، ولا سيما حين يدور الحديث في إطار المعالجة عن الاضطرابات النفسية التي لم تبلغ درجة عالية من الشدة.

أحمد السباهي

الموضوعات ذات الصلة:

 

التكيف النفسي ـ الذهان ـ السلوك والسلوكية.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ علي سعد، علم الشذوذ النفسي (منشورات جامعة دمشق، دمشق 1995).

ـ عبد العزيز القوصي، أسس الصحة النفسية (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1982).

ـ عدنان حب الله، التحليل النفسي من فرويد إلى لاكان (مركز الإنماء القومي، بيروت 1988).

ـ محمد قاسم عبد الله، الصحة النفسية (مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، جامعة حلب، حلب 2000).

ـ نعيم الرفاعي، الصحة النفسية دراسة في سيكولوجية التكيف (مطبوعات جامعة دمشق، دمشق 1982).


- التصنيف : تربية و علم نفس - النوع : صحة - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 772 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة