الزيريون
زيريون
Zirids - Zirides
الزيريون
(362 ـ 543هـ /973 ـ 1148م)
أسرة حكمت إفريقية (تونس) وقسماً من المغرب، ينتسبون إلى قبيلة صنهاجة البربرية، إلا أنهم يرفعون نسبهم إلى قبائل حمير القحطانيين وكانوا يقطنون الأطراف الشمالية للمغرب الأوسط (الجزائر اليوم).
أول أمير برز من صنهاجة هو زيري ابن مناد التلكاتي (ت360هـ/971م) الذي خدم القائم بالله الفاطمي (322ـ334هـ)، ثم ابنه المنصور بالله إسماعيل (334ـ341هـ) ولاسيما في أثناء ثورة أبي يزيد الخارجي صاحب الأتان، فكانت مكافأة الفاطميين له أن ثبتوا سلطته في قومه، وسمحوا له بتأسيس عاصمة لصنهاجة، فكانت «أشير» على بعد مئة ميل من الجزائر الحالية، في جنوبها وشرقيها انتصب برج مراقبة لتحركات قبائل زناتة البربرية المناوئة لصنهاجة، وقاعدة عسكرية لقمع ثوراتهم المتكررة، مثلما كانت المسيلة (المحمدية) التي أسسها القائم بالله شرقي الجزائر وأسند إمارتها مع الزاب كله إلى جعفر بن حمدون.
أسس زيري عاصمته أشير سنة 324هـ/935م وتوفي سنة 360هـ/970م في حرب مع جعفر بن حمدون المنقلب مع زناتة على المعز لدين الله الفاطمي، وبقيت إمارة صنهاجة في بني زيري، فعرفوا بالزيريين أو الأسرة الزيرية.
بنو زيري نواب الفاطميين بالمغرب
أسند المعز لدين الله الفاطمي حين عزم على التحول إلى عاصمته الجديدة القاهرة، ولاية إفريقية والمغرب إلى بلقين بن زيري بن مناد الصنهاجي وسماه يوسف وكناه أبا الفتوح، وجعله نائباً عنه في سياسة البلاد وجبايتها وحربها، واستثنى منها صقلية وكانت لبني أبي الحسين الكلبيين، والأعمال الليبية شرقاً وكانت لولاة من قبيلة كتامة.عمل بلقين في السنوات العشر من ولايته (362ـ373هـ/973ـ984م) على تثبيت الحكم الفاطمي والحفاظ على الطقوس الشيعية والشعارات الاسماعيلية في إمارته.
ولم يقر لبلقين قرار بالقيروان أو المنصورية عاصمة الفاطميين، فقد كان يجوب المغربين الأوسط والأقصى في ملاحقة زناتة ومغراوة وبرغواطة، ومحاصرة أنصار الأمويين من تاهرت إلى سجلماسة ومن فاس إلى تلمسان، حتى أدركته المنية راجعاً من سجلماسة سنة 373هـ، واعترافاً له بكفاحه لإعلاء كلمة الفاطميين أسندوا إليه حكم المسيلة وإمارة الزاب بعد انخذال الأمراء الحمدونيين ولجوئهم إلى الأندلس، ثم أسندوا إليه حكم طرابلس وسرت وأجدابية، ومع انشغاله بالحرب لم يهمل بلقين العمران، فقد أسس بالمغرب الأوسط مدينتي مليانة والمريَّة وخطط لمدينة الجزائر.
تولى الحكم بعد وفاة بلقين ابنه منصور (373ـ387هـ/984ـ997م) الذي أقلع عما كان يقوم به والده وسلالته من قبل، وهو مهاجمة زناتة وأعداء الفاطميين وملاحقتهم حتى فاس والمغرب الأقصى، واكتفى بالوقوف عند المغرب الأوسط، ومع ذلك لم تكن سلطته تستقر دائماً هناك، إذ كادت تاهرت تخرج من يد السلالة، وفي أحيان أخرى يقوم الزناتيون بالتقدم حتى أشير قاعدة السلالة الأصلية، وقد عالج باديس بن المنصور (387ـ406هـ) هذا الأمر بتركيز قوة زيرية في المغرب الأوسط، فعهد لعمه حماد الذي كان قد قاد بعض الحملات الناجحة ضد زناتة في أيام أبيه، بمحاربتهم من جديد وسمح له بأن يضم إلى إمارته كل أرض يفتحها من العصاة، وانقسمت بذلك الدولة إلى قسمين بانفصال القسم الغربي منها بما فيه أشير وحكم فيه حماد، ثم توارث الحكم بعده أبناؤه وأحفاده.
وقدر لأيام حكم الأمير المعز بن باديس (406ـ454هـ/1015ـ1062م) أن تشهد أكثر الحوادث الحاسمة في تاريخ السلالة، إذ نبذ المعز بن باديس الدعاء للخليفة الفاطمي وصار يدعو لبني العباس سنة 441هـ/1049م، وحدث في عهده الانفصال عن الفاطميين رسمياً. واختلف المؤرخون في تاريخ بداية القطيعة، على أن الأحداث الممهدة لها بدأت منذ تولي المعز الإمارة في سنة 407 بالمقتلة العظيمة التي استهدفت الشيعة بالقيروان وامتدت إلى المهدية وتونس، ويبدو أن الأمير لم يتحرك بالحزم اللازم لإيقاف هذا التقتيل، وعلى الرغم من ذلك فإن الحاكم الفاطمي أرسل إلى المعز في آخر السنة سجلاً أسند له فيه لقب »شرف الدولة« وقد بالغت الكتب السنية ولاسيما كتب المناقب ـ في الانتصار لهذا الغضب ضد الشيعة وجعلوا لمؤدب المعز، محرز ابن خلف، دوراً كبيراً في التحريض على الانتقام.
نتج من القطيعة الرسمية عن الفاطميين، زحفة بني هلال المعروفة، ذلك أن وزير المستنصر الفاطمي (427ـ487هـ/1036ـ1094م) الحسن بن علي اليازوري، نصح الخليفة بتسريح أعراب بني هلال وسليم وبطون أخرى من عامر بن صعصعة إلى إفريقية ليخلص الصعيد المصري منهم، وقد كثر فيه عيثهم، ولينتقم من الزيريين من جهة أخرى، فكان لزحفهم على القيروان وتخريبها، وانسحاب المعز إلى المهدية المحصنة ما هو معروف مردد في كتب التاريخ، مع التفاوت في المبالغة والتخفيف، فمن الدارسين من يصف قدومهم بالكارثة ومنهم من يقلل فيهزأ بأسطورة الكارثة.
تضافرت عوامل عديدة أدت إلى انقراض الدولة الزيرية، منها: الانشقاق في الأسرة الحاكمة الزيرية وما تبع ذلك من حروب وحصار وهزائم وانتصارات بين الزيريين في إفريقية والحماديين الذين اتخذوا مدينة القلعة الحصينة مركزاً لهم. وتبعه انقسام ثان باستقلال مدينة تونس عن الإمارة الزيرية الملتجئة إلى المهدية بسبب استيلاء بني هلال على القيروان ومعظم مدن إفريقية، فاستقلت تونس بإمارة عرفت بدولة بني خراسان (447ـ559هـ/1055ـ1163م) وهم أمراء عينهم عليها الناصر بن علَناس الحمادي.
ومن عوامل الانقراض سيطرة الأعراب على إفريقية وإنشاؤهم إمارات بقفصة وقابس وصفاقس، شأن ملوك الطوائف بالأندلس، واستيلاء النورمانديين على صقلية سنة 484هـ/1091 هذا مع استمرار التحاسد والتناحر في الأسرة المالكة للرقعة المتقلصة بالمهدية ودب الهرم في دولة تميم بن المعز (454ـ501هـ/1061ـ1107م) وابنه يحيـى بن تميم (501ـ509هـ/1107ـ1116م) الذي راجع الولاء الفاطمي فلم يفده شيئاً ـ وكان ولوعاً بالصناعة أي الكيمياء التي تحول المعدن الرخيص إلى ذهب نفيس، فكان هذا الوهم سبباً لقتله غيلة من إخوة له متنكرين في زي مغاربة زعموا أنهم مختصون في هذا الفن، ولم ينجح آخر الأمراء الزيريين الحسن بن علي بن يحيى 515ـ542هـ في رد الهجمات النورماندية الصقلية على سواحل إفريقية، فاحتل النورمانديون المهدية واضطر الحسن إلى الهروب إلى المعلقة قرب قرطاج سنة 542هـ/1147م. وتم الخلاص على يد عبد المؤمن الموحدي سنة 555هـ ـ1160م الذي حرر المهدية من النورمانديين وجعل حكم إفريقية إلى الشيخ أبي حفص عمر الهنتاتي.
المنجزات الحضارية
لم يبق من أعمالهم المعمارية في إفريقية آثار متميزة عن أسلافهم الفاطميين وقد ذكر لهم المؤرخون القدامى تقدماً في الزخرفة في الأقمشة والجلد والمصاحف مما وصفه حسن حسني عبد الوهاب إجمالاً من دون تدقيق كاف. وخصص ج. مارسي في كتابه عن الفنون الإسلامية بعض الصفحات عن النقوش المعمارية في عهدهم.
وتحدث المعاصرون عن ازدهار الأدب ببلاط المعز بالقيروان وتميم بالمهدية وأشادوا بتشجيعهم للشعراء والأدباء كالحصريين علي وإبراهيم والنهشلي والعلمين المتنافسين ابن رشيق وابن شرف. وذكروا مكانة العلم عندهم باختصاصهم بابن أبي الرجال العالم الفلكي والرياضي البارع والوزير المقتدر.
وقد محيت آثارهم بعد الدمار الذي ألحقته حملة بني هلال المستديمة بإفريقيا: أريافها ومدنها.
محمد اليعلاوي
مراجع للاستزادة: |
ـ ابن أبي دينار، المؤنس في أخبار إفريقية وتونس (تونس 1967).
ـ ابن عذاري، البيان المغرب (ليدن).
ـ الشاذلي بويحي، الحياة الأدبية في عهد بني زيري (بيت الحكمة، تونس 1972).
ـ الوزير السراج، الحلل السندسية (نشر محمد الحبيب الهيلة، دار الغرب الإسلامي 1984).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 506 مشاركة :