يعقوب يوسف عبد مومن
Ya’coub ibn Youssef ibn Abdul-Moumen - Ya’coub ibn Youssef ibn Abdel-Moumen

يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن

(554 ـ 595هـ/1160ـ 1199م)

 

يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي الكومي الموحدي أبو يوسف المنصور بفضل الله، خليفة موحدي، ولد بقصر جدِّه عبد المؤمن بمراكش، عاون أباه في الإدارة والحرب، وكان مشاركاً في القيادة عندما أصيب أبوه بجراح أودت بحياته في أثناء الانسحاب من حصار شنترين وتلقى بيعة شيوخ الموحدين وقادة الجيش إثر الإعلان عن وفاة أبيه في 19ربيع الآخر 580هـ/30 تموز/يوليو 1184م.

كانت مشاغله هي نفسها التي شغلت أسلافه الموحدين الذين أداروا دولتهم من عاصمتهم مراكش ذات الموقع البالغ التطرف لدولتهم الممتدة من طرابلس الغرب إلى الأطلسي وجنوبي الأندلس؛ مما جعل المتمردين يستغلون بُعد المغرب الأدنى عن العاصمة للثورة، كما استفاد الإسبان من هذا البعد عن حدودهم ليغيروا ويتوسعوا على حساب الأندلسيين.

قام في الشهور الأولى لحكم يعقوب علي بن إسحق بن غانية زعيم أصحاب جزر الباليار ـ من بقايا المرابطين ـ بهجوم عبر البحر على بجاية ميناء المغرب الأوسط الشهير، فاحتله في شعبان580هـ/13 تشرين الثاني/نوفمبر 1184م بمعونة بقايا المرابطين فيه وأقربائهم الصنهاجيين، وتابع هجومه في المغرب الأوسط ليحتل الجزائر والمدن المحيطة بها من الداخل، مليانة ومزونة وأشير، ثم ضرب حصاراً على قسنطينة.

ردّ الخليفة يعقوب بتوجيه جيش بري يقوده ابن عمه أبو زيد بن أبي حفص مع أسطول، فاستعاد بجاية بعد سبعة شهور من احتلالها، ولاحق بني غانية عبر المغرب الأوسط، فانهزموا أمام قسنطينة وفروا إلى منطقة الجريد جنوب المغرب الأدنى حيث تدعمت قواهم بانضمام قبائل عربية وأتراك من الغز. ورأى الخليفة على مايبدو إدارة الحرب ضدهم من موقع قريب فانتقل إلى تونس ووجه منها قوة يقودها السيد أبو يوسف بن أبي حفص، واجهت قوى بني غانية في منتصف ربيع الآخر سنة 583هـ/25 حزيران/يونيو 1187م في فحص عمرة بأحواز قفصة، حيث واجه الجيش الموحدي هزيمة منكرة، فانبرى الخليفة للمجابهة بنفسه حيث بدأ بمهاجمة منازل العرب الملتحقين بهم فانسحبوا من صفوفهم، ثم أجهز على من بقي فهزموا وهرب القائدان علي بن إسحاق بن غانية وقراقش الغزي، واحتل إثر ذلك قابس واتبعها بقفصة في شعبان 583هـ/تشرين الأول/أكتوبر 1187م. كان على الخليفة بعدها مواجهة محاولات الذين أثاروا له المصاعب في المغرب الأدنى. بدأ بعمه أبي إسحاق إبراهيم في تلمسان الذي تجرأ على تسفيه خططه في الحرب، فجرَّده من امتيازاته وطرده علناً من مجلسه، فمات بعد أمد قصير.

جاء بعد ذلك دور أخيه أبي حفص عمر المعروف بالرشيد، حاكم مرسية، الذي اتُّهم بالتدبير للحلول محل أخيه، فقد تحالف بعد هزيمة يعقوب في فحص عمرة مع ألفونسو الثامن ملك قشتالة، وصادر بيت المال في بلده، وكان نصيبه القتل، ولقي المصيرِ نفسه عمُّه أبو الربيع سليمان ـ حاكم تادلة في المغرب ـ الذي حاول إثارة القبائل على الخليفة.

ساءت في هذه الفترة أوضاع الموحدين في الأندلس؛ إذ كان ألفونسو الثامن ملك قشتالة ينطلق من حصون على المرتفعات في وادي آنة ليغير على مواقع في حوض الوادي الكبير، حيث المدن المهمة: قرطبة وإشبيلية، وقد وصل بعضها إلى الشرق القريب من إشبيلية، وكان الوضع أدهى في الغرب حيث تقوى سانشو خليفة وابن ألفونسو انريكيث بالأساطيل الأوربية المارة بشواطئه، والمتجهة نحو الشرق لاستخلاص بيت المقدس بعد سقوطه بيد صلاح الدين منتصف رجب 583هـ/ 20 أيلول/سبتمبر 1187م، فأقنعهم بمشاركته في محاربة المسلمين هنا. كانت أولى نجاحاتهم المشتركة احتلال حصن البور 585هـ/ 1189م وذبح ستة آلاف كانوا مجموع سكانه، وكانت تلك المقدمة لاحتلال شلب (Silves حالياً)، الميناء ودار الصناعة الواقع على رأس الزاوية الجنوبية الغربية للأندلس بعد حصارها براً وبحراً مدة شهر، فنال البرتغاليون الأرض واستحوذ الصليبيون الأوربيون على الغنائم.

استشعر الخليفة يعقوب الخطر الداهم من هذه الجبهة فتوجه بجيشه سنة 589هـ/1190م نحو شلب واحتل الحصون المحيطة بالمدينة من الشمال، كان أهمها قصر أبي دانس، وهدمها وتمكن من استعادة شلب بعد حصارها ثلاثة وعشرين يوماً في 25 جمادى الثانية 587هـ/20تموز/يوليو 1191م.

ثم أخذ الخليفة يعقوب بعد ذلك يستعد للمواجهة مع العدو الأقوى في الأندلس، وهو ألفونسو الثامن ملك قشتالة، فاعتمد إضافة إلى قواته المغربية على ما نقله معه من المغرب الأدنى من أبناء قبائل عرب ومن أتراك غز بقيادة قراقش اشتهروا بطريقتهم في استخدام الرماية بالقوس سلاحاً رئيسياً وفعالاً، وقد تلقوا معاملة متميزة إذ كانوا يتقاضون رواتبهم اثنتي عشرة مرة في السنة مقابل أربع مرات للجند الموحدين، كما حظي قادتهم بإقطاعات واسعة.

بعد هذه الاستعدادات، قام بحملته الكبرى 591هـ/1195م ونزل في بسائط شلبطرة (salvatirra حالياً) على مقربة من حصون القشتاليين، استخف ألفونسو الثامن بقوة خصمه، فتقدم نحوه ونزل بجواره في حصن الاركدون بانتظار وصول قوات حلفائه، هاجم الموحدون خصومهم في 9 شعبان 591هـ/18تموز/يوليو 1195م، وأوقعوا بهم الهزيمة في أقل من يوم واحد، هرب في نهايته ألفونسو الثامن تاركاً في الميدان أعداداً كبيرة من القتلى والأسرى، تابع الموحدون هجومهم فاحتلوا حصن الأرك الذي أصبح اسمه علماً للمعركة، إضافة إلى خمسة حصون أخرى، مما أمّن للموحدين هدفهم وهو حماية حوض الوادي الكبير، واستغل يعقوب انتصاره للتوغل في أرض القشتاليين شمالاً لا للاحتلال وإنما للتدمير، وتوجه 592هـ/1196م لعبور حوضي آنة والتاجُه فأغار على أراضي طلبيرة وشمالي طليطلة، وسار في العام التالي في خط إلى الشرق فعمَّم التدمير على منطقة شرق طليطلة، حيث حصن مجريط ووادي الحجارة.

مكَّنت موارد الدولة وغنائم الحروب الخليفة يعقوب من الانفاق بسخاء على العمران، وخصوصاً في العاصمة مراكش، وإشبيلية حاضرة الموحدين في الأندلس، ورباط الفتح في الوسط مركز الحشد لجيوش الموحدين، وسّع في مراكش المسجد الذي بناه جده بخمسين ذراعاً من كل جانب وأقام منارته المعروفة بالكتبية بارتفاع 67.5م.

كما أنشأ بيمارستاناً دعاه دار الفرج، أجرى المياه داخله وأقام فيه أربع برك، وغرس حوله جميع أنواع الأشجار من مشموم ومأكول، ورتب فيه صيادلة لتركيب الأدوية إضافة إلى الأطباء وجعل فيه العلاج مجانياً للأغنياء والفقراء والغرباء، وأنشأ بجوار ما بناه أسلافه مدينة ملكية ضمت اثني عشر قصراً، إضافة إلى مسجد والأسواق والفنادق، وأجرى ساقية ماء ظاهرة عبر مراكش من الجنوب إلى الشمال عليها سقايات.

أما في الرباط فقد نفذ الخليفة خطة سلفه بإنشاء مدينة عند المعبر على نهر بورقراق إلى مراكش وأنشأ فيها مرافقها من فنادق وحمامات وسقايات، ولازالت بقاياها موجودة باسم (الأوداية)، كما أمر ببناء مسجد بجوارها لم يكتمل بناؤه، لكن معالم جدرانه لازالت قائمة وتعرف بمسجد حسان وقد تميز بمساحته 25200م2 وتقوم في وسطه المئذنة التي أنجز منها حتى ارتفاع 44م، وشيدت في الأندلس بأمر منه مئذنة المسجد الجديد المعروفة اليوم باسم (الخيرالدا) التي ترتفع 73م بقاعدة مربعة طول ضلعها 13.5م، وتميزت كما هي الحال في مساجد الموحدين آنذاك بطرق مائلة عريضة تتسع للصاعدين مشياً من سدنة ودواب، وقد حفظت الرواية اسم مهندسها أحمد بن باسة ونائبه علي الغماري، وبني بأمر من الخليفة يعقوب أيضاً حصن الفرج على مرتفعات الشرف لحماية المدينة، وحفرت له بحيرة وأقيمت عليها النواعير لزراعة الأشجار المحيطة به.

كان الخليفة يعقوب كأسلافه مشاركاً في العلم وراعياً له، إذ ترأس مثلهم مجلس المذاكرة الذي يعقد في القصر. شملت الموضوعات فيه العقيدة وعلم الكلام والحديث، والفلسفة التي استبعدت بعد إبعاد ابن رشد في سنتي 593ـ594هـ/1197ـ1198م. وتميز يعقوب بتحضير كل مسألة يطرحها بعمق، حتى يستدرك على من يتناولها من العلماء.

ووجه التأليف في الموضوعات المرغوبة، كتكليفه العلماء جمع الأحاديث الخاصة بالصلاة من مصنفات الحديث العشرة، وصار يمليه بنفسه بعد وضعه، وألف له أبو العباس الجراوي الشاعر كتاب «صفوة الأدب ونخبة ديوان العرب» المعروف بـ«الحماسة المغربية» لأنه ألف على نسق كتاب الحماسة المشرقي.

تجاوز يعقوب أسلافه بجعل التشريع يعتمد على القرآن والحديث فأحرق كتب الفروع في المذهب المالكي، أما في مجال عقيدة الموحدين فاستمر في عدّ المسلمين غير المعتنقين المذهب الموحدي عبيداً للموحدين، وطال التشدد أهل الذمة، ففرض على اليهود التميز بلباس خاص، لكنه شكك بصحة العصمة للمهدي؛ لأنها مقصورة عليه، ولا تنتقل لخلفائه من آل عبد المؤمن، مما لا يفيدهم الرفعة، وميز نفسه من أسلافه باتخاذه لقباً يصله بالله هو «المنصور» فأصبح ذلك سنة لمن خلفه، كما منع أقاربه من لبس الغفائر (الرداء الخارجي فوق الملابس) الزبيبية اللون، والبرانس المسكية ( الجلدية) وجعلها خاصة به في جلوسه وركوبه، وضرب ديناره الخاص الذي عرف باليعقوبي، وكان أثقل وزناً (4.729) غ وأوسع وأكثر زينة. توفي على الأرجح بمراكش، ثم نقل إلى تينملل.

أحمد بدر

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الأرك (معركة ـ) ـ بنو غانية.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن أبي زرع، الأنيس المطرب بروض القرطاس (دار المنصور للطباعة، الرباط 1972).

ـ ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، عني بنشره أميروسي هويسي ميراندة (دار كريماديس للطباعة، تطوان 1960م).

ـ عبد الواحد المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق محمد سعيد العريان (القاهرة 1383هـ/1963م).

ـ أحمد بدر، تاريخ المغرب والأندلس (المطبعة الجديدة، دمشق 1980ـ1981).

- HUIEL MIRANDA AMBROSIO, Historia Politica del Imperio Almorade (Tetwan,1956).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الثاني والعشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 524 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة