نويري (احمد عبد وهاب)
Al-Nuwayri (Ahmad ibn Abd al-Wahab-) - Al-Nuwayri (Ahmad ibn Abd al-Wahab-)

النويري (أحمد بن عبد الوهاب ـ)

(677 ـ 733هـ/1279 ـ 1333م)

 

شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب ابن عبادة البكري (نسبة إلى أبي بكر الصديقt) القرشي النويري. وجاء نسبه مختلفاً في بعض المصادر، فذكر أنه أحمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم بن عبد الدائم، الشيخ الإمام الفقيه المحدث المؤرخ الأديب.

     ولد في قرية نويرة إحدى قرى بني سويف في صعيد مصر، فنسب إليها، وقيل: لكنه ولد بقوص، وبها نشأ وتعلم، فقرأ القرآن الكريم وسمع الحديث الشريف وحصل على علوم اللغة والأدب. وكان أبوه كاتباً مشهوراً يعمل في دواوين الدولة، فعلّم ابنه صنعة الديوان، ودربه على كتابة الإنشاء الديواني حتى أتقن عمل الدواوين وعرف قوانينها وما يحتاج إليه للانخراط فيها. وسرعان ما التحق بديوان الإنشاء في القاهرة، واشتغل كاتباً منشئاً فيه، ثم تقلّب في أعمال مختلفة، وتولّى نظارة الجيش في ولايات عدة، فأظهر كفاية في عمله، ونهض بمسؤوليته على خير وجه، فحظي عند السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون الذي قرَّبه منه، ولكن وجود منافسين له كان يعرّضه أحياناً للأذى بما في ذلك مصادرة أمواله وأملاكه؛ فكان وضعه مع الدولة متقلباً، يعمل مرة ويتوقف مرة، ويرضى عنه في وقت، ويحرم الرضا في وقت آخر، ومع عمله في الدولة لم يتخلَّ عن الاشتغال بالعلم والأدب حتى وفاته بالقاهرة.

كان شهاب الدين النويري جامعاً للفضائل، حسن الهيئة والخلق، وفيه مكارم وأريحية مع ذكاء واحتشام، لا يتردد في خدمة قاصديه، ويتودد لأصحابه ويقبل عليهم ويوفر لهم حقوقهم، ويواظب على النوافل وقراءة القرآن الكريم، لم يفسده العمل في الدولة ولا قربه من السلطان، ولم تصرفه مشاغله عن محبته للعلم والأدب، فاستمر في المطالعة والكتابة، والاستزادة من العلوم التي حصّلها، بنسخ بخط جميل منسوب كتب الحديث والأدب، وأكثر من نسخ صحيح البخاري، واشتهر بسرعة الكتابة وحسنها ودقتها، فاستحق صفة الأديب الذي يُلمّ من كل علم بطرف.

وللنويري شعر يسير ونثر كثير، منه نثر أدبي يحتوي على كتب ديوانية ورسائل أدبية مختلفة، اتبع فيه الأسلوب المصنع السائد في عصره ليثبت مقدرته بين أقرانه، فقطّع جمله ووازن بينها وسجعها، واستخدم فنون البديع المختلفة مع الإفادة من التراث، فضمّن أشعاراً وأقوالاً، وأشار إلى أشياء مشهورة، واستخدم الأسماء والمصطلحات في بناء المعاني وضروب الصنعة، وأطلق في نثره الأدبي لخياله العنان، فكثرت فيه التشبيهات وتجسيد المفهومات المجردة وربطها بالمحسوسات وإضفاء الوعي والإحساس عليها.

أما نثره في مصنفاته وعرض المسائل والقضايا فكان أسلوبه فيها سهلاً واضحاً مستقيماً يؤدي الأفكار والمعاني بأقصر عبارة؛ لأن غايته الإفهام والإقناع، وليس إظهار المهارة الأسلوبية والإمتاع.

اشتهر النويري بكتاب «نهاية الأرب في فنون الأدب»، وقد ذكره أصحاب كتب التاريخ والتراجم باسم تاريخ النويري ليكون مرجعاً لكاتب الديوان، يأخذ منه الثقافة اللازمة لعمله وكتابته، لذلك عرض أعمال الدولة وصفاتها ومهام القائم بها وعدّته في النهوض بعمله، وآداب الاشتغال بسياسة الدولة. وقد استغرق جمع مادته وتدوينه عشرين عاماً. وقسمه إلى خمسة أقسام، تحدث في القسم الأول عن مسائل الفلك وعلم الجغرافيا، فذكر السماء والآثار العلوية والأرض ومعالمها وكل ما يتصل بذلك. وتحدث في القسم الثاني عن الإنسان وما يتصل به من آداب وعادات واجتماع. وتناول في القسم الثالث الحيوان وكلَّ ما يتعلق به من سمات وخصائص وسلوك وصيد ونحوه. وجعل القسم الرابع في الحديث عن النبات وأنواعه وفوائده ومواطن كل نوع وطرائف استنباته. وخصص القسم الخامس للتاريخ، فاستفاض في عرض تاريخ العرب ودولهم وإماراتهم، حتى شغل هذا القسم نصف الكتاب، لذلك أطلق القدماء عليه اسم تاريخ النويري، ووصفوا صاحبه بالمؤرخ.

وقد تناول النويري مواد كتابه تناولاً أدبياً، وأداها بأسلوب واضح بعيد عن الإغراق في التخصص العلمي والمصطلحات التي لا يعرفها إلا أهل العلم، وكأنه أراد أن يوصل العلوم المختلفة إلى الناس كلهم، فبسطها وأوضح غامضها.

اتسمت معالجته لمسائل العلوم المختلفة بالموضوعية، لا يأخذه الهوى بعيداً عن نشدان الحقيقة، واتصف استشهاده الكثير بالشعر والنثر بضبط النقول والتدقيق الواعي في الأخذ من المصادر، وقد حوى الكتاب نقولاً كثيرة من مصنفات ضائعة فحفظها، واتبع النويري منهجية واضحة في تنظيم مواد الكتاب وتقسيمها وتبويبها لتسهيل وصول المنتفع بالكتاب إلى مبتغاه، فضلاً عن اشتماله المعارف التي يحتاج إليها المتأدب.

ومن هنا جاءت أهمية الكتاب وتفرده بين المؤلفات الموسوعية التي ظهرت في العصر المملوكي؛ لأنه سار بالكتب الجامعة التي أُلفت قبله إلى الأمام، ونقل التأليف في صنعة الديوان نقلة كبيرة، فاعتمد عليه من جاء بعده مثل ابن فضل الله العمري في كتابه الجامع «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار»، والقلقشندي في كتابه الموسوعي «صبح الأعشى في صناعة الإنشا»، وقد طبعت وزارة الثقافة والإرشاد القومي كتاب نهاية الأرب في 27 جزءاً في القاهرة.

محمود سالم محمد

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن حجر، الدرر الكامنة، تحقيق محمد جاد الحق (دار الكتب الحديثة، القاهرة، د.ت)

ـ الأدفوي، الطالع السعيد، تحقيق سعد حسن (الدار المصرية للتأليف، القاهرة 1966).

ـ ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق حامد الطاهر (دار الفجر للتراث، القاهرة 2003).

ـ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (دار الكتب العلمية، بيروت 1992).


- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الواحد والعشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 171 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة