نصر سيار
Nasr ibn Sayyar - Nasr ibn Sayyar

نصر بن سيار

(… ـ 131هـ/… ـ 749م)

 

أبو الليث نصر بن سيار بن رافع بن ربيعة الكناني، شيخ مضر بخراسان، شاعر وفارس من الدهاة سؤدداً وكفاءَة، ولي عامة ثغور خراسان وحروبها قبل أن يتولى إمارة خراسان سنة 120هـ.

شارك في حملات قتيبة بن مسلم الباهلي، فوهبه قتيبة قرية سنة 87هـ/705م لجميل بلائه، وكان له دور بارز في وقعة الشعب سنة 112هـ عندما هاجم الترك من كل جانب الجيش الإسلامي في شعب قرب سمرقند، فأرسل الجنيد ابن عبد الرحمن والي خراسان، نصر ابن سيار مدداً للجيش، فشد هو ومن معه على العدو من الترك حتى فرّق جمعهم، وأبلى نصر بن سيار يومها بلاءً حسناً، فمدحه ابن عرس العبدي:

يا نصر أنت فتى نزارٍ كلها                       فلك المآثرُ والفعالُ الأرفعُ

يوم الجنيد إذ القنا متشاجر                                والبحرُ دامٍ والخوافقُ تلمعُ

ما زلت ترميهم بنفس حرّة                        حتى تفرق جمعُهم وتصدّعوا

في سنة 120هـ تُوفي أمير خراسان أسد ابن عبد الله القسري، فكتب الخليفة هشام بن عبد الملك إلى واليه على العراق يوسف بن عمر أن يبعث إليه برجل له علم بخراسان، فبعث إليه بعبد الكريم ابن سليط بن عطية الحنفي، فسأله عن أمر خراسان وأهلها ومن بها ممن يصلح أن يولاها، فسمى له جماعة من قيس وربيعة فكان إذا تسمى له رجلاً من ربيعة قال: «إن ربيعة لا يسد بها الثغور». فسمى نصر بن سيار المجرب العفيف العاقل، فقال هشام: «هو لها»، فقال عبد الكريم: «إن غفرت له واحدة، فعشيرته بها قليلة»، فقال هشام: «لا أبا لك أتريد عشيرة أكثر مني أنا عشيرته».

أعادت انتصارات نصر ـ بعد أن تولى خراسان ـ أيام قتيبة بن مسلم الباهلي[ر]، فقد استغل سقوط دولة الأتراك الغربيين فأعاد السيادة العربية إلى حوض سرداريا (سيحون)، وعقد عامي 122ـ123هـ معاهدات مع أمراء إشروسنة والشاش وفرغانة، وقتل كورصول أقوى رجل في بلاد الترك بعد مقتل خاقان، كذلك كان التوفيق حليف نصر في البداية، إزاء المشكلات الداخلية، فقد خطب في الناس، وأخبرهم أنه قد أقام منصور بن عمر بن أبي الخرقاء على كشف المظالم الناجمة عن إساءة الدهاقين لاستعمال وظائفهم، وأنه قد وضع الجزية عمن أسلم، وجعلها على من كان يخفف عنه من المشركين، وقال: «فأيما رجل كان يؤخذ منه ضريبة رأسه أو ثقل عليه في خراجه، فليرفع ذلك إلى منصور بن عمر يحوله من المسلم إلى المشرك»، فأتاه 30ألف مسلم كانوا يؤدون الجزية عن رؤوسهم و80ألف مشرك، ألقيت عنهم جزيتهم فحول ذلك عليهم، ورفعه عن المسلمين، ثم صنف الخراج، ووضعه مواضعه.

في سنة 125هـ توفي الخليفة هشام ابن عبد الملك، فولى الخليفة الوليد ابن يزيد (125ـ126هـ) نصر بن سيار خراسان كلها وأفرده بها، ولكنه لم يلبث أن ضم خراسان لوالي العراق يوسف ابن عمر، مقابل مبلغ كبير من المال عرضه على الخليفة، فكتب يوسف إلى نصر يأمره بالقدوم، وأن يحمل ما قدر عليه من الهدايا والأموال، وأن يقدم عليه بعياله أجمعين، وكتب الخليفة الوليد بن يزيد إلى نصر يأمره كذلك أن يتخذ له أباريق من ذهب وفضة، وأن يجمع له كل صناجة بخراسان، وكل بازٍ وبرذون فاره، ثم يسير بكل ذلك بنفسه في وجوه خراسان.

تباطأ نصر في سيره، فبلغه مقتل الوليد بن يزيد وهو في طريقه إلى العراق، فرجع بالناس إلى خراسان، وردّ تلك الهدايا، وأعتق الرقيق، وقسم تلك الآنية في عوام الناس، ووجه العمال وأمرهم بحسن السيرة.

كان من نتيجة اضطراب الأوضاع في الشام بعد مقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ وامتناع نصر بن سيار عن تسليم عمله للوالي الجديد الذي أرسله والي العراق منصور بن جمهور أن استغل الوضع جُدَيع الكرماني الذي كان يطمع بإمارة خراسان، فاندلعت الفتنة بين المضرية بزعامة نصر بن سيار، واليمانية بزعامة جُديع الكرماني ومن انضم إليه من قبائل ربيعة، وخاف نصر قدوم الحارث بن سُريج [ر] عليه في أصحابه من الترك، فيكون أشد عليه من الكرماني وغيره، وكان الحارث قد أعلن ثورته سنة 116هـ، فلما هزم سنة 119هـ انضم إلى خاقان الترك في حربه ضد أسد بن عبد الله القسري والي خراسان، وبقي الحارث في بلاد الترك حتى سنة 126هـ عندما أخذ له نصر ابن سيار الأمان من الخليفة الوليد بن يزيد، فعاد الحارث إلى خراسان سنة 127هـ، وأقام بمرو الروذ، ورد نصر عليه مما أخذ له، فلما كانت خلافة مروان ابن محمد (127ـ132هـ) بايعه نصر بن سيار، وأقرّه الخليفة على عمله، وامتنع الحارث عن مبايعته، فأرسل إليه نصر يدعوه إلى الجماعة وينهاه عن الفرقة وإطماع العدو، فلم يقبل وانضم الحارث إلى الكرماني الذي هزم نصراً، ودخل مرو، وأمّن الناس، ولكنه هدم الدور، ونهب الأموال، فأنكر الحارث عليه ذلك، ونبذ تحالفه معه، وحاربه مع من انضم إليه من تميم ومضر سنة 128هـ وقُتل الحارث وأخوه، وصفت مرو لليمانية، فهدموا دور المضرية وتنحى نصر عن مرو إلى أبرشهر، وكتب إلى الخليفة مروان بن محمد يخبره بخروج الكرماني عليه ومحاربته إياه، واشتغاله بذلك عن طلب أبي مسلم [ر] وأصحابه حتى قد عظم أمرهم، وطلب من الخليفة أن يمده بالجنود ليستعين بهم على محاربة من خالفه، ثم كتب في أسفل الكتاب:

أرى تحت الرمادِ وميض جمرٍ            ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النّار بالعودين تُذْكَى                  وإن الشّرّ أوّلهُ الكلامُ

وقلت من التّعجّب ليت شعري            أأيقاظ أميّة أم نيام؟!

على أن مروان بالواقع لم يكن غافلاً، ولكنه كان مشغولاً بقمع الثورات التي اندلعت في العراق والجزيرة والحجاز ومصر واليمن والتي تكالبت عليه من كل جهة، فلم يستطع أن يمده بالجنود.

ولما أعيت نصر بن سيار الحيل في أمر الكرماني، وأبطأ عن نصر الغوث، وأعلن أبو مسلم دعوته سنة 129هـ، لم يأمن نصر أن ينحاز الكرماني ومن معه من اليمانية والربعية إلى أبي مسلم، فيكون في ذلك القضاء عليه، فأراد أن يستعطف من كان مع الكرماني من الربعية، فكتب إليهم وكانوا جميعاً بمرو:

أبلغ ربيعةَ في مرو وإخوتها                      أن يغضبُوا قبل ألا ينفعَ الغضبُ

ما بالكم تُلحفون الحربَ بينَكم                     كأنّ أهل الحجا عن فعِلكم غُيب

وتتركون عدواً قد أظلّكم                          ممن تأشّب لا دين ولا حسبُ

ليسوا إلى عربٍ فنعرفهم                          ولا صميمُ الموالي إن هُم نُسِبُوا

فمن يكن سائلي عن أصلِ دينِهم                   فإن دينَهم أن تُقتلَ العربُ

باءت محاولات نصر في كسب الكرماني بالإخفاق، فلما قتل الكرماني أسرع أبو مسلم فاعترف بابن الكرماني أميراً على خراسان، حتى يضمن كسب أتباع الكرماني إلى جانب الثورة العباسية، وأرسل أبو مسلم وفداً إلى نصر يعده الأمان إذا سلم نفسه، ولكن نصر شاغل الوفد وهرب إلى نيسابور، ويروى أن لاحظ بن قريظة حذر نصراً من الاستسلام بتلاوة الآية: ]… إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ…[ (القصص 20)، وقد قُتل لاحظ جزاء عمله هذا فيما بعد.

وقعت مرو وقراها ثم مرو الروذ وهراة وأبيورد تحت نفوذ الشيعة العباسية، وتوجه قحطبة الطائي نحو طوس، والتقى القوات الأموية بقيادة تميم بن نصر بن سيار ومن معه من فرسان مضر وجماعة من أهل نيسابور، ودارت الدائرة على القوات الأموية، وقُتل تميم، وفتحت طوس، وكانت هذه ضربة مؤلمة لنصر الذي اتجه نحو همذان حيث مات في الطريق في قرية ساوة.

نجدة خماش

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الحارث بن سريج ـ مروان بن محمد الجعدي ـ أبو مسلم الخراساني ـ هشام بن عبد الملك.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار المعارف، مصر 1970)

ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ(دار الكتاب العربي، بيروت 1967).

ـ الدينوري، الأخبار الطوال، تحقيق عبد المنعم عامر (منشورات الشريف الرضي، القاهرة 1960).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 684 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة