نجدة بن عامر الحروري
نجده عامر حروري
ajda ibn ’Amir al-Harouri - ajda ibn ’Amir al-Harouri
نجدة بن عامر الحروري
(36 ـ 69 هـ/656 ـ 688م)
هو أبو المطرَّح، نجدة بن عامر بن عبد الله، الخارجي الحروري. لم تكشف المصادر التاريخية عما يعين على معرفة أمره في حداثته ونشأته، إلاّ أنه أصبح في شبابه رأساً ذا مقالة منفردة من مقالات الخوارج الشراة[ر]، وأحد كبار أصحاب الثورات في صدر الإسلام، وزعيم الفرقة (النجدية) المنسوبة إليه.
ينتمي نجدة إلى بني حنيفة وهم حي من أحياء قبيلة بكر بن وائل. ويوصف بالحروري نسبة إلى (حَرُوراء) وهي قرية قرب الكوفة كان أول مجتمع الخوارج فيها.
وفي خلافة معاوية وابنه يزيد لم تفتر همة الأمويين عن ملاحقة هؤلاء الخوارج وتتبع آثارهم ابتغاء القضاء عليهم وإخماد ثوراتهم. ففي سنة 61هـ تعرض الخوارج الحروريون في البصرة لمحاصرة واليها عبيد الله بن زياد لهم واشتداده عليهم، فلما علموا بثورة عبد الله بن الزبير على الأمويين بمكة توجه نجدة الحروري ونافع بن الأزرق وعبد الله بن أباض بقواتهم لمساندة ابن الزبير في الدفاع عن مكة ومواجهة الجيش الأموي القادم من الشام بقيادة مسلم بن عقبة. ومع أن عبد الله بن الزبير كان يتقوى بالخوارج، ويستعين بهم في حروبه مستغلاً ما كان بينهم وبين الأمويين من العداء كان لا يأمن لهم، ولا يتفق معهم في معظم آرائهم ولا سيما بعد أن تبين لـه بغضهم الشديد لعثمان بن عفان. وجرت بين الطرفين مناظرة طويلة لم تزدهما إلاّ تباعداً ونفوراً، فكان هذا الاختلاف من أسباب خذلان الخوارج لـه وانصرافهم عنه، فتوجه نجدة الحروري إلى اليمامة بجماعته (النَّجَدات) وهو لايزال على ولائه لابن الأزرق. وانطلق نافع إلى البصرة وأقام فيها مع جماعته (الأزارقة). إلاّ أن هذا الولاء لم يطل أمده، إذ دب الشقاق بين نجدة ونافع لأمور مذهبية اجتهادية، وقد روي أن نجدة كان يكاتب عبد الله ابن عباسt، ويسألـه عن بعض المسائل الفقهية، فكان ابن عباس يرد عليه حيناً ويمتنع عن الرد حيناً آخر لِما عُرف عنه من معارضته للخوارج ورفضه لمواقفهم المخالفة للشرع في كثير من الأمور. واستطاع نجدة أن يستميل إليه عدداً من جماعة نافع بن الأزرق ففارقوه، وتوجهوا شطر اليمامة، وهناك التحقوا بنجدة، وأصبحوا من أنصاره، وأخذوا يشاركونه في حملاته على عبد الله بن الزبير، فكان إذا رجع من الحملة وزع عليهم وعلى أصحابه الأموال والغنائم؛ فبايعوه وأطلقوا عليه لقب أمير المؤمنين. وكان ذلك في سنة 66 هـ، ونجدة يوم ذاك في الثلاثين من عمره.
إلاّ أن نجدة بن عامر لم يكتف بالمناطق التي استولى عليها في أطراف اليمامة، بل امتد سلطانه إلى البحرين والقَطيف وعُمان أيضاً، وتمّ لـه إخضاع بني كعب بن ربيعة والأَزْد وعبد القيس، ثم سار بأصحابه إلى حضرموت واليمن بعد أن بلغ عددهم زهاء ثلاثة آلاف رجل. وكان عبد الله بن الزبير لا يفتأ يباغت نجدة بالجيش تلو الجيش والخيل بعد الخيل، فيهزمهم نجدة وينتصر عليهم، حتى أخذت قوة ابن الزبير تضعف أمام قوة نجدة بن عامر ومغامراته الجريئة في أرض الجزيرة العربية.
وفي سنة 68هـ توجه نجدة إلى مكة لأداء فريضة الحج، وهناك التقاه عبد الله بن الزبير، فتصالحا وتعاهدا على أن يصلي كل منهما بأصحابه، وأن يكفَّا عن القتال طوال أيام الحج.
وبعد انتهاء موسم الحج عزم نجدة على المسير إلى المدينة المنورة، فتأهب أهلها لقتاله، ولبس عبد الله بن عمر ابن الخطاب السلاح لملاقاته بعد أن كان يلازم بيته ولا يبرحه تنزيهاً لنفسه عن الخوض في الفتن الدائرة آنذاك. فلما علم ذلك نجدة عدل عن المدينة وقصد الطائف، فسار إليه عاصم بن عروة الثقفي وبايعه نيابة عن قومه. وبذلك استطاع نجدة أن يستولي على عدد من المناطق والبوادي من الطائف إلى نجران، فعين على كل منطقة والياً من قِبَله، ثم عاد إلى مقرِّه في اليمامة.
غير أن هذا المركز القيادي الذي احتله نجدة بن عامر لم يدم طويلاً؛ إذ لم يلبث فريق من أصحابه أن انقلبوا عليه، وواجهوه بجملة من المآخذ، وتحولوا عنه إلى أبي فُدَيك عبد الله ابن ثور، أحد زعماء الخوارج، وكان في أول عهده من أتباع ابن الأزرق، ثم صار من أتباع نجدة، فاستولى أبو فديك هذا على اليمامة في سنة 69هـ، مستغلاً فرصة انصراف العساكر الموالين لنجدة إلى الغزو في أطراف الشام ونواحي اليمن. فلما علم نجدة بما فعله أبو فديك استخفى في دار أحد أصحابه في منطقة (حَجْر) قرب اليمامة منتظراً عودة عساكره. ونادى منادي أبي فديك: من دلَّنا على نجدة فله عشرة آلاف درهم، وأيُّ مملوك دلَّنا عليه فهو حر. فدلت عليه أَمَة للذي كان نجدة مختبئاً عنده. فأنفذ أبو فديك عدداً من جنوده، فكبسوا البيت، وقتلوا نجدة وحملوا رأسه إلى أبي فديك. وبمقتله تضعضع أمر (النَّجَدات) وانقسموا ثلاث فرق: فرقة منهم تابعوا أبا فديك والتفوا حوله، وفرقة ظلوا يحملون اسم (النَّجَدات) وعذروا نجدة على أفعاله، وفرقة ثالثة هجروا اليمامة ونزلوا بناحية البصرة، وسكتوا عن الحكم على نجدة وقالوا: لا ندري هل أحدث تلك الأحداث أم لا؟ فلا نبرأ منه إلاّ باليقين.
ومع ذلك فإن لم يعدم نجدة من يأسى على مقتله، ويغتاظ من أن أبا فديك تولى القيادة بعده، فقد قال أحد أتباعه يرثيه:
أبعدَ أبي المُطَرَّح يومَ حَجْر يقوم بسُوقِها أبداً مُجيرُ
فليت سيوفَكم يا آلَ حَجْر أتاها يومَ نجدةَ مستعيرُ
فأصبحتِ اليمامةُ بعدَ عزٍّ أذلَّ رقابَها الأسدُ العقيرُ
فلم يستبدلوا منه ابنَ ثورٍ فقد ضاعت بكاظمةَ الثغورُ
كان لنجدة الحروري وجماعته آراء مذهبية فقهية في الدين والسياسة تختلف عن آراء غيرهم من فرق الخوارج الحروريين. من ذلك أنهم كانوا يعذرون الجاهل في أحكام الفروع إذا استحل باجتهاده ما يخالف أمور الشرع؛ ولذلك سموا (العاذرية)، ومنها أنهم كانوا يرون أن التقية جائزة في القول والعمل، ومنها أنهم لم يكونوا يرون وجـوب الإمامة؛ إذ لا حاجة للناس في نظرهم إلى إمام قط، فما عليهم إلاَّ أن يراعوا العدل والإنصاف فيما بينهم، فإن لم يستطيعوا تحقيق ذلك إلاّ باتخاذ إمام جاز لهم ذلك.
محمَّـد كمـال
مراجع للاستزادة: |
ـ الشهرسـتاني، الملل والنحل (دار المعرفة، بيروت 1984م).
ـ المبرِّد، الكامل في اللغة والأدب (مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر 1937م).
ـ نايف معروف، الخوارج في العصر الأموي (دار الطليعة، بيروت 1981م).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 472 مشاركة :