ابن نباتة (محمد بن محمد-)
نباته (محمد محمد)
Ibn Nubata (Mohammad ibn Mohammad-) - Ibn Nubata (Mohammad ibn Mohammad-)
ابن نباتة (محمد بن محمد ـ)
(686 ـ 768هـ/1287ـ 1366م)
جمال الدين أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الجذامي أو الحذاقي الفارقي المصري الأديب الشاعر. جده الأعلى عبد الرحيم بن محمد بن نباتة خطيب سيف الدولة الحمداني، والجذامي نسبة إلى جذام، والحُذاقي نسبة إلى حذاقة بطن من إياد، والفارقي نسبة إلى ميافارقين من حواضر الجزيرة الفراتية.
ولد في القاهرة، ونشأ في كنف والده الفقيه، فتلقى عليه وعلى جده علومه الأولى، ثم قرأ القرآن الكريم على أئمة القراءات في مصر، وسمع الحديث الشريف من أعلام روايته والدراية به، وجلس في حلقات أعلام الفقه، ودرس علوم اللغة والأدب على شيوخها في القاهرة، قصد شعراء وقته وكُتابه، فأخذ عنهم صنعة الكتابة، ونمّى موهبته الشعرية، فأكمل ثقافته الدينية واللغوية والأدبية التي أهلته ليكون من أكبر أدباء زمانه.
افتتح في شبابه كُتاباً لتعليم الصبيان، سرعان ما تركه لأنه لا يلبي طموحه، ولا يعود عليه بما يكفيه، وغادر مصر إلى الشام ليلتحق بوالده مؤملاً أن يجد المجد والمال، فاتصل بالملك المؤيد الأيوبي صاحب حماة، ونال حظوة عنده، لكن إقامته في حماة لم تطل، فغادرها بعد أن تُوفّي الملك المؤيد، وتزهد ابنه الملك الأفضل، ونزل عن الحكم.
وأخذ يبحث عن مناصر ومعين، ويتقرب إلى رجال الدولة وأعيانها، فوجد قبولاً عند بعضهم، مثل الوزير عبد الله الأميني الذي اصطحبه إلى بيت المقدس، وعيّنه ناظراً لكنيسة القيامة، فكان يتردد إليها كل عام؛ ليأخذ متحصلها مما يقدمه زوارها. ودخل ديوان الإنشاء بدمشق بمسعى القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري. ثم عاد إلى القاهرة بعد إقامة في بلاد الشام دامت خمسين سنة، أمضى معظمها متعللاً، لايفتأ يشكو حاله وفقره وكثرة عياله، فأكرمه السلطان حسن، وعينه في ديوان الإنشاء بالقاهرة. لكنه لم يستطع مباشرة عمله لضعفه وتقدمه في السن، فأعفاه السلطان وأجرى عليه راتبه إلى أن تُوفِّي بالمارستان المنصوري في القاهرة، وقد تجاوز الثمانين.
ظهرت ميول ابن نباته الأدبية باكراً، فنظم الشعر قبل أن يبلغ العشرين، وخالط في مطلع شبابه كبار أدباء عصره وشعرائه، فأخذ عنهم الصنعة الشعرية، وصقلته التجربة حتى تميز في شعره بطريقة أطلق عليها الأدباء اسم الطريقة النباتية، تابعه فيها كثير من الشعراء المعاصرين له ممن جاؤوا بعدهم.
واشتغل في ديوان الإنشاء، فتدرب على الكتابة الأدبية حتى أتقنها، وصار من أعلام الإنشاء في زمنه، فتفرد بحُسن الخط والإبداع فيه، وأحيا سنة القاضي الفاضل في الكتابة، وافتن فيها حتى خرج بأسلوب خاص به، تابعه فيه المنشئون، لذلك نال إعجاب أهل الأدب آنذاك وإشادتهم لأنه حقق مفهومهم للأدب، وطابق نظرتهم الجمالية إليه، وأرضى ذوقهم الفني.
ترك ابن نباتة مؤلفات كثيرة في الشعر والنثر، فقد نظم مجموعات مستقلة في موضوعات محددة وأساليب بعينها، ودبج رسائل كثيرة متنوعة الأغراض وطرائق الأداء، وانتخب من شعر غيره منتخبات جيدة، تظهر ذوقه ومفهومه للشعر، واختار من إنشاء سابقيه رسائل عالية الجودة لتكون أمثلة يحتذيها كُتَّاب عصره، وشرح بعض آثار الأدباء السابقين، وأثبت بعض الأخبار ورحلاته، ووضع ديواناً في خطب صلاة الجمعة والعيدين، فكان مبدعاً فيما وضع وشرح واختار، ولقيت مؤلفاته عناية الأدباء، وحازت اهتمامهم، وأظهرت صورة الأدب في عصره.
ومن أهم آثاره ديوانه الذي جمع شعره المتفرق في مجموعات مستقلة، وقد استدرك عليه العالم ابن حجر ما فات جامعه البدر البشتكي، واستدرك أيضاً عليه رمضان العطيفي بعض الزيادات، فجاء ديواناً ضخماً يحوي ضروباً مختلفة من النظم، وقد طبع غير مرة. ومن مختاراته: «مختار ديوان ابن الرومي»، و«تلطيف المزاج في شعر ابن حجاج»، و«مختار ديوان الشرف الأنصاري»، و«مختار ديوان ابن سناء الملك»، و«مختار ديوان ابن قلاقس»، وكتاب «خبز الشعير المأكول المذموم»، جمع فيه سرقات الأديب صلاح الدين الصفدي من شعره.
ومن كتبه النثرية المطبوعة: «زهر المنثور في فن الترسل»، و«ديوان خُطب جُمعية»، و«مطلع الفوائد ومجمع الفرائد»، و«سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون»، وله أيضاً «أبرز الأخبار»، و«سجع المطوق»، و«سلوك دول الملوك»، و«شعائر البيت التقوي»، و«تعليق الديوان» جمع فيه نصوصه النثرية التي كتبها في ديوان الإنشاء، وكتاب «الفاضل في إنشاء القاضي الفاضل»، وله مجموعة من الرسائل الكبيرة، مثل «رسالة المفاخرة بين السيف والقلم» و«رسالة المفاخرة بين الورد والنرجس» و«رسالة التحف الإنسية في الرحلة القدسية»، و«رسالة في هجاء ابن شنار»، وله «مقامة في الشطرنج»، ونصوص متفرقة من التقاريظ والإجازات ومقاطع من رسائله مبثوثة في كتب الأدب.
شارك ابن نباتة في فنون النثر المعروفة آنذاك، واتسم نثره الفني عامة بالجمع الواعي بين ثقافته ومحفوظاته التراثية، وبين الصنعة البديعية الغالبة على أدب عصره، فكان يصطنع طرائق العرب في كلامهم، ويستخدم ثقافته في الاحتجاج لرأيه وتوليد المعاني وتشكيلها وبناء صنعته الفنية، ولم تبق آثار ثقافته على سطح النص نابية عن نسجه، بل أدرجها في نسيج النص وجعلها مكونات أصلية له، فلم تبدُ دخيلة مقحمة عليه. حلّق بخياله بعيداً، فالتقط صوراً بديعة خاصة في تجسيد المفاهيم المجردة وربطها بالمحسوسات وإضفاء الوعي والإحساس عليها. وأدى مقاصده بعبارات مزدوجة مسجعة ليوفر لنصوصه إيقاعاً واضحاً.
أما شعره الغزير، فقد تابع في مضمونه الشعراء السابقين، فمدح ورثى،وتغزل وهجا، ووصف وذكر الخمر، وتشوق لمصر وهو في الشام، ونظم الألغاز، ورصد علاقته بأهل عصره، وأكثر الشكوى من حاله البائسة، ونظم المدح النبوي ومدح آل البيت والزهد، فعكس في موضوعاته وأغراضه الشعرية الاتجاهات التي كانت معروفة في أيامه، لكنه لم يتعرض للقضايا العامة المثارة آنذاك، ولم يلاحق الأحداث الكبيرة.
وضروب النظم عنده كثيرة مختلفة، منها القصيدة التقليدية الكاملة بمقدماتها وطرائق الانتقال بين أجزائها، والأرجوزة في الطرد والمدح والوصف، لكنها لم تصل عنده إلى إغراب الأراجيز القديمة، وأكثر في شعره من المقطوعات التي صارت عنده ذات تقاليد ثابتة، تسمى بعدد أبياتها من المثاني إلى السباعيات.
وجاء أسلوبه في شعره متفاوتاً، فاقترب من الأصالة في الصياغة التقليدية، واتبع أسلوباً ذاتياً، يتسم بالرقة والانسجام، وأكثر من الصنعة البديعية، فبدت بعض قصائده ثقيلة متكلفة، وبذلك استجاب لأذواق الناس في عصره.
ولم تكن الصنعة اللفظية طاغية في شعره، بل كان يبحث في صنعته البديعية عن المعنى وتلوينه قبل أيّ شيء آخر، ويسخّر ألوان الصنعة كلها لخدمة المعنى.
من نثره قوله في رسالة التحفة الإنسية في الرحلة القدسية قوله:
«… إلى أن قدمنا القدس الشريف نحن والغمام، سبقنا إليه طرّة الصبح تحت أذيال الظلام، وخفّ بنا جناح الشوق والسوق حين دنت الخيام من الخيام، وألقينا بباب حرمه عصا السفر، وألقت هناك رحالها ركائب المطر، وزرنا باب الرحمة من الأرض، وزارنا باب الرحمة من السماء،وصرنا من الصالحين عند زيارة الأقصى فمشينا على الماء…».
ومن شعره قوله في قصيدة يشكو حاله ويظهر الزهد في الدنيا:
استغفرُ الله لا مالي ولا ولدي آسى عليه إذا ضمّ الثّرى جسدي
عُفتُ الإقامةَ في الدّنيا لو انشرحت انشرحت حالي، فكيف وما حظّي سوا النَّكدِ
لا عارَ في أدبي إنْ لم يَنَلْ رُتباً وإنما العارُ في دهري وفي بلدي
هذا كلامي وذا حظّي فيا عجبا منّي لثروة لفظٍ وافتقارِ يدِ
أما الهمومُ فبحرٌ خضت زاخره أما ترى فوقَ رأسي فائضَ الزَّبدِ
وعشتُ بين بني الأيامِ منفرداً وربَّ منفعةٍ في عيشِ منفردِ
محمود سالم محمد
مراجع للاستزادة: |
ـ ابن حجرالعسقلاني، الدرر الكامنة، تحقيق سالم الكرنكوي (دار الجيل، بيروت، د.ت).
ـ السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق الطناحي والحلوي (مكتبة البابي الحلبي، القاهرة 1964م).
ـ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، تحقيق مجموعة (الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة 1970م).
ـ ابن حجة الحموي، خزانة الأدب (دار مكتبة الهلال، بيروت 1987م).
- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 432 مشاركة :