ناصر خسرو
ناصر خسرو
Nasir Khusraw - Nasir Khusraw
ناصر خسرو
(394 ـ 480هـ/1004 ـ 1087م)
أبو معين، ناصر خسرو بن الحارث القبادياني المروزي، رحالة مشهور وفيلسوف وشاعر وكاتب وداعية إسماعيلي. نشأ في عائلة متوسطة عرف أفرادها بشغل بعض الوظائف في منطقتهم، والمعلومات عن طفولته قليلة متناثرة في كتبه، وهي تؤكد رغبته في إبراز صورة حياته بطريقة تعكس تطوره العقلي والروحي. وما يقال عن واقع أسرته التي نشأ فيها متناقض. إذ يقول بعض الباحثين إنه نشأ نشأة سنِّية، ويقول آخرون إنه نشأ في أسرة ذات ميول إسماعيلية، وقد تلقى تعليماً جيداً منذ مطلع حياته وأظهر نبوغاً مبكراً وشاعرية وميلاً إلى الفلسفة والعلوم والرياضيات.
عمل موظفاً بارزاً في الدولة الغزنوية في مرو التي كان أخوه يشغل فيها وضعاً مهماً، وبعد أن قضى السلاجقة عام 431هـ/1040م على الدولة الغزنوية التحق ناصر بخدمة «جغري بك» السلجوقي حاكم خراسان وتولى أمر خزينته في مرو مدة طويلة، وهو ما ينفك عن قراءة الفارابي وابن سينا وغيرهما وتحصيل العلوم والبحث في الأديان والعقائد، وكانت المنطقة آنذاك مضطربة سياسياً واجتماعياً ودينياً، وكان ناصر يكابد قلقاً روحياً ملحاً وتوفّزاً عقلياً بحثاً عن الحقيقة. وكان حائراً في المذهب الحق الذي ينبغي له أن يتبعه هل هو المذهب الشيعي أم السني، وإذا اختار الشيعة فأي فرقها؟
ويرى باحثون أنه كان يومذاك مع قلقه منتسباً إلى الإسماعيلية في وقت كان فيه دعاة الشيعة الإسماعيليين ناشطين.
وقد أمضّه الخلاف من حوله وبحثه عن الحق، ورجع إلى القرآن الكريم وكتب الحديث، واطّلع على التوراة والإنجيل ومذاهب الهنود، واتصل بعلماء من مختلف الأديان ولكنه لم يظفر بقناعة قاطعة.
أخيراً قرر أن يرحل ـ بحثاً عن الهدى ـ إلى بلاد العرب وغيرها وأن يقصد القاهرة عسى أن يتحرر من شكه منجذباً إلى دار الحكمة فيها التي استطاعت بفضل أساتذتها ومناهجها المتنوعة ودراساتها العلمية والفقهية أن تجذب إليها كثيرين من أعلام الشرق، فاستعفى من عمله في مرو عام 437هـ/1045م وارتحل عازماً على الحج ومستصحباً أخاه وغلاماً هندياً، فمرّ بالشام وزار القدس ثم أدّى فريضة الحج في مكة، ونوى أن يعود إليها ثانية، ووصل إلى مصر في عام 439هـ فلقي فيها كرم ضيافة وحسن استقبال، وبقي في مصر ثلاث سنوات وثلاثة أشهر تآلف فيها مع العقيدة الإسماعيلية التي انجذب إليها ربما بتأثير داعي الدعاة الإسماعيلي الشهير المؤيد في الدين الشيرازي المقيم آنذاك في القاهرة، وحجّ مدة إقامته في القاهرة مرتين، وربما كان حضوره إلى القاهرة ـ وفقاً لقول من الأقوال ـ بتوجيه من حجة خراسان الإسماعيلي بغية المثول أمام الخليفة الفاطمي المستنصر بالله وحضور مجالس الحكمة التي تؤهله ليحل محل الحجة في خراسان، وقد أعجب ناصر بالقاهرة ووصف أحوالها وأحوال مصر الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والعلمية وصفاً مفصلاً في كتابه «سفرنامة» وكال المدائح للخليفة ولحياة مصر، ونصّب الخليفة المستنصر ناصر خسرو حجة وكبيراً للدعاة في خراسان.
ويبدو أن قلقه زال في هذه المرحلة، وبدأ طريق العودة إلى خراسان فغادر القاهرة في عام 441هـ متوجهاً إلى مكة وبقي فيها ستة أشهر، وبعد حجه توجه إلى بلخ سالكاً طريق الحجاز فالحسا التي كانت تخضع لحكم القرامطة الذين أفاض ناصر في وصف أحوالهم وصف شاهد عيان فقدّم بذلك أهم وصف موثوق لهم.
عاد ناصر بصحبة أخيه أبي الفتح عبد الجليل إلى بلخ سنة 444هـ بعد غياب دام سبع سنين، وانتهى بذلك طور الرحلات من حياته وبدأ طور التبشير بالدعوة الإسماعيلية متكلماً باستمرار عن نفسه في كتاباته بوصفه حجة خراسان وعن أهمية دوره في فاعليات الدعوة الفاطمية. وكان هذا الطور الأكثر خصباً بما يخص إنتاجه الأدبي، وطوّف في خراسان ومازندران، وفي مواجهة الضغط الواضح من بيئة بلخ ذات الأغلبية السنّية تحت سلطة السلاجقة السنيين، أجبر على اللجوء إلى مرتفعات في بدخشان التي كانت محكومة من قبل إسماعيليين وعاش بقية حياته فيها عيشة تقشف وكفاف. وفي تلك الأيام اكتملت أعماله وقصائده الأكثر أهمية وانعكست فيها عواطفه المتناقضة حول عمله ولجوئه إلى يامغان، وكذلك شكواه من شعور العزلة وافتقاد الرفقة المثقفة ومن جو المعارضة له، وكان عزاؤه انشغاله بكتاباته وبالتبشير مما أعطاه إحساساً بمهمة ما في الحياة، ومات ناصر ودفن في قرية »شوغان« من أعمال يامغان وغدا قبره المتواضع هناك مكاناً للزيارة.
وقد اختلف في تحديد سنة وفاته بدقة، وكان ناصر خسرو أميناً في كتابته إذا رأى شيئاً رأي العين نص عليه نصاً، وإذا سمع عن شيء رواه وجعل العهدة على الراوي، وكتاباته أثرت تأثيراً قوياً في تطور إسماعيلية فارس وآسيا المركزية وأفغانستان، وقد أكسبه نثره وشعره موقع واحد مهم من وجوه الأدب الفارسي في العصور الوسطى.
ومن أشهر أعماله المنظومة وكلها بالفارسية:
1ـ ديوانه الأكثر شهرة الذي يصور نزاعاته الداخلية وتطوره الروحي وانخراطه في الدعوة الإسماعيلية، وهي ممزوجة بسلسلة واسعة من الهموم الإنسانية والدينية، والأسلوب عقلي وإرشادي وفلسفي.
2ـ «روشنائي نامة الضياء» هو كتاب في الإشراق وعمل شعري عن المقولات الإسماعيلية التقليدية وغيرها.
ومن أعماله المنثورة:
1ـ «زاد المسافرين» ويعرض فيه الأوضاع الفلسفية للقدماء بمن فيهم أفلاطون وأرسطو وخصومة بعض الفلاسفة المسلمين مثل أبي بكر الرازي (ت312هـ/926م).
2ـ «وجه الدين» عرض للعقائد الأساسية والعملية للإسلام مع إضاءة من مشاعره العميقة وتوضيح للاستخدام التأويلي في الفكر الإسماعيلي.
3ـ «كشايش ورهايش» تحرر وانعتاق وإرجاء، وهو كتاب فلسفي يقدم نمطاً مع أسئلة وأجوبة عن الأفكار الإسلامية العميقة.
4ـ «جامع الحكمتين» وفيه يسعى ناصر إلى تقديم توليفة تجمع بين الدين الوضعي ومنابع الفلسفة، وهدفه خلق انسجام بين لغة القرآن الكريم والوسائل الأساسية والمنطقية للمعارف الثقافية.
وقد جاء في أشعاره قوله: أربعة أشياء هي التي تؤنس روحي طوال الزمان وهي: الزهد والعلم والعمل وترتيل القرآن.
وأشعاره تبدي عنده العلم والأمانة والتقوى والحماسة الدينية واحتقار الدنيا والمنافقين.
يوسف الأمير علي
مراجع للاستزادة: |
ـ ناصر خسرو، سفرنامه، ترجمة يحيى الخشاب (دار الكتاب الجديد، بيروت 1983).
ـ محمد جمال الدين سرور، تاريخ الدولة الفاطمية (دار الفكر العربي، القاهرة د.ت).
ـ مصطفى غالب، أعلام الإسماعيلية (دار اليقظة العربية، بيروت، 1964).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 367 مشاركة :