ناشي اكبر (عبد الله محمد)
Al-Nashi’ al-Akbar (Abdullah ibn Mohammad-) - Al-Nashi’ al-Akbar (Abdullah ibn Mohammad-)

الناشئ الأكبر (عبدالله بن محمد ـ)

(… ـ 293هـ/… ـ 906م)

 

أبو العباس عبد الله بن محمد الأنباري الناشئ، ابن شرشير، الشاعر النحوي المتكلم، ولد في مدينة الأنبار بالعراق، وفيها حصّل مبادئ علومه الدينية واللغوية والأدبية، ثم ارتحل إلى بغداد وأقام بها طويلاً، فأخذ المنطق وعلم الكلام، وأظهر معرفة كبيرة في علوم كثيرة وحذقاً ومهارة في الاشتغال بها وقدرة شعرية كبيرة، ومال نحو مخالفة الإجماع في قواعد العلوم والتفرد في آرائه، فلم يلتفت إليه أهل بغداد، وسخروا منه، فتركها إلى مصر وأقام إلى أن توفّي.

كان الناشئ الأكبر شخصية متفردة بقوتّه العقلية الكبيرة وثقافته الواسعة، فقد أحكم علم النحو ونظر في علله، وأتقن علم العروض، وامتلك ناصية علم المنطق والكلام لكنه سعى إلى نقد أصول النحو وعلله بعلم الكلام، وأدخل على قواعد العروض شُبهاً ناقضة لها، ومثلها بغير أمثلة الخليل، بل حاول نقض قواعد المنطق.

صرف ذكائه إلى مناهضة الأعلام الذين وضعوا هذه العلوم، وقعّدوها، ورسّخوا بنيانها، فبدى غريباً في تصرفه، شغل أهل عصره والعلماء من بعده بمحاولاته الجريئة في زعزعة أصول ثابتة لعلوم مهمة، فاختلفوا في صنيعه، ونسبه بعضهم إلى الهوس والتخليط، ورفضوا آراءه، وأشاد بعضهم الآخر بمهاراته واجتهاده وقوة فطنته؛ لأن نقضه لقواعد العلوم تم بحجج مأخوذة من علم الكلام، تقنع من له إطّلاع عليه.

وضع ابن شرشير آراءه وأفكاره وتطبيقاتها في مصنفات مثيرة للجدل والدهشة معاً، منها كتاب في نقض منطق أرسطو، وكتاب في نقض آراء الخليل، مزج فيه النحو والعروض بقواعد المنطق وعلم الكلام، وكتاب «تفضيل الشعر»، ذكر فيه حدود الشعر وبناءه وأنواعه ودواعيه، وأظهر فيه قدرة نقدية كبيرة، وكتاب «المفاخرة بين الذهب والزجاج»، ورسالة «تفضيل السودان على البيض».

وكان الناشئ الأكبر شاعراً مجيداً، وضعه النقّاد في طبقة البحتري وابن الرومي، وشعره كثير فيه فوائد وأقيسة عقلية، معظمه في الطرد والصيد وجوارحه وأدواته وما يتعلق به، متابعاً أبا نواس في طردياته، وله شعر في الوصف والغزل ومجالس الأنس والخمر والإشادة بعلم الكلام والمتكلمين.

وعلى الرغم من نزعته العقلية واشتغاله بالعلوم جاء شعره منسجماً واضحاً، لاتثقله الصنعة وأصداء الثقافة، يميل إلى الإغراب في طردياته على سنة أصحاب هذا الفن، ويميل إلى الرقة والعذوبة في غزله وخمرياته، ويكثر التصوير ويبدع في التشبيه، مقدماً خواطر وأخيلة طريفة، فقد امتلك شاعرية غنيت بالثقافة.

يدل ما وصل إلينا من نثره على أنه كاتب متمكن، يسترسل في أداء معانيه بقوة، فيوازن بين عباراته، ويسجعها من غير تكلف، ولا يقلّ مقدرة عن معاصريه في بيان مراده وفي امتلاكه ثروة لغوية يصرفها كما يريد، مثل حديثه عن دواعي الشعر وبواعثه في قوله: «أول الشعر إنما يكون بكاء على دمن أو تأسفاً على زمن، أو نزوعاً لفراق أو تلوّعاً لاشتياق أو تطلعاً لتلاق، أو إعذاراً إلى سفيه، أو تغمداً الهفوة أو تنصلاً من زلّة، أو تحضيضاً على أخذ بثأر أو تحريضاً على طلب أوتار، أو تعديداً للمكارم أو تعظيماً لشريف مقام، أو عتاباً على طوية، أو متاباً من مقارنة ذنب، أو تعهداَ لمعاهد أحباب أو تحسراً على مشاهد أطراب، أو ضرباً بالأمثال سائرة، أو قرعاً لقوارع زاجرة، أو نظماً لحكم بالغة، أو تزهيداً في حقير عاجل، أو ترغيباً في جليل آجل، أو حفظاً لقديم نسب، أو تدويناً لبارع أدب».

ومن شعره الدال على طريقته، قوله يصف شعره:

يتحيّرُ الشُّعراءُ إن سمعُوا به              في حُسنِ صنعِتهِ وفي تأليفِهِ

شجرٌ بدا للعينِ حُسن نباتِهِ                        ونأى عن الأيدي جَنا مقطوفِهِ

ومن طردياته قوله في وصف كلب الصيد:

قد أغتدي والفجرُ في حجابه              لم يحللِ العقدةَ منْ نقابِهِ

بأَغْضَفٍ عيشُهُ من عذابِهِ                 من صولةٍ بظفرِهِ ونابِهِ

يَرَاحُ أن يُدعى لُيغتدى به                 روحةَ ذي النّشوةِ منْ شرابِهِ

يخطُّ بالبُرثُنِ في ترابِهِ                    خطَّ يدِ الكاتبِ في كتابِهِ

محمود سالم محمد

 مراجع للاستزادة:

 

ـ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد (دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت).

ـ ابن خلكان، وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس (دار الثقافة، بيروت 1986).

ـ القفطي، إنباه الرواة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار الفكر العربي، القاهرة 1986).

ـ ابن الجوزي، المنتظم، تحقيق محمد مصطفى عطا (دار الكتب العلمية، بيروت 1992).


- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 363 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة