الموفق ب-الله العباسي
موفق بالله عباسي
Al-Mowaffaq Billah al-Abassi - Al-Mowaffaq Billah al-Abassi
الموفق بالله العباسي
(227 ـ 278هـ/842 ـ 891م)
محمد بن جعفر المتوكل على الله ابن محمد المعتصم بن هارون الرشيد أبو أحمد. وقيل إن اسمه طلحة، هاشمي قرشي، تلقب بالموفق بالله، أمير من أمراء العباسيين.
ولد الموفق في بغداد من أم ولد للخليفة المتوكل على الله، وتربى تربية علمية، فكان عالماً بالأدب والأنساب والقضاء والفقه، غزير العقل، حسن التدبير كريماً حازماً، ذا مقدرة سياسية ممتازة، فهو من أجلّ الملوك رأياً، وأسمحهم نفساً، وأحسنهم تدبيراً، حتى إن بعضهم رأى بأنه المنصور الثاني لأنه لم يُعْرَف في ولد المنصور من هو أشبه به منه. وكان يجلس للمظالم، وعنده القضاة فينصف الناس.
واجه المعتمد على الله حين تولى الخلافة أخطاراً متعددة، تمثلت في ثورة الزنج، وخروج الدولة الصفّارية عليه، ومشكلات أخرى متعددة، وكان لايثق بقادة الأتراك المسيطرين على الخلافة؛ لذلك استدعى أخاه الموفق من مكة في ذي الحجة 256هـ/تشرين الأول 870م وسلمه أمور الدولة، وقتال الزنج، وولاه ولاية العهد، وعقد له الولاية على المناطق من بغداد والسواد إلى أقصى الشرق، كما ولاه طريق مكة والمدينة واليمن، وعقد له لواءين أسود وأبيض، وأخذت البيعة له على الناس بذلك، ووزعت نسخ الكتاب على الولايات، كما أرسلت منه نسخة علقت في الكعبة.
بدأ الموفق بالتغلب على أمر أخيه المعتمد، فاستولى على شؤون الحكم، فأصبح والمعتمد كالشريكين في الخلافة؛ فللمعتمد الخطبة والسكة والتسمي بإمرة المؤمنين، ولأخيه الموفق الأمر والنهي وقيادة الجيوش وقتال الأعداء والمرابطة في الثغور، وتعيين الوزراء والأمراء، ولم يعد للأتراك مع وجود الموفق ماكان لهم في خلافة من سبق المعتمد على الله، واستعاد العباسيون شيئاً من سلطانهم.
وحين نشبت ثورة الزنج ضد الخلافة العباسية، واشتد أمرهم، وعظم شرهم، وأفسدوا في البلاد أعد الموفق الجيوش على النحو الذي يريده، وسيرها سنة 256هـ/870م الواحد تلو الآخر لقتال الزنج، ثم أخذ يقود الجيوش بنفسه، وجرت بين الطرفين عدة جولات، ثم بنى الموفق قلعة تواجه المختارة مدينة صاحب الزنج سماها الموفقية. رابط فيها، واستطاع الانتصار على صاحب الزنج وقتله واستعاد كل المناطق التي خضعت له، وذلك في صفر سنة 270هـ/آب 883م بعد حروب دامت أربعة عشر عاماً. فارتفعت مكانة الموفق بفضل هذا النصر، ومدحه الشعراء، وتلقب بعد هذا الانتصار بلقب الناصر لدين الله، وخُطب له على المنابر به، وبلقبه الآخر الموفق.
أسس يعقوب بن الليث دولة استيلاء عرفت بالصفارية [ر]، وعندما أراد الحصول على اعتراف الخليفة بها لتصبح شرعية رفض الخليفة ذلك، فقصد يعقوب العراق مستغلاً انشغال الخلافة بثورة الزنج، فاعترف الموفق له بالولاية، ولكن يعقوب كان يريد اعتراف الخليفة بدولته، فسار ثانية سنة 262هـ/875م إلى العراق، ووصل إلى دير العاقول، فقاتله الموفق وانتصر عليه، وغنم منه غنائم كثيرة، ولما توفي يعقوب وتولى أخوه عمرو اعترف الموفق بولايته، وولاه شرطة بغداد. فانتهى بذلك النزاع بين الطرفين، وحصلت الدولة الصفارية على الشرعية.
ساءت العلاقة بين الموفق وأحمد بن طولون منذ سنة 262هـ/875م، وبدأ النزاع بينهما. وتعود جذور هذا النزاع إلى أن ابن طولون كان ينفذ رغبات الخليفة المعتمد المادية، ولما كان الموفق بحاجة إلى الأموال لإنفاقها في تهدئة الثورات المتعددة التي كان يواجهها، فإنه أرسل إلى ابن طولون يستحثه على حمل الأموال إليه، ولكنه لم يفعل. فأخذ الموفق يعين الولاة على الشام ومصر، ولكن هؤلاء الولاة أخفقوا في الوصول إلى الولاية وإخراج أحمد بن طولون منها.
ازداد العداء بين الموفق وابن طولون، وخاصة حين عزم الخليفة المعتمد سنة 269هـ/882 ـ 883م على ترك العراق هرباً من حجر الموفق عليه، بعد أن شجعه ابن طولون على القدوم إلى مصر، ووعده بأن تكون جميع القوات تحت إمرته، وأرسل إليه المال. وهلع الموفق حين علم بذلك خوفاً من استيلاء ابن طولون على السلطة، فأعاد المعتمد إلى العراق وسجنه، وعمل ابن طولون على استصدار كتاب من الفقهاء والقضاة والأشراف بخلع الموفق لأنه يخالف المعتمد ويحصره، وأُرسلت نسخ من الكتاب إلى كل المناطق، وقابله الموفق بأن أمر بلعن ابن طولون على المنابر وأعطى ولاية المناطق التابعة له إلى غيره. وامتدت الخلافات بينهما إلى مكة، وأراد الموفق استعادتها من الطولونيين، فأرسل إليها جيشاً، واستمال أهل مكة، فانهزمت جيوش ابن طولون فيها سنة 269هـ/882 ـ 883م، وتركوا أموالهم وأسلحتهم.
عمل الموفق على حرمان ابن طولون من ولاية الثغور الشامية، واحتج لدى الخليفة بأن ابن طولون عاجز عن حمايتها، واستصدر أمراً من أخيه المعتمد بعزله عنها، فأدى ذلك إلى ضعف السلطة على الثغور، وخسارة المسلمين لثغر لؤلؤة، فأعاد المعتمد الثغور إلى ابن طولون، ثم وجد الطرفان أن لافائدة من النزاع وأظهرا ميلاً للتفاهم وإقرار السلام، ومالبث ابن طولون أن توفي سنة 270هـ/883م. وطمع إسحاق بن كنداج وابن أبي الساج بولاية مصر والشام، ووافقهما الموفق وأمدهما بجيش يقوده ابنه ورفض الإجابة على كتاب خماوريه ابن أحمد ابن طولون بإقراره على البلاد التي كان أبوه يحكمها. وجرت بين الطرفين معركة في الشام عُرفت بمعركة الطواحين، انتصر فيها خمارويه، واستعاد بلاد الشام. وتكرر خروج الجيوش العباسية بأمر من الموفق لقتال خمارويه من دون الوصول إلى نتائج عسكرية حاسمة؛ مما دعا الموفق في سنة 273هـ/886 ـ 887م إلى قبول عرض خمارويه بالاعتراف بولايته على مصر والشام مدة ثلاثين سنة، مقابل مئتي ألف دينار سنوية تدفع للموفق، وبذلك توقفت النزاعات بين الطرفين.
توفي الموفق في بغداد في القصر الحسني وله تسع وأربعون سنة في خلافة أخيه المعتمد، وكان مصاباً بداء النقرس حتى إنه لم يكن قادراً على الركوب، فاتُخِذ له سرير عليه قبة فكان يقعد عليه، ومعه خادم يبرد رجله بالثلج.
أمينة بيطار
الموضوعات ذات الصلة: |
أحمد بن طولون ـ ثورة الزنج
مراجع للاستزادة: |
ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار صادر، بيروت 1957م).
ـ البلوي، سيرة أحمد بن طولون (مطبعة الترقي، دمشق 1358هـ).
ـ ابن تغري، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (دار الكتب، القاهرة 1351هـ).
ـ الطبري، تاريخ الرسل والملوك (دار المعارف، القاهرة 1966م).
ـ شاكر مصطفى، دولة بني العباس (وكالة المطبوعات، الكويت 1970م).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 77 مشاركة :