الموشح (فن-)
موشح (فن)
Muwashshah - Muwashshah
الموشح (فن ـ)
الموشح أحد الفنون الشعرية المستحدثة، ظهر في الأندلس ثم انتقل إلى باقي البلاد العربية الأخرى.
والموشح في اللغة: من الوشاح، وهو نوع من الزينة كانت المرأة تتزين به، وأُطلق على هذا الفن الشعري لمغايرته ضوابط الشعر العربي، وميله إلى التنوع في الشكل، ومقاربته لوشاح المرأة.
نشأ الموشح في الأندلس واكتملت نشأته فيها، وكانت بداياته في أواخر القرن الثالث الهجري وأوائل الرابع، إذ تشير الروايات إلى أن أول من بدأ بهذا النمط من النظم (الموشح) هو مُقدم بن مُعافى القَبْري (من مدينة قَبْرة قرب قرطبة)، المتوفى سنة 299هـ، ثم تابعه الشعراء على ذلك، ولا يُعلم من أطلق اسم «الموشح» على هذا النمط الجديد من النظم. وهناك بعض الآراء التي تشير إلى أن الموشح نشأ في المشرق، إلا أن ذلك مخالف للحقيقة التاريخية لنشأة الموشحات.
وقد تعددت الآراء حول كيفية نشأة الموشح، فيرى بعضهم أنه تطورٌ لأحد أنواع النظم المعروفة في المشرق، ويرى بعض آخر أنه بُني «على أغانٍ جيلقية (إسبانية) كانت النساء الجيلقيات في البيوت العربية يغنينها. وهي النظرية التي عُرفت باسم المستشرق ريبيرا»، في حين يُرجع بعض الباحثين نشأة الموشحات إلى التأثر بأغاني التروبادور الإسبانية.
والرأي الصحيح أن «الموشح نشأ في الأندلس استجابة لدواعٍ موسيقية غنائية وبالاحتكاك مع الأغاني الشعبية الأندلسية»، فهو فن شعري عربي أندلسي.
ويبدو أن هناك أموراً ساعدت على ظهور الموشحات في الأندلس قبل غيرها، منها: طبيعة الأندلس الجميلة الغنية بمياهها وأشجارها وورودها وأزهارها وغير ذلك. ثم التنوع الثقافي الناتج من التنوع العرقي في المجتمع. ثم حياة البذخ واللهو والرفاهية التي ظهرت وشاعت بين الناس، وكثرة مجالس الأنس واللهو والطرب وما يتطلبه ذلك من تجديد في مألوف الحياة الاجتماعية، إضافة إلى انتقال المغني زِرياب (ت 228هـ) من المشرق إلى الأندلس وما ترتب على ذلك من إضافات موسيقية وغنائية إلى المجتمع الأندلسي، وبذلك كانت الموشحات استجابة لواقع اجتماعي وفني وطبيعي.
وإذا كان القُبْري أول من نظم في الموشحات، فإن من جاء بعده كان لهم الأثر في ترسيخ أسس هذا الفن الجديد، مثل يوسف بن هارون الرمادي (ت403هـ)، وعُبَادة بن ماء السماء (ت419هـ).
والموشح نمط من النظم الشعري، له أسس وشروط خاصة به، لا يلتزم وزناً محدداً، ولا يُشترط فيه أن يكون على الأوزان العروضية المعروفة في الشعر العربي، ولذلك تعددت أوزان الموشحات بتعددها تقريباً، وقد تأتي بعض الموشحات على أوزان البحور الشعرية المعروفة، إلا أن الأصل أن يكون لكل موشح وزنه الخاص به، والمهم أن يكون للموشح وزن محدد بإيقاع واضح.
ويتألف الموشح من غصون وأقفالٍ وخَرجة، فالقفل هو الجزء الذي يبدأ به الموشح إذا كان تاماً، ويتعاقب في الموشح بعد الأغصان، ويمكن أن يتألف من عدة أقسام، بقوافٍ متعددة، ويُشترَط أن تتحد الأقفال في عدد الأقسام وفي القوافي في الموشح الواحد. أما الأغصان فهي التي تأتي بين الأقفال، ويمكن أن تتألف من عدة أقسام أيضاً، ويُشترط فيها أن تتساوى في عدد الأقسام في الموشح الواحد ولا يُشترط تَوحُّد القوافي، ولذلك يكون كل غصن بقافية أو قوافٍ مستقلة مغايرة لما قبلها وما بعدها. أما الخرجة فهي القفل الأخير في الموشح، ويخصّونها ببعض الشروط، لأنه يُنظر إلى الخرجة على أنها الجزء الأهم في الموشح، بل لعلها الجزء الأكثر دوراناً وحفظاً وبقاء، فمن هذه الشروط أنها تكون فصيحة أو عامية أو أجنبية، ولعلهم يفضلون غير الفصيحة، لأنها أسير على ألسنة العوام، كما يميلون في الخرجة إلى البساطة والخفة.
ويمكن أن يبدأ الموشح بالقفل ويسمى القفل عندها «المطلع» ويكون الموشح «تاماً». ويمكن أن يبدأ الموشح بالغصن، فيسمى عندها «الأقرع».
وقد يُنظَم الموشح على أحد الأوزان العروضية المعروفة، كالبسيط أو الهزج أو الوافر… وقد يكون على وزن خاص به، وهذا هو الأفضل والأكثر عند الوشّاحين.
وتعددت أغراض الموشحات وموضوعاتها، فبعدما كانت البدايات تتعلق بوصف مجالس الأنس والطرب واللهو، صارت الموشحات تحمل أغراض الشعر العربي المعروفة من مدح وفخر وهجاء ورثاء وغزل ووصف وغير ذلك.
ولم يبق فن الموشحات في الأندلس، بل انتقل إلى المشرق العربي، وشاع بين الناس والشعراء، وأخذ الشعراء ينظمون الموشحات الأندلسية، واستمر هذا الأمر حتى يوم الناس هذا، فأصبحت الموشحات فناً شعرياً خاصاً نشأ في الأندلس، ثم انتقل إلى المشرق واستمر عبر الأجيال المتلاحقة. ومما يُذكر أن فن الموشحات نشأ في الأندلس، ووضعت قواعده في المشرق، فإن أول كتاب تحدث عن قواعد الموشحات وأسسها وضوابطها كتاب «دار الطراز» للشاعر ابن سناء المُلْك.
ومن أبرز الوشّاحين: محمد بن عُبادة القزّاز (ت 488هـ)، وأبو بكر بن اللبّانة (ت507هـ)، والأعمى التُّطيلي (ت525هـ)، وأبوبكر بن زُهْر (ت525هـ)، وابن سناء المُلك (ت608هـ)، ولسان الدين بن الخطيب (ت776هـ).
ومن أشهر الموشحات موشح ابن زُهْر الإشبيلي:
أيها الساقي إليك المشتكى
قد دعوناك وإن لم تسمع
ونديـمٍ هِمت في غُرتـه
وبشربِ الراحِ من راحته
كلما استيقظ من غفوتـه
جذب الزقَّ إليه واتكـا
وسقاني أربعاً في أربـع
فالجزء الأول هو القفل؛ وهو مؤلف من جزأين، ويُلاحظ كيف اتفق معه القفل الثاني في عدد الأجزاء والقوافي (الكاف والعين). وما بين القفلين هو الغصن.
وموشح لسان الدين بن الخطيب:
جادك الغيثُ إذا الغيثُ هَمـى
يا زمانَ الوصلِ بالأندلـس
لم يكـن وصلُك إلا حُلُمــا
في الكَرى أو خِلسةَ المختلس
إذ يقودُ الدهرُ أشتاتَ المنـى
ننقلُ الخطْوَ على ما يرسـمُ
زُمَـراً بيـن فُرادى وثُنــا
مثلما يدعو الحجيجَ الموسمُ
والحيا قد جلّلَ الروضَ سنـا
فثغورُ الزهرِ منـه تبسـم
وروى النعمانُ عن ماءِ السما
كيف يروي مالكٌ عن أنس
فكـساه الحسنُ ثوبـاً مُعْلَمـا
يزدهي منه بأبهـى ملبس
علي أبوزيد
مراجع للاستزادة: |
ـ محمد رضوان الداية، في الأدب الأندلسي (دار الفكر، دمشق 2000).
ـ مصطفى الشكعة، الأدب الأندلسي (دار العلم للملايين، بيروت 1983)
ـ ابن سناء الملك، دار الطراز في عمل الموشحات (دار الفكر، دمشق 1980).
- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : عمارة وفنون تشكيلية - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 55 مشاركة :