موسى بن شاكر (بنو)
موسي شاكر (بن)
Banu Mussa ibn Shakir - Banou Mussa ibn Shakir
موسى بن شاكر (بنو ـ)
من الثابت تاريخياً أن الحضارة العربية الإسلامية في القرن الثالث الهجري كانت في أوجها، فيها أسس المأمون سابع الخلفاء العباسيين (ت218هـ/833م) بيت الحكمة في بغداد. تلك المنشأة التي يرى بعض مؤرخي العلم أنها أهم إنجاز حضاري منذ مدرسة الإسكندرية.
في هذه المنشأة ترجمت الأعمال الفلسفية والعلمية من الأصول اليونانية. وخلالها نبغ علماء كثيرون من بينهم الكندي(ت260هـ/873م)، وبنو موسى، والخوارزمي(ت387هـ/997م)، وابن ماسويه (ت243هـ/857م) وغيرهم. استوعبوا الموروث العلمي ومن ثم قاموا بتأليف كتبهم الخاصة.
في هذا الوسط العلمي نشأ محمد (ت259 هـ/872م) وأحمد (ت قبل 259هـ/872م) والحسن (ت قبل 259هـ/872م) أبناء موسى بن شاكر، تلك الأسرة التي اشتهرت ونبغت في علم الهندسة والفلك والرياضيات والحيل.
تتناقض الروايات حول أبيهم موسى ابن شاكر، وقيل: إنه كان قاطع طريق في خراسان ثم تاب ولازم المأمون وأقام في قصره وانصرف للاهتمام بعلمي الفلك والرياضيات حتى عرف بالمنجم.
توفي موسى بن شاكر تاركاً أولاده الثلاثة في رعاية الخليفة المأمون، الذي عهد بهم إلى اسحق بن إبراهيم المصعبي (ت235هـ/850م)، الذي ألحقهم ببيت الحكمة تحت إشراف الفلكي والمنجم المعروف يحيى بن أبي منصور الفارسي المنجم (ت230هـ/845م)، وكان المأمون يرسل الكتب إلى إسحق ويطلب إليه رعايتهم ويوصيه بهم.
وتحسنت أحوالهم في زمن الخلفاء الذين تعاقبوا على الحكم بعد المأمون وأصبحوا ذوي ثروة ونفوذ، ونالوا ثقة الخلفاء، فقد أسندت إليهم المهام الكبيرة مثل قناة الجعفري وقناة عمود ابن المنجم قرب البصرة. وقد كان بنو موسى وراء حركة الترجمة التي اشتهرت في تلك الحقبة فكانوا يرعون المترجمين أمثال ثابت بن قرة (ت288هـ/901م) وحنين بن إسحاق (ت260هـ/873م) ويصرفون كثيراً من أموالهم في ذلك. ويرسلون الرسل إلى بلاد الروم لشراء الكتب بمبالغ كبيرة. هذا عدا أنه كان لهم دورٌ سياسي مهم في أكثر من أمر خصوصاً أكبرهم محمداً.
وقد كانت لهم مكانة علمية مرموقة، فكان محمد وافر الحظ في الهندسة والنجوم عالماً بإقليدس Eukleides (القرن الثالث قبل الميلاد) والمجسطي Almageste (ألفه بطلميوس Klaudios Ptolemaios نحو 148م). وجمع محمد كتب النجوم والهندسة والعدد والمنطق. أما أحمد فهو رياضي فلكي برع في الموسيقا وفي علم الحيل حتى بزّ عالم الرياضيات الإسكندري هيرون Heron (القرن الأول الميلادي). أما الثالث الحسن فقد برع في الهندسة.
من كتبهم التي وصلتنا: «معرفة مساحة الأشكال البسيطة والكرية» وهو كتاب مهم ترجمه غيرهارد فون كريمونا إلى اللاتينية Gerhard von Cremona، ولهذه الترجمة الفضل في حث مؤرخي الرياضيات في منتصف القرن التاسع عشر على دراسة مدى ارتباط بني موسى بمن سبقوهم، وأصبح حل مسألة التقسيم الثلاثي للزاوية التي يعرضها كتاب بني موسى موضع جدل ونقاش كبيرين، وقد بين بعض الباحثين بوساطة هذا النقاش بأن حل بني موسى للتقسيم الثلاثي للزاوية يختلف عن الأصول اليونانية ويدل على ذكاء وتفكير مستقلين، ويعتقد كورتسة M.Curtze حسب ما أورد فؤاد سزكين أن كوبرنيكوس Copernikos ت(1543م) كان يستخدم كتاب بني موسى في حل مسألة التقسيم الثلاثي للزاوية.
كما يشير بعض المؤرخين بأنهم استعملوا الطريقة المعروفة اليوم في إنشاء الشكل الإهليلجي.
لهم كتاب في «القرسطون» لم يصلنا وكتب أخرى وردت في تصانيف المؤرخين لكن لم تصلنا.
من أهم إنجازاتهم بناؤهم مرصداً خاصاً بهم، جهزوه بالآلات الدقيقة، وحسبوا عن طريقه الجداول الفلكية التي ظلت معتمدة فترة طويلة. وكذلك اشتراكهم مع فَلَكِيِّي الخليفة المأمون في قياس درجة من خط نصف النهار لمعرفة محيط الأرض.
أما في مجال علم الحيل، فقد أبدع محمد مع أخيه أحمد في صنع ساعة نحاسية كبيرة وأبدع آلة للزراعة والفلاحة تحدث صوتاً تلقائياً كلما ارتفع الماء إلى حد معين في الحقل عند سقايته. كذلك أبدع عدداً من النوافير وابتكر تركيباً كيميائياً يسمح للأوعية بالامتلاء من تلقاء نفسها كلما فرغت وقناديل يرتفع الفتيل فيها تلقائياً كلما أتت النار على جزء منها.
وربما أهم ما أنجزه الإخوة الثلاثة وأشهره على الإطلاق كان الآلات الروحانية المبينة في كتابهم الشهير «كتاب الحيل» وهو أهم ماتميز به بنو موسى من بين كثرة ما ألفوه. وقد ذكره القدماء مثل القفطي (ت646هـ/1248م) وابن خلكان (ت680هـ/1281م) والنديم (ت380هـ/990م) الذي أدرج «كتاب الحيل» في كتابه «الفهرست» ضمن الكتب المؤلفة في الحركات، وقد نسب كل من النديم والقفطي هذا الكتاب لأحمد بن موسى، وفي إشارة للنديم يتبين لنا أن أحمد بن موسى قد برع وتميز بصناعة الحيل حتى. كما أكد الجزري (ت602هـ/1205م) أهمية «كتاب الحيل» حيث أشار إلى سبق بني موسى في صناعة الحيل على بعض انتقاداته لهم في بعض أعمالهم.
اطلع بنو موسى على علوم اليونان من خلال عمليات الترجمة التي رعوها وأولوها كبير اهتمامهم. وفي مجال علم الحيل يذكر بعض المؤرخين أنهم درسوا كتاب هيرون الذي ترجمه لهم قسطا بن لوقا (ت300هـ/912م) وأن ثابت بن قرة شرح لهم بعض ما صعب من أقسام هذا الكتاب.
كتاب الحيل
ومما يُذكر أن كتاب بني موسى هو أول الكتب المؤلفة في مجال علم الحيل والكتاب الثاني هو كتاب الجزري في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي «الجامع بين العلم والعمل النافع في الحيل» وكتاب تقي الدين الراصد (ت993هـ/1585م) «الطرق السنية في الآلات الروحانية» ويضاف إليهم كتاب أندلسي للمرادي (ت668هـ/1269م)، هذه الكتب تلقي ضوءاً على إنجازات الحضارة العربية الإسلامية في هذا المجال.
استخدم بنو موسى مبادئ علم سكون الموائع في تصميم آلاتهم المعقدة فاعتمدوا على توازن السوائل بالدرجة الأولى. واستخدموا الصمامات التي تعمل تلقائياً والأنظمة التي تعمل بعد زمن معين وغير ذلك من مبادئ التحكم الآلي وأفكاره. وكان استخدامهم للصمامات المخروطية ولأعمدة المرافق التي تعمل بصورة آلية ذا أهمية كبيرة في تاريخ التكنولوجيا عموماً.
وعرف هذا الكتاب في أوربا تحت اسم «كتاب الإخوة الثلاثة»، كما نشر كل من فيدمانEilhard Wiedemann ت(1928م) وتلميذه هاوسر F.Hauser مقالات عن الكتاب. وكان لأعمالهما أهمية كبيرة في تعريف العالم بهذا الكتاب. أما الترجمة الإنكليزية الكاملة التي قام بها دونالد هيل Donald Hill لهذا الكتاب 1979م فهي آخر ما ناله هذا الكتاب من اهتمام المستشرقين وأهمه.
يقول دونالد هيل: إن أبناء موسى استخدموا في نموذجين نظاماً شبيهاً بآلية عمود المرافق الحديث؛ وسبقوا بذلك أول وصف لعمود المرافق في أوربا بخمسمئة عام، كذلك فقد استخدموا الصمام المخروطي بكفاءة عالية، علماً أنه ظهر في أوربا أول مرة في كراسات ليوناردو دافنشي (1519م).
أما العرب المعاصرون فلم يتنبهوا على ما قدمه العرب في مجال علم الحيل إلا مع بداية القرن العشرين إذ تم التعريف ببعض المخطوطات العربية النادرة في بعض الدوريات المشهورة كالمشرق والمقتطف والهلال، ثم قدّم أحمد يوسف الحسن دراسة حول منجزات الحضارة العربية الإسلامية في مجال الآلات الميكانيكية والتجهيزات الهيدروليكية حيث بين أن استخدام بني موسى للصمامات التي تعمل تلقائياً والأنظمة التي تعمل بأزمان متناوبة وغير ذلك من مبادئ وأفكار ترتبط بالتحكم الآلي تدل على ذهن متوقد. وأن استخدام الصمامات المخروطية والأعمدة والمرافق ذو أهمية كبيرة في تاريخ التكنولوجيا.
منهل سراج
مراجع للاستزادة: |
ـ كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ترجمة السيد يعقوب بكر ورمضان عبد التواب (دار المعارف المصرية 1977).
ـ بنو موسى بن شاكر، كتاب الحيل، تحقيق أحمد يوسف الحسن ومحمد هلي خياطة ومصطفى تعمري (جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي 1981م).
ـ زهير حميدان، أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية (وزارة الثقافة، دمشق 1995ـ 1996).
ـ فؤاد سزكين، تاريخ التراث العربي، الرياضيات حتى نحو 430هـ، ترجمة عبد الله عبد الله حجازي وحسن محيي الدين حميدة ومحمد عبد المجيد علي (منشورات جامعة الملك سعود، الرياض، 1423هـ/2002م).
ـ قدري حافظ طوقان، تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك (دار الشروق، بيروت، والقاهرة 1963).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 31 مشاركة :