مهدي عباسي (محمد عبد الله)
Al-Mahdi al-Abbasi (Mohammad ibn Abdullah-) - Al-Mahdi al-Abbasi (Mohammad ibn Abdullah-)

المهدي العباسي (محمد بن عبد الله-)

(127 ـ 169هـ/744 ـ 785م)

 

محمد بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس أبو عبد الله ثالث الخلفاء العباسيين. أمه أم موسى الحميرية، وهي أروى بنت منصور أخت يزيد بن منصور الحميري.

ولد بمدينة ايذج من كور الأهواز، تربى تربية إسلامية، فقد اهتم المنصور بتأديبه، فأخذه بحفظ أيام العرب ومكارم الأخلاق، وقراءة الأشعار. وإليه ألف محمد بن إسحاق كتاب «السيرة والمغازي» بطلب من أبيه المنصور، وهو أول من مُشي بين يديه بالسيوف المصلتة والقسي والنشاب والعمد، وأول من لعب بالصوالجة.

كان المهدي محمود السيرة، محبباً إلى الرعية، حسن الخَلق والخُلق، كريماً فطناً ديناً شديداً على أهل الإلحاد والزندقة، أعده المنصور لتحمل مسؤولية الحكم من بعده، فقد أرسله إلى خراسان على رأس حملة عسكرية لقمع حركة عبد الجبار الأزدي، فأقام بالري، ثم أرسله بعد ذلك لغزو طبرستان، وإليه بنى المنصور ضاحية الرصافة في شرق بغداد سنة 151هـ/768م، لتكون مركزاً لجيشه الذي جاء به من خراسان.

أراد المنصور أن تكون الخلافة بعده لابنه المهدي، فاستخدم كل الوسائل والأساليب لإبعاد ابن أخيه عيسى بن موسى من ولاية العهد، وجعلها لابنه قبله. وتولى المهدي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 158هـ/775م، والدولة هادئة ـ بعد الجهد الذي بذله المنصور في القضاء على الثورات ـ وبيت المال مليء بالأموال التي تكفيه للإنفاق وسدّ الثغور عشر سنوات، وقد ذكر المنصور ذلك في وصيته لابنه حين قال: «يا بني إنّي قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي، وجمعت لك من الموالي ما لم يجمعه خليفة قبلي، وبنيت لك مدينة لم يكن في الإسلام مثلها». وحض المنصور ابنه على حفظ الثغور قائلاً له: «وليكن أهم أمورك أن تحفظ أطرافك وتسد ثغورك، وارغب في الجهاد والمحاماة عن دينك، وإهلاك عدوك».

ابتدأ المهدي عهده بالخلافة، بالجلوس للناس. فأحضر دفتر القبوض، وكل من كان المنصور صادرهم، فأعطاهم الأموال المصادرة، وكان المنصور قد قال للمهدي: «إني قد هيأت لك شيئاً تُرَّضي به الخلق… فإذا أنا مِتُّ فادع هؤلاء الذين أخذتُ منهم هذه الأموال التي سميتها المظالم، فاردد عليهم كل ما أُخذَ منهم، فإنك تستحمد إليهم وإلى العامة».

افتتح المهدي عهده بالنظر إلى المظالم بنفسه، والكف عن القتل، وإعطاء الأمن للخائف، وكان إذا جلس قال: ادخلوا عليّ القضاة، فلو لم يكن ردي للمظالم إلا حياء منهم لكفى، وبسط يده في العطاء، وأحسن إلى العلويين، وأرسل الأموال إلى الحرمين لتوزع على الناس. وقرّب إليه العلماء، ومنهم المؤرخ هشام الكلبي، والمفضل الضبي الذي جمع الأمثال وحروب العرب، واهتم المهدي بالمرضى والمجذَّمين وأهل السجون، وأمر سنة 162هـ/778 ـ 779م أن يجرى عليهم.

شهد عهد المهدي ثورة قام بها هاشم ابن حكيم المعروف بالمقنع الخراساني سنة 159هـ/775م، وكان المقنع قد ادّعى النبوة في خلافة المنصور، فسجن في بغداد، ثم أطلق سراحه، فادّعى الربوبية، وقال بتناسخ الأرواح، ودعا لنفسه واعداً أنصاره بالجنة وأعداءه بالنار، وأسقط عن أنصاره الفروض، وأباح الأموال والنساء، حاول الأمراء المحليون القضاء على هذه الحركة، فأخفقوا، ثم أرسل المهدي جيشاً قاتله أربعة أشهر حتى هزمه، فأشعل المقنع النار في القلعة، وأحرق نفسه ونساءه وأولاده، وادعى أنه رُفع إلى السماء. وهكذا انتهت حركة المقنع، ولكن مبادئه لم تنتهِ.

انتشرت في عهد المهدي الزندقة لأسباب متعددة، ولاحق المهدي الزنادقة, فحاربهم بالسيف، وأنشأ ديواناً للبحث عنهم ومحاكمتهم، وجعل للديوان مشرفاً أطلق عليه اسم صاحب الزنادقة. كما أنشأ هيئة علمية لمناظرتهم، وأمر المتكلمين بتأليف الكتب للرد عليهم، وأوصى ابنه قبل وفاته بالتخلص منهم.

كما ثار الخوارج في عهده، فقد ثاروا في الموصل سنة 168هـ/784م، وتغلبوا على أكثر ديار ربيعة والجزيرة، فأرسل إليهم المهدي خيرة قادته، فانتصروا عليهم. ونشبت ثورة خارجية أخرى في منطقة الجزيرة سنة 169هـ/785م، فاستولوا على خراج المنطقة، فاشتد ساعدهم وقوي أمرهم، وهزموا الجيوش المحلية التي قدمت لقتالهم.

أعطى المهدي لوزرائه صلاحيات واسعة، واعتمد عليهم اعتماداً كبير، وأول وزرائه أبو عبيد الله معاوية بن يسار الأشعري الذي فوّض إليه المهدي الأمور وسلمه الدواوين، ثم حجبه عن الوزارة، واستوزر بعده يعقوب بن داود ففوّض إليه أمور الدولة كلها، فازداد نفوذه، واستأثر بأمور الدولة، وانحاز للزيدية، فعزله، وأمر بسجنه، وآخر وزرائه الفيض بن صالح.

أسس المهدي العديد من الدواوين، منها ديوان المظالم الذي ترأسه الخليفة بنفسه، وكان يشرك معه القضاة ليستعين بهم في إصدار الأحكام، وأنشأ ديوان الزمام سنة 162هـ/778 ـ 779م, لجمع ضرائب العراق وتقديم حساب الضرائب في الأقاليم الأخرى وفي سنة 168هـ رد المهدي ديوانه وديوان أهل بيته إلى المدينة ونقله من دمشق إليها.

تابع المهدي عسكرياً الطريق الذي سلكه والده, فبنى الحصون, وشحنها بالسلاح، وحشد الجيوش في مواجهة الأعداء، فحين هاجم الامبراطور البيزنطي ليو الرابع مدينة مرعش سنة 163هـ/778 ـ 779م، والمدن المجاورة لها, جهز المهدي جيشاً ضخماً جعل الحسن بن قحطبة على قيادته، فانتصر عليهم، ثم قاد قتال البيزنطيين بنفسه سنة 163هـ/779 ـ 780م إلى الثغور، فرمم مدينة المصيصة، وزاد في سلاحها وجنودها، وعزل عبد الصمد بن علي عن الجزيرة. كما شكل المهدي جيشاً منذ عهد أبيه جعله في الرصافة، وكان للمنصور جيش آخر في بغداد، حتى إذا فكر أحدهما بالخروج عليه ضربه بالآخر.

طمع المهدي في أن يجعل الخلافة في أبنائه، فضيق على ولي عهده عيسى بن موسى ليضطره إلى النزول، ورضخ عيسى لضغوط المهدي، فخلع نفسه مكرهاً من ولاية العهد، فجعل المهدي على ولاية عهده ولديه الهادي[ر] أولاً ثم هارون الرشيد[ر] وهما من زوجته الخيزران[ر] التي كان لها دور كبير في تسيير أمور الخلافة في عهده.

بقي المهدي عشر سنين وشهراً، ومات في ماسبذان صريعاً عن دابته في رحلة صيد، وقيل مات مسموماً، ودفن في جامع الرصافة.

أمينة بيطار

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار صادر، بيروت 1957م).

ـ الطبري، تاريخ الرسل والملوك (دار المعارف، القاهرة 1966م).

ـ الجهشياري، الوزراء والكتاب (مطبعة البابي، القاهرة 1357هـ).

ـ شاكر مصطفى، دولة بني العباس (وكالة المطبوعات، الكويت 1970م).

ـ أمينة بيطار، تاريخ العصر العباسي (مطبعة جامعة دمشق، دمشق 1980م).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 775 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة