زهر
Ibn Zuhr - Avenzoar

ابن زُهْر

(464 ـ 557 هـ/1072 ـ 1162 م)

 

أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء ابن زُهْر الإيادي،طبيب عالم ولد في إشبيلية،وهو ينتمي إلى أسـرة عربية وصل جدها الأعلى إلى الأندلس في القرن الثالث الهجري، ويرجح ويستنفيلد Wüstenfeld أن يكون ذلك سنة 330هـ /912م. ومن المؤكد أن الفرع الأندلسي من بني زهر يتصل نسبهم إلى إياد من نزار بن معد بن عدنان. وقد اشتهرت هذه الأسرة بظهور أفراد منها تميزوا بجميع فروع المعرفة والعلوم في زمانهم كالأدب والطب والفقه واللغة والشعر وكثير منهم نالوا الحظوة عند أمراء المرابطين والموحدين وخلفائهم، ووصلوا إلى مرتبـة الوزارة. وقد تربع أطبـاء من بني زهر على سـدة الطب، واحتكروا الشهرة فيه طوال ثلاثـة قرون في إسبانيا المسلمة والمغرب. ولعل أكثر من شاع ذكره منهم ستة هم:

ـ أبو مروان عبد الملك بن أبي بكر ابن زهر.

ـ أبو العلاء زهر بن أبي مروان بن زهر.

ـ أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء ابن زهر.

ـ الحفيد أبو بكر محمد بن أبي مروان بن زهر.

ـ أبو محمد عبد الله ابن الحفيد أبي بكر بن زهر

ـ أبو العلاء محمد بن أبي محمد ابن زهر.

كان أبرزَ أعـلام هذه الأسـرة وأرفَعَهـم منزلـة وأوسَعَهم شهرةً أبو مروان عبد الملك بن أبي العلاء الذي تميز باقتصاره على الطب دون غيره من العلوم، خلافاً لما درج عليه أقرانه من أئمة الأطباء على الجمع بين الفلسفة والرياضيات والفلك والفقه والطب وغيرها من علوم عصرهم. وقد أهّله علمه وشهرته وسموخلقه إلى الاستئثار بكنية عائلته بحيث إذا ما قيل ابن زُهر دون إتباع هذه الكنية بأي اسـم أو كنيـه أخرى كان المقصـود أبا مروان عبد الملك وليس غيره من أفراد أسرته، على ماضمت من الأطباء و الوزراء والفقهاء والعلماء.

هذا وقد خدم عبد الملك خلفاء دولة المرابطين وأمراءَها حتى انقرضت، فانتقل ولاؤه إلى الموحدين فخدم أميرهم عبد المؤمن بن علي الذي احتفل به وخلع عليه ولقبه بالوزارة كأبيه وجده. ومن أوائل خدماته لعبد المؤمن تصنيفه له الترياق السبعيني وتأليفه كتاب «التيسير» بطلب منه.

لم يكن عبد الملك يمارس طبه على الطريقة التقليدية التي كانت تقدس الأقدمين وتسير على خطاهم، بل كان طبيباً مستقل الرأي، واسع المعرفة، معتدّاً بنفسه، اتخذ سبيل التجربة نهجاً وقانوناً يسير على هديه، وهو القائل إن التجربة تثبت الحقائق وتذهب البواطل، كما قال: إن التجربـة إمّا أن تصدّق قولي حيّاً كنت أو ميتـاً وإما أن تكذبـه. ويبدو كمن أخذ على نفسـه عهداً بأن لايصدق إلا مانتج من تجربة يؤيدها المنطق والبرهـان، مما كان له الأثـر الكبيـر في التطورات العلمية والعملية التي أدخلهـا فرانسيس بيكـون Francis Baconفي الدراسة والبحث العلمي في أوائل القرن السابع عشر، وحثَّ عليها في كتابه: «نوفوم أورغانوم» Novum Organum.

لقد كان أبو مروان معلماً يشعر بالمسؤولية ويتصرف بما تقتضيه مكانته، ولا أَدَلَّ على ذلك من أنه كان يطلب من تلاميذه أداء قسم أبقراط، ويلزمهم بإجبار تلامذتهم على أدائه أيضاً.

نشأ عبد الملك بن أبي العلاء في ظلال العلم والجاه والثراء الذي غمرهم به ملوك المرابطين والموحدين، ولابد لمن يعمل في محيط الحكام من الشعور بالرفعة وإظهار الفوقية على أقرانه، فقد لوحظ على أبي مروان أنه كان ينظر بازدراء إلى بعض الأعمال التي يمارسها أطباء عصره كتحضير الأدوية وإجراء الفصادة والحجامة والكي، إضافة إلى بعض الأعمال الجراحية التي تتطلب القطع والبتر بآلات حادة. مما يحط بنظره من قدر الطبيب ولايليق إلا بخدمه ومساعديه. ويرى لوسيان لوكليرك Lucien Leclercفي هذا الموقف تباشير تفرع الطب وانقسامه إلى ثلاثة فروع هي: الطب الداخلي، والصيدلة، والجراحة. وعلى الرغم من نظرته هذه فقد عرف عنه قيامه ببعض العمليات الجراحية التي كان ينجزها بكثير من الدقة والمهارة. كما يلاحظ كل من يقرأ كتبه أنه يكتب بأسلوب المعلم، ويتكلم بلهجة المربي والأستاذ الذي خلق لنشر المعرفة واجتذاب المتعطشين لها. ولعل أعداد من تخرجوا به وشهرتهم أكبر برهان على عبقريته، حيث يذكر ابن أبي أصيبعة أسماء بعض من تميز منهم وكلهم علم من أعلام زمانه.

كتب ابن زهر سبعة كتب ذكرها ابن أبي أصيبعة (ت: 866هـ/0721م) في «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» ولم يبق منها إلا ثلاثة هي: «التيسير في المداواة والتدبير»،« والاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد»و «كتاب الأغذية».

ـ كتاب «التيسير في المداوة والتدبير» : يتألف من سفرين وملحق بهما اسمه «الجامع» والأول أطولهما، وهو يبدأ بالكلام على حفظ الصحة، ثم ينتقل إلى علاج الأمراض على طريقة الكنانيش مبتدئاًً بالرأس وما يصيب مختلف أعضائه وحواسه من أمراض، ثم يتناول الصدر فالبطن والأطراف إلى أن يبلغ القدمين، واصفاً أمراض كل عضو على حدة، وذاكراً طريقة معالجة أمراضه حسب اجتهاده وتجربته الشخصية، مؤكداً ذلك أحياناً بأقوال لأبيه أو لجالينوس، وهما الطبيبان اللذان يتردد اسمهما على لسانه مع عبارات التقدير والإعجاب.

لقد تميز هذا الكتاب باحتوائه على كثير من المشاهدات السريرية الجديدة التي كان ابن زهر سبّاقاً الى ذكرها.وقد أجمعت كتب التراجم والموسوعات العربية والأجنبية على أنه كان أول من وصف خراج التأمور وأورام المنصف، وأول من أوصى باستعمال القثطرة المريئية للتغذية في حال عسرة البلع، ووصف طريقة لإيصال الأطعمة السائلة إلى الأمعاء بوساطة مثانة عنز تمكّن من حقنها عن طريق المستقيم. كما وصف طريقة أخرى لإيصال الطعام عبر مسام الجلد إذا لزم الأمر. وتميز ابن زهر أيضاً بدراسة شلل الحنجرة وأمراض الدماغ والاختلاج والصرع والارتعاش والسُّبات والسكتة. وقد عرّف الشقيقة ووصف علاجاً لها كما وصف حساسية العظم والأسنان وأورام النخاع الشوكي واستسقاء الدماغ. وتكلم على معالجة التدرن والخناق وفقدان الصوت، وأثبت أن الجرب مرض مُعدٍ، وهو أول من وصف الطفيلي المسبب له والذي يعرفه الناس بالصؤاب.

ألف ابن زهر كتاب «التيسير» بناء على طلب صاحب إشبيليه الخليفة عبد المؤمن، إضافة إلى رغبة صديقه القاضي ابن رشد في جعل الكتاب تفصيلاً لجزئيات الطب التي تجاوزها في كتاب الكليات الذي كان قريباً من الفلسفة بعيداً عن الممارسة السريرية للطب.

هذا وقد وضع عبد الملك كتاباً مختصراً أضافة إلى كتاب «التيسير» سماه «الجامع» ليكون مرجعاً هيناً للمريض ولمن حوله من الأهل والأصحاب. وهو مجموعة كبيرة من الوصفات والترياقات والأشربة والمعجونات واللعوقات والأدهان التي كان ابن زهر يشير باستعمالها، مع بيان طريقة تركيبها والمرض الذي تفيد فيه، وغالباً ما يردد عبارة «ينفع فيه..... بحول الله».

وقد بقي كتاب «التيسير» جزءًا من الكليات ولم يطبع مستقلاً عنه حتى عام 1531م.

ويتضمن «التيسير» إضافة إلى معالجة الأمراض وتشخيصها، معلوماتٍ عن تاريخ الأندلس والمغرب في أيام حكم المرابطين والموحدين، وعما كان يجري في قصور الحكام من دسائس وخلافات،كما يحتوي الكتاب على إشارة إلى قساوة تعاملهم مع الناس، حتى إن ابن زُهر نفسه لم ينج من فظاظتهم التي وصلت إلى تهديده بالضرب إذا لم ينجح علاجه في شفائهم.

كما أتى الكتاب على وصف للمجاعة التي سببها حصار الموحدين لمدينة مراكش عام 1145م حيث اضطر الناس إلى أكل مخاخ العظام البالية في المقابر. وهنالك ذكر لسلوك بعض الملوك والأمراء الذين ظلموا العلماء وسجنوهم، و منهم ابن زهر الذي قضى عشر سنوات سجيناً منسيّاً مما ترك في نفسه حقداً حمله طوال حياته، وكان يعبر عنه كلما مر ذكر الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين إذ كان يسميه بالشقي دون ذكر اسمه.

 وكما ذكر مثالب بعض الأمراء لم ينس مدح من كان منهم حفيّاً بالعلماء محترماً لهم كيوسف بن عبد المؤمن الخليفة الموحدي الذي طلب من ابن رشد شرح كتب أرسطو لكي يقربها من عقول الناس وتعم فائدتها بينهم، ولا يخفى ما كان لهذا العمل من تأثير في أفكار روجر بيكون Roger Bacon الذي كان أول من تخلص من سيطرة المدرسة السكولاستيكية عليه وعلى أفكار تلميذه القديس توما الأكويني Saint Thomas d’Aquin.

انفرد ابن زهر بعنايته بالمصطلحات الطبية، وهي ثروة من الكلمات تغني المعاجم المتخصصة ويستفيد منها المهتمون بأمر تعريب الطب في الوقت الحاضر. وقد جمعت في مسرد خاص في نهاية النسخة التي حققها ميشيل خوري والتي طبعتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

استقبل كتاب «التيسير» من قبل الأوربيين استقبالاً حارّاً ووضعت له ترجمات إلى اللغة العبرية في البداية على يد مترجمين اثنين، وقد نقلت إحداها الى اللغة اللاتينية من قبل يعقوب العبري Jacobus Hebraeus، وطبعت هذه الترجمة في البندقية عدة طبعات ما بين عام1490ـ1530م.

كما أن جيوفاني دوكابوا Giovanni de capua وضع لكتاب «التيسير» ترجمة لاتينيه نقلاً عن الترجمة العبرية قبل ذلك بسنوات. وبنقل هذه الترجمات اللاتينية انتشر كتاب «التيسير» في أوربا، وبقي بين أيدي الأطباء والطلاب حتى أواخر القرن السابع عشر.

أما المخطوطات التي حفظت من كتاب «سالتيسير» إلى الوقت الحاضر فيجدها المرء في المكتبة الوطنية بباريس، وفي الرباط، وفي المكتبة البودلية في أوكسفورد، وفي المتحف البريطاني بلندن.

أما الكتاب الثاني الباقي من كتب ابن زهر فهو كتاب «الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد» الذي كتب عنه جورج سارتون George Sarton في كتابه «المدخل لتاريخ العلم» Introduction to the History of Scienceيقول: «والكتاب مختصر في المداوة» وتدبير الصحة وضعه ابن زهر لينتفع به غير الأطباء، ولكنه لم يكتمل لاشتماله على خمسة عشر فصلاً أو (اقتصاداً) إذ إن مؤلفه على ما يظهر كان ينوي إتباعَه بكتاب آخر يجعل فصول الكتابين معاً ثلاثين (اقتصاداً) ويفهم من عنوان الكتاب انه يتناول كلاً من النفس والجسد، ولكن فصوله الأولى كانت عبارة عن موجز في علم النفس. والملاحظ أنه لا يوجد من هذا الكتاب سوى مخطوطتين إحداهما في المكتبة الوطنية بباريس، والثانية تملكها مكتبة الإسكوريال بإسبانيا.

أما ثالث كتب ابن زهر الباقية فهو« كتاب الأغذية » الذي ألفه عندما كان مسجوناً بعيداً عن كتبه وقد قال عنه جورج سارتون إنه أقل شأناً من كتابيه الآخرين «التيسير» و«الاقتصاد»، وهو يبحث في مختلف أنواع الاطعمة، وينبه إلى ما يُتناول منها بحسب الفصول، وإلى جانب ذلك فإنه يلم بصورة موجزة بالأدوية البسيطة وبعض مبادئ حفظ الصحة. ويشير إلى المنافع الناجمة عن التختم بالياقوت والزمرد وغيرهما من الحجارة الكريمة.

أما الكتب التي ضاعت فهي :كتاب «الزينة»، ومقالة في علل الكلى، وتذكرة في أمر الدواء المسهل، ورسالة في علتي البرص والبهق. وقد أخطأ لوكليرك فأضاف كتاباً سماه: «الأقوال المأثورة» والذي ثبت أنه كتاب «الجامع» الملحق «بالتيسير».

برهان العابد

مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء (دار مكتبة الحياة، بيروت).

ـ ابن الأبار، التكملة لكتاب الصلة (طبعة كوديرا المكتبة الأندلسية).

ـ ابن خلكان، وفيات الأعيان (طبعة فستنفيلد).

ـ المقري، نفح الطيب (المطبعة الأزهرية، مصر 1302).ـ

ـ ميشيل خوري، التيسير في المداواة والتدبير (طبعة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم).

- Lucien Leclerc, Histoire de Medecine Arabe vol 2.

- George Sarton, Introduction to the History of Science .


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 425 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة