كوريا (فن في)
Korea - Corée

الفن في كوريا

 

يواجه الفن الكوري المعاصر احتجاج التاريخ الذي وقف متسائلاً- من أجل الفن نفسه- عن شرعية ولادة الفن الكوري المعاصر، وتغييب أوجه الفن التقليدي وأسسه في كوريا، حتى تجرأ بعضهم وقالوا: إن الفن الكوري المعاصر هو غرسة نُقلت من بلاد الغرب لتزرع في الأراضي الكورية، وقد امتدت إليه أيضاً تأثيرات يابانية. إذن هناك مشكلة تبحث عن حل في الفن الكوري، تتمثل في الجواب عن السؤال الآتي: ما هي صلة الفن الكوري المعاصر بجذوره التقليدية؟

إن الجواب عن السؤال يضع التعريف الكامل للفن الكوري، قديمه وحديثه، ماضيه وحاضره ومستقبله. وهنا يدخل التاريخ السياسي والنضالي لكوريا في توصيف الشكل الإجمالي والتفصيلي للفن الكوري، لأن حصول الشعب الكوري على استقلاله من الحكم الياباني عام 1945 ترك حالة من الاختلاط والتداخل المقلق بين التيارات التي عرفها الفن الكوري إبّان الاحتلال والنهوض والصحوة القوميّة التي عرفتها كوريا بعد الاستقلال، بما في ذلك استيقاظ التطلعات الجديّة للإرث التقليدي في الفن الكوري.

منحت الحرب من أجل الاستقلال فرصة حقيقية للفنانين الكوريين كي يتخلصوا من المفاهيم السطحية، ومهّدت الطريق لظهور مجموعة طليعية أُطلق عليها مجموعة «فن الانطلاق» ومنها تفرعت وتفتحت اتجاهات ابتدأت عام 1945، فظهرت فيها الاتجاهات الآتية:

1- مرحلة فن التكون والانطلاق.

2- مرحلة فن التجديد المعتدل.

3- مرحلة فن سبر الطبيعة.

4- مرحلة فن الرؤى الجديدة.

وعبر هذه المراحل تمكن المؤرخون من رصد حالة التحوّل في الفن الكوري من واقعية تقليدية إلى (أثر فني إدراكي) مغاير بشكل ما للواقع الأصلي، ولكنه منبعث منه، أي إنه توصل لأن يكون تعبيراً جديداً عن المادة، فلقد منح هذا التطور الإدراك الفني أُفقاً جديداً للصورة وكذلك أُفقاً جديداً للفراغ، وبهذا المعنى تغيّر الفكر الاحترافي في صوغ الأشكال، وصار من الجائز أن تترك الأشكال بصورة غير منتهية، مقابل تلك الأشكال الكاملة الموروثة عن الماضي.

اتجه الفن الكوري عبر تطوراته نحو الهندسية والتجريدات، لكنه بقي مع ذلك كورياً. نظّم الأشكال في إطار سطوح ملونة، واعتمد ترتيبها البصري بقصد البحث عن المغزى الجوهري للتشكيل، ذلك المغزى الذي لا تعد فيه الطبيعة موضوعاً بحد ذاته، بل هي منبع للحياة، لقد صارت الطبيعة عند الكوريين مرآة للنفس والذات وعالماً للتأمل، وهذا المفهوم هو الذي طبع التجريدات في الفن الكوري بطابع متفرّد.

نوّع الكوريون في أشكال صورهم، فعبّروا بوساطة اللون الواحد، وبه مثّلوا رؤية جديدة للفرشاة الشرقيّة والتصوير بالحبر الممدد، وبه عبّر الفنان الكوري عن عودة تأملية للطبيعة اختصر فيها كل ألوان الطبيعة بلون واحد، وبهذه الأشكال تواصل الفنان مع الملامح التقليدية والمحليّة والوطنيّة.

بقيت ملامح الفن الكوري وصوره في المحصّلة نهباً للتجاذب، فالمحافظون رأوا أن الفن الكوري نبذ ـ ويجب أن ينبذ ـ كلَّ ابتعاد عن المفاهيم التقليدية، فقاوموا التجديد الطاغي على المحليّة. في حين أن المجددين وخصوصاً أولئك الذين درسوا الفن في اليابان، أقرّوا مبادئ التغيير واتجهوا نحو الفن الجديد الياباني أو الغربي تحديداً، وصار لاتجاههم هذا مريدون ومؤيدون. والشيء الملفت أن هذا التجاذب أخذ شكل صراع حقيقي، وأخذ المحافظون يبحثون عن كل ما يعزز بقاء التقليدية والخصوصية والمحلية في الفن الكوري، فاتجهوا نحو إحياء مجد الخطوط (العلاقات الخطية في الأشكال) واندفعوا نحو إخماد جذوة الألوان التي ميّزت الفن الياباني على سبيل المثال، واخترعوا الأحبار الخاصّة للرسم مع دعوتهم إلى الحفاظ على كل الأشكال التقليدية والعناصر الواقعيّة في أشكالهم. صحيح أنهم لم يعودوا إلى أسس الفن الكلاسي الذي عرف بمثاليته في عصر كوسون (1910م) dynastie Choson، لكنهم مجّدوا الواقع وعناصره بإدراكاتهم الجديدة.

كهف معبد سوكورام

وإلى جانب المحافظين كانت مدارس المجددين التي قادها الفنانون الشباب الذين تقبلوا الثقافات الغربية ومعها تقبلوا كل التغييرات، وكان ذلك واضحاً في أعوام الخمسينات من القرن العشرين، حين تأسست عام 1957 جمعية اسمها «بيك يانغ» Peak jank التي آمنت بالتغيير، وفي النتيجة طبعت في اتجاهها معظم أعمال الفنانين الكوريين المعاصرين. ونشأت بعدها جمعية أخرى اسمها «موكليم» Mooklim من الذيّن تربّوا في عصر الحريّة والانعتاق، وقد نبذت هذه الجمعيّة كل الآثار التقليدية للفن الكوري وكانت جسورة جداً في تجديدها، فقد حملت هذه الجمعيّة تأثيرات ثقافة المصورين والنحاتين التجريديين في الغرب مع مكتسباتهم التقنيّة، وخصوصاً في فن التصوير.

وفي مطلع الثمانينات من القرن العشرين تأسست جماعة «الحبر الهندي» في التصوير (الحبر المائي، وهؤلاء كانوا يلتقون بالمصادفة ثم يتفرقون، ولكنهم جميعاً متّفقون على بث الروح المتميزة للفن الكوري)، وكانت أهم ملامحهم في التصوير تعتمد على تجسيد الطاقة الخلاقة للحبر المائي وصولاً إلى جوهر الصورة، حيث تتحول المادة المرسومة إلى حالة من الصدى الانفعالي الملائم للموضوع. كما نشطت مجموعات عديدة حديثة عملت في مختلف مجالات الفن الكوري أهمها مجموعة «مفهوم توحيد المادة مع الفكرة» بمعنى أنّ المادة يجب أن تقود ضمن حساسيتها إلى فكرة، وأن تبثّ روحاً جديدة ومبتكرة، وبهذا المعنى تصير المادة محددة للإطار الشعوري وتحت الشعوري للفكرة وتعطي للأشكال أبعاداً مفهومة عبر تحويلها إلى روح حاسة جديدة، ذلك الأمر الذي انفردت فيه التجربة الفنيّة الكورية عن الفن الغربي.

منحوتة بوذا في معبد سوكورام

وحيث تبوأ الفن الكوري مكانته في كل المجالات منذ العصور القديمة، شغل فن النحت حيّزاً كبيراً في حياة الكوريين تمشّياً مع معتقداتهم الدينية، فكانت تماثيل بوذا الكلاسية تملأ الأماكن والفراغات، فشكلت المنحوتات الكورية في هذا المنحى متاحف في الهواء الطلق، إذ نحتوا رموزهم نحتاً نافراً على سطوح الصخور، وصنعوا التماثيل المجسّمة من كتل الصخور ذاتها، والمنحوتات الموجودة في معبد سوكورام Sokuram من أكبر الشواهد على ذلك، فقد مثلت التماثيل في هذا المعبد الذي بني في عهد الملك كيونغدوك Kyongdok مثالاً على النحت الكلاسي الكوري في فترة حكم هذا الملك الذي امتدَّ بين 742 و 765م في مملكة شيلا المتحدة United Shilla Kingdom.

ومنذ القرن السابع عشر والثامن عشر، تناول النحت الكوري موضوعات مختلفة غير دينية، وقد اتسمت التماثيل الكورية الحديثة بالواقعية المثالية، وتأثر النحت الكوري بوضوح بالنحت الياباني، وظهر الاتجاه الحديث متأثراً بالثقافة الغربية جراء الاحتكاك الحضاري، فظهرت المنحوتات الرمزية والتجريدية وغيرها، وقد نفذت بذات التقانات المعروفة في أوربا.

وفي مجال الفنون التطبيقية، وخصوصاً الأدوات المنزليّة المصنوعة من البورسلان، أبدع الكوريون تصاميم بسيطة، ولكنها شيقة ومتسقة مع وظائفها، والشيء المهم أنها كانت مزينة من الخارج بالرسوم والخطوط والنبات والحيوان، وقد شملت القوارير والصحون والأباريق وأوعية الخمور وعصير الفواكه والمشروبات الروحية، واشتُهِرت منها تلك المنتجات التطبيقية البديعة في عصر كوسون، والذي امتد عبر قرون عديدة من 1392 حتى 1910م، وراجت أواني البورسلان الزرقاء، إذ عُرفت نماذج بديعة منها في القرن الخامس عشر حُفظ بعضها في متحف الفن في فيلادلفيا، كما اشتهرت صناعة السيراميك في عصر كوريو 918 - 1392 Koryo، وقد كان الكوريون يصنعون أدواتهم قبل ذلك التاريخ من الحجر والحديد.

منتجات من الحرفة الفنية القماشية التي يطلق عليها الكوريون «بوياجي»

التصق الكوريون في كل العهود بمعتقداتهم وتراثهم وبيئتهم المحليّة واشتهروا بحرفة تطبيقية إبداعية اسمها الـ «هواغاك» Huagak، فشملت أثاث المنازل والمقتنيات الثمينة، وقد داخلتها فنون التطعيم بشرائح العظم من قرون الثيران، وتركت هذه الصنعة نماذج عديدة زاخرة بالألوان المتألقة والزاهية، إضافة إلى حرفة فنية قماشية أخرى مؤلفة من الرقاع القماشية الملونة، والتي تستخدم في تغطية الملابس والأسرّة وغيرها، كما استخدمت كهدايا في المناسبات، ولايخلو أي بيت في كوريا تقريباً من تطبيقات هذه الصنعة التي يدعوها الكوريون «بوياجي» Pojagi.

بقي الفن الكوري محافظاً في جميع صوره على نكهته الخاصة والمتميزة، وبقي منفرداً في استعمال أدواته: فمثلاً في النحت (بالخشب) وفي التصوير (الفراشي، والحبر، والورق والحبر المائي الملوّن) إضافة إلى كثير من الرموز والإشارات الكورية المحليّة. وعلى أي حال: التطوّر مستمر، واستمراريته ستضع صلة بين ذاكرة الماضي والفن التقليدي من جهة، ورغبات وطموحات التجديد من جهة ثانية، إضافة إلى وجود أنماط من التيارات العاصفة، التي تتمرد وتعصف هنا أو هناك.

عبد الكريم فرج

 

 

 


- التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية - النوع : عمارة وفنون تشكيلية - المجلد : المجلد السادس عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 535 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة