المغربية (المملكة-) (تاريخيا)
مغربيه (مملكه) (تاريخيا)
Kingdom of Morocco - Royaume du Maroc
المملكة المغربية (التاريخ)
مع تلاشي الإمارة المرينية في المغرب العربي عند نهاية القرن الخامس عشر، أخذ البرتغاليون يكثفون من غاراتهم على سواحل المغرب. ولم يستطع الوطاسيون (خلفاء بني مرين ووزراؤهم) ملء الفراغ السياسي الذي أحدثه انقراض الدولة المرينية، فالتف الناس حول رجل عرف بالتقوى والصلاح وسداد الرأي، هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن السعدي الذي نسبه بعض المؤرخين إلى محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الزكية (من أحفاد علي بن أبي طالب)، فبايعوه بالإمامة سنة 1510، فقضى على أحداث الشغب وأعمال الفوضى التي عمّت بالبلاد، وكانت بينه وبين الوطاسيين معارك وحروب طاحنة نتج منها انقراض الأسرة الوطاسية في عهد أبنائه، الذين تمكنوا من السيطرة على مراكش التي أصبحت عاصمة لهم حتى زوال دولتهم بمقتل أحمد بن زيدان السعدي المعروف بأبي العباس سنة 1654، وقد بلغ عدد من حكم المغرب من أفراد هذه الأسرة اثني عشر ملكاً. تميز عهد المتأخرين منهم بالحروب الداخلية فيما بينهم، وغالباً ما كان بعضهم يلجأ إلى البرتغاليين مستعيناً بهم على إخوته وبني عمومته، في حين لجأ بعضهم الآخر إلى العثمانيين الذين بدأت طلائع جيوشهم تصل إلى سواحل المغربين الأدنى والأوسط مع مطلع النصف الأول من القرن السادس عشر، غير أن الحادث الأبرز في عهد الأسرة السعدية كان الانتصار الكبير الذي حققه السعديون على البرتغاليين في معركة وادي المخازن سنة 1578، والتي شارك فيها ملك البرتغال سيباستيان وحليفه المتوكل أبو عبد الله السعدي المعروف بالمسلوخ، الذي كان قد لجأ إلى البرتغاليين فأنجدوه ضد عمه الثائر عبد الملك، وكان من نتائج تلك المعركة مقتل الملوك الثلاثة، ومنذ ذلك الوقت أخذ البرتغاليون والأتراك على حد سواء ينظرون إلى المغرب بشيء من المهابة بوصفها القوة التي حطمت أطماع البرتغاليين بالمنطقة، ليصبح قصر المنصور أحمد السعدي (شقيق عبد الملك) المعروف بالبديع، المكان الذي تفد إليه السفارات والوفود طلباً لكسب ودّ المنصور، الذي استقرت أوضاع المغرب في مدة إمارته(1578-1603)، وشهدت ازدهاراً ملحوظاً في جميع المستويات، وكانت بينه وبين العثمانيين صلات حسنة ومهاداة، ولكن بعد وفاته مع بداية القرن السابع عشر نشب النزاع من جديد بين أفراد أسرته ومرت بلاد المغرب في أحلك ظروفها نتيجة الحروب الداخلية، مما شجع الإسبان على استغلال هذه الظروف فاحتلوا العرائش والمعمورة وأقاموا قلعة حصينة على نهر السبو عام 1614. وانتهى الأمر بتمزيق بلدان المغرب إلى إمارات متحاربة أهمها، إمارة أبي محلى التي امتدت من سجلماسة إلى مراكش، وإمارة الدلائيين في تافيلالت، ولم ينقذ البلاد من محنتها سوى قيام الأسرة العلوية.
تنسب هذه الأسرة إلى المولى الحسن ابن قاسم الذي اتفق معظم المؤرخين على صحة نسبه إلى الحسن المثنى بن الحسن السبط، الذي قدم إلى المغرب أواخر القرن السابع الهجري وأقام في سجلماسة، فأحبه أهل البلاد لصلاحه والتفوا حوله، وحينما انفرط عقد الأسرة السعدية وتعرضت البلاد للمظالم بسبب ماشجر من خلافات بين زعماء المغرب، بايع أهل سجلماسة محمد بن الشريف علي (من أحفاد الحسن بن القاسم) سنة 1640 أميراً عليهم، فكان هذا أول من وضع أسس المملكة المغربية المعاصرة، بعد أن انقادت له معظم قبائل وسط المغرب الأقصى، وهاجم بعض المناطق العثمانية في الجزائر ووصل بقواته إلى تلمسان. وبعد مقتله في إحدى المعارك سنة 1664 تولى مكانه أخوه المولى الرشيد، الذي استولى على فاس ومراكش وبلاد السوس وقضى على نفوذ الدلائيين، وبعد وفاته سنة 1671 خلفه أخوه المولى إسماعيل الذي عدّه بعضهم واسطة عقد الأسرة العلوية.
خلف المولى إسماعيل أخاه الرشيد وعمره 26 سنة، واستمر في حكمه سبعة وخمسين عاماً، واجهته في أثنائها عدة ثورات في الداخل، قام بها عدد من إخوته وأبنائهم إضافة إلى انقلاب بعض القبائل التي ألفت التمرد، لكنه انتصر بالنهاية على الجميع، والتفت إلى بناء دولته فجعل مكناسة عاصمة له، وأنشأ فيها المدارس والقصور والثكنات، ثم التفت إلى تحرير بعض المناطق التي احتلها الإسبان (العرائش، سبتة،مليلة) إلى جانب طنجة التي كان البرتغاليون قد نزلوا عنها للبريطانيين سنة 1661. وبذل جهوداً حثيثة للحفاظ على وحدة المغرب، ودخل في معاهدة صداقة مع العثمانيين، وحاول إقامة تحالف ضد الإسبان بعلاقاته الحسنة مع الإنكليز والفرنسيين، أما على مستوى الداخل فقد اهتم بالعلماء وأقام المدارس والمعاهد العلمية، وكان حازماً يتمتع بإرادة فولاذية، ومستبداً لايقبل المعارضة. وبعد وفاته سنة 1727 اضطربت أحوال البلاد ونشبت الصراعات بين أفراد أسرته البالغ عددهم ثمانية وعشرين من الذكور، ومثلهم من الإناث. واضطربت أحوال جيشه الذي سبق أن بذل جهوداً مضنية في إعداده وتشكيله، وتحول إلى أداة شغب يعزل ويولي من شاء على طريقة الجند الإنكشارية في الدولة العثمانية، واستمرت الحال على هذا النحو إلى أن نجح حفيده محمد بن عبد الله سنة 1757 بالقبض على ناصية الأمور، فأبعد الجند عن الساحة السياسية وأعاد إلى الدولة هيبتها.
انتقل السلطان محمد إلى مراكش واتخذها عاصمة له، وبنى فيها الدار الكبرى والقصر الأخضر، وعمل على تقوية الجيش والأسطول، واهتم بنشر الأمن واستطاع أن يقضي على نفوذ بعض القبائل التي كانت تنقلب بين الحين والآخر على شرعية من سبقه من السلاطين، وأخذ يتطلع إلى تحرير بعض المناطق الساحلية، وأنشأ ميناء الصويرة، وحصّن أكثر المواقع الساحلية وشحنها بالمدافع، وحقق بعض الانتصارات على الأساطيل التي كانت تغير على سواحل المغرب وخاصة الأسطول الفرنسي، وكان يقود المعارك بنفسه. وبعد أن استقام له الأمر انصرف إلى الإصلاحات الداخلية فقرَّب العلماء من مجلسه وأنشأ المدارس والمساجد، وعمل على تنمية الموارد الاقتصادية، فشجع التجار، وضبط المكوس، وأنشأ علاقات تجارية مع الدولة العثمانية، وصاهر بإبنته أحد شرفاء مكة سرور، وأبرم عدة اتفاقيات مع دول أوربا(إنكلترا، فرنسا، إسبانيا، الدنمارك، السويد) والولايات المتحدة الأمريكية، وسعى إلى فكّ أسرى المسلمين البالغ عددهم 48 ألف أسير كانوا في السجون الأوربية. وامتدت فترة حكمه حتى وفاته سنة 1790. وتولى من بعده ولده يزيد الذي لم يكن على قدر المسؤولية، وأساء إلى مواطنيه بسياسته الرعناء، فتمرد عليه أخوه هشام، وقتل في إحدى المعارك سنة 1792، واشتعلت الفتنة مرة أخرى في المغرب حينما بايع أهل مراكش هشام، وأهل فاس أخاه سليمان، وأهل الجبل أخاهما الثالث مسلمة، وانتهى الأمر بسيطرة سليمان، الذي عالج الأمور بحكمة وروية مع أشقائه، وأصبح سلطاناً على البلاد وعزَّز نفوذه بقضائه على تمرد البربر ومدَّ سلطانه إلى درعة والفكيك وأبطل أعمال القرصنة، أما على صعيد علاقاته الخارجية فقد حافظ على صلاته الحسنة بالعثمانيين في الجزائر، وزاد التنافس الفرنسي الإنكليزي على خطب وده طوال مكثه في سدة السلطنة. وبعد وفاته سنة 1822 بايع الناس ولد أخيه عبد الرحمن بن هشام الذي تميزت سياسته بين اللين والشدة، وقام بعدد من المشروعات العمرانية، غير أن احتلال الجزائر سنة 1830 عرض أمن المغرب للمخاطر، خاصة حينما لجأ إليها الأمير عبد القادر الجزائري، وطلب الفرنسيون من المغاربة طرده وعدم تقديم العون له، وقام الأسطول الفرنسي بمهاجمة ميناءي طنجة والصويرة سنة 1844 في أعقاب معركة أسلي التي لم يكتب للمغاربة النجاح فيها لتفوق القوات الفرنسية، الأمر الذي جعلهم يقبلون بالشروط الفرنسية في معاهدة طنجة التي اشترطت على المغاربة طرد الأمير عبد القادر من المغرب إذا عاود الالتجاء إليها. وبعد حياة حافلة بالأعمال المضنية في الداخل والخارج توفي السلطان عبد الرحمن سنة 1859، فخلفه ولده محمد بن عبد الرحمن الذي شهدت البلاد في عهده ازدهاراً ملحوظاً بمختلف المجالات على الرغم من الحروب والحملات العسكرية التي كانت تشنها على بلاده قوى أوربية مختلفة، حيث تعرضت تطوان لهجوم الإسبان سنة 1860،وحينما تدخلت بريطانيا لفض النزاع كان الثمن أن أبقت تطوان لإسبانيا وأبرمت مع المغاربة عقداً أقرضت بموجبه قرضاً بفائدة مقدارها 5% ووضعت دخل موانئ المغرب تحت تصرف بريطانيا ضماناً لهذا العقد، ومنذئذ فتح باب منح الامتيازات بالمغرب على مصراعيه أمام الأجانب الذين مُنحوا حقوقاً واسعة وأُعفوا من الرسوم والضرائب. وفي غضون ذلك توفي السلطان محمد وخلفه ابنه أبو علي الحسن سنة 1873 الذي اضطربت أحوال البلاد في أيامه، ونشبت عدة ثورات داخلية أهمها ثورة القائد بشير في وجدة، ومع أن هذا السلطان حاول أن يلتزم سياسة متوازنة تجاه الدول التي كانت تتنافس فيما بينها للحصول على مكاسب لها، فطالب في كثير من المناسبات بإلغاء الامتيازات الممنوحة لها أو التقليل من حجمها، غير أن تلك الدول (بلجيكا، إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، السويد) سارعت إلى عقد مؤتمر في مدريد سنة 1880، قررت فيه مجتمعة عدم تخليها عن امتيازاتها السابقة، وفي تلك الأثناء قُتل حاكم مليلة الإسباني وفُرضت على البلاد غرامة كبيرة بسبب مقتله، وفي أثناء قيام السلطان حسن بجولة استطلاعية في شمالي البلاد بالعام نفسه أدركته الوفاة بعد حكم دام إحدى وعشرين سنة وبضعة أشهر، وبايع الناس ولده عبد العزيز الذي لم يكن يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، فكان أداة طيّعة بيد المتنفذين في قصره، وعلى الأخص حاجب أبيه أحمد بن موسى المعروف بـ «باأحمد»، وتعرضت البلاد في أيامه للخراب الإداري والمالي، واشتعلت الثورات والاحتجاجات القبلية في البلاد والتي كان من أبرزها ثورة ابن إدريس الزرهوني المعروف «بوحمارة» التي استمرت سبع سنوات، وثورة أحمد بن محمد الريسولي، وساءت الأوضاع بسبب تفشي الرشوة والمفاسد في جميع المستويات، ومن سوء طالع هذا السلطان أن هذه الأحداث ترافقت عند بداية القرن العشرين بالكوارث الطبيعية وانتشار الأوبئة والطواعين، وتعرضت البلاد لضائقة اقتصادية، الأمر الذي أجبر السلطان على القبول بإبرام بعض الاتفاقيات لإخراج البلاد من محنتها بالوقت الذي كانت فيه القوى الغربية تقوم بالتنسيق فيما بينها لاقتسام مناطق النفوذ في الأقاليم المغربية، وحينما اشتدت الخلافات بين هذه الدول، ومن أجل إنقاذ البلاد من المخاطر التي تتهددها، دعا السلطان إلى عقد مؤتمر في الجزيرة الخضراء سنة 1905 مكّن المغرب من الاحتفاظ باستقلاله إلى حين، لكن فرنسا استغلت مقتل أحد المبشرين الفرنسيين سنة 1907 فاحتلت ميناء وجدة، ثم إنها استغلت مرة أخرى مقتل الدكتور موشام Mauchamp وبعض الفرنسيين والإسبان في الدار البيضاء فاحتلتها، واتهم المغاربة سلطانهم بالتهاون إزاء تلك الأحداث، فأقدموا على خلعه وبايعوا أخاه عبد الحفيظ سلطاناً على البلاد. فلجأ السلطان المخلوع إلى الفرنسيين طالباً المساعدة فلم يفلح واعتزل السياسة إلى أن أدركته الوفاة سنة 1943.
استلم المولى عبد الحفيظ السلطة في ظروف صعبة بسبب وجود الفرنسيين والإسبان في شرقي البلاد وشماليها، وكانت الثورات في الداخل على أشدها، فاجتمع لديه رؤساء القبائل بهدف تنظيم حركة المقاومة، غير أن الفرنسيين سارعوا إلى احتلال فاس ومكناس والرباط في حرب استباقية بالوقت الذي أقدمت فيه القوات الإسبانية على احتلال العرائش ثم القصر سنة 1911. في هذه الأثناء وفي إطار المنافسة الاستعمارية أدرك الألمان أن فرنسا قد استحوذت على المغرب فأخذت تسعى إلى الحصول على تعويض مناسب خارج المغرب، فحصلت من فرنسا على قطعة من الكونغو الفرنسية مقابل صرف أنظارها عن المغرب، وعلى الأثر أعلنت فرنسا حمايتها على المغرب سنة 1912 بعد أن انتزعت من السلطان اعترافه بالحماية على بلاده، فاتهم المغاربة سلطانهم بالتهاون أيضاً، وأُجبر على النزول عن العرش لمصلحة أخيه يوسف الذي تقلّد السلطة في ظروف غاية في الصعوبة، لكن فرنسا من جهتها عززت وجودها في المغرب بسيطرتها على أهم المرافق كالأمن والمؤسسة العسكرية، وعينت مقيماً عاماً بالمغرب، وإلى جانبه عدد كبير من الموظفين المهمين. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1912اتُفِق على تقسيم المغرب إلى ثلاث مناطق: فرنسية وإسبانية ومغربية تسري فيها أحكام السلطان، وهكذا فقد المغرب استقلاله وحرمت حكومته من بسط سيطرتها على أكثر أقاليمه وحرمته من كل مظاهر الدولة المستقلة، فاشتعلت الثورات في كل مكان كثورة قبائل الشرارات قرب فاس، وثورة الشيخ الهيبة ابن ماء العينين في السوس، وثورة عبد الملك حفيد عبد القادر الجزائري، وثورة قبائل زيان بزعامة (مح وحمو) وغيرها، وقد دافع المغاربة عن وطنهم بكل ما بوسعهم وكبَّدوا الفرنسيين خسائر جسيمة على الرغم من الفارق الكبيربنوعية السلاح. أما في مواجهة الإسبان فقد واجه المغاربة أعداءهم بقيادة أحمد بن محمد ريسولي ما بين سبتة وتطوان، وكذلك بقيادة محمد عبد الكريم الخطابي الذي ألحق بالإسبان خسائر فادحة، وتمكن من تقليص نفوذهم في إقليم الريف، وحينما اتسع نفوذ الخطابي تكاتفت القوات الفرنسية مع القوات الإسبانية وفرضت الاستسلام على الخطابي،ونُفي مع أفراد أسرته إلى جزيرة ريونيون في المحيط الهندي عام 1927. وفي العام نفسه توفي السلطان يوسف فاعتلى عرش البلاد ابنه محمد بن يوسف (محمد الخامس) ليتابع مسيرة التحرير بالتنسيق مع قادة الحركة الوطنية، ولكن فرنسا حينما لمست بالعاهل الجديد تأييده المطلق للحركة الداعية إلى استقلال البلاد وتحريرها، عملت من جانبها على إصدار قانون جديد عرف بالظهير البربري وهو تعبير ذو مفهوم سياسي، هدفه عزل القبائل البربرية عن الإسلام، وحجتها في ذلك أن قبائل البربر ظُلمت من قبل العرب على مدى قرون حينما فرض العرب على البربر لغتهم ودينهم بالقوة، فكان الرد من جانب المغاربة الرفض القاطع لهذا المشروع لأنهم أدركوا أنه يستهدف سلخ قبائل البربر عن العروبة والإسلام، وعمَّت المظاهرات أرجاء المغرب كافة تنادي بالوحدة وتحرير الأرض من الاستعمار، ثم ظهرت كتلة العمل الوطني مطالبة بالإصلاح وإلغاء الاستيطان وإطلاق الحريات العامة مدعومة من السلطان. وعند نشوب الحرب العالمية الثانية وقف المغرب إلى جانب الحلفاءعلى أمل أن تحصل البلاد على استقلالها إذا ما وضعت الحرب أوزراها، والتقى السلطان كثيراً من رؤساء الدول الغربية بمن فيهم روزفلت Roosevelt فوعده بذلك، ولكن الفرنسيين رفضوا الاستجابة لهذه المطالب وسعوا إلى عزل السلطان وتسمية أحد أتباعهم من الأسرة العلوية (ابن عرفة) ملكاً على البلاد، واعتقلوا محمداً وابناءه وأَبعدوهم إلى كورسيكا، ثم إلى مدغشقر فتاهيتي ولكن الشعب المغربي وقف وقفة صامدة في وجه هذه المحاولة،وجرت مصادمات عنيفة بين المغاربة والمستوطنين الذين أصبحت حياتهم جحيماً لايطاق بفعل أعمال المقاومة، وارتفعت أصوات بعض الفرنسيين داخل فرنسا مستنكرة هذا الإجراء، ومع اتساع نطاق الثورات في المغرب اشتعلت ثورة الجزائرسنة 1954ليشمل نطاق الثورات ضد الفرنسيين جميع أقطار المغرب العربي، فاضطروا إلى إعادة الملك إلى المغرب وأُجبرت فرنسا على الاعتراف بالمغرب مملكة دستورية، ونودي بمحمد الخامس ملكاً شرعياً على البلاد بموجب وثيقة الاستقلال التي وقعتها في 2 آذار/مارس1956، وبالوقت نفسه ألغت إسبانيا وثيقة الحماية التي سبق أن وقعتها مع المغرب سنة 1912، والتفت الملك إلى تشكيل جيش وطني والاهتمام بالشؤون الإدارية ومعالجة المشكلات المتصلة بالصحراء المغربية، وكان له حضور في السعي لاستقلال الجزائر، وموقف مساند لحل القضية الفلسطينية وبعد وفاته سنة1961 تولى العرش من بعده ولده وولي عهده الحسن الثاني الذي كان عليه مسؤوليات كبيرة ومتعددة في وقت كان العالم ينقسم إلى ثلاث كتل رئيسية:كتلة الرأسمالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي (السابق)،وماتبقى كان أكثره من ضمن كتلة عدم الانحياز، وكانت المملكة المغربية تمثل بموقعها أهمية خاصة، فهي على أبواب أوربا من جهة الجنوب الغربي، وهي محطة الولايات المتحدة على اليابسة في إفريقيا ومدخلها إلى البحر المتوسط، وفيها جالية يهودية ارتبط معظم أفرادها بالحركة الصهيونية، يضاف إلى ذلك مشكلاتها الحدودية مع الجزائر ومشكلة الصحراء الغربية والساقية الحمراء ومشكلة الثغور المغربية التي مازالت مع إسبانيا، وكيفما كان فقد سلك الملك الحسن سياسة الحياد الإيجابي، وشارك في مؤتمرات القمة العربية التي بحثت في قضية فلسطين واستلم ملف القدس، وسعى إلى حل الخلافات بين منظمة التحرير الفلسطينية وملك الأردن الحسين بن طلال، والتفت إلى حل المشكلة الاقتصادية في بلاده، بعد أن ازداد الفقرمع تزايد عدد السكان وقلة فرص العمل، وفي عهده ازدادت التناقضات حدة في الشارع المغربي بين القوى الوطنية وبعض عملاء الاستعمار، وتعرض الملك لعدد من محاولات الاغتيال، كان أهمها حادثة الصخيرات عام 1971 التي قادها الجنرال مذبوح،وأخرى عام 1972 قادها الجنرال محمد أوفقير عندما كان الملك عائداً بطائرته من باريس وانتهت تلك المحاولة بالإخفاق وانتحار أوفقير، وعلى أثر تلك الأحداث أصدر الملك دستوراً جديداً للبلاد سمح بموجبه للتيارات السياسية المعارضة بممارسة حقها الوطني بطريقة ديمقراطية، الأمر الذي جعل غالبية المغاربة موالين ومعارضين تلتف حول قيادة الملك، غير أن البلاد تعرضت لهزات عديدة، بسبب التدخل الغربي في المسألة الصحراوية التي لاتزال عصيّة على الحلّ حتى اليوم، على الرغم من جهود الوساطة التي بُذلت على مدى سنوات، من جانب منظمة الوحدة الإفريقية والمسؤولين في كل من الجزائر وموريتانيا، ومن جهة أخرى، فإن ازدياد أعداد السكان وكثرة النازحين منهم إلى المدن وارتفاع نسبة البطالة زاد من أزمة البلاد فاستحكم الجهل وتفشت الأمية على نطاق واسع، ومع أن الملك حاول إيجاد الحلول الملائمة بإعداد الخطط وإقامة المشروعات وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، بيد أنه لم يحقق كل ما كان يطمح إلى تحقيقه وأدركته الوفاة سنة 2000، وترك الأمر لابنه وولي عهده الأمير محمد الذي ولى العرش باسم محمد السادس، وهو اليوم يحاول إنجاز مالم يستطع والده أن ينجزه.
يوسف نعيسة
- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 176 مشاركة :