الطفل والطفولة
طفل وطفوله
Child and childhood - Enfant et enfance
الطفل والطفولة
تعد الطفولة childhood مرحلة أساسية من مراحل النمو العضوي والنفسي والاجتماعي للفرد، يكتسب الطفل من خلالها المهارات والقدرات التي تؤهله لمزاولة الفعل الاجتماعي، واتخاذ القرار في حياته المستقبلية. ومع بلوغه ذلك يصل مرحلة الرشد التي تجسد في مضمونها تحوله من كائن عضوي لايتميز بأية هوية ثقافية إلى كائن اجتماعي يزاول مجموعة من الأدوار، وتترتب عليه مجموعة من الحقوق والواجبات في ضوء الثقافة التي يكتسبها ويتشرب معاييرها، كما أنه يصبح أكثر قدرة على التكيف مع البيئة المحيطة به.
وتتسم مرحلة الطفولة بالمرونة والقدرة على التعلم واكتساب العادات والمهارات البدنية والعقلية والاجتماعية والحسية، كما يتصف الطفل بقابليته للنمو السريع، والارتقاء بفضل ما تتميز به هذه المرحلة من خصائص بالموازنة مع المراحل الأخرى في حياته.
وكما أن الامتداد الزمني لمرحلة الطفولة يختلف بين الكائنات الحية (ثلاثة أيام لدى خنزير الهند، وتسع سنوات لدى الشمبانزي، وخمس وعشرين سنة لدى الإنسان كما يرى أرنولد جيزل (1881ـ1961)، كذلك يختلف هذا الامتداد بين المجتمعات والشعوب والثقافات الإنسانية المتنوعة، ولهذا تختلف التعاريف الإجرائية لمفهوم الطفولة التي تحدد نهايتها، فهي لاتجاوز السنة الثانية عشرة من عمر الفرد لدى بعض الباحثين، وتصل إلى السنة الخامسة عشرة لدى باحثين آخرين، وقد تظهر اجتهادات أيضاً تمد فترة الطفولة إلى ما دون الثامنة عشرة من العمر.
وفي الحالات المختلفة يحتاج الكائن الإنساني إلى هذه الفترة الزمنية الطويلة ليفهم ما يحيط به، ويتمثل البيانات الثقافية المعقدة التي ينبغي عليه أن يتكيف معها؛ فالطفل يتعلم ويبدع ويجدد ويتقدم بفضل مكتسباته من إرث الأجيال الماضية.
وقد قسم بعض علماء التربية مرحلة الطفولة إلى ثلاث مراحل هي: الطفولة الأولى من الولادة حتى الثالثة، والمرحلة الثانية من السنة الرابعة حتى السنة السادسة، والمرحلة الأخيرة من السنة السابعة حتى البلوغ. وقد تصنف هذه المراحل على نحو آخر يختلف نسبياً فهي تصنف إلى مرحلة الطفولة الأولى أو المبكرة وتصل إلى ما دون السادسة، ثم الطفولة المتوسطة وتمتد إلى ما دون الثانية عشرة، وأخيراً الطفولة المتأخرة التي تصل إلى ما دون الثامنة عشرة.
ويأتي هذا التباين في تحديد الامتداد الزمني لمرحلة الطفولة من اختلاف البيئات المناخية والطبيعية من جهة، ومن اختلاف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المؤثرة في نمو الأطفال من جهة ثانية. ففي المناطق الحارة، حيث تنتشر النظم الاجتماعية القبلية والعشائرية تعد عوامل النمو أكثر فاعلية، فتظهر ملامح البلوغ لدى الذكور والإناث في وقت مبكر بالمقارنة مع الأماكن الباردة أو المعتدلة، فقد تقدم الإناث على الزواج وهي دون الثانية عشرة من عمرها، وقد يقدم الذكور على مزاولة أعمال تدل على شعورهم بالمسؤولية وهم دون الخامسة عشرة من عمرهم، ويلاحظ في مثل هذه المجتمعات أنها خالية بدرجة عالية من مظاهر أزمات المراهقة التي يزداد انتشارها في المجتمعات المعاصرة.
أما في المجتمعات ذات المناخ المعتدل أو البارد فتنتشر تنظيمات اجتماعية مختلفة تماماً فتظهر ملامح سن البلوغ متأخرة بالمقارنة مع ما هي عليه في المجتمعات الشديدة الحرارة، وفي هذه الحالة يزداد الامتداد الزمني لمرحلة الطفولة، ويعجز التنظيم الاجتماعي عن تلبية الحاجات النفسية والاجتماعية التي تفرضها عمليات النمو، فتظهر مشكلة المراهقة مع ما تحمله من أزمات نفسية واجتماعية متعددة، ولذا يجد بعض الباحثين أن مرحلة الطفولة تمتد إلى ما دون الثامنة عشرة.
ويتم نمو الطفل وفق سيرورة من التمايز التدريجي، فالفطام أحد الوقائع النفسية الأولى التي تتيح للطفل أن يوسّع عالمه، مع ضروب التقدم المسجلة في النواحي النفسية الحركية (استعمال اليد، اكتساب وضع الوقوف والسير) واللفظية (كلمات، جُمَل)، وتزداد اهتماماته، وتتوطّد أفكاره. ويكتشف في السنة الثالثة شخصيته، التي يؤكدها مستخدماً كلمة (أنا) ومعارضاً غيره دون باعث أحياناً. وانطلاقاً من هذه الفترة الزمنية، تجري اكتساباته بإيقاع يزداد سرعة.
ولابد من الإشارة إلى أن حياة الإنسان مراحل متصلة متداخلة مستمرة النمو، يصعب تمييز نهاية كل مرحلة تمييزاً دقيقاً وقاطعاً، مع أن لكل مرحلة سماتها الخاصة بها، ولكنها تتأثر بما سبقتها من مراحل، كما تؤثر في ما يليها من مراحل أخرى.
وتعدُّ مرحلة الطفولة الأساس الذي يعتمد عليه كل ما يعقبها من مراحل النمو المستقبلية، ففيها يتم إرساء الأساس لشخصية الطفل، واتجاهاته وقيمه التي تحدد نوعية سلوكه وطريقته في مستقبل حياته.
شخصية الطفل ومراحل نموه من 3ـ15سنة:
1ـ المرحلة الأولى من (3ـ5سنوات) ـ مرحلة الواقعية والخيال المحدود:
عالم الطفل في هذه المرحلة عالم ضيق، إنه الأم والأب والإخوة وبعض المعارف والجيران والأقارب، وتعد هذه المرحلة من أهم مراحل تكوين الشخصية، وحياة الطفل تبدأ بعلاقات عضوية أساسية ترتبط بالأم، ثم سرعان ما تتحول إلى علاقات نفسية تحقق للطفل حاجته إلى الشعور (بالدفء العاطفي وبالأمان والأمن والطمأنينة والتقدير).
2ـ المرحلة الثانية من (6ـ8سنوات) ـ مرحلة الخيال المطلق:
يتحول الطفل من الخيال المحدود ببيئته إلى الواقعية في خيالاته غير المحدودة، فيتجاوز اللون الإيهامي، وتتبلور لدى الأطفال في هذه المرحلة قيم أخلاقية كثيرة، ومبادئ اجتماعية عبر تعاملهم مع الآخرين، وكذلك يظهر ولع الطفل بالقصص الخيالية التي تخرج في مضامينها عن محيطه وعالمه.
3ـ المرحلة الثالثة من (8ـ12سنة) ـ مرحلة البطولة أو المغامرة:
وهي مرحلة الانتقال من مرحلة الواقعية والخيال المنطلق إلى مرحلة هي أقرب إلى الواقع، فالطفل يهتم بالحقائق ويميل إلى المغامرة، والأطفال يحبون الظهور ويقلدون في حركاتهم من يُعجَبُون بهم، ويميلون إلى التمثيل وإلى تكوين أفكار ونظرات عن الأشخاص والقيم والمفاهيم.
4ـ المرحلة المثالية من (12ـ15سنة):
هنا يبدأ الطفل بتجاوز حياة الطفولة، أي إنه ينتقل من مرحلة تتصف بالاستقرار العاطفي النسبي إلى مرحلة دقيقة شديدة الحساسية، ويشغف الأطفال في هذه المرحلة بالقصص التي تمتزج فيها المغامرة بالعاطفة، وتقل فيها الواقعية، لذا سميت هذه الفترة (بالمثالية). ويمكن أن يؤدي أدب الأطفال دوراً كبيراً في التربية العاطفية بما فيها التربية الجنسية ما دام الأدب يتسلل إلى الذهن والعاطفة على النحو المرغوب فيه.
نمو الأطفال وحاجاتهم الأساسية:
أما مطالب النمو فهي متعددة، وقد استعرض حامد زهران خمسة وعشرين مطلباً، منها: المحافظة على الحياة وتعلم المشي والأكل والكلام واستخدام العضلات الصغيرة، وتعلم المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب، وتعلم القواعد والأمن والسلامة، والتفاعل مع الآخرين والمشاركة في المسؤولية.
أما حاجات الأطفال الأساسية فهي إما فيزيولوجية أو نفسية، وأهم الحاجات الفيزيولوجية للطفل هي: الحاجة إلى الهواء والغذاء والماء والحرارة المناسبة، والوقاية من الجروح والأمراض والسموم، والتوازن بين الراحة والنشاط.
أما أهم الحاجات النفسية الأساسية للأطفال فهي:
ـ الحاجة إلى الحب والمحبة، ورعاية الوالدين، وإرضاء الكبار، والتقدير الاجتماعي، والحرية والاستقلال، وتعلم المعايير السلوكية (نحو المجتمع ما لـه وما عليه)، وتقبل السلطة (بدءاً من إشراف الأسرة)، وإلى التحصيل والنجاح، وإلى المكانة الاجتماعية المرموقة واحترام الذات، وإلى الأمن، وإلى اللعب.
هذا وإّن على الوالدين والمربين إشباع الحاجات النفسية الأساسية للطفل والحاجات الجسمية والفيزيولوجية، والحاجات العقلية والمعرفية، والحاجات الانفعالية، والحاجات الاجتماعية.
خصائص النمو في مرحلة الطفولة المتأخرة:
1ـ النمو الجسمي: يمتاز النمو الجسمي بالبطء إذا ما قيس بالمرحلة التي قبلها، وللنمو الجسمي أثر بالغ في أطر النمو الأخرى فتتبدل النسب الجسمية للطفل في هذه المرحلة ويصبح أقرب إلى الرشد ويرتبط النمو الجسمي بالنمو الحركي والحسي.
2ـ النمو الحركي: تنمو مهارات الأطفال الحركية ويظهر الأطفال متعتهم الزائدة بالنشاط الحركي، ويشاركون ضمن المجموعة ويخضعون لنظامها، ويعد التفوق في المهارات الحركية عاملاً مهمّاً في تكوين شخصية الأطفال وفي نجاحهم في المدرسة وفي القيادة.
3ـ النمو الحسّي: تنمو الأجهزة الحسية باطِّراد عند الأطفال في هذه المرحلة، وتسير قدماً نحو النضج النهائي، ويشعر أطفال هذه المرحلة بشغف كبير في ممارسة حواسهم، فهم يحبون الرحلات المدرسية التي يمارسون فيها أنشطة كثيرة عن طريق المشاهدة، وتتحسن الحاسة العضلية مما يساعدهم على المهارة اليدوية.
4ـ النمو العقلي المعرفي: تقل سرعة النمو العقلي في مرحلة الطفولة المتأخرة عما كانت عليه في مرحلة الطفولة المبكرة، وإن كانت تظل مستمرة وفي طريقها إلى النضج من حيث التفكير والتذكر والانتباه.
وعامة فإن الطفل في هذه السن تنضج قدرته على الابتكار وتنمو قدرته على التذكر عن طريق الفهم وإيجاد العلاقات، وتزداد قدرته على الانتباه، وتَتَبُّع المناقشات اللفظية المجردة، كما يتجه نحو كل ما هو واقعي بعد أن كان مولعاً بالتخيلات.
5 ـ النمو اللغوي: يتضح من دراسة هذا الجانب أن جوانب النمو لدى الطفل جميعها مترابطة بحيث تصعب دراسة أي منها على انفصال، ومع هذا فالنمو اللغوي يظهر بجلاء بالقدرة على تعلم القراءة، والطلاقة اللفظية والتعبير اللفظي، فيستطيع الطفل أن يشارك في النشاط الشفوي، وأن يعبر عن نفسه بطلاقة دون خوف أو تلعثم، ويميل إلى أنواع التمثيل الذي يعد وسيلة مهمة من وسائل التعبير.
6ـ النمو الاجتماعي: تبدأ دائرة الطفل الاجتماعية بالاتساع، فهو يتصل اتصالاً مباشراً بغيره من الأطفال، وكذلك بالكبار من غير الذين تعود الاتصال بهم في المرحلة السابقة من طفولته، ويتصل بموضوعات العالم الخارجي المادية والمعنوية كالحق والواجب، ومع ازدياد احتكاك الطفل بجماعات الكبار ومعاييرهم واتجاهاتهم وقيمهم، يعرف المزيد عن المعايير والقيم والاتجاهات والضمير ومعاني الخطأ والصواب، والتقييم الأخلاقي للسلوك، ويندمج في جماعته فيكون مستعداً للتضحية في سبيل المجموع ومن هنا تنمو لديه قيم العدالة والصدق والأخلاق السامية.
7ـ النمو الانفعالي: يرتبط نمو الطفل الانفعالي في هذه المرحلة ارتباطاً وثيقاً بعالمه المحيط به، فهو يتعلم أن ينفعل لمثيرات معينة، كما يتعلم أن يستجيب لها بطريقة معينة. ويبدأ فيها بالسيطرة على انفعالاته ومحاولة ضبطها. وتتكون العواطف والعادات الانفعالية، ويبدي الطفل الحب ويسعى إلى الحصول عليه. ويقاوم النقد، بينما يميل إلى نقد الآخرين، ويشعر بالمسؤولية ويعمل على تقويم سلوكه الشخصي.
حقوق الطفل:
تمتد جذور قضية الطفولة والاهتمام بها بعيداً في التاريخ، فهي قديمة قدم التاريخ الإنساني ذاته، ولقد حرص الآباء منذ العصور البدائية على نقل كل ما لديهم من معارف ومهارات إلى أبنائهم عن طريق مشاركة الأطفال في الحياة الأسرية، حيث كانوا موضع رعاية خاصة واهتمام بالغ. ومع توالي الحضارات القديمة ازداد الاهتمام بالأطفال وتربيتهم، كما في حضارة مصر الفرعونية وفي المجتمعين اليوناني والروماني القديمين، حيث كان الاهتمام كبيراً بتربية الأطفال جسميّاً وعقليّاً وروحيّاً، ولكن هذا الاهتمام ما كان ليتم لولا الرغبة في تحويل هؤلاء الأطفال إلى آلة عسكرية تحقق مآرب السادة في الاستيلاء على أراضي الآخرين ونهب ثرواتهم.
وجاءت الأديان السماوية تحمل منهاجاً متوازناً يذكر البشرية بحقوق الطفولة، أما في العصور الوسطى، فقد كان الظلام الفكري يخيم على أوربا. وللحروب الدينية دور في حرمان الطفولة من أبسط حقوقها، في حين كان العالم الإسلامي ينعم بالحضارة والرفاهية التي ظهرت إيجابياً على حياة الأطفال.
وبدأ الاهتمام في القرن العشرين يتزايد بتربية الطفل خاصة، وإعطائه حقوقه الإنسانية كافة، بعد أن عانت البشرية ويلات الحربين العالميتين، الأولى والثانية، وبدأت الدول تضع قوانين وتشريعات تحمي الأمومة والطفولة، واهتم المجتمع الدولي بحق الأمومة والطفولة في الرعاية والعناية، وصدرت إعلانات وتصريحات دولية تهدف إلى خلق عالم أفضل للطفل، وأكدت الشعوب والأمم في ميثاق الأمم المتحدة وما تلاه من إعلانات، إيمانها بحقوق الإنسان وكرامته الإنسانية.
1ـ حقوق الطفل في الديانة المسيحية:
احترم الدين المسيحي حقوق الكائن البشري منذ تكوُّنه جنيناً في بطن أمه، فللطفل الذي لم يولد بعد الحق في الحياة وفي التمتع بالسلامة الجسدية، إضافة إلى توفير العناية اللازمة للمرأة الحامل من أجل تعزيز حقوق الطفل، وحقوق الوالدين والعائلة.
وهناك مقاييس نابعة من الكتاب المقدس تجسد رؤية الدين المسيحي للجنين منذ اللحظة الأولى لتكوينه على أنه كائن بشري يتنامى داخل رحم أمه، وبوصفه ضيفاً على أمه لـه حق الحياة منذ لحظة الحمل حتى الممات، وهو حق يجب أن يحترم بصورة مطلقة.
2ـ حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية:
اهتم الإسلام بالطفل منذ كونه جنيناً، وشرَّع مجموعة من الأحكام المتعلقة به، سواء ما تعلق منها بحسن الاختيار بين الزوجين، أم ما كان في رعايته في مراحل النمو المختلفة، بحيث يظهر مدى حرص الإسلام على توجيه جهود المجتمع إلى الاهتمام بالطفولة.
لم تكن تشريعات الإسلام في مجال الطفولة من باب التنظيم الاجتماعي الذي يمثل ردة فعل للواقع، بل هي تشريعات ربانية تنبثق من قاعدة إيمانية يلتزم المسلم تطبيقَهَا وممارستها، وتكتسب بذلك استمرارية عبر العصور، حيث دعا الإسلام إلى بناء الأسرة الصالحة التي تعد اللبنة الرئيسة في رعاية الطفل والطفولة وفي بناء المجتمع وتقوية دعائمه.
ويمكن أن يُذكر من حقوق الطفل في الإسلام ما يأتي:
آ ـ الحق في الحياة: قضى الإسلام منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً بحق الطفل في الحياة، فحرّم وأد البنات الذي كان سائداً في الجاهلية، قال تعالى:)وإذَا الَموُءُودَةُ سُئِلت بِأَيّ ذَنْبٍ قُتِلََت((التكوير8 و9».
وقد حرم الإسلام قتل الأطفال عامة، وخوفاً من الفقر خاصة، فقال تعالى: )ولا تَقْتُلوا أولادكم مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكم وإيَّاهُم( (سورة151). كما نهى النبيr عن قتل الأطفال في المعارك، وكانت وصيته للجند بعدم قتل الشيوخ والنساء والأطفال وعدم قطع الأشجار وقتل الحيوانات، بل إن النبيr كان يستثني الأطفال والصغار عامة عند إعداد الجيش للمعارك، ولهذا يجب عزل الأطفال عن الصراعات العسكرية والاقتصادية والسياسية وغيرها، وتأمين بيئة مناسبة تكفل نموهم الصحي.
ب ـ الحق في المساواة: جعل الإسلام المساواة في الحقوق والواجبات والمعاملة مبدأ رئيساً في حياة الفرد والمجتمع، قال تعالى: )إنَّ اللهَ يَأمرُ بالعَدْلِ والإِحْسَان((النحل90)، والعدالةُ بين الأطفال ذكوراً وإناثاً مبدأ يجب التزامه من قبل الوالدين، سواء أكان ذلك في ميدان التعامل المعنوي أم المادي.
ج ـ الحق بالرعاية الصحية:إن الاهتمام بالرعاية الصحية للطفل يعد مطلوباً من حيث الطعام والشراب واللباس والعلاج والتدريب الجسمي وتنمية القدرات العقلية، والعمل على وقايته من الأمراض السارية وغيرها، من خلال توفير البيئة الصحية المناسبة للأطفال التي تضمن تنشئة جيل سليم معافى قادر على تأدية دوره على الأرض والارتقاء بالبشرية إلى الأمام.
د ـ الحق بالرضاعة: نصَّ القرآن الكريم على أهمية الرضاعة الطبيعية للطفل في شهوره الأولى، وكانت الدعوة إلى إتمام الرضاعة لما فيها من خير عظيم للوليد، ووضعَ الأحكام التي تكفل حق الطفل في تأمين غذائه ورعايته. قال تعالى: )والوالداتُ يُرضعْنَ أولادَهُنَّ حَوْلَينِ كَامِلَينِ لمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتمَّ الرَّضَاعة((البقرة233)، فالرضاع واجب على الأم، وقد شرع الإسلام أحكاماً متنوعة لتنظيم مسألة الرضاع سواء في حالة عجز الأم عنه أم في حالة عدم وجودها.
هـ ـ الحق بالحضانة:حرص الإسلام على توفير الجو المناسب لتنشئة الطفل، وتحديد الأطراف المسؤولة عن رعايته والقيام بشؤونه، وأولى الناس بهذا الحق هي الأم، إلا إذا كان هنالك ما يمنع كزواجها بأجنبي عن الطفل.
و ـ الحق بالنفقة: قال تعالى: )وعلى المولود له رزقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروفِ لا تُكَلَّف نَفْسٌ إلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِهَا ولا مَوْلود له بِوَلَدِه وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذلك((البقرة233)، فيجب على الأب الإنفاق على ولده مادام صغيراً غير قادر على الكسب وليس له مال، والنفقة هي ما يحقق للطفل كفايته في حاجاته من غذاء وكساء ومسكن. وقالr: «أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله» [رواه مسلم].
ز ـ الحق بالولاية: وقد شرعها الإسلام حتى يستغني الطفل، ويستطيع القيام بشؤونه وهناك ثلاث ولايات:
ـ ولاية التربية الأولى: وهي سلطة الأم حين تقوم على شؤونه.
ـ الولاية على المال: يقوم الولي بالإشراف على مال الطفل من حيث المحافظة عليه، وتنميته واستثماره، وإجراء التصرفات الشرعية التي تقتضيها مصلحة الطفل من الناحية المالية.
ـ الولاية على النفس: وهذه الولاية تتعلق بنفس الطفل وذاته، أي ما يرتبط بهذه النفس الإنسانية من حيث الإشراف عليها من جميع الوجوه سواء في ذلك الإنفاق على الطفل والعناية به، وتنشئته وتقويمه، أم علاجه وتعليمه، وإعداده للمستقبل، ويندرج تحت هذه السلطة أيضاً الإشراف عليه فترة الحضانة، وكل ما يمس جوانب حياته حتى الموافقة على إجراء العمليات الجراحية له عند مرضه.
3 ـ حقوق الطفل في القانون الدولي المعاصر:
تحتوي اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي تبنتها الجمعية العامة بالإجماع في 20/11/1989 مجموعة شاملة من القواعد القانونية الدولية لحماية حقوق الأطفال والدفاع عن مصالحهم وتحقيق رفاهيتهم. وتنطبق أحكام الاتفاقية على ثلاثة مجالات أساسية تتعلق بالحقوق الفعلية للأطفال، وهي البقاء، والنمو والحماية.
1ـ حقوق الأطفال في البقاء: إن الحق الأول من حقوق الأطفال بالبقاء الواردة في الاتفاقية هو حق الطفل الأصيل في الحياة، وبحسب المادة السادسة من الاتفاقية يجب أن تعمل الدول الأطراف على ضمان حق الطفل في البقاء والنمو. لذلك فإن الاتفاقية تعترف بحق الطفل في أن يكون لـه اسم وجنسية، على نحو يشبع حاجاته الإنسانية إلى الشعور بالانتماء.
2ـ حق الطفل في التنمية والتنشئة: تعترف اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 بحق الطفل في التمتع بالفرصة الكاملة لكي ينمو إلى أقصى حد تسمح به إمكانياته، ويعني ذلك نموه الجسماني والعقلي والاجتماعي على حد سواء، كذلك حقه في أن يتمتع بمستوى معيشي ملائم يوفر له متطلباته من الغذاء والشراب والمأوى مما يساعده على أن ينمو نمواً بدنيّاً سليماً.
3ـ حقوق الأطفال في الحماية: جاءت اتفاقية حقوق الطفل لتؤكد ضرورة تأمين الوقاية وتوفير الحماية للأطفال ضد مخاطر الحياة وشرورها إذ أن الكثير من الأطفال محرومون من الحماية الضرورية وذلك حين يساقون للمشاركة في الحروب المدمرة، وحين يستغلون اقتصاديّاً وجسديّاً، ويعانون سوء المعاملة وقسوة الظروف التي تتركهم في الشوارع ضحايا لجرائم العنف والمخدرات.
وفيما يتعلق بموضوع الإعاقات الجسدية عند الأطفال فقد اعترفت المادة الثالثة والعشرون من الاتفاقية للطفل المصاب بأي نوع أو أية درجة من الإعاقة الجسمية أو العقلية، في التمتع بالرعاية الخاصة التي تتطلبها كل حالة، كما تكفل الدول الأطراف للطفل المعاق وللمسؤولين عنه تقديم كل مساعدة تقتضيها حالة الطفل وظروف والديه أو المسؤولين عنه. كما نصت الفقرة الثانية من المادة ذاتها على ضرورة أن تعمل الدول الأطراف على توفير المساعدة اللازمة للأطفال المعوّقين مجاناً كلما أمكن ذلك، مع الأخذ بالحسبان الظروف المادية لوالدَي الطفل أو غيرهما ممن يعرفونه.
كذلك نصت اتفاقية هيئة الأمم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989 على ضرورة أن تلتزم الدول الأطراف اتخاذَ جميع التدابير التشريعية والاجتماعية والإدارية والتعليمية من أجل حماية الأطفال من جميع أشكال سوء المعاملة والاستغلال، بما فيها الإساءة الجسدية والتي يرتكبها الوالدان والمسؤولون عن رعاية الأطفال، وفي ذلك نصت المادة 32 على حق الأطفال في الحماية من الاستغلال الاقتصادي، وضرورة تحديد العمر الأدنى للعمل، وتنظيم ساعات عملهم، والحرص على عدم انخراطهم في أعمال تعدّ خطراً على صحتهم.
4ـ الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الطفل الفلسطيني: في ظل الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الأطفال الفلسطينيين في المناطق الفلسطينية المحتلة، يُلاحظ أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي قامت بانتهاكات صارخة وصريحة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي لا تسمح باستخدام الأسلحة النارية إلا عندما يكون هناك خطر محدق ومؤكد، واستخدمت أسلحة لا تستخدم إلا في المعارك الحربية، فتسببت في إصابات أدت إلى استشهاد الكثير من المواطنين الفلسطينيين العزل (وغالبيتهم من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة)، واستخدمت أنواع الأسلحة التدميرية والفتاكة كافة بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً.
5ـ حقوق الطفل العربي: قرر مجلس وزراء العدل العرب، في دورته السادسة عشرة عام 2000، اعتماد مشروع الدليل التشريعي النموذجي لحقوق الطفل العربي، وتعميمه على الدول الأعضاء، دليلاً نموذجياً استرشادياً، مركزاً الضوء على موضوع «حقوق الطفل»، وميسراً تقنينها في كل دولة عربية.
يعد هذا الدليل بمثابة دعوة للدول الأعضاء لوضع قانون خاص بالطفل، أو للاسترشاد به في مراجعة تشريعاتها المتعلقة بشؤون الطفل بما يسهم في النهوض بأوضاع الطفولة العربية بوجه عام، وبالرصيد البشري المستقبلي للأمة العربية.
عمالة الأطفال:
في معرض الحديث عن ظاهرة عمالة الأطفال يجدر التنويه ابتداء بأبرز الأشكال المتعددة التي تتخذها تلك العمالة، وفيما يأتي بيان تلك الأصناف:
1ـ العمل في الخدمة المنزلية: تعد خدمة الأطفال في المنازل من الأعمال الواسعة الانتشار في كثير من البلدان النامية، وكثيراً ما يلجأ أهل المناطق الحضرية إلى استخدام أطفال القرى المجاورة للقيام بهذا النوع من العمل.
2 ـ العمل القسري والاسترقاقي: على الرغم من نزوع المجتمعات المعاصرة إلى تحاشي الاعتراف بأن العبودية لاتزال منتشرة في العديد من أرجاء العالم، إلا أن الوقائع الموثقة تثبت رضوخ أعداد كبيرة من الأطفال تحت نير العبودية، وكثيراً ما يقع الأطفال ضحية الظروف القاسية لأسرهم فيتوارثون العبودية جيلاً بعد جيل وفاء لديون والتزامات اضطرت إليها عائلاتهم.
3ـ استغلال الأطفال في تجارة الجنس: يعدّ هذا النوع من الاستغلال مشكلة من أهم المشكلات التي تعاني منها البشرية في الوقت الراهن.
4ـ العمل في المزارع والمصانع: قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أن هذا النوع من عمالة الأطفال أقل خطورة على صحة الطفل ونمائه من بقية الأعمال التي قد يمارسها، إلا أن حقيقة الأمر قد تكون على النقيض من ذلك، فالأطفال العاملون في الزراعة والصناعة غالباً ما تتصيدهم مخاطر جسمية وعديدة نتيجة استخدام الأدوات الخطرة والحادة والتعرض المباشر للمواد الكيمياوية الضارة.
وثمة حزمة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتضافر فيما بينها مفضية إلى انبعاث ظاهرة عمالة الأطفال ومن ثَمّ تصاعدها، وفي الوقت الذي يصعب فيه حصر تلك العوامل إلا أنه من الممكن القول إنها تتمحور بوجه عام ضمن روافد رئيسة عدة: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وديموغرافية، وسياسية.
الأطفال ذوو الحاجات الخاصة:
وهم الأطفال غير الأسوياء والمعاقون من خلال حاجاتهم التربوية والتعليمية. وتبدو هذه الإعاقات في: الإعاقات الحسية مثل ضعفٍ أو نقصٍ في السمع أو البصر، والإعاقات الحركية، والإعاقات الانفعالية، والتواصلية مثل اضطرابات النطق وصعوبات التعلم والتأخر الدراسي وبطء التعلم. وقد تطور هذا المفهوم منذ السبعينيات من القرن العشرين تطوراً نوعيّاً بعد أن تقدمت لجنة خاصة بتقرير عن أوضاع المعاقين في بريطانيا، وتم اعتماد هذا المفهوم الذي يشدد على الجوانب التربوية ويعطي الحق للفئات الخاصة من الأطفال في الاستفادة من خدمات المدارس العادية، ما لم تكن حالة الإعاقة لديهم تحول دون استفادتهم من برامج التعليم العادي، كحالات الإعاقة الشديدة التي تتطلب خدمات في مؤسسات خاصة.
أحمد علي كنعان
مراجع للاستزادة: |
ـ أحمد علي كنعان، أدب الأطفال والقيم التربوية (دار الفكر، دمشق 1999).
ـ الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه وخطة العمل (كما أقرها مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل) اتفاقية حقوق الطفل، منظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونيسيف، عمان 1991.
ـ غسان أبو فخر، التربية الخاصة بالطفل (جامعة دمشق 2004).
ـ محمد خير الفوال، تشريعات الطفولة ومنظماتها (جامعة دمشق، مركز التعليم المفتوح 2003).
- التصنيف : تربية و علم نفس - النوع : صحة - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 575 مشاركة :