نوير (قبايل)
Nuer - Nuer

النوير (قبائل ـ)

 

تُعدّ قبائل النوير إحدى مجموعات القبائل الرعوية الرئيسة الأربع من الزنوج النيليين في جنوبي السودان، وتشمل هذه القبائل كلاً من الدنكا والنوير والشلك والأنواك، وهي تتشابه في نمط حياتها وعاداتها وتقاليدها، إلا أن جماعات الدنكا والنوير أقرب في التشابه بينهم في الأصل والعادات واللغة التي تربط بينهم. تقوم حياتهم على تربية الأبقار بالدرجة الأولى، والزراعة لديهم نشاط ثانوي حتى إن بعضاً من فصائلهم تحتقر الزراعة ومن يعمل بها.

تنتشر قبائل النوير في وادي النيل فيما بين نهر السوباط والجزء الجنوبي من النيل الأبيض وبحر الغزال شمالاً حتى وادي بحر الجبل والتقائه مع بحر الغزال جنوباً، تحيط بقبائل النوير المجموعات النيلية الرئيسة وهي الدنكا من الشمال والجنوب وقبائل الانواك من الشرق، وتجاورهم قبائل الشلوك من الغرب.

يمتاز النوير كغيرهم من الجماعات النيلية بالأنف العريض والشفاه الغليظة المقلوبة وبروز الفك العلوي؛ مع وجود استثناءات بين الأفراد الذين يمتازون بالأنوف الضيقة والشفاه الرفيعة واختفاء بروز الفك العلوي، كما يمتازون بالرأس المتطاول والقامة الطويلة التي تصل إلى أكثر من 185سم.

تتحدث قبائل النوير في كل أنحاء السودان بلهجة واحدة وأسلوبهم في الحياة واحد، يعتقدون أن تاريخهم يبدأ بالتحديد من منطقة ليج المقدسة لديهم، حيث شهدت هذه المنطقة نشأة جميع فصائل النوير ثم تفرقوا منها إلى مناطقهم الحالية؛ فذهب قسم منهم غرباً نحو منطقة ميوم واستقر فيها، وقسم آخر نزح باتجاه الشرق إلى أكوبوا وواط والناصر وميورد وأيود، كما يوجد قسم من قبائل النوير في ليك وجنكاج بمحافظة ربكونة، إضافة إلى نوير جقي وأروك وأدوار ونونق بمحافظة اللير وآخرين بمركز فنجاك ويمتدون إلى داخل حدود الحبشة. تحكي أساطير النوير أن جدهم الأكبر «لانجور» قد عبر النيل الأبيض عند منطقة قشودة وسار بهم إلى الشرق حيث استقر وإياهم في شرق ملكال، وهم يتحدرون أصلاً من الجد «أبينوثق» وهو جد الدنكا والنوير معاً.

تُوصف المنطقة التي يعيشون فيها بأنها منطقة سهلية في وادٍ فسيح يرويه النيل وروافده الكثيرة، ويشكل في الوقت ذاته صلة الوصل وحلقة الاتصال بين أماكن وجود فصائل قبائل النوير، كما تُشكل مسطحاته المائية كثيراً من المستنقعات التي ينتشرون حولها وخاصة في مديرية أعالي النيل والمديرية الاستوائية التي تصل معدلات الأمطار فيها إلى أكثر من 1000مم سنوياً، وعموماً فإن أراضيهم صالحة للرعي أكثر من صلاحيتها للزراعة، ويوجد فصلان مميزان: فصل جاف يمتد من كانون الثاني/يناير إلى حزيران/يونيه، وفصل ماطر يبدأ من حزيران/يونيه حتى كانون الأول/ديسمبر؛ لذلك تزداد كثافة الغطاء النباتي من حشائش قصيرة وساڤانا متوسطة وطويلة وغابات كثيفة، تختفي مع زيادة كثافتها تربية الأبقار لتحل محلها الزراعة البدائية مظهراً من مظاهر النشاط الاقتصادي والاجتماعي.

تنتشر قبائل النوير في مديرية أعالي النيل بصفة رئيسة، حيث يزيد تعدادهم فيها على720 ألف نسمة، و يعيش في المديرية الاستوائية عدد آخر منهم يزيد على المليون نسمة، مع أنه لا توجد إحصاءات دقيقة لهم بسبب عدم استقرارهم بصورة دائمة في أماكن وجودهم من جهة، وعدم إمكانية إجراء تعدادٍ لهم من ناحية ثانية. وهم يمارسون إلى جانب حرفة رعي الأبقار والزراعة مهنة الصيد البري وصيد الأسماك، ويوصفون بأنهم من الجماعات شديدي المراس، يصطادون الأسد والنمر والحمار الوحشي إضافة إلى صيد الغزال والزرافة، وهم لا يأكلون لحوم آكلات اللحوم وإنما يصطادونها ليستخدموا جلودها لباساً لهم، كما أنهم يصطادون الطيور ولا يأكلون لحومها وخاصة النعامة والبط والإوز، إذ يعدّون ذلك من طعام الفقراء، كما يصطادون الزواحف ولا يأكلون منها سوى التماسيح. ليس للنوير زعامة مركزية سياسية واحدة، لكن لكل قبيلة من قبائلهم زعيم روحي يرتدي جلود الفهود، وله الكلمة العليا فيما يخص شؤون العشيرة، وهو مقدس عندهم، فقبيلة نوير زعيمها الروحي هو «دنيق كوز» يقيم في محافظة ميوم، وقبائل جقي وأدوك زعيمها الروحي هو «ناكولانق» وهي امرأة تزعمت في الزمن الماضي هذه القبائل وبرحيلها صارت مقدسة عندهم. ومن عاداتهم أنهم يقيمون الولائم لأرواح موتاهم ويحزنون عليهم من ثلاثة إلى أربعة أشهر، وهم يعزون أسباب المصائب التي تحل بهم لغضب أرواح الأجداد من أقاربهم، ويؤمنون بخلق الميت، ولذا فإنه عندما يموت الشاب عازباً فإن أحد أقاربه يتزوج باسمه، وعندما تلد الزوجة يحمل الأبناء اسم المتوفى، ويعتقدون أنهم إذا لم يزوجوا المتوفى العازب فإن لعنته تلاحقهم.

يدفع النوير مهراً ويكون عدداً من رؤوس الأبقار تراوح ما بين 30-40 رأساً من الأغنياء وما بين 20-30 رأساً إذا كان العريس من الفقراء، ولا يتزوج الرجل من المرأة التي تتحدر معه من جد واحد أو تقرب إليه من جهة أمه، وعندما يُطلق الرجل زوجته فإن أبقار المهر تُعاد إليه ومعها ما ولدت، وإذا توفيت الزوجة فإن مهرها يقسم بين زوجها ووالدها. وعندما يتزوج الرجل من النوير تبقى الزوجة في بيت أهلها حتى تلد ولداً، وإذا لم تلد فإنها تبقى عند أهلها ويُعاد مهرها إلى الزوج مع الأبقار التي ولدت، يراوح سن الزواج عندهم ما بين 12-13سنة للفتاة، أما عند الشباب الذكور فيتوقف على عوامل عدة منها: حجم الأسرة، وترتيب الشاب في الأسرة والعمر، وعدد القطيع من الحيوانات التي تملكها الأسرة، ويجب أن توافق الفتاة لأن أسرتها لا تجبرها على الزواج من شاب لا تريده.

يتم تأهيل الشباب وإعدادهم لمرحلة الرجولة عن طريق شق ثلاثة صفوف من الجروح من كل جانب على الجبهة بشكل أفقي تبدأ من الأذن وتنتهي عند الأذن الأخرى، كما يقومون بخلع ستة أسنان من أسنان الشاب، وكثيراً ما يؤدي النزف الذي ينتج من التشريط إلى عاهات دائمة أو يسبب الموت لهؤلاء الصبية. ولمراسم الزواج وأعرافه طقوس خاصة قد يطول شرحها وقلما يُسمع بها عند غيرهم، فهناك زواج المرأة بالمرأة، وزواج الشبح، وزواج الأخ من زوجة أخيه المتوفى، وهناك الزنا والطلاق. وغير ذلك من هذه العادات والأمور.

يقطن النوير في مساكن مصنوعة من جذوع الأشجار وأغصان النباتات، وهذه تكون ثابتة، ولكنهم لا يستقرون بها إذ يتنقلون مع قطعانهم في مخيمات متنقلة حتى موسم الجفاف عندما يعودون إلى قراهم التي تُبنى فوق أرض مرتفعة وبعيدة عن الأنهار ومياه المستنقعات حيث الكلأ والماء. وتُعدّ الأسرة النواة الاجتماعية الأولى، ويختلف حجم القرية وحجم الأسرة حسب الظروف الطبيعية وحسب الموقع.

غالبية قبائل النوير وثنيون وتتعدد آلهتهم، وفيها إله للمرض، وإله للحرب ، وإله للصيد، وإله للبرق والرعد، إضافة إلى الطواطم الأحيائية من الطيور أو الحيوانات الأخرى، وقد أدى الاختلاط بالقبائل العربية لدى بعضهم في أماكن وجودهم إلى إسلامهم وتأثرهم بتلك القبائل في اللغة والعادات والتقاليد، وتتمسك جماعات النوير بأعرافها وتقاليدها المتوارثة عن الآباء والأجداد، مما يجعلها عائقاً قوياً في تحقيق مركزية الدولة وفرض إرادة التغيير الذي مازال بطيئاً ومتعثراً حتى اليوم، الأمر الذي يجعل الاستفادة من الطاقات المادية الكبيرة التي تُشكلها الثروات الطبيعية والثروات الحيوانية التي يمتلكها الجنوب بمستوى متدنٍ جداً.

محمد صافيتا

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ فاضل الأنصاري، الجغرافية الاجتماعية (المطبعة التعاونية، دمشق 1979).

ـ علي وهب، الجغرافية البشرية (المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، بيروت 1986).


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الواحد والعشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 166 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة