المنهج
منهج
Method - Méthode
المنهج
لكلّ هدفه في الحياة، وكلّ يسعى إلى تحقيق أهدافه بأقصر الطرق، فيحدد الطريق الأسلم لبلوغ تلك الأهداف. وهذا الطريق هو الذي يطلق عليه في الحياة اليومية للناس كلمة «المنهج» method (méthode)، أي أسلوب فعل البشر العملي والنظري للوصول إلى هدفهم المنشود.
ويلتقي هذا المعنى العام للفظة «منهج» مع معناها في اللغات المختلفة ولا سيما أصلها اليوناني methodos، والذي يعني الطريق المؤدي إلى الغرض المطلوب.
أما في العلم، فيعني «المنهج» جملة القواعد والمبادئ والإرشادات التي على الباحث اتباعها من ألف بحثه إلى يائه بغية الكشف عن العلاقات العامة والضرورية والجوهرية، أي القانون الذي تخضع له الظواهر المدروسة.
خطوات المنهج:
من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية في هذا العلم أو ذاك، يتعين على الدارس عند معالجته لموضوعات بحثه اتباع الخطوات المنهجية الأساسية الآتية:
الملاحظة العلمية: وهي جهد حسي وعقلي هادف ومنظمٌّ وانتقائي ومبرمج، يقوم به الباحث للوقوف على الظاهر والخفي من صفات الظواهر التي تؤلف موضوع الملاحظة وخواصها، وهذا يعني أن الملاحظة ليست عملية بسيطة كما يتصورها بعضهم، بل إنها معقدة، وتحتاج إلى باحث مدرَّب ومتخصص يستطيع بوساطتها إدراك العلاقات التي تنتظم الظواهر التي يلاحظها والأسباب التي تكمن وراءها، إضافة إلى ذلك يستطيع الباحث باستخدامه الصحيح للملاحظة العلمية تكوين الفروض واختبارها بهدف الوصول إلى القوانين التي تخضع لها الظواهر التي يدرسها.
وضع الفروض وصياغتها: الفرض العلمي هو التخمين أو الحل المبدئي الذي يقترحه الباحث لمشكلة بحثه. وتنبع أهمية الفروض من حقيقة كونها تشبه البوصلة التي تقي الباحث من الضياع والتخبط في شعاب البحث العلمي الوعرة؛ فهي - أي الفروض العلمية - نقطة البدء في كل برهنة والمنبع الأول لكل معرفة علمية يكتسبها الإنسان. أما مصادر الفروض، فهي كثيرة، أهمها: بيئة الباحث، ومجال تخصصه العلمي، وخبرته الشخصية، إضافة إلى فطنته وذكائه وقدرته على تخيل العلاقات المتشابكة بين الظواهر. ويجب أن تتصف صياغة الفروض العلمية بالدقة والوضوح والإيجاز وعدم التناقض والقابلية للتحقق منها بالخبرة الحسية المباشرة أو غير المباشرة.
اختبار الفروض تجريبياً: إذا كانت الملاحظة والفروض خطوتين أساسيتين لازمتين، فإن إمكانية اختبار الفروض تجريبياً هي الخطوة الكافية لتحديد الهوية العلمية للمنهج. والاختبار التجريبي للفروض لا يعني الاقتصار على التجربة[ر] experiment - وهي الطريقة التي تستخدمها العلوم الطبيعية بالدرجة الأولى؛ والتي تقوم على مبدأ ضبط المتغيرات الجانبية وإدخال عامل مستقل، ثم ملاحظة تأثيره في العامل التابع - فحسب، بل على غيرها من طرائق البحث التجريبية أو «الإمبريقية» empirical methods الأخرى؛ وهي الطرائق التي تستخدمها العلوم الاجتماعية بالدرجة الأولى، كطريقة المقارنة والمسح الاجتماعي وتحليل المضمون… وغيرها.
أهميته:
لا يصير العلم[ر] علماً بكل معنى الكلمة إلا إذا استوفى أهم ركن من أركانه المتمثل بالمنهج الذي يعد المولّد الحقيقي للمعرفة العلمية؛ والعامل الرئيسي والحاسم في تحقيق التقدم العلمي؛ فالمنهج العلمي هو الذي يوضح للباحث الطريق، وينير له الدرب، ويبلور له المقصد، ويوصله إلى غاياته بأقل جهد ممكن.
بناء عليه، ولأن العلم يعرف بمنهجه بالدرجة الأولى؛ فقد بات لزاماً «على الباحثين» - أيا كانت مجالات تخصصهم وأيا كانت موضوعات العلوم التي تشغلهم- الإلمام بمناهج البحث العلمي وأدواته واكتساب مهاراته وتنميتها؛ فالمعرفة الواعية بهذه المناهج تمكن الباحث من إتقان البحث وتلافي كثير من الخطوات المتعثرة التي لا تفيد شيئاً. ومن هنا تأتي أهمية المنهج العلمي الذي لا يعد هدفاً في حد ذاته، وإنما هو وسيلة للتفكير السليم توصل الباحث في النهاية إلى حلول علمية قابلة للتطبيق العملي للمشكلات والقضايا التي يبحثها.
أنواعه:
تختلف أنواع المناهج باختلاف معيار التصنيف الذي تعتمده هذه المجموعة أو تلك من المتخصصين بـ«علم المناهج»[ر] methodology، لذلك يصعب عرض لوحة تصنيف جامعة ومانعة لأنواع المناهج؛ ومن أهمها وأكثرها شيوعاً لدى المشتغلين في علم المناهج ما يأتي:
- المنهج الاستدلالي أو الاستنباطي: وفيه يربط العقل بين المقدمات والنتائج، أو بين الأشياء وعللها على أساس المنطق العقلي، والتأمل الذهني، فهو يبدأ بالكُليَّات؛ ليصل منها إلى الجزئيات. والمنهج الاستنباطي يستند إلى مبدأ عدم التناقض؛ لأن النتيجة تكون دائماً مساوية لمقدماتها أو أصغر منها؛ فمن الضروري أن تكون النتيجة صادقة إذا صدقت المقدمات.
- المنهج الاستقرائي: وهو على عكس سابقه، يبدأ بالجزئيات؛ ليصل منها إلى قوانين عامة. ويعتمد الباحث الذي يستخدمه على مبدأ التحقق التجريبي، فيبدأ بملاحظة الظاهرة المفردة، ثم يضع فروضه، ويختبرها تجريبياً، فتصير عند التوكيد قانوناً يصدق على كل الظواهر المشابهة للظاهرة أو الظواهر التي لاحظها. ومثلما يصلح المنهج الاستقرائي للعلوم الطبيعية، فإنه يناسب بحوث العلوم الاجتماعية، كعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة وغيرها، التي يسعى المشتغلون فيها إلى استقراء حالات اجتماعية متعددة والخروج بعدها بقاعدة عامة تحكم الظواهر التي يدرسونها، وذلك عبر طرائق بحث ميدانية مختلفة، كطريقة المسح الاجتماعي وطريقة المقارنة ودراسة الحالة.
- المنهج الاستردادي: يستهدف هذا المنهج استنطاق التاريخ والتفاعل معه لفهم ماضٍ (وربما حاضرٍ) محدد سلفاً في ذهن الباحث الذي يعتمد على عملية استرداد ما كان في الماضي؛ ليتحقق من مجرى الأحداث، ولتحليل القوى والمشكلات التي صاغت الحاضر، لذا يتصف بالصعوبة، ويحتاج إلى قدر كبير من الخيال والمعرفة المعمقة بالتاريخ.
يوسف بريك
الموضوعات ذات الصلة: |
التجريبية ـ العلم ـ مناهج البحث (علم ـ) (الميتودولوجيا).
مراجع للاستزادة: |
ـ محمد زيان عمر، البحث العلمي: مناهجه وتقنياته (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002).
ـ محمد ماهر عبد القادر، المنطق ومناهج البحث (دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1999).
ـ عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي (دار النهضة، القاهرة 1993).
ـ صلاح الفوال، مناهج البحث في العلوم الاجتماعية (مكتبة غريب، القاهرة 1982).
- P.WELLHÖFER,, Grundstudium Sozialwissenschaftlicher Methodenund Arbeitsweisen, 2. Auflage (Enke Verlag, Stuttgart 1997).
- MAYRING, P., Einführung in die qualitative Sozialforschung ( Beltz, Weinheim 1996).
- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 757 مشاركة :