معجزه
Miracle - Miracle

المعجزة

 

المعجزة miracle في اصطلاح علماء الدين هي أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، ودعوى النبوة يعجز البشر عن الإتيان بمثله. يظهره الله على أيدي رسله عليهم السلام تأييداً لنبوّاتهم، وإثباتاً لصدق رسالاتهم، على نقيض السحر، الذي يمارسه بعض البشر نتيجة اكتساب الخبرة فيه.

ويطلق على المعجزات - في الإسلام - دلائل النبوة وأعلام النبوة، ونحو ذلك. وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات، ولهذا لم يرد لفظ المعجزة في القرآن ولا في السنّة، وإنما ورد لفظ (آية، بيّنة، برهان) في سياق محاجة المعاندين والمكذبين. كقوله تعالى: }وما تأتِيْهِم مِنْ آيةٍ منْ آياتِ ربِّهم إلاَّ كانُوا عنها مُعرِضِينَ{ (الأنعام4/يس46)؛ وقوله: }وما كانَ لرسولٍ أنْ يأتيَ بآيةٍ إلا بإذنِ الله{ (غافر 78)؛ وقوله: }وقَدْ جِئْتُكُم ببيِّنةٍ منْ رَبِّكم{ (الأعراف105)؛ وقوله: }يا أيُّها النَّاسُ قَدْ جاءَكُم برهانُُُُ مِنْ رَبِّكُم وأنزلْنَا إليكُم نوراً مبيناً{(النساء174).

وهذه الألفاظ أعمّ من المعجزة، لأنها تشمل كل ما يفيد إثبات دعوى الأنبياء، سواء أكان معجزة أم لم يكن معجزة.

وقد ميز علماء (الدين) شروطاً سبعة تحدد المعجزة، وهي:

- أن يكون فعل الله تعالى فيها.

- أن يكون خارقاً للعادة .

- أن تتعذر معارضته.

- أن يكون ظاهراً على يد مدعي النبوة، ليعلم أنه تصديق له.

- أن يكون موافقاً للدعوى.

- ألا يكون ما ادعاه وأظهره مكذباً لفعل الله.

- ألا يكون متقدماً على الدعوى.

والمعجزة نوعان: معجزة حسية: مثل الإسراء والمعراج، وانشقاق القمر إلى نصفين، ونبع الماء من بين أصابع الرسول محمدr، ونتق الجبل وشق البحر، وقلب العصا إلى حية، كما فعل سيدنا موسى عليه السلام، وخلق الطير من طين، وإحياء الموتى، وتكثير الخبز والمشي على الماء وإحياء الموتى كما فعل سيدنا عيسى عليه السلام. ومعجزة عقلية: مثل الإخبار عن الغيب، واستجابة الدعاء، والقرآن الكريم.

وقد أفاضت كتب المتكلمين والإسلاميين في ذكر كثير من المعجزات، وتبيان وجوه إعجاز القرآن الكريم ومنها: «المواقف» لعضد الدين الإيجي، و«الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد» لأبي المعالي الجويني، و«التمهيد» «وإعجاز القرآن» لأبي بكر الباقلاني، و«إحياء علوم الدين» للغزالي، وغيرها كثير. وعدّ علماء الكلام والأشاعرة المعجزة ركناً أساسياً في إثبات دعوة النبوة. يقول الجويني (1028-1085م) إن: «كل خارق للعادة يجوز تقدير وجوده ابتداء من فعل الله تعالى، فإذا لم يكن بد من تعلقه بالدعوى فهو المعجزة بعينها».

ونعى الغزالي على الفلاسفة عدم ذكرهم معجزات كثيرة، وأنكر عليهم منعهم قلب العصا حية، وإحياء الموتى وغير ذلك. لكن ابن رشد اتخذ من ذلك بداية لبحثه في المعجزات وصلتها بضرورة بعث الرسل عليهم السلام، فرأى أنه ليس كل ما كان ممكناً في طبيعته يقدر الإنسان على فعله، فالممكن في حق الإنسان معلوم، وأكثر الممكنات في أنفسها ممتنعة عليه: «فيكون تصديق النبي أن يأتي بالخارق، وهو ممتنع على الإنسان ممكن في نفسه ولا يحتاج ذلك إلى وضع الأمور الممتنعة في العقل ممكنة في حق الأنبياء». وقال ابن رشد: إن القرآن الكريم هو المعجزة الحقيقية التي تختلف عن سائر ما يسميه المتكلمون بالمعجزات. «إذ إنه لم يكن خارقاً من طريق السماع، كانقلاب العصا حية، وإنما ثبت كونه معجزاً بطريق الحس والاعتبار لكل إنسان وجد ويوجد إلى يوم القيامة، وبهذا فاقت هذه المعجزة سائر المعجزات». ودلالته قطعية على صدق النبوة في العلم والعمل: فالقرآن أساس لشريعة لم تكتسب بتعلّم، بل بوحي من الله، وانسجاماً مع نزعته العقلية ونظريته في اتفاق العقل والشرع والتأويل، ميز ابن رشد نوعين من المعجز؛ معجز براني ومعجز جواني، فالمعجز البراني لا يناسب الصفة التي بها سمي النبي نبياً،وهو خاص بأهل الإقناع، والمعجز الجواني خاص بأهل البرهان والعلم، وهو المعني بالدلالة القطعية للنبوة. ويقترب من هذا الرأي ابن سينا الذي ذهب إلى أن «النبي إذا وُجِد يجب أن يسن للناس في أمورهم سنناً بإذن الله تعالى وأمره ووحيه وإنزاله الروح المقدس عليه». كما يرى ابن خلدون في «مقدمته» أن: «القرآن هو نفسه الوحي المدعى وهو الخارق المعجز، فشاهده في عينه، ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي، وهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول عليه».

كما اهتم اللاهوت المسيحي في العصر الوسيط استناداً إلى روايات الإنجيل[ر] عن معجزات السيد المسيح عليه السلام (وهي آيات ظاهرة - حسية) بمفهوم المعجزة، وشغلت حيزاً واسعاً في الفلسفات الدينية، فيرى القديس أوغسطين[ر] St. Augustine أن المعجزة ليست مضادة للطبيعة بل مضادة لمعرفتنا بالطبيعة. ويطلقها ليس فقط على خوارق الطبيعة، بل أيضاً على العجائب التي يصنعها الملائكة والجن والسحرة، وعلى الظواهر الطبيعية وغيرها التي تبدو غريبة. ويستعمل للدلالة على المعجزات ألفاظاً عديدة مترادفة في نظره لها، مثل: «آيات، علامات، عجائب، مخلوقات عجيبة، أمور مدهشة». وهو لا يشترط في المعجزة أن تحدث بتدخل من الله، في حين أن القديس بونافنتورا[ر] Bonaventure يشترط في حدوث المعجزة أمرين، الأول: أن تكون علته الفاعلة المباشرة هي الله، والثاني : أن يكون ضد الطبيعة، أو أن الطبيعة يمكن أن تحدثه، ولكن على نحو آخر.ويرى القديس توما الأكويني[ر] St. Aquinas أن كلمة معجزة تطلق على « ما يملأ المرء بالدهشة وهو أمر له علة مجهولة للجميع، لكن هذه العلة هي الله. ولهذا فإن الأمور التي يصنعها الله على نحو خارج عن العلل المعروفة تسمى معجزات»، ولابد برأيه أن تكون المعجزة حادثاً يتم خارج نظام الطبيعة المخلوقة كلها. لكنه يميز بين المعجزة والأعجوبة، لأن الأولى من فعل الله وحده، أما العجائب فقد تكون عللها المباشرة موجودات غير الله. ويصنف المعجزات في زمرتين رئيستين:

الزمرة الأولى: وفيها يقسم المعجزات إلى فوق الطبيعة، وضد الطبيعة، وخارج الطبيعة. والأولى هي الحوادث التي لا يمكن أن تحدثها الطبيعة إما مطلقاً (كالتجسد)، وإما نسبياً إلى الموضوع (كبعث ميت). والثانية هي الحوادث التي تتعارض مع نظام الطبيعة، كما حدث مع مريم في حملها المسيح عليهما السلام، أو إدخال إبراهيم عليه السلام في النار بغير احتراق؛ وبعضهم لا يسمي هذه الظاهرة معجزة إلا إذا كانت فعلَ فاعلٍ مختار، قُصد بها إظهار أمر خارق للعادة يعجز الإنسان عن الإتيان بمثله، والثالثة هي أحداث يمكن أن تحدثها الطبيعة في الأحوال العادية، ولكن الله عزّ وجلّ يحققها على نحو لا تستطيع الطبيعة محاكاته، كأن يتحول الماء إلى نبيذ، والعلاج في الحال، وتكثير أرغفة الخبز.

والزمرة الثانية: وفيها يقسم الأكويني المعجزات وفقاً لقدرة الطبيعة المخلوقة التي يتجاوزها الحادث المعجز إلى: معجزات من جهة الجوهر المصنوع، ومعجزات من جهة الموضوع الذي تتم فيه المعجزة، ومعجزات من جهة الكيفية التي جرت عليها المعجزة.

ويرى أن الغاية من المعجزة تحقيق غرض معين يريده الله، فيقول: «إن المعجزة عمل يريد به الله تأييد دعوى إيمانية».

وتنقسم المعجزة عند الفلاسفة إلى ترك، وقول، وفعل، أما الترك فهو الإمساك عن أمر معتاد مدة من الزمن بخلاف العادة، كالإمساك عن القوت، وأما القول فهو كالإخبار بالغيب، وأما

الفعل، فهو أن يقوم الفاعل بفعل لا تفي به قوة غيره (مثل نتق الجبل وشق البحر).

وتتباين الآراء في حقيقة المعجزة، فبعضهم ينكر إمكان المعجزة في نفسها، وبعضهم ينكر دلالتها على الصدق، وبعضهم الآخر ينكر العلم بها. وقد أنكر أنصار العلم الوضعي إمكان حدوث المعجزات بدعوى أن العالم نظام مغلق، يمكن تفسير أحداثه وظواهره استناداً إلى عناصره ومكوناته، وما هو طبيعي هو وحده العلمي، وقبول الخوارق على القوانين الطبيعية يعني الخروج عن العلم برأي الفرنسي رينان (1823-1892) Renan.

وانطلاقاً من أساس الجبرية المطلقة للظواهر وقانون السببية[ر]، ينكر هيوم[ر] Hume وجود المعجزة، لأن قوانين الطبيعة بنظره قد تقررت، وثبتت بالتجربة الثابتة المطردة، والقول بالمعجزات يعني إنكار القوانين الطبيعية، لهذا فالمعجزات مستحيلة.

وأيد ذاك الرأي جون ستيوارت مل[ر] Mill قائلاً: «إن اطراد مجرى الطبيعة، وهو أمر مشاهد بالتجربة، يدل على أن الكون محكوم بقوانين عامة لا بتدخلات خاصة».

كما ينكر الفيلسوف الفرنسي إدوارد لوروا Le Roy ت(1870-1954) المعجزة بزعمه أن المعجزة ليست واقعة استثنائية، ويفسرها تفسيراً ذاتياً روحياً «بأن المعجزة هي فعل للروح التي تستعيد على نحو شطراً من ثرواتها ومواردها العميقة».

ويحار مالبرانش[ر] Malebranche أيضاً في تفسير المعجزة على الرغم من إيمانه، فيقول: "المعجزة لفظ مشكك، فإما أن يطلق على كل أمر لا يخضع للقوانين التي يعرفها الناس، وإما أن يطلق على ما لا يخضع لأي قانون معلوم أو مجهول، وإذا أخذنا بالمعنى الأول وجدنا المعجزات كثيرة، وإذا أخذنا بالمعنى الثاني وجدناها جد قليلة".

كما يرى ليبنتز[ر] Leibniz أن المعجزة تندرج في النظام العام للكون، ومن ثم «لا تختلف إلا في الظاهر وبالنسبة إلينا نحن». وفي هذا الاتجاه سارت البروتستنتية المتحررة، يقول شلايرماخر (1768-1834) Schleiermacher «المعجزة شأنها شأن الوحي، هي من مستوى الأحداث الطبيعية. إنها علامة وإشارة وقول على العلامة المباشرة بين الظاهرة واللامتناهي». ويقول أيضاً «المعجزة ليست إلا التسمية الدينية لحادث، وكل حادث- مهما يكن طبيعياً وشائعاً- متى ما سمح بأن تكون وجهة النظر الدينية بشأنه هي وجهة النظر السائدة، هو معجزة».

 

سوسن بيطار

 

الموضوعات ذات صلة:

الأنبياء ـ إبراهيم الخليل ـ الإنجيل ـ عيسى المسيح ـ القرآن الكريم ـ محمد رسول الله ـ موسى (النبي ـ) ـ هيوم.

 

مراجع للاستزادة:

ـ السيوطي، معترك الأقران في إعجاز القرآن (دار الكتب العلمية بيروت، 1988).

ـ اسماعيل، محمد الحسيني، الحقيقة المطلقة، الله والدين والإنسان، (القاهرة 1995).

- C. S. LEWIS, Miracles, Collins, (London 1947).


- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - النوع : دين - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 67 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة