هون
The Huns - Les Huns

الهون

 

الهون The Huns اسم أطلق على مجموعة من القبائل الآسيوية ذات الأصول التركية المغولية. لا يُعرف الكثير عن مواطنهم الأولى وإن كانت بعض الدراسات ترجح انطلاقهم من شرقي سيبيريا أو صحراء غوبي Gobi الصينية. كما لا تُعرف اللغة التي تحدثوا بها، في حين يميل بعض الباحثين إلى أنهم تحدثوا بلغة تركية قديمة. اشتهروا منذ بداية تاريخهم بميلهم إلى الفوضى والقتال الدموي؛ لدرجة أن بعض المؤرخين يعتقدون أن اعتداءاتهم المتكررة كانت أقوى دوافع ملوك الصين القدامى لإنشاء سور الصين العظيم (221ـ 203ق.م). ولاشك في أن الظروف الاقتصادية أو المناخية السيئة، إضافة إلى تمكّن قدامى ملوك الصين من التصدي لهم أقنعهم بصواب فكرة غزو الغرب. وتذكر تواريخ المنطقة الفارسية أنهم شوهدوا بأعداد وافرة في منطقة بحر آرال في منتصف القرن الرابع الميلادي، وأنهم في سنة 370م اجتازوا نهر الدون Don وأخضعوا مملكة القوط الشرقية أو الأوستروقوط Ostrogoths في جنوبي روسيا، كما أجبروا سنة 376م قبائل الفيزيقوط Visigoths على التراجع باتجاه نهر الدانوب وبعدها باتجاه فرنسا وشبه الجزيرة الإيبرية. وامتدوا في توسعهم في نهاية القرن الرابع لدرجة السيطرة على أجزاء من مناطق نهر الڤولغا Volga شمالاً وعلى كامل قفقاسيا ومنطقة البحر الأسود شرقاً وألمانيا غرباً، إضافة إلى معظم مناطق شرقي أوربا شمال نهر الدانوب، وهو اتساع مكنهم من فرض شروطهم على الامبراطورية الرومانية بشقيها الغربي (روما) والشرقي (القسطنطينية)، وأهمها جزية وصلت إلى سبعمئة وزنة من الذهب. هاجموا القسطنطينية عدداً من المرات لإرهابها والمطالبة بزيادة الجزية، لكن دفاعاتها القوية ـ زمن الامبراطور ثيودوسيوس الثاني ـ أقنعتهم بضرورة مهاجمة روما التي لم تكن تملك مثل هذه الدفاعات لإجبارها على رفع مبلغ الجزية إلى ثلاثة أضعافها، وعندما رفض الامبراطور فالنتاين الثالث زيادة الجزية ادعى زعيم الهون وقتها المدعو أتيلا Attila أن الأميرة هونوريا Honoria شقيقة الامبراطور عرضت عليه الزواج وأنه يطالب بإقليم غاليا مهراً لها، لكن حلفاً من الرومان والفرنجة والفيزيقوط بقيادة القائد الروماني إيتيوس Aetius تمكّن من إقناع الهون بفكرة التراجع عن إيطاليا، وأسهمت فصاحة البابا ليون الأول الكبير وشخصيته، والذي التقى أتيلا سنة 453م، من تعزيز فكرة التراجع عند أتيلا، مع التعهد بإتمام زواجه من هونوريا. على أن انتشار الطاعون في قوات الهون، ورشوة عدد من زعاماتهم ونقص الإمدادات أدت إلى انسحاب أتيلا بقواته باتجاه عاصمته في حوض الدانوب الأوسط. وبعد حفلة عرس صاخبة قضى أتيلا نحبه سنة 453م، وكانت هذه السنة بداية نهاية أسطورة الهون، فقد ثار ضدهم الجرمان وتمكنوا سنة 454م من قتل إيلاك Ellac خليفة أتيلا وابنه. ولمئة سنة قادمة لم تعد أوربا تسمع عن الهون إلا جماعات تعمل مرتزقة عند بعض ملوك أوربا وأمرائها.

يُلاحظ على الهون في تاريخهم الصاخب أنهم تأثروا بالمدنية الرومانية، لكنهم حافظوا على وثنيتهم، حتى في الفترة التي سبقت تحركاتهم الدموية داخل أوربا فقد عملوا مزارعين وخدماً عند نبلاء الأوربيين، وأدى اختلاطهم بالسكان إلى ظهور بعض الملامح الآسيوية على بعض السكان في وسط أوربا. وقد وصف المؤرخ الروماني بريسكوس Priscus حياة ملوكهم بعد زيارة لعاصمة أتيلا بأنها اتسمت بالبساطة، وأن الملك كان يعيش في بيته على تلٍ يتوسط منازل الرعية ويختلف عنها بزخارفها، ولا تتميز ثيابه منهم إلا بنظافتها، وأنه كان حريصاً على العدل بين رعاياه مع تركهم يتمتعون بحياة مترفة أكثر مما أباحها لنفسه. ويبدو أن ذلك سياسة مقصودة لدفع المحاربين إلى بذل أقصى طاقاتهم في المعارك.

عرف التاريخ قبائل هون أخرى تعود بأصولها إلى قبائل الهون السابقة أطلق عليهم اسم الهفتاليت Hephthalites أو الهون البيض، تمييزاً لهم من الهون الآخرين، ويبدو أن هؤلاء توقفوا في تقدمهم من الصين إلى الغرب في آسيا الوسطى، حيث تذكر مصادر التاريخ الفارسي أنهم احتلوا في الفترة 420ـ 425م إقليمي صغديانا وباكتريا في الهضبة الإيرانية، وأنهم كانوا عنصر تهديد للامبراطورية الساسانية وإمارات شمالي الهند حتى الفتح الإسلامي أوائل القرن السابع الميلادي.

مفيد رائف العابد

 الموضوعات ذات الصلة:

 

التتار ـ روما ـ الصين ـ القسطنطينية.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- T. NEWARK, The Barbarians, (Sterling 1988).


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - المجلد : المجلد الثاني والعشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 14 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة