النبات (علم-)
نبات (علم)
Botany - Botanique
النبات (علم ـ)
علم النبات Botanique علم يدرس الكائنات النباتية دراسة موضوعية، وهو غير الميكروبيولوجيا التي تدرس الجراثيم [ر] والفيروسات [ر] التي قد تلحق بعلم النبات في المؤلفات القديمة.
علم النبات القديم
عدّ الفيثاغورسيون منذ 500 سنة قبل ميلاد المسيح النباتات كائنات حية متمتعة ببنية مستقلة. وبيَّن بعضهم أن كرسي الزهرة مركز لأعضاء التأنيث والتذكير مميزين المدقة والأسدية.
وكتب تيوفراست Théophrasteـ المولود عام 372 قبل الميلاد ـ تسعة كتب (مفقودة اليوم) في تاريخ النبات Histoire des plantes، وستة كتب في الخصائص النباتية les Causes des plantes، وصف فيها قرابة 500 نبات. وقد كانت هذه الكتب خليطاً ضم ملاحظات شخصية حول دور الزهرة، وفكرة الفلقات، وآلية سقوط الأوراق، وأسباب اختلاف جذع النخيل عن غيره من جذوع الأشجار، كما ميَّز الأشجار المذكرة والمؤنثة في الفستق والنخيل بتخصيصه الذكورة للنبات العقيم والأنوثة للنبات الخصب المثمر، وبيَّن دور غبار الطلع في تكوين الثمار. وقد تميزت مؤلفات تيوفراست بسردٍ لبعض التجارب إضافة إلى تقديم تصنيف دقيق لعدد من النباتات التي وُصفت اعتماداً على الشكل العام للأشجار وحيدة الجذع، والأشجار المتفرعة الجذع والجنبات والأعشاب، والنباتات عديمات الجذع التي تظهر أوراقها فوق سطح التربة.
وقد ترك لنا الشاعر اليوناني نيكندر Nicandre والطبيب كراتوياس Krateuas عدداً من أوصاف النبات التي وردت فيما بعد في مؤلفات ديوسقوريدس Dioscoride الطبيب اليوناني الذي عاش في القرن الأول بعد الميلاد وألّف كتاب العقاقير Matière médicale الذي ضم وصفاً دقيقاً لأشكال سوق قرابة سبعمئة نبات وجذورها وثمارها مع تحديد مناطق انتشارها، وترتيب خصائصها الصيدلانية. وقد اعْتُمد هذا المؤلف في الحضارات الإغريقية والرومانية والعربية حتى القرون الوسطى.
وقد ألف بلين Pline الأقدم ما بين عام 23ـ79 بعد الميلاد موسوعة عالم الطبيعة De natura rerum في سبعة وثلاثين كتاباً ضمنها معلومات قيمة في البستنة [ر] وزراعة الأشجار.
علم النبات عند العرب
انطلقت العلوم العربية في القرن التاسع الميلادي بعد سقوط الامبراطورية الرومانية، مترجمة العلوم التي سبقتها وفي طليعتها مؤلفات ديوسقوريدس التي اعتمدها الطب النباتي العربي.
وقد أولى السلف الكتابة الموسوعية النباتية باللغة العربية مكانة بارزة، وقدم لها ما تستحقه من جهد وعناية، وأفرد لبحوثها وشؤونها المختلفة كتباً قيمة، كانت رائدة ولا زالت منبع النور ومصدر العرفان في هذا الميدان طوال عدة قرون.
تصنف الموسوعات النباتية العربية المعالجة لدور الأنواع النباتية المتعددة الأغراض، في ثلاث مجموعات:
1ـ المجموعة الأولى: المعنية بالنبات من المنظور اللغوي ودقة التسمية، وتضم قرابة 29 كتاباً.
2ـ المجموعة الثانية: المعنية بالنبات من المنظور النباتي ودقة الوصف، وتضم ثلاثة كتب وهي: «كتاب الصفات» للنصر بن شميل المتوفى سنة 203هـ، وهو يضم تعريف: الزرع والكرم والعنب وأسماء البقول والأشجار. وكتاب «الغريب المصنف» لأبي عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة224هـ، وهو يضم فصلاً خاصاً بالنبات والشجر سماه المؤلف «كتاب الشجر والنبات» وكتاباً آخر خاصاً بالنخل سماه «كتاب النخل». و«المخصص» لابن سيده علي بن إسماعيل الأندلسي المتوفى سنة 458هـ، وقد عقد فيه فصلاً مفصلاً أو كتاباً مطولاً، تحدث فيه عن النبات والزراعة وما يتعلق بهما، على نحو شامل ومستوعب.
3ـ المجموعة الثالثة: المعنية بالنبات من المنظور الاقتصادي الزراعي والدوائي وتضم قرابة 63 كتاباً.
وإن أول موسوعة نباتية عالمية كُتبت باللغة العربية من قبل عالم النبات الدينوري [ر] (أحمد أبو حنيفة) المتوفى عام 895م، والتي سماها مؤلفها «كتاب النبات»، وقد ترجمت إلى اللغات الأجنبية ثلاث مرات صدرت في الطبعات الآتية:
- AL-DINAWARI, A.H. A. I. D. (1953) Kitab al Nabat. B. Lewin (ed.), Uppsla.
- AL-DINAWARI, A.H. A. I. D. (1973) Kitab al Nabat. M. Hamidullah (ed.), Cairo.
- AL-DINAWARI, A.H. A. I. D. (1974) Kitab al Nabat. B. Lewin (ed.), Beirut.
وقد ضمت موسوعة ابن سينا (980ـ1037م) عيّنات نباتية عقاقيرية وسامة.
ووصف البيروني في القرن الحادي عشر، والقزويني في القرن الثالث عشر عدداً كبيراً من الأنواع النباتية. واكتشف البيروني نظم زراعة النباتات الزهرية وأبدع مفهوم المخطط المميز للنوع.
علم النبات في القرون الوسطى من القرن الثالث عشر حتى نهاية القرن الخامس عشر
ألّف ألبيرت الكبير Albert le Grandت(1200ـ1280) موسوعة نباتية حقيقية De vegetabilibus aut plantis وصف فيها مختلف أشكال الأوراق والأزهار والثمار، وقد ميّز بين الأشواك épines والقارصات piquants والكأس والتويج، وشرح بنية البذور ووضع الأجنة في البذور. وبَيَّن العلاقة بين الحرارة والضوء ونضج عناقيد العنب. وقد ظهرت مكبرات الأجزاء النباتية في نهاية هذا القرن، وسمحت باكتشاف دقائق مهمة في البنية النباتية.
علم النبات في القرن السادس عشر
بدأ علم النبات في مطلع القرن السادس عشر بالانتقال من العمل الموسوعي إلى العمل الموضوعي، وهكذا قام اوتو برونفيل Otto Brunfelsت(1488ـ1534) وليونهارت فوش Leonhart Fuchsت(1501ـ1566) و هيرونيموس بوك Hieronymus Bock ت(1498ـ1544) بالبحث في الموضوعات الطبيعية بعيداً عن التوجهات الفلسفية للكتابات القديمة، مبتدئين بجمع المعلومات النباتية العلمية الحقيقية من دون الوصول إلى تصانيف قيمة. وجُمعت في الوقت نفسه مجموعات نباتية محلية توجد بعض نماذجها في متاحف روما وباريس.
وكشف كونراد غِيسنر Conrad Gessnerت(1516ـ1565) دور الأزهار والثمار في التصنيف النباتي وترجع إليه أولى معلومات تحديد الجنس genre. وقام كارولُس كلوزيوس Carolus Clusiusت(1526ـ1609) بالعديد من الرحلات النباتية في أوربا جمع فيها ملاحظاته في مؤلف عنوانه «تاريخ النباتات النادرة» Rariorum plantarum historia(المطبوع عام 1601م) ضمّ وصفاً دقيقاً لبعض النباتات الراقية والفطريات. وكان كلوزيوس أول من زرع البطاطا المجلوبة من البيرو في عام 1588م.
وفي عام 1583 طبع الإيطالي أندريا تشيزالبينو Andrea Cesalpinoت(1519ـ1603) ـ الذي درس النبات في الأندلس ـ مرجعاً سمّاه النبات De plantis، بقي لقرنين المرجع الرئيس في تصنيف النبات على الرغم من غياب الصفات الطبيعية معياراً للمقارنة. وإن بعض تقسيماته ما تزال صالحة في التصانيف المعاصرة والخاصة بالفصيلة الخيمية [ر] Ombellifères وبعض زمر النباتات أحاديات الفلقة [ر] كبيرة الأزهار والفصيلة الحمحمية [ر] Borraginacées والشفوية [ر] Labiateae والمركبة [ر] Compositae والتي ميزها بقليل من الكلمات واضعاً قواعد التسمية الثنائية التي عززها لينيوس [ر] فيما بعد.
وقد أُقيم في القرن السادس عشر العديد من الحدائق النباتية التي كانت أولاها في البندقية في شمالي إيطاليا عام 1533م، وفي بولونيا عام 1566م، وتبعتها حدائق النبات في ألمانيا وفرنسا. وفي عام 1536م أنشأ لويس الثالث عشر الحديقة الملكية للنباتات الطبية في فرنسا.
علم النبات في القرن السابع عشر
انطلقت الدراسات التصنيفية والتشريحية والفيزيولوجية النباتية في القرن السابع عشر، إذ بدأت في هذا القرن الدراسات التخصصية المعتمدة على المجهر. ففي التصنيف انطلق مفهوم الزمر الطبيعية الممثل بالفصائل النباتية على يد الفرنسي بيير مانيولPierre Magnol ت(1638ـ1715م)، واستخدمت بعدها الدراسات التشريحية الموضحة لبنية الفلقات والبذور والسويداء، وتم التمييز بين خفيات الإلقاح [ر] وظاهرات الإلقاح. وفي عام 1665م اكتشفت البنية الخلوية على يد الفيزيائي روبيرت هوك Robert Hookeت(1635ـ1703). وتبعها اكتشاف النسج من قشرة وألياف وحزم لحائية وعائية، وفُسِّر النمو العرضي والطولي للسوق، ودرست البنية الورقية.
وترجع أولى الدراسات الفيزيولوجية إلى جان باتيست فون هيلمونت Jan Baptist von Helmontت(1577ـ1644) في مجال التغذية النباتية. ثم دُرست بعده المكوِّنات الكيمياوية للنبات، وبَيَّن كاميراريوس Camerariusت(1665ـ1721) وجود الجنس المذكر والمؤنث في الأزهار.
علم النبات في القرن الثامن عشر
سيطر على علم نبات القرن الثامن عشر اسم وحيد هو كارل ڤون لينيوس[ر] Carl von Linnéت(1707ـ1778) موتلاه الجوسيون Jussieu [ر:جوسيو (أسرة ـ)]، وتعمقت دراسة ظاهرات الإلقاح وخفيات الإلقاح [ر] وتزايدت رحلات بعثات الاستقصاء النباتي في العالم، وتقدمت الدراسات الفيزيولوجية والكيمياوية النباتية والتشريحية والزراعية وانتشرت الحدائق النباتية.
علم النبات في القرن التاسع عشر
من أبرز إنجازات القرن التاسع عشر ظهور مفهوم التطور evolution الذي طرحه جان باتيست لامارك [ر] (1744ـ1829م)، وتساءل عن تحولات النوع من جيل إلى آخر. وتقدمت دراسات المجاميع النباتية الوطنية المعروفة بالفلورا flora الخاصة بالنباتات الزهرية واللازهرية. وتقدمت دراسة المستحاثات النباتية Paléobotanique والجغرافيا النباتية Géographie botanique والتشريح وعلم الخلية (السيتولوجيا) التي توسعت في دراسة المكونات الخلوية وفيزيولوجيا التنفس والتخمر والتركيب اليخضوري، واكتُشف دور الماء في تسيير الأفعال الحيوية والتغذية المعدنية، وتوجهت الأبحاث من المستويات المحلية إلى المستوى العالمي، كما توجهت الأنظار نحو إصدار المجلات المتخصصة في فروع المعرفة النباتية.
علم النبات في القرن العشرين
تقدمت دراسة المورفولوجيا والبنية الوعائية في بداية القرن العشرين، واتضحت العلاقات بين السوق والأوراق والجذور، وتم تعرف مراحل الانتقال من البنية الورقية إلى البنية الزهرية، وسادت نظرية التيلوم télomeالتي تشرح تكون الأعضاء النباتية، وتقدمت دراسات الانتقال من الحياة المائية إلى الحياة الهوائية وتعاقب الأجيال.
وتطورت دراسات الترتيب الورقي phyllotaxie وظهر مفهوم اللوالب الورقية، ونشأ علم دراسة الأخشاب Xylologie وعلم حب الطلع [ر] Palynologie، وتقدمت تقنيات الدراسات الخلوية النباتية، والوراثة الخلوية Cytogénétique.
وتقدمت في الوقت نفسه دراسة الأفلورات flora والمجموعات النباتية ممثلة الناحية الأخرى من علوم الحياة النباتية، إذ وصف كثير من الأنواع النباتية المكتشفة في القرن العشرين، ووصل عدد الأنواع الموصوفة 350000 (200000 ظاهرة إلقاح، و 90000 فطريات، 23000 بريويات، 20000 طحالب، 7000 تريديات). وتوسعت إقامة المعاشب herbarium العالمية المعتمدة مرجعاً لتوثيق المعارف التصنيفية، وفي طليعتها معشب كيو Kew في المتحف البريطاني في إنكلترا، ومعهد كوماروڤ Komarov في لينينغراد التي أصبح اسمها سان بطرسبرغ، ومتحف باريس، والتي يضم كل منها قرابة خمسة ملايين عيّنة نباتية مجففة. وتليها المعاشب الأقل أهمية التي تضم قرابة أربعة ملايين عيّنة مجففة منها معشب برلين دهلم Dahlem على سبيل المثال. وهنالك معاشب في طريق الإنشاء أو التوسع في المناطق المدارية والاستوائية والقطبية.
وظهرت علوم الإتنولوجيا النباتية [ر] التي تدرس الاستعمالات النباتية في الحضارات القديمة بغية الاستفادة منها في الحضارة الحالية.
وتحولت المناهج التصنيفية القديمة إلى علوم التاكسونومي Taxonomie التي تطرح عدداً من الأهداف المشتركة وفي طليعتها البحث عن طريقة التواصل بين العلماء، وإقامة تصنيف يعبّر عن العلاقات الطبيعية بين الكائنات الحية ويُوَضِّح المسيرات التطورية. وهكذا تعدّ العلوم التاكسونومية القاعدة الأساسية للعلوم الأخرى معتمدة القواعد اللينيونية القديمة، ومدعمةً بالدراسات المعشبية التي أهملتها القرون الماضية، ومتوجهةً نحو الدراسات التنظيمية الحيوية biosystématique التي تدخل في التصنيف عدداً من الطرائق والمعايير.
وقد استعملت في التصانيف المعاصرة طرائق رياضية وجهت إليها بعض الانتقادات الذاتية subjective التي أهملت المعايير المورفولوجية والتشريحية ولتُضاف إليها بعض التقويمات الإضافية المستمدة من الدراسات الصبغية الكروموزمية والكيمياء الحيوية وعلم المصول Sérologie.
دور علم النبات
لا يُعَدُّ علم النبات اليوم علماً منفرداً، بل أصبح يمثل مجموعة من العلوم الآخذة بالتوسع والانتشار. فعلم النبات شديد الصلة بالحياة الإنسانية عبر القرون المتتابعة، رابطاً بين العلوم الطبية والرياضية. وهو يشهد اليوم منطلقات مرتبطة بمجالات كثيرة مثل الضوء والكيمياء والميكانيك والإلكترونيات في اختصاصات مترابط بعضها ببعض.
فالتزايد الهائل لعدد سكان الأرض يهدد بنضوب مواردها الغذائية، وتراجع مساحات أراضيها الزراعية، وزيادة أراضيها المتصحرة.هذه البشرية ـ مهما تقدمت تكنولوجياً ـ ليس لها مصدر يمدّها بالحياة غير العالم النباتي القادر على تحويل الكربون المعدني إلى كربون عضوي الذي يمثل المصدر الرئيس لتغذية عالمي الحيوان والإنسان.
والحق يقال: إن المعرفة المعمقة للنبات وطرائق حياته، وتعرف متطلباته الغذائية، لابدّ أن تقود إلى تحسين مردود الإنتاج الزراعي وإلى الاستفادة من مواقع الصحارى والبوادي. كما أن التوسع في الاستفادة من معطيات التنوع النباتي بما فيه الأنواع الطحلبية، وحماية الموارد الطبيعية، وإقامة المحميات [ر]، وإقامة جمعيات وطنية ودولية تعمل على حفظ الموارد النباتية تصب جميعها في تطور علم النبات. كما أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ومنظمة الزراعة والتغذية (فاو) FAO تتوجهان في برامجهما المختلفة نحو الحفاظ على التوازن الحيوي الهش الذي يهدد وجود الحياة النباتية فوق كرتنا الأرضية.
أنور الخطيب
مراجع للاستزادة: |
- Strasburger Textbook of Botany.( Longman, London and New York 1980).
- التصنيف : علم الحياة( الحيوان و النبات) - النوع : علوم - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 402 مشاركة :