السحر
سحر
Magic - Magie
السحر
يثير موضوع السحر la magieاهتمام العديد من الباحثين والمفكرين والأنثروبولوجيين، إضافة إلى اهتمام العامة من الناس به، وغالباً ما يلجأ إليه الإنسان لقوة اعتقاده به وإيمانه بأن منظومة روحية متماسكة تحكم سيرورة العالم وتغيراته، ويزداد الاعتقاد بالسحر قوة عندما يقف الإنسان عاجزاً عن تفسير ظواهر الكون والطبيعة، إضافة إلى كونه راغباً في السيطرة عليها.
والسحر بالتعريف هو فن الخداع الذي يؤدي إلى ظهور ما يخالف القواعد والقوانين الطبيعية، فالساحر أو المشعوذ يلجأ إلى أساليب وآليات للإثارة والإيحاء والإيهام، ويرتبط نجاحه باستخدام مجموعة من المبادئ النفسية كالإيحاء، والتقليد، والنفاق، في الوقت الذي يوجه الآخرون أنظارهم نحو ما يبدو لهم من مظاهر، أكثر مما يفكرون بآليات السلوك نفسه، وتعد ممارسة السحر من الممارسات القديمة في تاريخ البشر، فقد ظهر السحر في مصر منذ خمسة آلاف عام تقريباً (عام 2700 قبل الميلاد).
ويستعين العاملون في السحر غالباً بجملة من الأدوات التي تساعد على السيطرة على الآخرين تبعاً لمستويات ثقافتهم ومعارفهم، ومن تلك الأدوات الرقي، والتعاويذ والحجب.
أما الرقي، فهي من فعل رقى، ومعناها الاستعانة بقوى غيبية فوق الطبيعة، للحصول على أمر نافع أ و ضار، ولا تختلف التعاويذ عن الرقى إلا في كونها وسائل دفاعية يستخدمها المرء نفسه بإرشاد وتوجيه من يمارس السحر، ويأخذ بقراءتها بين حين وآخر، تبعاً للبرنامج الذي يقترحه الساحر، أما الحجـب، وهي من فعل حجب أي حمى ووقى، وهي ورقة تكتب عليها كلمات غير مفهومة أو آيات قرآنية أو طلاسم يحملها الشخص، وغالباً ما تكون مكتوبة على ورقة مستقلة، وتستخدم إما لإبعاد تأثير السحر وإضعاف مفعوله أو لضمان تأثيره وتحقيق غاياته.
وتعد مصداقية السحر في الثقافة العربية الدينية واحدة من العوامل التي تدفع عدداً من الأفراد إلى الاعتقاد به واللجوء إليه في معالجة المشكلات التي يعجزون عن معالجتها، فلا تنطوي نصوص العقيدة الدينية على أي من الدلالات التي تنفي مصداقية السحر، وفي القرآن الكريم ما يفيد بأن ممارسة السحر ممكنة، بصرف النظر عن القيمة الأخلاقية لهذه الممارسة، ولهذا السبب لا يعد الاعتقاد بالسحر مخالفاً لأحكام العقيدة الإسلامية، بقدر ما تعد ممارسته كذلك، وقد وردت كلمة السحر مع مشتقاتها في القرآن الكريم ثلاثاً وستين مرة، يصف بعضها السحرة بقدرتهم على التأثير في غيرهم، كما هي الحال في سورة البقرة (الآية 102) قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُليْمانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَروا يُعَلِّمُون النَّاسَ السِّحْر وما أَنزِل على الملَكَيْن بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَاروتَ}، وقوله تعالى: {فَيَتَعلَّمُون مِنْهُما مايُفَرِقُون بِهِ بَينَ المَرْءِ وَزَوْجِه وَمَا هُم ِبضارينَ ِبِه ِمن أَحَدْ إلا بإذْنِ اللَّهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُم ولا يَنْفَعُهُمْ}، ويأتي بعضها الآخر في سياق وصف المكذبين للرسالات السماوية على أنها نوع من أنواع السحر الذي ينطوي على الإيهام، كما جاء في سورة سبأ (الآية 43) قوله تعالى: {وَقَال الذِينَ كَفَروا لِلْحَق لمّا جَاءَهُم إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينْ}.
وقد استقطب موضوع السحر اهتمامات المفكرين والباحثين في علوم مختلفة، كالأنثروبولوجية، وعلم الاجتماع وعلم النفس، وغيرها، وتظهر في هذا السياق أعمال كل من جيمس فريزر، وبرنسلاف مالينوفسكي، وسيغموند فرويد، وكولن ولسون، وتعد من اكثر الدراسات المعنية بالسحر شهرة.
وقد عرض فريزر في دراسته الموسعة لموضوع السحر الكثير من التفاصيل في نظرته إلى السحر، ويبرز رأيه في كثير من الأمثلة التي يستمدها من كل أنحاء العالم، مشيراً إلى المبدأين الذين يقوم عليهما السحر وهما: مبدأ التشابه، أي أن الساحر باستطاعته إحداث أي تأثير يرغب فيه عن طريق محاكاته، بمعنى الشبيه ينتج الشبيه، ومبدأ الاتصال أو التأثير بالعدوى: أي استمرار التأثير المتبادل بين الأشياء المتصلة حتى بعد انفصالها، وقد حدد فريزر مراحل التطور التي مرت بها البشرية على أساس وجهات نظر الإنسان المختلفة للعالم (السحر، الدين، العلم).
أما برونسلاف مالينوفسكي فهو يتحرى موضوعات العلم والسحر والدين، ويتقصى وجهات نظر بعض العلماء حول هذه الموضوعات، وتكشف الدراسة عن محاور عدة، لعل أهمها أن المعرفة العلمية هي القاسم المشترك بين جميع الشعوب،من أكثرها بدائية حتى أكثرها تحضراً، كما أن السحر والدين هما السبيل الذي اتبعه الإنسان البدائي ليصالح نفسه مع الطبيعة، ويسخرها لخدمته، وهما السبيلان لجعل العلم حياً ومقبولاً.
وأخذ سيغموند فرويد بدراسة السحر في سياق دراسته لنظم المحرمات، فتناول أربع قضايا تتجلى في التهيب من سفاح القربى والتابو وازدواجية الانفعالات العاطفية، وطغيان الأفكار والعودة الطفولية للطوطمية، وتشير الدراسة إلى أن أول أساليب النظام الاجتماعي في القبائل البدائية هو أسلوب اتحدت فيه بدايات النظام الاجتماعي بدين ساذج وسيطرة صارمة للسحر ونواهي التابو [ر.المحرم].
كما يهدف كولن ولسون إلى التعريف بالسحر وتاريخه من مناقشته لعملية التقدم والارتقاء، ونظر إلى السحر على أنه نوع من الأماني التي حلت محل التفكير، ويستطيع الإنسان بإيمانه واعتقاده به ولجوئه إلى ممارسته عن طريق قوى خارقة للطبيعة أن يحقق أمانيه العصية، وهو بذلك ليس سوى طريقة للهروب من ضيق الحياة اليومية. وفي سياق الدراسة يُلاحظ تطرقٌ للعمليات السحرية المتعلقة بالأصل الجنسي للخوف من الساحرات اللواتي يتربصن بالرجال البحارة ويلتهمن أجسادهم.
وفي المجتمع العربي، يقدم محمد الجوهري دراسة مستفيضة عن السحر في سياق دراسته للمعتقدات الشعبية، وتعد دراسته دليل عمل مقدمة للباحثين في مجال علم الاجتماع والأنثروبولوجية والمهتمين بدراسة المعتقدات الشعبية وما يتعلق بها، وتضمن هذا الدليل فيما يخص السحر أسئلة عامة تدور حول هذا الموضوع وعلاقة السحرة بالكائنات فوق الطبيعية، ويبين أن أهم أركان العملية السحرية تتمثل بالساحر، والأشخاص ذوي القدرة السحرية، والأفعال السحرية، والكلمة، والمواد ذات القوى السحرية الخاصة، والحمائل وغيرها، وتضيف الدراسة إلى الدراسات السابقة أن الإنسان لم يلجأ إلى السحر للسيطرة على الطبيعة فحسب، وإنما استخدمه في الكشف عن الغيب، وفي حفظ الثروة، وزيادة الفهم وتقوية الذاكرة وجلب الحظ، وجلب الغائب.
وفي الوقت الراهن، وعلى الرغم من التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها الإنسان، ومع ما توصل إليه من معارف وعلوم تساعده على الكشف عن خفايا كثيرة كان يشعر بها، يلاحظ أن عدداً كبيراً من الأفراد ما يزال يميل إلى الاعتماد على السحر في معالجة مشكلاته وقضاياه الاجتماعية، وخاصة تلك التي يشعر بعجزه عن مجابهتها.
كما أن اللجوء إلى السحر يظهر أيضاً انتشار الاعتقاد به في الوسط الاجتماعي، المحيط بالفاعل، وبارتفاع عدد الأفراد الذين يجدون في السحر ضالتهم المنشودة، فيزداد الاعتقاد به بين مجموعة الأفراد الذين يتصفون بالعوامل الشخصية التي تؤهلهم لذلك من جهة، ومع صعوبة المشكلات التي يعجزون عن معالجتها من جهة ثانية. وبذلك فإن الاعتقاد بالسحر مبني على ثلاث اعتبارات أساسية، أولها الصفات التي تميز الأفراد وتؤهلهم للاعتقاد بالسحر، والثاني صعوبة المشكلات والتحديات التي تجابههم، والثالث وجود مجموعة من الأفراد الذين يعتقدون بقوة السحر وفعاليته في الحياة الاجتماعية، أي انتشاره في الوسط الثقافي المعني بالقدر الذي يجعل ممارسة السحر مشروعة ومقبولة اجتماعياً.
هند العقيبة
مراجع للاستزادة: |
ـ برونسلاف مالينوفسكي، السحر، والعلم والدين، ترجمة محمد الجورا (دار الحوار، اللاذقية 1995).
ـ محمد الجوهري، الدراسة العلمية للمعتقدات الشعبية (دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة 1983).
- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 759 مشاركة :