طوايف (ملوك)
Kings of Tawa'if - Tawa'if

الطوائف (ملوك ـ)

 

ملوك الطوائف هم حكام الدويلات المتعددة، التي ظهرت بالأندلس غداة سقوط الخلافة الأموية هناك، وهي دويلات بقيت طوال حياتها غير متجانسة على الصعد كافة، وهذا ما يدفع إلى القول: إنه إذا كان عصر الخلافة الأموية الميمون بالأندلس، قد عُدَّ من أزهى العصور العربية في العصور الوسطى، فإن عصر دويلات الطوائف، كان من أسوأ العصور العربية على الإطلاق، وذلك لأن وحدة الأندلس قد ضربت في العمق، وتجزأت البلاد إلى عدد كبير من الدويلات على أساس طائفي وعرقي وقبلي وإقليمي وما إلى ذلك، وهذا سبب تسمية هذه الدويلات بدويلات الطوائف، وعاد نشاط حركة الاسترداد الوطنية الإسبانية بما لم يُعهد في المدَّة السابقة، فقد استطاع قادة هذه الحركة أن يسيطروا على الساحة العامة بالأندلس، وينطلقوا إلى مرحلة متقدمة في تاريخ حركتهم، حينما استغلوا حالة الانقسام بالأندلس، ففرضوا شروطاً على ملوك دويلات الطوائف كانت برمتها شروطاً مذلة ومهينة، وكان من أشدها إيلاماً وأذية، تلك التي تمثلت بفرض الجزية السنوية على ملوكها كلِّهم، الذين لم يستطيعوا أن يرفضوا أو يعترضوا على هذه الشروط، أوأن يناقشوا الطرف الإسباني فيما يخص مقدارها وطريقة تأديتها.

وعلى الرغم من كثرة ملوك دويلات الطوائف بالأندلس، فإنهم كانوا يخضعون عملياً لإرادة ثلاثة من الأحزاب الكبيرة، التي حاول كل منها أن يستأثر بحكم الأندلس، وهي:حزب أهل الأندلس، وهم الذين سكنوا الأندلس منذ فترة طويلة، وتأثروا بمرور الزمن بالحياة الإسبانية وأصبحوا أندلسيين، وغالبيتهم من المشرق العربي والمغرب أو من صقلية أو من إسبانيا نفسها، وكانوا يعرفون بأهل الجماعة. ومن هؤلاء بنو عباد بإشبيلية، وبنو جهور بقرطبة، وبنو هود بسرقسطة (الثغر الأعلى)، وبنو صمادح بالمرية، وبنو برزال بقرمونة إلى غير ذلك، ثم حزب المغاربة الذين جاؤوا من المغرب الكبير.في عصر المنصور محمد بن أبي عامر، أحد الحكام الأقوياء في عصر الخلافة بالأندلس، إذ كان يعتمد عليهم كثيرا،ً ومن أهم زعامة هذا الحزب، بنو زيري الذين سيطروا على غرناطة، وبنو حمود الأدارسة العلويين، الذين انتقلوا من المغرب الأقصى، واشتركوا في خلافات الأندلسيين، وتمكنوا في بداية أمرهم من السيطرة على مالقة بقيادة علي بن حمود، الذي وصل إلى قرطبة، وتمكن من قتل الخليفة المستعين الأموي سليمان بن الحكم بن عبد الرحمن سنة 407هـ/1017م، وأعلن عن قيام دولة الحموديين بمالقة، أما الحزب الثالث فقد تمثل بالصقالبة، الذين سيطروا على شرقي الأندلس، وعُرفَت دويلتهم بدويلة العامريين، لأن عناصرها كانوا من الصقالبة التابعين للمنصور محمد بن أبي عامر سابق الذكر، وقد استقلوا بحكم دانية وجزر الباليار.

في أثناء الفتنة التي عصفت بالخلافة الأموية بالأندلس؛ حاول الحزب الأول بقيادة بني عباد أن يقنع الناس في قرطبة وغيرها بأن الخليفة الأموي هشام المؤيد المحجور عليه من قبل المنصور محمد بن أبي عامر وأولاده، ما زال على قيد الحياة، فجاؤوا برجل يشبهه وأعلنوا أنه الخليفة، وظل ذلك قائماً حتى سنة 455هـ/1063م، حينما أعلن المعتضد عباد نبأ وفاته، وأظهر للناس أن الخليفة المتوفى هو الذي أوصى بإمارته على الأندلس، وحاول الحزب الثاني بقيادة الحموديين أن يستأثر بخلافة قرطبة، لكن الأمر لم يتم، فلجأ إلى مناطق الجنوب مثل مالقة والجزيرة الخضراء، ولم يطل ملك الحموديين في هذه المناطق، فقد سيطر العباديون على الجزيرة الخضراء، وسيطر الزيريون على مالقة. أما الحزب الصقلبي فقد حاول زعماؤه، أن يحيوا الخلافة الأموية من جديد في ممالكهم، حينما نُصِّب مجاهدُ العامري خليفة في دانية وجزر الباليار، قيل إنه من قريش، يعود بنسبه إلى الأمويين، وهذا الخليفة هو أبو عبد الله بن الوليد المعيطي، الذي عرف بلقب المنتصر بالله، لكنه لم يستمر طويلاً في الخلافة، فقد طرده العامريون الصقالبة لأسباب تتعلق بالسلطة والسيادة، فلجأ إلى المغرب.

كان الحكَّام من زعماء هذه الأحزاب، يقلدون الخلفاء العباسيين والفاطميين في أساليب حياتهم وفي ألقاب الخلافة، حتى قال فيهم ابن رشيق القيرواني:

مما يزهّدني في أرض أندلس

أسماءُ مُعْتَمِد فيها ومُعْتَضِدِ

ألقابُ مملكةٍ في غيرِ موضِعها

كالهرِّ يحكي انتفاخاً صورة الأسدِ

وأهم دويلات ملوك الطوائف بالأندلس، دويلة بني عباد بإشبيلية، الذين حاولوا السيطرة على بقية الدويلات المجاورة، وخاصة قرطبة إضافة إلى منطقتهم الرئيسة، وهي المنطقة الغربية من الأندلس حتى الجزيرة الخضراء، ومن أهم ملوكهم المعتضد عبّاد وابنه المُعْتَمِد بن عباد، ودويلة بني جهور بقرطبة، الذين حاولوا الترفُّع عن الطائفية والإقليمية باعتماد سياسة المرونة والمنفعة المشتركة والحيادية المطلقة، ومع ذلك فإنهم لم يتمكنوا من المحافظة على استقلال دويلتهم بقرطبة، فسقطت في أيدي بني عبّاد أصحاب إشبيلية، ومن أهم ملوكهم أبو الحزم جَهْوَرُ بن محمد بن جهور، وابنه أبو الوليد، ودويلة بني ذي النون بالثغر الأوسط (طُلَيطلة)، التي امتدت على رقعة واسعة من الأرض في أعالي وادي التاجه ووادي آنة، ومن أهم ملوكهم إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذي النون وابنه يحيى، والقادر بن ذي النون وهو حفيد يحيى، ولم تكن مدة حكم هؤلاء مستقرة بسبب التنافس على الحكم، مما أدى ببعضهم إلى اللجوء إلى الطرف الإسباني لطلب العون والمساندة، ودويلة بني تُجيُب بالثغر الأعلى (سَرَقُسْطَة)، التي تشبه دويلة بني ذي النون من حيث عدم الاستقرار واللجوء إلى طلب العون من الإسبان، الأمر الذي مكّن بني هود من السيطرة على أملاكهم سنة 431هـ/1040م، ودويلة بني الأفطس بالثغر الأدنى (بطليوس)، وقد سيطروا على المناطق المجاورة مثل لَشْبونة وقَلْمَرِيّة وشَنْتَرِيْنَ، ودويلة بني زِيري بغَرناطة، التي كانت من أهم دويلات الطوائف بالأندلس بعد إشبيلية، وقد تميز حكام هذه الدويلة باعتمادهم على اليهود في إدارة دويلتهم ودويلات العامريين بشرقي الأندلس، وهي دويلات تميزت بعدائها للعرب، وشغلت الدور نفسه، الذي شغلته القوى الشعوبية في العصر العباسي الأول، فقد شجعت هذه الدويلات كل الحاقدين على العرب، ودعمتهم بالوسائل كلَّها لضرب وجودهم وثقافتهم بالأندلس، هذا إضافة إلى دويلة بني صمادح بالمرية وتجمعات هزيلة أخرى.

جسدت هذه الدويلات الهزيلة واقعاً خطيراً ساعد على تقوية حركة الاسترداد الإسبانية، ووصلت من القوة والتحكم في مصير الأندلس إلى درجة، أيقن قادتها عندها أن الوجود العربي بالأندلس، أوشك على النهاية، وهي حقيقة اقتنع بها المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، الذي كان يمثل عنصر القوة من بين ملوك الطوائف بالأندلس، فتوجه في الوقت المناسب إلى طلب النجدة من المرابطين الذين استطاعوا أن يضعوا وحدة جديدة للمغرب الكبير، وأن يظهروا قوة حقيقية لها أثرها في المنطقة، وخاصة في عصر يوسف بن تاشفين، الذي حظي بتأييد المغاربة ومناصرتهم. وكان سقوط طليطلة سنة 478هـ/ 1085م في أيدي الإسبان من بين الأسباب التي جعلت ابن عباد يطلب المساندة المغربية، إضافة إلى وجود ألفونسو السادس على قيادة حركة الاسترداد الإسبانية، وهو رجل كان يشتعل حماساً واندفاعاً لتحقيق مشروعه القومي الكبير الذي أخذ على عاتقه استرداد كل إسبانيا من العرب، وكان يزيد من حماسه واندفاعه، وقوف مجموعة (نظام كلوني الكنسي) إلى جانبه، وهي مجموعة متعصبة كانت تقيم في جنوبي فرنسا، وقد صور الشاعر الطُليطلي أبو محمد عبد الله بن فرج اليحصبي المعروف بابن العسال حال العرب في الأندلس وما يهدد وجودهم فيها من مخاطر محذراً وناصحاً بالهجرة إلى بلدان أخرى حينما قال:

شدّوا رواحلَكم يا أهلَ أندلس

فما المقامُ بها إلاَّ من الغَلَطِ

الثَّوب ينسلُّ من أطرافه وأرى

ثوبَ الجزيرة منسولاً من الوسطِ

مضى المعتمد بن عباد في طلب النجدة من المرابطين، رغم المقربين الذين نصحوه بترك الإقدام على هذه الخطوة خوفاً من السيطرة المرابطية على الأندلس، لكن المعتمد بن عباد لم يأبه بهذه النصائح، لأنه كان يعرف أن الإسبان بقيادة ألفونسو السادس، سيتمكنون من دخول الأندلس والسيطرة عليها، ففضل السيطرة المرابطية العربية على السيطرة الإسبانية، وهذا موقف يُحْتَسَبُ لابن عباد، عبر عنه بقوله:

«الأفضل أن أكون راعي جمال في المغرب من أن أكون راعي خنازير بقشتالة».

استجاب القائد المرابطي يوسف بن تاشفين لطلب ابن عباد، على الرغم من أن ألفونسو السادس أرسل إليه كتاب تهديد ووعيد، فرد عليه ابن تاشفين: «أما بعد فإن الجواب ما تراه بعينيك لا ما تسمعه بإذنك والسلام». وقد حرص ابن تاشفين على أن يكون على رأس القوة المغربية، التي دخلت الأندلس سنة 479هـ/1086م، وحين وصلت هذه القوة إلى الأندلس انضم إليها عدد من ملوك الطوائف، كان في طليعتهم المعتمد بن عباد والمتوكل بن الأفطس، ومن انضم إليهم من المقاتلين، وسارت هذه القوات بسرعة نحو بطليوس، والتقت مع قوات ألفونسو السادس في الناحية الشمالية منها الذي توجه إليها مسرعاً من سرقسطة، وجرت بين الطرفين معركة في سهل الزلاقة، الذي يٌعرف اليوم بالإسبانية بـ Sagrajas في 12رجب 479هـ (23/10/1068م). وتمكن المغاربة المرابطون بمن معهم من الأندلسيين من إلحاق هزيمة كبيرة بجيوش ألفونسو السادس، الذي انسحب إلى طليطلة، وبهذا النصر المؤزر، تكون الأندلس العربية قد نجت من سقوط كان محتماً في ظل حكم ملوك الطوائف، الذين تعززت مكانتهم بعد أن تخلصوا من العبودية، التي فرضها عليهم بالقوة ألفونسو السادس، والتي تجلت بفرض جزية سنوية على كل دويلات الطوائف دون استثناء.

لم يستفد حكام تلك الدويلات من هذه العبرة فلم ينزعوا إلى التعاون والتعاضد ونسيان ما كان بينهم من خلافات ومنافسات، وسرعان ما عادوا إلى حالتهم السابقة، التي حفلت بالمساوئ والهزائم على كل صعيد، فلم يكن أمام يوسف بن تاشفين إلا العودة السريعة إلى الأندلس، ووَضْع حل لهذا الواقع المضطرب.

كان من أهم الأسباب التي جعلت ابن تاشفين يقرر القضاء على هذه الدويلات وملوُكها، اقتناعه بأن هؤلاء الملوك لن يكون باستطاعتهم، أن يحموا الأندلس من السقوط أمام حركة الاسترداد الإسبانية النشيطة، ذلك لأن هؤلاء الملوك لم تكن تهمهم مصالح شعوبهم وأوطانهم، بقدر ما تعنيهم مصالحهم الفردية الضيقة، إضافة إلى ما اشتجر بينهم من التحاسد والغيرة والتنافس. وقد صور لسان الدين بن الخطيب هذه الحالة المأساوية بقوله: «وجعل الله بين أولئك الأمراء ملوك الطوائف من التحاسد والتنافس والغيرة ما لم يجعله بين الضرائر المترفات والعشائر المتغايرات، فلم تتصل لهم في الله يد، ولا تنشأ لهم على التعاضد عزم». أما عن جبن هؤلاء الملوك وتقاعسهم عن ملاقاة عدوهم فقد عبر عنه ابن عذاري حينما قال: «وصب الله تعالى على أهل الثغور من الجبن عن العدو ما لا كفاء له، فلا يكاد أحد منهم يلقى نصرانياً في قرار من الأرض إلا ويوليه الدبر غير مستحي من الله سبحانه من الفرار أمامه حتى تعوّد أعداء الله ذلك منهم».

هذا كلُّه كان حافزاً قوياً جعل المرابطين يسعون إلى استئصال هذه الدويلات التي دلّ عصرها على أنه من أضعف العصور العربية في الأندلس فكان لابد من القضاء عليها، وإنهاء واقعها المرّ. وهذا مافعله ابن تاشفين حينما استولى على الأندلس وضمها إلى سلطانه لتصبح مع المغربين الأقصى والأوسط دولة واحدة أعاقت خطط الإسبان إلى حين.

علي أحمد

الموضوعات ذات الصلة:

 

الأندلس.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد خالد الناصري، الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى (دار الكتاب، الدار البيضاء 1954).

ـ ابن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب (تطوان 1956).

ـ علي ابن بسام الشنتريني، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (مصر 1364هـ).

ـ أحمد بن محمد المقري، نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب، تحقيق احسان عباس (دار صادر، بيروت 1968).

 


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 632 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة