درويش (اسرة-)
درويش (اسره)
The Darwish - Les Darwich
درويش (أسرة -)
الشيخ علي الدرويش (1884-1952م)
الشيخ علي الدرويش موسيقي عربي سوري ولد وتوفي في حلب. اكتسب لقب «الدرويش» لأن والده إبراهيم كان قد انتظم في سلك الطريقة المولوية التي يعتمر دراويشها الكولاه (وهو طربوش طويل من اللباد). واكتسبت العائلة اسم «المصري» لأن جده قدم مع جيش إبراهيم باشا المصري، واستقر في حلب بعد جلاء الجيش المصري عن سورية.
أخذ والد علي الدرويش، صانع الأنوال اليدوية، الطريقة المولوية عن أبيه، و علمها لابنه علي وقدمه إلى «الملاّخانة» عامل جلبي شيخ التكية المولوية بحلب. وكانت التكية المولوية مؤسسة دينية لتهذيب الروح والسلوك وتعليم الموسيقى والإنشاد. وهناك تلقى علي الدرويش علومه الموسيقية الأولى، ومهـر بالعـزف على النـاي[ر]، وعهد إليه بمهمة الأذان، ثم صار رئيساً لجماعة الموسيقيين والمنشدين. وكان يوسع دائرة معارفه الموسيقية بالتردد على أساتذة الموسيقى والإنشاد والغناء ورقص السماح في حلب أمثال الشيخ أحمد عقيل والشيخ صالح الجذبة.
في عام 1912، لبى الدرويش دعوة للعمل في المحمرة (عربستان) من أميرها الشيخ خزعل، فشكل فرقة موسيقية كان من بين أعضائها الموسيقي السوري عمر البطش[ر]، وظل فيها حتى عام 1914. وهناك، أتيح له أن يدرس عن قرب الموسيقى والأغاني الفارسية والهندية، والموسيقى العراقية ومدى تأثرها بالموسيقى الآشورية والفارسية، وحفاظها على تراث الموسيقى العربية في العهد العباسي. وعندما عاد إلى حلب انتظم ثانية في الفرقة الموسيقية للتكية المولوية عازفاً على الناي. ثم تقدم إلى مسابقة للتدريس طالباً تعيينه في قسطموني (شمال غربي تركية) على البحر الأسود، وكان قد سبقه إليها أستاذه عامل جلبي. وهناك، عمل مدرساً في المدارس السلطانية «الثانوية»، والميتم الإسلامي، ودار المعلمين، واتصل بالتكية المولوية، وشكل فرقة خشبية ونحاسية نفخية[ر. الآلات الموسيقية] كانت الأولى في المراسم والحفلات.
وفي محاولة للتوفيق بين الدراسة والتدريس، انتسب إلى معهد دار الألحان في اصطنبول ودرس على يد الأساتذة رؤوف يكتابك، وإسماعيل حقي، وعلي صلاحي. وبدأ بتأليف كتابه «النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية» مستفيداً من مؤلفات ومكتبة رؤوف، ومكتبة نور عثمان، ومكتبة المولوية في بني قبو. وفي قسطموني، تزوج فتاة تركية وأهداها موشحه «مائس الأعطاف».
قضى الدرويش تسع سنوات في قسطموني حدثت فيها تغيرات سياسية واجتماعية في سورية. فقد انتهت الحرب العالمية الأولى وأعلن الحكم العربي، في سورية، الذي لم يدم طويلاً إذ دخلت القوات الفرنسية إليها انتداباً، واندلعت الثورات الوطنية فيها.
عاد إلى حلب وعكف على جمع التراث الموسيقي وإحيائه. ولحن الكثير من الأغاني والموشحات والأناشيد الوطنية. وكتب البشارف والسماعيات[ر.الموسيقى العربية]. ودعي للإشراف على القسم الموسيقي في نادي الصنائع النفيسة.
ألّف في عام 1924 فرقة موسيقية دعيت إلى اصطنبول، وقدمت عدداً من الموشحات الحلبية والأندلسية والمقطوعات الموسيقية ومنها : «سماعي عجم عشيران»، وموشح «آه من نار جفاهم والصدود» وهما من ألحانه. وهناك جدد الصلة بأساتذته، والتقى الموسيقي التركي جميل الطنبوري، والملحن المولوي - عازف الناي - عزيز دده. وبعد ستة أشهر عاد مع فرقته إلى حلب لمواصلة تقديم الأعمال الموسيقية.
تلقى الدرويش في عام 1927 دعوة من الملك فؤاد، في مصر، للتدريس في معهد الموسيقى الشرقية بالقاهرة، فلبى الدعوة ووقع عقداً لتدريس كتابه «النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية». ودرس على يده كبار الملحنين والموسيقيين المصريين مثل رياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب (الذي تلقى على يده أولى مبادئ التدوين الموسيقي)، وعزيز صادق، كما أخذت عنه أم كلثوم. وبتكليف من المعهد، دوّن عدداً من الموشحات والأدوار الموسيقية. كما اتفق مع شركتي بيضافون وغراموفون للأسطوانات، لتسجيل منتخبات من موسيقاه وألحانه. و تعرّف، هناك، على الباحث الموسيقي الإنكليزي المستشرق رودولف ديرلانجيه R.D’erlanger الذي دعاه إلى زيارته في مسكنه بضاحية سيدي بوسعيد بتونس. وهناك اطلع على مكتبته التي تضم الكثير من المخطوطات الموسيقية العربية والشرقية، مثل مخطوطة «الموسيقي الكبير» للفارابي فنقلها وذيلها بتعليقاته، و«الأدوار» لصفي الدين عبد المؤمن الأرموي. وعاد إلى مصر ملبياً الدعوة للمشاركة في أعمال مؤتمر الموسيقى العربية الأول بالقاهرة (عام 1932). ثم عاد إلى تونس للتدريس في المعهد الرشيدي للموسيقى التونسية التراثية، وتخرج على يده كبار الموسيقيين أمثال صالح المهدي. وتابع الدرويش رحلة العمل مع البارون ديرلانجيه في البحث عن الألحان والمؤلفات الموسيقية الأندلسية، وكانا يتجولان في شمالي إفريقية يدونان الألحان من أفواه المنشدين والفرق الموسيقية، والتسجيلات الموجودة فيها. وقد جمعا 14 نوبة أندلسية، و20 ملحقاً لها وبعض الموشحات.
أدخل الدرويش القوالب الغنائية الشرقية إلى تونس إذ كانت النوبة الأندلسية شائعة فيها. وتقديراً لجهوده، منحه باي تونس وسام الافتخار. وعندما بدأت نذر الحرب العالمية الثانية، وبعد وفاة زميله ديرلانجيه، عاد إلى حلب عام 1939، وظل حتى عام 1941 يتابع أبحاثه ويكتب مقالات في مجلة الدستور. وكان قد دعي إلى إذاعة القدس، في أوائل الأربعينات، لتسجيل بعض الموشحات الأندلسية. ثم دعاه فخري البارودي[ر] إلى دمشق للتدريس في المعهد الموسيقي (التابع لوزارة الدعاية والشباب، وقتئذٍ) وصار عميداً للقسم الشرقي فيه. وبعد إغلاق المعهد عاد إلى حلب عام 1945 ليدرس في المعهد الموسيقي الذي أنشأه فؤاد رجائي[ر].
وفي عام 1946، سافر الدرويش إلى بغداد ليدرِّس في معهد الفنون الجميلة. ومع افتتاح إذاعة حلب عام 1949، كان أول المشاركين فيها، وترأس فرقتها الموسيقية إلى أن ألح عليه المرض ووافته المنية.
وفي عام 1997، كرمه مهرجان الأغنية السورية المنعقد في حلب، وقدم في الليلة الأولى من أعماله: «سماعي زنجران»، وموشح «مائس الأعطاف»، وموشح «آه من نار جفاهم والصدود»، وموشح «هل لمفتون العيون السود».
لحن الشيخ علي الدرويش 15 موشحاً، عدا الأناشيد التي لحنها في تركية، والأناشيد الوطنية، والمقطوعات الموسيقية. كما جمع حوالي 400 موشحاً منها 15 موشحاً لأبي خليل القباني[ر]. وجمع ألحان الموسيقي التركي آيين شريف المولوية في قسطموني وقونية وحلب. أما كتابه «النظريات الحقيقية» فلا يزال مخطوطاً. وتقوم مكانة الشيخ علي على إرسائه قواعد البحث العلمي، وتدوينه للعديد من الأعمال التراثية، وكونه أستاذ الموسيقى العربية الذي تخرج على يده رعيل من الفنانين قادوا النهضة الموسيقية في بلادهم.
نديم الدرويش (1926-1988)
ثاني أولاد الشيخ علي، ولد وتوفي في حلب. تلقى تعليمه الموسيقي على يد أبيه فأجاد العزف على العود، ورافقه إلى القدس لتسجيل بعض الموشحات في إذاعتها. وكان عضواً في نقابة الفنانين بحلب. عمل موظفاً في مالية حلب، ومدرساً في معهد حلب للموسيقى مدة 15 عاماً. كما دعاه فرع نقابة الفنانين بحماة ليعطي بعض الدروس في الموسيقى كل يوم ثلاثاء.
في عام 1978، كلف من قبل المعهد الدولي للموسيقى المقارنة في برلين تقديم موسيقى عربية خالصة (موشحات وقدود ولوحة العرس الحلبي)، فاستعان بمعهد حلب للموسيقى الذي كان مدرساً فيه، وبعناصر من الشبيبة، وقدم عرضين في برلين وهولندة.
ترأس نديم في إذاعة حلب، مع الموسيقي أنطوان زابيطا الفرقة الموسيقية الغنائية، وأشرف على إعداد وتسجيل جانب من التراث الموسيقي والغنائي حين كان فؤاد رجائي مديراً للإذاعة. وفي الثمانينات، كلف تصنيف التراث الموسيقي والغنائي في إذاعة حلب. وظل يقدم برنامجاً إذاعياً أسبوعياً عن هذا التراث حتى وفاته.
كان نديم مهتماً بعمل دراسات تطبيقية في التطابق بين الإيقاعين الشعري والموسيقي من غير أن يلجأ المطرب إلى تشويه العبارة بمط الحروف، أو الإفراط في الزيادات واستعمال مصطلح «الترللي». وكان يبتدع إيقاعات جديدة ليماثل الميزان الشعري. وكانت قصيدة فؤاد رجائي أولى محاولاته الإبداعية في ذلك حين تناولها بالتلحين:
في دجى الظلما أنادي
والهوى يذكي فؤادي
كان نديم يرفض بشدة المساس بالتراث، وتطوير الأغنية العربية بتطعيمها بالموسيقى الغربية. ويقول في هذا الصدد: «هذا الجديد لن يكون له علاقة بشخصيتنا، وأي تطوير يجب أن يبدأ من الكلمة أولاً ثم ترجمة معاني الكلمات. ويتم التكامل بتوليد جمل موسيقية جديدة».
لحّن نديم الدرويش عشرين موشحاً منها: «بدت لنا في طالع الإسعاد» من مقام الهزام[ر.الموسيقى العربية]. و«من لصب قد تردى في هوى الغيد الملاح» من مقام حجاز كرد، و«يا غزالاً»، و«غصن البان». كما لحن الدور مثل «يوم الوداع»، و«اصبر يا قلبي». ولحن القصيدة مثل «حسناء، وأطياف»، والأغاني الدينية مثل «لك الحمد»، والشعبية مثل «رد السلام»، والأغاني الوطنية والاسكتش مثل «رمضان في حارتنا». وقد غنى من ألحانه عدد من المطربين أمثال: صباح فخري، ومحمد خيري، وسحر. وله مؤلفات من البشارف والسماعيات مثل سماعي حجاز كار كرد.
عبد الفتاح قلعجي
الموضوعات ذات الصلة: |
سورية (الموسيقى في ـ) ـ الموسيقى العربية.
مراجع للاستزادة: |
ـ صميم الشريف، الموسيقى في سورية أعلام وتاريخ (وزارة الثقافة 1991).
ـ عدنان بن ذريل، الموسيقى في سورية 1887ـ1987 (منشورات دار طلاس 1989).
- التصنيف : الموسيقى والسينما والمسرح - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد التاسع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 255 مشاركة :