الديراني (محمد بدوي-)
ديراني (محمد بدوي)
Al-Dyrani (Mohammad Badawi-) - Al-Dyrani (Mohammad Badawi-)
الديراني (محمد بدوي -)
(1894-1967م)
ولد محمد بدوي الديراني، الشهير ببدوي الخطاط في قرية «داريا»، إحدى ضواحي دمشق، وتوفي في دمشق.
دخل المكتب (الكتّاب) في داريـا وعمره سـت سنوات، تعلم فيه مبادئ القراءة والكتابة. ولما بلغ الثانية عشرة من عمره ابتدأ حياته في الـخط بالتتلمذ على يـد الخطاط الـشهير مصطفى الـسباعي (ت 1918). ولازمه خمس سنوات أخذ عنه قواعد الخط الفارسي. ثم تتلمذ على يد الخطاط يوسف رسّا (ت 1914) الذي أرسلته الحكومة العثمانية إلى دمشق لكتابة ألواح الجامع الأموي، ولازمه بدوي أربع سنوات تعلم منه إبانها قواعد الخط الديواني والثّلث والنسخ والرقعة.
اتصل بدوي بالخطاط الشهير ممدوح الشريف وتتلمذ عليه. ولازمه في العمل سبع عشرة سنة تعلم منه فيها قواعد الخط الكوفي، والديواني الجلي، إضافة إلى الاستزادة من قواعد الخطين الثلث والنسخ. وقبل وفاة ممدوح في رمضان 1353هـ، بنحو ثماني سنوات، كان بدوي قد افتتح لنفسه مكتباً في السليمانيّة بدمشق، متخذاً الخط حرفة. ومما يجدر ذكره هنا أن الخطاط ممدوح الشريف كان أيضاً من تلاميذ الخطاط يوسف رسّا.
سـافر بدوي إلى اصطنبول في شـهر أيلول من عام 1954، ومكث فيها شهراً اطلع فيه على فرائد الخط العربي هناك، ونزل ضيفاً على الخطاط الشهير الأسـتاذ حـامد الآمدي (1891-1980). وهو من تلاميذ الخطاط الكبير نظيف (ت1912)، واستمر يكتب حتى نيف التسعين من عمره. وفي عام 1961. زار بدوي الإسكندرية فاطلع على الخط المرقوم في مساجدها، وقابل مشاهير الخطاطين فيها، وحل ضيفاً على الخطاط الكبير المرحوم محمد إبراهيم، مدير مدرسة تحسين الخطوط في الإسكندرية، ومنها سافر إلى القاهرة، ونزل فيها ضيفاً على الخطاط حسني البابا (سوري الأصل). وفي عام 1965. زار اصطنبول مرة أخرى، وهو في طريقه إلى النمسا لزيارة ولده الكبير «خالد» الذي كان يدرس الطب هناك. مكث الديراني بمكتبه في السليمانية نحو أربعين عاماً درّس في أثنائها فن الخط العربي لهواته ومحترفيه. وكان أن عقد النيّة على أن ينسخ القرآن الكريم بخطه، ولكنه لم ينجز منه سوى ثلاثين صفحة من سورة البقرة، وهذه الصفحات محفوظة عند تلميذه المجاز منه الخطاط محمد الهواري. وعندما أدّى بدوي فريضة الحج في عام 1939. قدّم للحرم النبوي الشريف، في المدينة المنورة، لوحة مذهبة هي الآية الكريمة: )يَاأيهِّا النبي إنا أرسَلنَاك شَاهداً وَمُبشّراً وَنَذيْرا(.
ومن مساجد دمشق التي كتب بدوي أسماءها، والآيات القرآنية الكريمة فيها: جامع الروضة في أبي رمانة، وجامع المنصور في المجتهد، وجامعا الثريا، وكريم الدين (الدقاق) في الميدان، وجامع المرابط في المهاجرين، وجامع الفردوس في القصاع، وغيرها من بيوت الله الطاهرة في دمشق العامرة. وقد أنجز من كتابات جامع العثمان في شارع الميسات ستة وعشرين متراً نُفِّذت بالفسيفساء فوق المحراب. ولم يمهله القدر حتى يتم بقية خطوط هذا المسجد. ومن آثاره في دمشق: الخطوط المحفورة على الرخام والخشب، والمكتوبة بالدهان والذهب على الزجاج والجدران في مبنى مجلس الشعب السوري، ومبنى لجنة مياه عين الفيجة، ووزارة العدل، وخطوط شهادات المتخرجين في جامعتي دمشق وحلب. وله كتابات ولافتات كثيرة، على أبواب الدور، والمتاجر، والمكاتب، وماكتبه من أسماء الناس والكتب يكاد لايبلغه حصر.
ومن آثاره في البلاد العربية خطّه المرقوم في جامع الخلية السعودية في بيروت. وماكلفته به غرفة التجارة الكويتية في الكويت من كتابة لافتاتها ودليلها التجاري، بأنواع عدة من الخط العربي.
وفي عام 1968، صدر مرسوم جمهوري، بعد وفاته، بمنحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، وجاء في نص براءته: «منح رئيس الجمهورية، بناءً على اقتراح مجلس الوزراء، الفنان الخطاط المرحوم بدوي الديراني الدمشقي، وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، بالمرسوم: 2320،تاريخ
26/10/1968. وقد قُدّم هذا الوسام وبراءته لأبناء المرحوم في حفل رسمي، بحضور عدد من كبار المسؤولين في وزارة الثقافة والإرشاد القومي. وأقامت مديرية الفنون الجميلة الذكرى الأولى لوفاته، تحت رعاية وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي في الجمهورية العربية السورية، معرضاً افتتح مساء يوم الاثنين 23 أيلول 1968. في قاعة العرض في المتحف الوطني بدمشق، إحياءً وتخليداً لذكراه، استمر أسبوعاً. وقد ضم ذلك المعرض جناحاً خاصاً بالخطاطين السوريين المعاصرين، ثم نقل المعرض نفسه إلى مدينة حلب واستمر عرضه فيها أسبوعين.
درّس بدوي عدداً كبيراً من التلاميذ، وتأثر بأسلوبه عدد لايحصى من خطاطي العالم الإسلامي، فقد حمل رسالته السامية وسلّمها إلى الأجيال القادمة بكل حرص وإخلاص، فكان من تلامذته الخطاط «محمود الهواري» الذي لازمه حتى نهاية حياته، تلميذاً ومساعداً ومنفذاً لكثير من أعماله بأمانة نادرة، إضافة إلى خطاطين آخرين مثل: «زهير منيني» و«عبد الرزاق قصيباتي» و«محمد الزرزور» و«أحمد المفتي» و«عبده لطف»، و«إبراهيم الحلبي الرفاعي» من حلب، و«هادي» من حمص، و«أديب نشابة» و«كامل البابا» من لبنان، ومن العراق «محمد أمين اليمني البغدادي». أما تلامذته من مشاهير الكتاب والأدباء فكان منهم الشاعر «نزار قباني»، والمحامي الأديب «نجاة قصاب حسن» والأديب «شاكر مصطفى» والأديب الإعلامي «ياسر المالح».
أسس بدوي مدرسة شامية في خط التعليق (الفارسي) فجدد الحروف وشذبها، ونمق القواعد، وأظهر الموازين بدقة عالية والنسب بانسجام فريد، وأخذ ألطف الحروف وأعطاها طابعاً دمشقياً، منطلقاً من البساطة والوضوح مبتعداً عن التنافر والمبالغة، وفي ذلك قال الخطاط العراقي هاشم: «إن بدوي أستاذ كبير، سِحره في التناسب لا يدانيه خطاط في عالمنا الكبير، طبع شاميته على خطه، وانتقى لنفسه منهجاً تميز به عن الفُرس» تجاوز القاعدة لسلامة التذوق. ففي لوحات التعليق لبدوي يتجلى التناسق والشفافية ضمن مناخ من الجلال والنضرة، إذ فصل بين الحروف الصغيرة وجانسها مع الحروف الكبيرة، فابتعد عن صرامة الخطاطين التقليديين والتزامهم بالقواعد، وطور في حروف: «الواو - والراء - والحاء - والهاء» فوضحت وتقاربت مع بقية الحروف، وأطال في وزن بعضها، وجعل كؤوس النون والقاف والسين والشين في تناغم رسخ الأسس لأسلوب دمشقي في خط التعليق. وهو إلى جانب ذلك، ابتدع قواعد جديدة مستحدثة لحرف الميم الموصول مع الراء، وحدد حرف الهاء الصعب رسماً وخطاً، فهندسه وبسّطه ووضحه وبلغ في تطويره قمة الإبداع.
كتب الديراني خط الثلث متأثراً بخط «ممدوح الشريف» ماينوف على عشرين عاماً، وفيه تملأ العلامات والتشكيلات والفراغات، وابتكر أسلوباً امتاز بالهيبة والوقار، والبساطة والوضوح. وعد خط النسخ خطاً رديفاً مكملاً، وابتعد في الديوان عن القاعدة الغزلانية المنتشرة في مصر، وتخلى عن قواعد الأتراك في استعمالهم للحروف المدمجة، وخرج عن القاعدة في حرفي الدال والهاء الأخيرة.
محمود الببيلي
- التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد التاسع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 529 مشاركة :