الزواج
زواج
Marriage - Mariage
الزواج
يعد الزواج نظاماً اجتماعياً تتحدد فيه القيم والمعايير الناظمة لطرق تكوين الأسر بين أفراد الجماعات الإنسانية، وغالباً ما تتجلى فيه خصائص الجماعة وثقافتها وخلاصة تجربتها الحضارية، وتوليه الثقافات والعقائد الدينية منذ القديم اهتماماً كبيراً، وما من ثقافة أو حضارة إنسانية إلا وتجلت فيها أشكال للزواج وقواعد ناظمة له ارتبطت بخصوصيات هذه الثقافة وتجربتها التاريخية.
ويمكن التمييز في هذا السياق بين أشكال الزواج لدى الشعوب البدائية و القديمة، وبين أشكال الزواج كما هي في الوقت الراهن، وعلى الرغم من هذا التمييز فإن أشكالاً معاصرة من الزواج يمكن تلمس جذورها التاريخية في تجارب الشعوب البدائية والقديمة، مما يدل على أن أشكال الزواج تأتي استجابة للظروف الاجتماعية والثقافية التي تعيشها الجماعات الإنسانية، مع الاستفادة من مخزونها الثقافي والتاريخي.
عرف الإنسان أشكالاً عدة من الزواج، منها الزواج الأحاديmonogamy، والزواج القائم على تعدد الزوجاتpolygamyوالزواج القائم على تعدد الأزواج polyandry، والزواج المختلط أو الزواج الجماعي group marriage.
أما الزواج الأحادي، والذي يعد أكثر أشكال الزواج انتشاراً في الوقت الراهن، فيقوم على زواج رجل واحد فقط بامرأة واحدة أيضاً، وانتشر في مجتمعات إنسانية قديمة، كما هي الحال لدى قدماء اليونان والرومان، وقد أقرته الديانات السماوية عموماً، و المسيحية خصوصاً، وعلى الرغم من اعتماده على زواج رجل واحد بامرأة واحدة غير أنه أخذ أشكالاً عدة أيضاً ارتبطت بمشكلة الطلاق، وكيفية انحلال الزواج، ففي حين لم تجز العقيدة المسيحية الطلاق إلا في حالات محدودة جداً لاعتبارها أن العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار نظام الزواج علاقة مقدسة، ولا يجوز المساس بها في أي وجه من الوجوه، أخذت الشريعة الإسلامية بجواز الطلاق، ونظرت إلى مسألة العلاقة بين الرجل والمرأة على أنها علاقة اجتماعية محاطة بتشريع سماوي، ولهذا أجازت الطلاق عندما تتعثر الحياة الأسرية، وتلاقي الصعوبات التي تفقدها من مضمونها الاجتماعي والحياتي.
وإلى جانب ذلك، تنتشر اليوم أيضاً مظاهر الزواج القائم على تعدد الزوجات، حيث يتاح للرجل الواحد الزواج من نساء عديدات في وقت واحد، وقد عرف العرب هذا النوع من الزواج، ولم يكن عدد الزوجات محدداً، غير أن التشريع الإسلامي قضى بتحديد عدد الزوجات بالنسبة إلى الرجل الواحد وجعله أربع زوجات فقط في وقت واحد، ويأتي هذا النوع استجابة لخصوصيات التجارب التاريخية التي تخص جماعات إنسانية بعينها، فانخفاض عدد الذكور نتيجة الهجرة أحياناً، والوفاة أحياناً أخرى، وكثرة الحروب وما يترتب عليها من سقوط القتلى.. كل ذلك يؤدي إلى انخفاض عدد الرجال وارتفاع عدد النساء في المجتمع الواحد، وغالباً ما يؤدي إلى ذلك انتشار مظاهر الخلل في توزيع السكان وبناهم الوظيفية، فضلاً عن مظاهر الاضطراب الاجتماعية وارتفاع نسبة العنوسة وغيرها.. فيأتي نظام تعدد الزوجات ليستوعب المشكلة ويحول دون انتشار مظاهر الخلل المترتبة على الخلل السكاني.
ومن أشكال الزواج التي تعد من الأشكال القديمة، الزواج القائم على تعدد الأزواج حيث تعد الزوجة بمثابة الأساس الذي تقوم عليه الأسرة، كما هي الحال في جزائر المركيز (بولينيزيا)، حيث يكون للزوجة زوج واحد أصيل مع إمكانية أن يكون لها علاقات زواجية مع غيره إلا أن نسب الأبناء يعود إلى الزوج الأصيل بصرف النظر عن آبائهم الحقيقيين.
ومن أشكال الزواج القديمة أيضاً ما يسمى بالزواج الأخوي حيث يحق لكل الاخوة الذين يقيمون في مسكن واحد أن يشاركوا أخاهم في زوجته، فتصبح كل زوجة من حق كل الأزواج، غير أن هذا الشكل أصبح فيما بعد يقوم على زواج الأخ من زوجة أخيه بعد وفاته، أو الزواج من أخت زوجته بعد وفاتها.
أما في إطار نظام تعدد الأزواج أجاز «ليكورغوس» مشرع إسبرطة أن يرسل الأزواج زوجاتهم لعظماء الرجال ليستبضعوا منهم، ويحصلوا بذلك على أولاد نجباء، فحث ليكورغوس الأزواج المتقدمين في السن على البحث عن رجال شباب في مقتبل العمر يتصفون بالقوة والخلق الكريم، بغية إرسال زوجاتهم إليهم والتمتع بهم، ونظر إلى ذلك على أنه عمل فضيل يسهم في جعل النسل قوياً.
غير أن الدراسات التي تناولت موضوع تعدد الأزواج، أو الزواج المختلط لم تميز بدقة بين شرعية العلاقة التي يمكن للمرأة أن تقيمها مع رجال وبين نظام الزواج، ذلك أن مشروعية العلاقة الجنسية خارج نطاق الأسرة لاتعني بالضرورة زواجاً وخاصة إذا لم تترتب عليها أي التزامات متبادلة بين الطرفين، مما يجعل هذه العلاقة شكلاً من أشكال الانحراف الاجتماعي والأخلاقي.
وفي محور آخر تدل الدراسات على إمكانية التمييز بين نوعين من الزواج على أساس درجات قرابة الزوجين من بعضهما، وهما الزواج الداخلي والزواج الخارجي، ويراد بالأول الزواج الذي يشترط فيه أن يكون الزوجان من قبيلة واحدة أو عشيرة واحدة، بينما يراد بالزواج الخارجي إمكانية أن يكون الزوجان من قبيلتين متباعدتين، أومن مجتمعين متباعدين مكانياً وثقافياً، ومع ذلك ليس من اليسير تحديد الحدود التي تميز ما هو داخلي، وما هو خارجي، فكل عقد زواج هو في حقيقته داخلي من زاوية، وخارجي من زاوية أخرى.
ومع تزايد الانفتاح بين المجتمعات، وخاصة في المجتمعات الحديثة أخذت تظهر نظم جديدة للزواج لم تكن معروفة من قبل، وتتجدد نظم قديمة بأشكال حديثة ومعاصرة، فمن جهة أولى ظهرت في المجتمعات الأوربية نظم الزواج المدني، الذي يعد زواجاً أحادياً من حيث المبدأ، ولكنه لا يخضع للاعتبارات الثقافية والدينية بالضرورة، فكل فرد بلغ السن القانوني يستطيع اختيار شريك حياته ممن بلغ السن القانونية أيضاً، بصرف النظر عن الشروط الدينية والثقافية التي كانت منتشرة في المراحل التقليدية، ويصبح الزواج وفق هذه المعايير مسألة شخصية تتصل برضا الزوجين، من دون الأخذ في الحسبان أي شروط أخرى.
غير أن لهذا النوع مشكلاته أيضاً، ذلك أن عزل نظام الزواج عن سياقه الاجتماعي يجعل الروابط بين الزوجين ضعيفة، وقد تصبح مهددة بالتباعد النفسي الذي يؤدي إلى الانفصال والطلاق لأسباب لاتوجب الانفصال عندما يأتي الزواج في سياقه الاجتماعي.
وقد شكل التباين في نظم الزواج وتعدد أشكاله في الحضارات المختلفة عاملاً من العوامل التي دفعت العديد من المفكرين والباحثين لتناوله بوصفه موضوعاً أساسياً من موضوعات الأنثروبولوجية وعلم الاجتماع، وقدم الباحثون في هذا السياق نظريات عديدة من أبرزها النظرية الوظيفية، والتطورية، ففي حين أخذت الوظيفية بتفسير مظاهر التباين في نظم الأسرة بتباين الوظائف التي تؤديها في سياق التغيرات الاجتماعية، وتعد وظيفة التنشئة وتكييف الأبناء للنظام الاجتماعي في مقدمة هذه الوظائف، وإلى جانب ذلك تأخذ النظرية التطورية بتفسير مظاهر الاختلاف الواسعة في نظم الزواج بمراحل التطور التي شهدها المجتمع الإنساني منذ القديم وحتى اليوم، فلكل مرحلة من مراحل التطور خصائصها وسماتها التي تنعكس في نظام الزواج، وفي آلياته وأشكاله.
جلال السناد
الموضوعات ذات الصلة: |
الاجتماع (علم ـ) ـ الأسرة.
مراجع للاستزادة: |
ـ وسترمارك، قصة الزواج، ترجمة عبد المنعم الزيادي (مكتبة نهضة مصر، القاهرة 1970).
ـ سامية الساعاتي، الاختيار للزواج والتغير الاجتماعي (دار النهضة العربية، بيروت 1981).
- JU.M.Henslin, Marriage and Family in a Changing Society (1985).
- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 442 مشاركة :