logo

logo

logo

logo

logo

الخسروية (تكية وجامع-)

خسرويه (تكيه وجامع)

-

 الخسروية

الخسروية (تكية وجامع -)

 

تقع التكية الخسروية في مدينة حلب القديمة، جنوبي القلعة غير بعيدة عن بابها الرئيسي، وقد وُضع بناء الخسروية ليكون بمنزلة مجمع ديني وتعليمي يقدم مثالاً معمارياً وحضارياً يعكس الطراز العثماني الجديد، فجاء نموذجاً معمارياً مختلفاً عما سبقه من العمائر الدينية التي عرفتها مدينة حلب آنذاك.

أمر ببناء هذه التكية بما فيها من وظائف متعددة الوزير خسرو باشا سنة 951هـ/1544م، وقد كان قبل ذلك والياً على حلب في الفترة بين 938 - 941هـ/1532 - 1535م في عهد السلطان العثماني سليمان الأول القانوني. وقد ذكر ابن الحنبلي في كتابه «در الحبب» أنه أدخل في عمارتها عدة أوقاف ومدارس ومساجد؛ كالمدرسة الأسدية ومسجد ابن عنتر والدار التي عمّرها ووقفها المحب أبو الفضل ابن الشحنة، وهي إحدى دور حلب العظام؛ وغيرها. وقد ارتبط طرازها بالمعمار العظيم سنان [ر] (خوجه معمار سنان) (894 - 986هـ/1489 - 1578م) الذي يُعدّ أشهر مهندس معماري عثماني، ويعد جامع هذه التكية أثراً مهماً نظراً لطراز قبته وما تحمله من زخارف؛ إضافة إلى مئذنته التي تأخذ شكلا ًخاصاً ومميزاً.

المسقط الأفقي للتكية الخسروية

 

جاءت عمارة التكية والجامع مميزة حيث ورد وصفها في وثيقة الوقف الثالثة التي نشرها الشيخ كامل الغزي، مما يدل على عمارة هذه المدرسة ووظيفة بعض أجزائها فيقول: «هو جامع في قبليته بستان ومدفن فيه قبران [لا أثر للقبرين الآن]، وفي الجهة الشرقية ميضأة ومطهر لتغسيل الموتى؛ وست حجرات؛ وشمال هذه إسطبل للجامع، وفي الجهة الغربية مدرسة فيها عشر حجرات؛ ثمان منها للمجاورين؛ وواحدة للمدرس وأخرى للبواب، وفي الجهة الشمالية عشر حجرات معدة للضيوف، وفي شرق صحن الجامع ومن خارجه مطبخ بست قباب وكوانين وأثافي [ما يوضع عليه القدر للطهي]، وجنوباً إسطبل الجامع، وشرقاً بيت المونة المخصص للجامع [لا وجود له الآن]».

تعرضت التكية الخسروية لعدة نكبات منها حصول زلزال سنة 1٢٣٧هـ/ ١٨٢١م، كما ذهبت لاحقاً معظم أوقافها، وتداعت للخراب، وأُهمل أمر التدريس فيها، ثم أُعيد الاهتمام بها حين قام والي حلب جميل باشا بترميمها سنة ١٣٠٢هـ/١٨٨٤م، ثم تقرر توظيف كامل المبنى مدرسة فرممت، ترميماً شاملاً؛ وأعلن افتتاحها سنة١٣٤٠هـ/١٩٢١م؛ وصارت لا تعرف إلا بالمدرسة، وقد تأثر البناء مؤخراً بأضرار بالغة نتيجة الأحداث الأخيرة التي وقعت بمحيط قلعة حلب والجامع الأموي.

المبنى اليوم يتألف من مساحة كبيرة غير منتظمة الأضلاع، يحيط بها جدار حجري منحوت، يُفتح به ثلاثة أبواب محورية (شمالي وشرقي وغربي)، ويتوسط المبنى صحن كبير مستطيل الشكل مغطى بأرضية حجرية تتوسطه بركة ماء تمتد حولها حديقة مستطيلة، وتطلُّ على الصحن أربع واجهات داخلية تتوزع بها الكتل المعمارية كالآتي:

الواجهة الجنوبية: يتوسطها رواق مميز مغطى بخمس قباب نصف كروية محمولة على مثلثات كروية مقلوبة، تستند أرجلها للداخل إلى الجدار الجنوبي وللخارج إلى بائكة من خمسة عقود مدببة مبنية بالحجر الأبلق تستند إلى ستة أعمدة رخامية لكل منها تاج مقرنص، وهذا الرواق يشبه نظيره الموجود في جامع إبراهيم باشا في إسطنبول سنة 959هـ/1551م، حيث كرَّر سنان باشا استخدامه في أكثر من جامع ارتبط باسمه.

ويتوصل من هذا الرواق إلى المسجد (القبلية) عبر فتحة باب تقع داخل حنية رأسية تنتهي من الأعلى بصفوف متصاعدة من المقرنصات الجميلة. يتألف المسجد من مساحة مربعة طول ضلعها 17م، مغطاة بقبة ضخمة ارتفاعها 20م، تستند إلى رقبة دائرية فُتحت بها ست عشرة نافذة علوية. وللقبة أربعة مثلثات كروية ركنية تجيز التحول من شكل المربع إلى الدائرة، والقبة كلها محمولة على ثمانية عقود جدارية، ويمتاز الجدار الجنوبي للمسجد بمحرابه الجميل ذي الرخام الملون، وبزخرفة أحجار منبره المميز، إضافة إلى شباكين معقودين بعقد مدبب عن يمين المحراب ويساره. أما الجداران الشرقي والغربي للمسجد فهما متناظران ومتماثلان، ويحوي كل جدار منهما شباكين وباباً يؤدي إلى غرفة مربعة ملحقة بالمسجد في زاويته الشمالية. وترتفع دكة المبلِّغ في الزاوية الشمالية الغربية للحرم عن يمين الداخل للمسجد.

المسقط الأفقي للجامع

وتلتصق المئذنة بالجدار الغربي للمسجد، وهي على الطراز العثماني؛ بشكل مخروط مرتفع مؤلف من 16 ضلعاً، تنتهي من الأعلى بشرفة محمولة على صفوف من المقرنصات، ولها درابزين حجري، وتستدق المئذنة من الأعلى لتنتهي بقبة مخروطية مكسوة بالرصاص على عادة نماذج هذا الطراز.

ومسامتاً لواجهة المسجد من الغرب تمتد الواجهة الرئيسية للتكية التي يفتح بها باب متوسط يدخل منه لدهليز يفضي إلى صحن مستطيل، يشرف عليه رواق مفتوح من الجهة الجنوبية والغربية، تتوزع حوله غرف وخلوات ومصلى وفراغ كان يستغل مطبخاً للتكية التي تعرضت في هذا الجزء لتغييرات واضحة، ويتوصل من آخر واجهة التكية للغرب عبر ممر إلى مطهرة مستقلة وفناء يمتد ليشغل كامل الزاوية الجنوبية الغربية للتكية.

ويشغل باقي هذه الواجهة الجنوبية للشرق من المسجد غرفتان ومصلى آخر صغير، وتمتد خلف كامل هذه الواجهة حديقة واسعة؛ كان بها تربة دفن فيها ابن الباني وزوجته.

الواجهة الغربية: كان المطبخ «أو دار المرق» يشغل جزءاً مهماً من هذه الواجهة، لكنه تحول اليوم إلى غرف تابعة لإدارة المدرسة الحالية، وتقع إلى الغرب منها ميضأة مجددة يحدها من الشمال ممر المدخل الغربي للتكية، ثم كتلة معمارية مؤلفة من إيوان وغرفتين تستخدمان جزءاً من فراغات الإدارة الحالية للمدرسة.

منظر عام يظهر الرواق الشمالي لحرم الجامع الرواق الشمالي للصحن

الواجهة الشرقية: من الواضح أنه قد طرأ على هذه الواجهة عبر الزمن تغييرات كبيرة ضاعت معها ملامحها الأصلية من ناحية الشكل والوظيفة، فقد أزيلت منها غرف المونة والمطبخ والإسطبل، وأضيفت إليها غرف حديثة استخدمت بوظائف محدثة (مخبر، مكتبة، غرفة مدير)، وفي الوقت ذاته حافظت الخلوات الخمس الواقعة بالزاوية الجنوبية الشرقية خلف الأجزاء الحديثة على أصالتها.

الواجهة الشمالية: يشغل كامل هذه الواجهة رواق يفتح على الصحن بأحد عشر عقداً محمولاً على عشر دعامات، وتقع خلفه اليوم ست غرف مسقوفة بعشرة قباب صغيرة، تتوسطها كتلة المدخل الشمالي المميز ببروزه عن الواجهة الخارجية، والذي يؤدي مباشرة عبر ممر به درجات هابطة إلى الصحن الكبير للتكية أو المدرسة الحالية.

العقود الحاملة لقبة الحرم الواجهة القبلية للحرم

اشتُهرت الخسروية بخزانة الكتب «المكتبة» التي أقيمت فيها، والتي عرفت بضخامتها وتميزها بما تحتويه من المخطوطات والنفائس التي ظلت فيها إلى سنة 1٢٣٧هـ/١٨٢١م؛ حين وقعت الزلزلة العظمى بحلب وتهدم العديد من أجزاء التكية وتبعثرت مخطوطاتها حتى قام جميل باشا بترميمها وإصلاح أمورها سنة ١٣٠٢هـ/١٨٨٤م. وفي سنة 1340هـ/1921م حُوِّلت التكية إلى مدرسة لم تلبث أن أضحت أجلّ مدارس حلب، فأُعيد إحياء مكتبتها وصار فيها خزانة كتب كبيرة كانت نواتها: أولاً الخزانة المحفوظة في الجامع الأموي، وثانياً ما تبعثر في المدارس والتكايا والزوايا الحلبية، وثالثاً ما تبرع به بعض وجوه المدينة مثل مرعي باشا الملاح حاكم دولة حلب آنذاك الذي أهدى لهذه المكتبة 120 كتاباً مميزاً، فغدت مكتبة ثرية ومميزة ظلت قائمة حتى نقلت بمساعي دائرة الأوقاف الإسلامية من هذه المدرسة (التكية) وغيرها (مثل المدرسة الأحمدية والعثمانية...) إلى المدرسة الشرفية 640هـ/1241م الواقعة إلى الشرق من الجامع الأموي، فنقلت إليها وأُطلق عليها اسم «دار المكتبات الوقفية الإسلامية بحلب».

غزوان ياغي

 

مراجع للاستزادة:

- محمد أسعد طلس، الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب (مطبوعات المديرية العامة للأثار والمتاحف، مطبعة الترقي 1956م).

- غزوان ياغي، المعالم الآثرية للحضارة الإسلامية في سوريا (المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الرباط 2011م).

- نجوى عثمان، الهندسة الإنشائية في مساجد حلب (منشورات جامعة حلب، 1992م).


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1033
الكل : 58491824
اليوم : 64338