logo

logo

logo

logo

logo

الخانقاه

خانقاه

-

 الخانقاه

 الخانقاه

 

الخانقاه كلمة فارسية معناها البيت، وجُعلت في بادئ الأمر لانقطاع الصوفية فيها للعبادة والذكر، ومنها الخانكي؛ أي المنسوب إلى هذا البيت الصوفي. وقد فسرها العديد من الرحالة والمؤرخين أمثال ابن بطوطة والمقريزي بأنها تعني «بيت العبادة». ويعود انتشار هذه العمائر في العالم الإسلامي في العصور الوسطى إلى الظروف الصعبة التي أحاطت بالمسلمين وأدت الى الاهتمام بالتصوف، فأقبل كثيرون على حياة الزهد والعبادة إيماناً منهم بأن الرجوع الى اللّه هو خير وسيلة لكشف الغمَّة التي حلَّت بالمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وانتشرت الخانقاوات وغيرها من الأبنية الدينية ذات الوظائف والمهام المشابهة كالأربطة والزوايا لاستيعاب هؤلاء الراجعين الى اللّه.

الواجهة الرئيسية للخانقاه الجقمقية - دمشق

وقد ظهرت كلمة خانقاه لأول مرة في النصوص العربية خلال القرن 4 هـ/10م في خراسان، بيد أن التاريخ يذكر أن المسلمين عرفوا منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان تخصيص بيت لسكن المنقطعين للعبادة من المسلمين في البصرة بالعراق على يد «زيد بن صبرة» بحيث يحقق تفرغ القائمين فيه للعبادة طوال اليوم، وجعل لهم ما يلزمهم من طعام وشراب وملبس.

تعدّ نهاية القرن 4هـ/10م بداية تطور الخانقاوات في بلاد فارس (إيران الحالية)، وتعد فترة النصف الأول من القرن 5هـ/11م فترة التأسيس والتنظيم، ثم أدى ارتباط التّصوف بالمذهبين الشافعي والحنفي إلى انتشار هذه الخانقاوات خارج بلاد فارس ولا سيما في سورية والعراق ومصر، فقد أنشأ السلاجقة في دمشق بعضاً منها في أواخر القرن 5هـ/11م، ومنها انتشرت أيضاً في باقي المدن والبلدان لتعمّ في القرن 6هـ/12م أنحاء العالم الإسلامي كافة، ويتخذها أرباب الطرق الصوفية مراكز لهم يتلاقون فيها مع مريديهم أو الراغبين في سلوك طريقتهم.

حرم الخانقاه الجقمقية وصحنها خانقاه بيبرس الجاشنكير - القاهرة خانقاه فرج بن برقوق - القاهرة

وعلى الرغم من أن العصر الفاطمي في مصر عرف إقامة أول الخوانق؛ فإن السلطان صلاح الدين الأيوبي يعدّ أول من أرسى حجر الأساس للخوانق في مصر، عندما حول دار سعيد السعداء في القاهرة إلى خانقاه سنة569هـ/1173م فعرفت باسم خانقاه الصالحية، ووضع لها التنظيمات فصار بها نحو 300 صوفي.

وتطورت الخانقاه كثيراً أيام الدولة المملوكية البحرية حيت كثر المتصوفون الراغبون في العيش بالخانقاوات، فأصبحت مسجداً ومدرسةً وبيتاً للطلبة وهم أنفسهم الصوفية، وصار لعمارة الخانقاوات بهذا العصر أهمية خاصة؛ فكان الأمراء والسلاطين في هذه الدولة يتنافسون في بناء الخانقاوات؛ فإذا تم بناء إحداها افتتحها السلطان في احتفال كبير مهيب يحضره رجال الدين والقضاة ومشايخ الصوفية.

ومن أشهر خانقاوات العصر المملوكي خانقاه بيبرس الجاشنكير التي تقع حالياً في شارع الجمالية بالقاهرة، أنشأها سنة 706هـ/1309م قبل أن يتولى السلطنة، وأنشأ بجانبها رباطاً كبيراً يتوصل إليه من داخلها، وألحق فيها قبة كبيرة، وأسكن فيها 40 صوفياً؛ وبالرباط 100 جندي. وتتألف الخانقاه من صحن ذي مسقط مستطيل، في جانبين متقابلين منه إيوانان كبيران معقودان، أحدهما إيوان القبلة، وفي الجانبين الآخرين خلوات للصوفية؛ بعضها فوق بعض، ويتوسط إيوان القبلة محراب حجري يتميز بالبساطة والخلو من الزخارف بما يتناسب مع طبيعة الخانقاه، ومدخل الخانقاه يعلوه عقد نصف دائري، وتعلوه المئذنة، ويجاور المدخل الضريح الذي تعلوه القبة.

الخانقاه الصلاحية (دار سعيد السعداء) - مصر

 

وقد أظهر المعماريون في العصر المملوكي تفوقهم في تصميم الخانقاوات سواء من حيث تخطيطها أم من حيث تفاصيلها المعمارية والفنية، ويبدو أنه لم يكن بذلك العصر فارق يذكر بين تخطيط المسجد والمدرسة والخانقاه، فبني بعضها بنظام تقليدي؛ أي صحن وأربعة أروقة مثل خانقاه فرج بن برقوق بالقاهرة، أو بنظام إيواني؛ أي صحن وأربعة إيوانات، مثل الخانقاه الجقمقية [ر] 824هـ/1421م الواقعة قريباً من الباب الشمالي للجامع الأموي بمدينة دمشق؛ والتي يمكن عدّها من أهم الأمثلة الباقية لهذا النوع من العمائر الدينية في سورية وأكملها؛ والتي عرفت خطأً باسم المدرسة بسبب تشابه تخطيطها مع مدارس زمانها؛ على الرغم من نصها التأسيسي الموجود بواجهتها الشمالية الذي يؤكد وظيفتها كالتالي:» أنشأ هذه الخانقاه الخلوات، والتربة المباركة...».

وفي داخل الخانقاه عدد معين من الخلوات، جعل لكل متصوف واحدة منها يتعبد فيها عندما يخلو بنفسه في غير أوقات صلاة الجماعة، فقد كان المتصوفة يعيشون داخل الخانقاوات وفق نظام دقيق في المأكل والمبيت ومباشرة شعائر العبادة من صلاة وذكر وغير ذلك، وكان لكل خانقاه شيخ يرأس المتصوفة فيها.

كذلك كان لكل خانقاه حمام ومطبخ وخزانة للأشربة والأدوية، كما كان لكل منها حلّاق؛ فضلاً عن طبيب وكحّال، وبذلك يتوفر لأهل الخانقاه كل الضرورات التي تغنيهم عن العالم الخارجي، وتسهل انقطاعهم للتعبد واكتساب المعرفة.

قامت الخانقاه دائماً بدور مهم في تدريس العلوم الدينية مثل المدرسة، ولكن زادت عليها بقيامها بدور اجتماعي مؤثر؛ إذ آوت الطلاب والمنقطعين والمسافرين والمتصوفين، وعلى الرغم من هذا الدور المهم فقد تعرضت الخانقاوات منذ منتصف القرن 8 هـ/ 14م، لتغيرات أضعفت دورها وأبعدتها عن أصولها وعن مناهج العلم والعلماء، فمالت إلى الأفول وآل أمرها إلى أن صارت مكاناً للفقراء والمحتاجين والدراويش، حتى حلت التكية[ر] في العصر العثماني مكانها وقامت بدورها وجلّ وظائفها، حتى اختفى لفظ الخانقاه من البلاد التي حكمتها الدولة العثمانية.

الخانقاه البندقدارية في حي السيدة زينب في القاهرة الخانقاه السميساطية في دمشق

وكانت الخوانق في دمشق ترتبط بسلطة شيخ العارفين الذي يتخذ من الخانقاه السميساطية مقراً له، وكان بدمشق في القرن 8هـ/14م عشرون خانقاه، ثم ارتفع عددها إلى ثلاثين في القرن9هـ/15م، لكنه تضاءل في العصر العثماني حتى كادت تتلاشى. وجاءت عمارة الخانقاه في سورية بمخططها العام مشابهة لتخطيط المدرسة سواء كانت إيوانية أم ذات تخطيط تقليدي، بيد أنه يُلحق بها خلوات للسكن ومطبخ وفرن وحمام، ويغلب أن يلحق بها أيضاً قبة أو أكثر للدفن .

وقد غصّت كتب التاريخ والرحلات والأدب بالخلط المتكرر بين مسمى الخانقاه والرباط[ر]؛ وكذلك بينها وبين التكية[ر] وبينها وبين الزاوية[ر] حيث سميت الخوانق في بلاد المغرب العربي بالزوايا، وهذا ما جعل ابن بطوطة يطلق على الخانقاوات التي رأها في مصر لفظ «الزوايا»؛ إذ يقول في معرض حديثة عن مصر: «وأما الزوايا فكثيرة، وهم يسمونها خوانق، واحدتها خانقة»، وشابهه في ذلك عديدون من دون أن يميزوا بدقة بين الخانقاه والرباط والزواية، فعرّفوها جميعها بأنها بيوت للصوفية، من دون أن يدركوا الفرق بينها من حيث الأصل والوظيفة والنشأة والتطور.

غزوان ياغي

 

مراجع للاستزادة:

- عاصم محمد رزق، خانقاوات الصوفية في مصر، مجلدان، ط1(مكتبة مدبولي، القاهرة 1997م).

- غزوان ياغي، المعالم الأثرية للحضارة الإسلامية في سوريا، المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، ط1 (الرباط 2011م).

- أكرم حسن العلبي، خطط دمشق، ط1( دار الطباع، دمشق 1984م).


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58492527
اليوم : 65041