logo

logo

logo

logo

logo

الخصوبة (عقائد-) في العصور التاريخية

خصوبه (عقايد) في عصور تاريخيه

Fertitity (creeds) - Fértilité (croyances de la)

 الخصوبة

الخصوبة (عقائد -)

 

الخصوبة في العصور التاريخية

يعود أصل عقيدة الخصوبة Fertility creed إلى عصور ما قبل التاريخ، وهذا ما تظهره الكثير من الرموز الأثرية الحيوانية والبشرية المكتشفة، ومن أهمها «الربة الأم» التي كانت ترمز إلى الخصوبة وتجدد الحياة، وبدأت عبادتها في منطقة المشرق العربي القديم منذ العصر الحجري القديم واستمرت خلال العصرين الحجري الحديث والحجري النحاسي. وقد قدم الكثير من المواقع مثل المريبط وتل أسود وتل غريفة وتل الرماد وأم الدباغية وياريم تيبه وتل حلف؛ بعض المنحوتات الطينية والحجرية التي تجسد هذه الربة في وضعيات مختلفة وبطريقة مبسطة أو قريبة من الواقع، تبرز منها بشكل واضح أماكن الخصوبة.

 

دموزي يستلم من أي-أناتم صولجان الحكم تحت شجرة الحياة

 

تطورت هذه العقيدة خلال العصور التاريخية في سورية والمشرق العربي؛ فتأثرت أكثر بالأرض والإنتاج الزراعي، وظهر الكثير من الآلهة التي تختص بالخصوبة ومنها دموزي في بلاد الرافدين، وبعل وأدونيس في سورية، وأوزيريس في مصر، وتيليبنو في الأناضول. كما أقيم الكثير من الاحتفالات الدينية الشهرية والسنوية التي تجسد هذه العبادة ذات الطابع الزراعي، وتتعلق بدوران الطبيعة والفصول ومواسم البذار والحصاد والقطاف.

وقد حيكت الأساطير الكثيرة حول آلهة الخصوبة، والتي تشابهت في قضية غياب أو موت الإله خلال فترة محددة من السنة؛ وعودته إلى الحياة في فترة أخرى، أو غيابه لعدد من السنين وعودته بعدها. وترمز قضية موت إله الخصوبة وظهوره من جديد إلى تعاقب فصول السنة، فيرمز موت الإله إلى فقدان الطبيعة للخصوبة والحياة ويمثله الصيف والخريف، أما عودته إلى الأرض فترمز إلى عودة الحياة إلى الطبيعة ويمثله الشتاء والربيع.

 

دموزي بين كبشين يحمل شجرتي الحياة

 

وقد جسَّدَ السومريون، ومن بعدهم البابليون؛ قوى الخصب التي تُسبب التكاثر والإنماء بإلهة للخصب والحب، هي أي- أنّاتم (عشتار)، وإله للنبات والماشية الذي هو دموزي (تموز). واعتقدوا أن زواج هذا الإله الشاب من هذه الإلهة الجميلة كان مصدر كل مظاهر الخصب في الحياة. وأقاموا الاحتفالات والطقوس الدينية التي تحاكي أفعال الآلهة؛ ومنها الزواج المقدس الذي كانوا يقيمونه سنوياً في موسم الربيع؛ ويتضمن ترتيل الأناشيد والقصائد مما يؤلفه الشعراء السومريون على لسان العروس المقدسة أي- أنّاتم التي تقوم بتمثيل دورها إحدى كاهنات المعبد، وعلى لسان العريس الإله دموزي الذي يقوم بأداء دوره الملك (أو أحد الكهنة). وقد كان الزواج المقدس يتضمن مراسمَ وطقوساً عديدة تنتهي بدخول الملك بالكاهنة؛ محاكاة لزواج إله الخصب من إلهة الخصب. وتذكر الأسطورة أن دموزي يموت في فصل الصيف ويُحبس في العالم السفلي، فيبكيه العوام، وتُقام له شعائر دينية مهمة في فصل الربيع تساهم في عودته إلى الحياة من جديد. ثم يخرج دموزي من العالم السفلي بمساعدة أخته جيشتين- آنا التي توسطت لدى أرش- كي- جال (سيدة العالم السفلي) وطلبت منها إبقاء أخيها دموزي نصف عام في العالم السفلي والنصف الآخر على الأرض، وبذلك تعود الخصوبة والحياة إلى الأرض، وخلال فترة إقامته على الأرض تبقى أخته جيشتين- آنا في العالم السفلي.

منحوتة بعل

 

وقد كان طقس الزواج المقدس شائعاً في جميع أنحاء المشرق القديم، والهدف من الاحتفال به هو توفير راحة المدينة في السنة الجديدة، وتتويج الملك من جديد. ومن هذا المنطلق كانت تقام بعض الاحتفالات الدينية التي تتخللها بعض الصلوات، ولتي استمرت خلال العصر الآشوري الحديث، من أجل صحة الملك الذي في ظله تبقى الدولة قوية ومنيعة تسودها الخصوبة وتتحقق لها الوفرة والعيش الرغيد.

وعلى الساحل السوري كان عيد رأس السنة الجديدة من أهم هذه الاحتفالات في أوغاريت، وتبدأ السنة مع بداية فصل الخريف حيث يعود إله الطقس من العالم الأسفل، وتعود معه الحياة والبهجة إلى الأرض والنبات. وتُظهر الأسطورة الأوغاريتية الصراع بين الإله موت وهو إله الموت والعالم السفلي وكل مظاهر القحط والعقم والترمل؛ وبين بعل وهو إله البرق والعاصفة والمطر، ويتمكن موت من ابتلاعه، فتنتقم له أخته عناة التي تقوم بالإيقاع بموت وتقطعه إرباً إرباً ثم تطحنه وتنثره في الحقول، وتأتي الطيور لتنقر ما ظهر منه فوق التراب كما تنقر حبات البذار، ويكون هلاك موت إيذاناً بظهور بعل بكل ما يمثل من مظاهر الخصوبة والحياة «فتمطر السماء زيتاً، وتسيل الأنهار عسلاً». وهذا ما يشابه أسطورة أدونيس التي تروي ذهابه إلى الصيد حيث يقتله خنزير بري، فتنزل عشيقته عشتار إلى العالم السفلي وتعيده إلى الأرض بعد صراع مع سيدة العالم السفلي أرش- كي- جال. وقد اعتادت المدن الفينيقية الاحتفال بعودة الحياة إلى أدونيس إله الخصب في بداية كل ربيع، ومعه تعود الحياة إلى الأرض فتنمو النباتات وتخضر الأشجار.

أي-أناتم

 

وفي مصر القديمة كان أوزيريس إلهاً للخصوبة والحياة، وتروي الأسطورة قصة اختفائه وعودته إلى الحياة؛ إذ يحتال عليه أخوه ست إله الصحراء والظلام فيدخله في صندوق ثم يحكم إغلاقه ويرميه في النيل، فتأخذه الأمواج إلى مدينة جبيل [ر] على الساحل اللبناني، لتحتضنه هناك شجرة أرز تكبر بسرعة فيأمر ملك جبيل بقطعها لتصبح عموداً لسقف قصره من دون أن يعلم أن بداخلها جسد إله، وتنجح الإلهة إيزيس زوج أوزيريس بإعادة التابوت إلى مصر، وعندما يعلم الإله ست بذلك يقوم بتقطيع الجثة ثلاث عشرة قطعة ومن ثمَّ يبعثرها، لكن إيزيس تعثر على قطع الجثة فتعيد تركيبها وتنفُخ الروح في الإله الميت فتعيده إلى الحياة ويعود معه الضوء والدفء والخصوبة إلى الأرض، بعدها تحمل منه وتلد الإله حورس الذي أصبح رمز الانتصار على الظلام والفوضى، ويقرر أوزيريس أن يترك الأرض المليئة بالغدر لينزل إلى العالم السفلي فيحكمه؛ في حين تنشغل زوجته بتربية ابنها حورس الذي يكون قد كبر وعرف بقصة مقتل والده، فينتقم من عمه ست، ثم ينزل إلى العالم السفلي ليوقظ والده أوزيريس. وقد عرفت مصر القديمة بعض الأعياد التي تتعلق بالأرض والخصوبة كعيد الفيضان (وفاء النيل) وعيد الحصاد.

وفي الحضارة الحثية توجد أسطورة مشابهة تتناول إله العواصف والزراعة والخصوبة تيليبنو الذي تختلف الروايات في تحديد سبب اختفائه، هل كان لغضبه من البرق والرعد أو من البشر الذين أغاظوه. ويؤدي غيابه إلى اختفاء مظاهر الخصوبة في الطبيعة، فتنضب مياه الينابيع وتيبس المراعي وتتوقف الحيوانات والبشر عن التكاثر، فتكلف الآلهة أتباعها البحث عنه، وعندما يخفقون يتم تكليف نسر ليبحث عنه وهو يحلق في السماء عالياً، لكنه يخفق هو الآخر في العثور عليه، فترسل الإلهة الحكيمة الأم هاناهانا نحلةً للبحث عنه، ويظن الجميع أنها ستخفق في مهمتها، إلا أنها تستطيع في النهاية أن تعثر على تيليبنو وتلسعه لتوقظه وتعود به.

 

تمثال عشتار تستر عورتها (المتحف الوطني بدمشق)

 

انعكست عقيدة الخصوبة على الفن؛ فظهر في المنحوتات والمشاهد الفنية التي تصور بعض الطقوس الدينية؛ الكثير من الرموز ذات الصلة بالأرض وخصوبة الطبيعة مثل: سكب الماء، والأنهار، والنباتات، وسلال الفاكهة، والأشجار المثمرة، وتذرية القمح والشعير بهدف الحصول على الحبوب، وكذلك المحراث والمجرفة وأدوات الحراثة. ومن أهم المنحوتات التي تحمل هذا النوع من المشاهد كأس الوركاء النذرية التي تعود إلى عصر جمدة نصر، ونُقشت على سطحها الخارجي رسوم احتفال ديني للزواج المقدس السنوي بين عشتار ودموزي.

وفي أوغاريت عُثر على الكثير من الدمى والتماثيل والمنحوتات التي تمثل بعل (إله العاصفة والبرق والرعد والخصوبة)؛ ومن أهمها النصب الحجري الذي يحمل نقشاً نافراً ويظهر فيه بعل على هيئة رجل يحمل بإحدى يديه صولجاناً يُحطم فيه السحب، ويحمل بيده الأخرى رمحاً مغروزاً في الأرض؛ وهو يرمز إلى البرق والصاعقة اللذَين يحدثان نتيجة تحطيمه للغيوم، وفي الوقت نفسه تبدأ الأمطار بالهطل.

وفي ماري هناك أكثر من عمل فني يحمل رموزاً للخصوبة لعل أهمها الرسم الجداري المسمى لوحة تنصيب زمري – لِم [ر]، والتي وجدت في قصره، ويصور المشهد رموز الخصوبة ضمن المشهد السياسي؛ فتظهر الربة عشتار وهي تسلم العصا والحلقة (رمز السلطة) للملك، فيما تُظهر المشاهد الأخرى من اللوحة ربة الينبوع والأسماك وأشجار النخيل المثمرة والنباتات وهي رموز للخصوبة، تهدف إلى إبراز دور الملك في جلب الخصب والنعمة إلى شعبه. كما يشير تمثال ربة الينبوع في ماري بوضوح شديد إلى الخصوبة من خلال جرة تحملها الإلهة بيديها ويتدفق منها الماء الذي تسبح فيه الأسماك وتظهر فيه النباتات في إشارة واضحة إلى منح الحياة والخصوبة من قبل ربة الينبوع.

محمود حمود، حسان عبد الحق

 

التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1057
الكل : 58492373
اليوم : 64887