logo

logo

logo

logo

logo

الحصان

حصان

Horse - Cheval

 ¢ الحصان

الحصان

 

يرجح أن الموطن الأول للخيول كان وسط السهوب الأسيوية في كازاخستان والمنطقة الواقعة شمال شرقيّ بحر قزوين وحول بحر آرال؛ إذ عرفت هناك منذ أواخر العصر الحجري الحديث المتأخر قبل أن ترعاها قبائل المغول والقرقيز من أجل حليبها ولحومها وكذلك للركوب وحمل الأثقال.

وتُعدّ عظام الخيول التي وجدت في موقع سيالك Sialk في إيران وآنو Anau في تركستان، وتعود إلى الألف الرابع ق.م؛ من أقدم الآثار التي تدل على الحصان.

كما جاءت من العاصمة العيلامية سوسا رسوم محفورة على العظام تعود إلى نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد تظهر مجموعة من الأشخاص يركبون دوابَّ؛ ربما كانت نوعاً من الخيول. وعلى الرغم من العثور على عظام الخيول في بعض مواقع المشرق العربي- ومنها أم الدباغية[ر] في العراق العائد إلى عصر النيوليت- فإنّ الحصان المدجّن Horse لم يعرف في بلاد الرافدين إلا مع استخدام الكاشيين [ر] له في غزوهم لبابل حيث ألقى الرعب في قلوب السكان؛ لأنهم لم يشاهدوه من قبل، فسهل غزو هؤلاء، ومكنهم من تثبيت أقدامهم. وهذا ما كان عليه وقع إدخال الأحصنة لأول مرّة إلى مصر على يد الهكسوس في القرن السابع عشر ق.م، وقد اعتلاها الفرسان، أو كانت تجر خلفها المركبات الحربية. وسرعان ما اقتبس المصريون طرق تربيتها واستخدامها في الأعمال الحربية والزراعية والنقل بعد طرد الهكسوس من مصر نحو١٥٨٠ق.م.

يبقى مدى اتساع ركوب الخيل واستعمالها قبل الألف الثاني ق.م موضع بحث، لكن أقدم ذكر للحصان في النصوص البابلية جاء نحو ٢١٠٠ ق.م؛ إذ ورد بصيغة حمار الجبال أو الحمار القادم من الشرق، بيد أنه لم يكن قد استخدم على نحو واسع في الزراعة والنقل، على الرغم من الاستعانة به لجر العربات بديلاً من الحمير.

أما في سورية فقد أظهرت التنقيبات الأثرية الحديثة وجود الحصان في الجزيرة السورية منذ منتصف الألف الثالث ق.م؛ إذ عثر على بعض الدمى الطينية للحصان في عدد من المواقع، ومنها تل موزان [ر] الذي تظهر دميته حصاناً يوجد على رأسه لجام، وظهرت دمية أخرى مشابهة في تل السويحات[ر]، ثقبت فجوة في فكي الحصان من أجل وضع حلقة لوضع اللجام؛ وهو دليل كافٍ على أن الحصان كان مدجناً. كما وجد العديد من الهياكل العظمية لأنواع من الخيول وحمر الوحش في تل أم المرا، وتعود إلى الفترة نفسها تقريباً. وهذا يسبق بمئات السنين ما كان شائعاً من أن دخول الحصان ترافق مع دخول الحثيين[ر] والحوريين[ر] إلى بلاد الشام بداية الألف الثاني ق.م.

تؤكد وثائق ماري [ر] أن قطنة [ر] كانت مصدراً للأحصنة، وربما كانت مركزاً لتجارة الخيول وتناسلها؛ مع أن هناك من الباحثين من يرى أن الخيول لم تكن موجودة في شمالي سورية، وإنما كانت تستوردها قطنة وكركميش [ر] وشاغار بازار [ر] من الأناضول بعد تهيئتها للعيش في المناطق الجنوبية، وذلك في النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد.

نحت بارز للملك تجلات - بلاصر في عربته الحربية (745 - 727 ق.م)

وتظهر النصوص أن الأحصنة كانت مادة مناسبة للمبادلات الملكية، فقد أرسل ملك قطنة اشخي أدو حصانين إلى حاكم ماري الآشوري يسمخ أدد [ر]، ويتضح من النص أن أسعار الخيول كانت مرتفعة، فقد كان حاكم قطنة خائب الأمل إلى حد بعيد بعد أن تلقى هدية بخسة مقابل الحصانين اللذين أرسلهما لملك ماري، وقدر ثمنهما بستمئة مثقال فضي في قطنة. وفي نصوص أخرى يذكر زمري ليم في إحدى رسائله أحصنة بيضاء أرسلت من قطنة إلى ماري، كما حاول هذا الملك الحصول على الخيول البيضاء من كركميش، ونظراً لعدم توفرها فقد قام سفيره هناك بإرسال جياد حمراء جلبها من إحدى مدن الأناضول.

نحت بارز يظهر عملية ربط الحصان إلى العربة

يبدو أنه منذ القرن التاسع عشر ق.م أصبحت تربية الخيل في شمالي سورية مهنة مهمة ذات صفة علمية. ولهذا فليس مستغرباً أن يظهر الحصان في نصوص أوغاريت [ر] (القرن الرابع عشر ق.م)؛ وقد أثار اهتماماً ونقاشاً بين المتخصصين حول أفضل السبل لتربيته ومعالجته.

مشهد على صفيحة برونزية فوق بوابة بلاوات (العراق 859 - 824 ق.م) يظهر فيه الملك شلمنصر الثالث في عربته الحربية وحوله رماة الأسهم الآشوريين

وفي الألف الأول ق.م أدى دخول الحصان على نحو واسع مجال الخدمة العملية- ولاسيّما في الحروب والشؤون العسكرية- إلى تطور كبير في صناعة معدات الحصان والعربات وكل ما يتعلق بها من مهن. كما أدى استخدامه وسيلة للنقل والحمل إلى نشاط التجارة على نحو سريع لمساهمته في تقريب المسافات بين الأمصار والشعوب وزيادة التبادل الحضاري فيما بينها. كما كان أفضل وسيلة نقل استخدمتها الدولة الأشورية الحديثة لنقل البريد بين الأقاليم المختلفة، وكان هناك محطات قائمة على شبكة من الطرق بهدف حمايتها وتوفير نقل الرسائل بأسرع وقت ممكن وتبديل الأحصنة فيها.

نحت بارز عنوانه «الصيد الملكي للأسود» - اعتمد الملوك كثيراً على الأحصنة المدربة في عمليات الصيد

وتزخر حوليات الملوك الأشوريين بذكر المواد التي تم جمعها من كل المناطق السورية كغنائم حرب وجزية فرضت على المناطق المهزومة في جميع أنحاء الامبراطورية، وكان من بينها مئات الأحصنة والعربات وغيرها؛ للحاجة إليها في الحروب الكثيرة التي شنتها الامبراطورية الأشورية. ويبدو من أحد التقارير أن أرفاد- عاصمة بيت أجوش[ر]- كانت المصدر الأهم للأحصنة خلال القرن السابع ق. م، في حين كانت جوزان- عاصمة بيت زمان[ر]- أكبر المناطق الممولة قبل ذلك. وقد جاء ذكر الأحصنة في المعاهدة التي فرضها الملك الآشوري توكلتي ننورتا الثاني (٨٩٠-٨٨٤ق.م) [ر] على أمي بعل حاكم بيت زمان الآرامية، وحرّمت عليه بيع الأحصنة لخصوم آشور.

أدى كثرة عدد الخيول إلى رخص ثمنها، فأصبح بإمكان كل من يشاء أن يقتنيها، وهذا ما عكسه نقش برراكب؛ حاكم شمأل [ر](٧٣٠ق.م) «صار الفرس (الواحد) يعادل شيقلاً». ويعزز هذا الكلام اكتشاف طبعات أقدام لأحصنة على أرضية معمل للفخار في قطنة؛ مما يعني زجه في خدمة مهن من هذا النوع، ولم يعد دوره مقتصراً على الركوب من قبل الفرسان والنخبة.

انتقل الحصان من سورية إلى بلاد العرب وجزيرتهم في بداية العصر الميلادي حيث احتفظ الحصان العربي بنقاوة دمه أكثر من أي مكان آخر. وفي مصر لم يتوغل الحصان إلى إفريقيا المدارية والجنوبية فيما عدا الحبشة حتى دخول الأوربيين إلى إفريقيا في العصر الحديث. أما بلاد اليونان فكان قد دخلها عن طريق الليديين الذين أخذوه من جيرانهم الحثيين سكان الأناضول منذ منتصف الألف الثاني ق.م.

نحت بارز لآشور بانيبال الثاني فوق حصانه في عملية صيد أسد

(883 - 829 ق.م)

ارتبطت الخيول- وخاصة الأصيلة منها- بالنخبة الاجتماعية منذ البداية، وكانت من أهم الممتلكات الثمينة التي تباهى باقتنائها الملوك والفرسان والأثرياء، فقد كان خادم هؤلاء ورفيقهم الوفي في الحرب والسلم منذ ما يزيد على أربعة آلاف عام. ولهذا كان الحصان أحد الحيوانات القليلة التي حظيت باهتمام فائق منذ العصور القديمة، فعُيِّنَ له المربون المختصون الذين قاموا على العناية به والاهتمام بأنسابه وفق ما أظهرته نصوص نوزي [ر] العائدة إلى منتصف الألف الثاني ق.م، ونصوص كاشية وجدت في نيبور، وتتعلق بتسجيل الأحصنة واستخدامها. وتظهر الأعمال الفنية إكساء الأحصنة بأروع أشكال الحلي والزينة والدروع والأقمشة المزركشة التي تليق به؛ لكون الأسرجة لم تكن معروفة بعد. أما أقدم تصاوير الفرسان الآشوريين[ر]؛ فقد كانت تظهرهم يركبون الحصان بشكل مزدوج: أحدهما لقيادة الحصان، والآخر لاستخدام قوسه، لتظهر فيما بعد نماذج جديدة يظهر فيه اللجام؛ مما يعني تحكم الراكب أكثر بالحصان وتمكنه من استخدام السلاح، ومن هذا الوقت بدا الحصان جزءاً من سلاح الفرسان المهم في الحروب.

رسم لحصان آشور - ناصربال

ولعل من أجمل الأعمال الفنية للأحصنة تلك التي كان يمتطيها الملوك، وتجر خلفها العربات، وهناك الكثير من المنحوتات النافرة التي تعود إلى عهد الملك آشور بانيبال(٦٦٨-٦٢٧ق.م) [ر]، وتظهر فيها الجياد وقد امتطاها الملك وهو يرتدي ملابس الصيد وبيده القوس والسهم.

وفي مصر جرى تمثيل الأحصنة على الآثار وهي تثب وتضرب الأرض بقوائمها في حالة هياج، ويظهر الفرعون رعمسيس الثاني- في أحد مشاهد معبد الكرنك- وهو يربط أعنة الخيل بوسطه لتبقى يداه طليقتين؛ ليطعن بخنجر يمسكه باليمنى زعيماً آسيوياً.

ونظراً للقيمة الاجتماعية المميزة التي تمتعت بها الخيول خلال عصر البرونز الوسيط؛ فقد جرى دفنها أحياناً مع أصحابها في قبر واحد أو بالقرب منه. وقد تكون هذا الممارسة جزءاً ضرورياً من المراسم المألوفة لحياة ما بعد الموت؛ أو دليلاً على الثروة والجاه والحضور الاجتماعي. وهذا ما يظهر جلياً في المجمع الجنائزي الذي اكتشف في موقع أم المرا شرقي حلب، وفي بعض مواقع جنوبيّ بلاد الرافدين، حيث تظهر بعض التصاوير الأثرية الحصان وقد دفن مع البشر برفقة دواليب العربات. وقد استمرت هذه العادة حتى النصف الأول من الألف الثاني ق.م، وانتقلت إلى منطقة الدلتا وإلى عاصمة الهكسوس أفاريس بمصر، كما وجدت في تلي العجول،[ر] وجمة،[ر] قرب غزة.

محمود حمود

مراجع للاستزادة:

-R.H.Meadow and H.P.Uerpmann (eds.), Equids in the Ancient World, 2 Vols (Wiesbaden 1986, 1991).

-M.A.Littauer and J.H.Crouwel, Wheeled Vehicles and Ridden Animals in the Ancient Near East (Leidenl Cologne 1979).

 


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1050
الكل : 58492550
اليوم : 65064