logo

logo

logo

logo

logo

الحير الغربي (قصر-)

حير غربي (قصر)

-

 الحير الغربي

الحير الغربي (قصر -)

 

 

يقع قصر الحير الغربي في مدينة متكاملة مصغّرة في بادية الشام، جنوب غربي مدينة تدمر بنحو ٤٥كم، ويبعد نحو ١٥٠كم إلى الشمال الشرقي من مدينة دمشق [ر]. بَنى هذا القصر الخليفة الأموي هشام ابن عبد الملك سنة ١٠٩هـ/٧٢٩م على أنقاض دير يعود إلى العصر البيزنطي كان قد بُني سنة ٥٥٩م من قبل الحارث بن جبلة الغساني أيام الامبراطور البيزنطي جستنيانوس، وما زال هناك برج كبير من الدير القديم قائماً بالزاوية الشمالية الغربية للقصر. وقد بُنيت هذه المدينة مثل قصر الحير الشرقي [ر] وغيرها من المدن الأموية مقرات للأمراء والخلفاء لإدارة شؤون القبائل واستقبال شيوخها، ومحطات للصيد والتنزه، ومراكز سكنية وتجارية وزراعية دائمة للناس؛ فكانت تحوي القصور والبيوت والجامع والخان والحمام والبستان وغير ذلك.

ويُستدل على تاريخ بناء هذه المدينة من نقشين كتابيين: الأول نقش على ساكف أحد أبواب الخان، وهو محفوظ حالياً في حديقة المتحف الوطني بدمشق وعليه الكتابة الآتية:

«بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بصنعة هذا العمل عبد الله هشام أمير المؤمنين أوجب الله أجره، عمل على يدي ثابت بن أبي ثابت في رجب سنة تسع ومائة».

مسقط قصر الحير الغربي

 

أما النقش الثاني فهو على جزء من حجر رخامي (٧٥مم×٦٥مم)، قرأ عليه عالم الآثار الفرنسي دانيل شلومبرجيه Daniel Schlumberger بعد ترميمه الكتابة التالية: «من هشام أمير المؤمنين إلى الوليد أبي العباس أحمد الله إليك»، وهذا النقش محفوظ أيضاً في جناح قصر الحير في المتحف الوطني بدمشق.

كان الأب بوادبار A.Poidebard أول من أشار إلى موقع قصر الحير الغربي حين قام بتوثيق العديد من البقايا الأثرية في منطقة البادية السورية عن طريق الصور الجوية، واستناداً إلى هذه الصور قام شلومبرجيه منذ سنة ١٣٥٥هـ/١٩٣٦م بالكشف عن مجموعة من الخرائب الواقعة في الجنوب الغربي من تدمر، وقد تبيّن أنها مؤلفة من منشآت قديمة ترجع إلى العصر الروماني لم يبق منها إلا سد خربقة [ر]؛ ومن أبنية بيزنطية لم يبق منها إلا برج جيد البناء ملاصق لبقايا قصر لم يلبث أن تأكّد أنه قصر أموي.

مجسم لقصر الحير الغربي محفوظ في متحف دمشق

 

واستمرت أعمال شلومبرجيه حتى سنة ١٣٥٧هـ/١٩٣٨م، ثم ابتدأت أعمال ترميم قصر الحير سنة ١٣٥٨هـ/١٩٣٩م، ثم تباطأت بسبب الحرب العالمية الثانية، ثم انتهت عمليات نقل جزء من القصر إلى المتحف الوطني بدمشق سنة ١٣٧٠هـ/١٩٥٠م؛ لتتم إعادة تركيبه فوق واجهة المتحف الوطني بدمشق بناء على رسوم أعدها ميشيل إيكوشار [ر] Michel Ecochard بإشراف كامل من الآثاري السوري نسيب صليبي. كذلك أُعيد بناء البرجين بارتفاع ١٤,٤٥م، وشُيِّد بيتان داخليان من بيوت القصر، وأُنشِئ في داخل الواجهة جناح مفتوح عرضت فيه بعض القطع الأثرية التابعة للقصر مع مجسمين. وفي الطابق العلوي أقيمت بعض الحواجز الحافلة بالتماثيل النافرة، وفي الداخل تركت قاعة كبيرة من دون تقسيم لكي تضم لوحتي فريسك مع بعض القطع الأخرى.

وفي سنة ١٣٩٤هـ/١٩٧٤م تم إنشاء فرع آخر في متحف تدمر، عُرضت فيه بعض القطع المتبقية من آثار قصر الحير؛ ولا سيما أجزاء من الرسوم الجدارية ومن المنحوتات والشبكيات.

قال شلومبرجيه إن الاسم الأصلي لهذا القصر هو «الزيتونة» الذي ذكر الطبري أن الخليفة هشاماً كان ينزل فيه في بادية الشام، فلما عمَّر الرصافة انتقل إليها فكانت منزله إلى أن مات. كما ذكر ابن كثير أن الخلافة أتته وهو في الزيتونة في منزل له، «فجاءه البريد بالعصا والخاتم، فسلّم عليه بالخلافة، فركب من الرصافة حتى أتى دمشق». ولا يختلف الباحثون على أن اسم «الحير» حديث استُعير من معنى الحديقة أو الواحة التي اتصف بها موقع القصرين.

بوابة قصر الحير الغربي - المتحف الوطني بدمشق

 

للقصر مسقط مربع (٧٠×٧١م) محاط بجدار خارجي مرتفع شُيِّد من المداميك الحجرية حتى ارتفاع مترين، ويليها مجموعة من المداميك المتناوبة المؤلفة من الطوب والآجر والشرائح الخشبية. فُتحت بأعلاه شبابيك تشبه مرامي السهام، كما دُعِّم السور من الخارج بأبراج مسقطها ثلاثة أرباع الدائرة، بمعدل برج بكل زاوية ماعدا الزاوية الشمالية الغربية حيث البرج البيزنطي القديم الذي أُعيد استعماله، وبأبراج نصف دائرية تتوسط الجدران؛ عدا الجدار الشرقي حيث فُتِح بوسطه المدخل الرئيسي للقصر المكوّن من برجين نصف دائريين مزخرفين، تتوسطهما فتحة باب الدخول، مما يجعل المظهر العام للقصر أشبه بالحصن.

يؤدي المدخل إلى ممر طويل مغطى بقبوة أسطوانية، يُتوصّل منه مباشرة إلى فناءٍ مربعٍ مكشوف ومحاط بأروقة تشرف عليه ببوائك كانت محمولة من كل جهة على ثمانية أعمدة وأربع عضائد بمعدل واحدة بكل زاوية، وهذه الأروقة تحصر خلفها أربع أضلاع تتوزع بكل منها أبنية القصر بطابقين؛ لتشكل فراغاتها ست مجموعات معمارية منفصلة عن بعضها، وكأنها أجنحة مستقلة أو بيوت خاصة: بيتان منها في الضلع الشرقية وآخران في الضلع الغربية وواحد في الجنوب وآخر في الشمال، كل منها يحتوي على وحدات معمارية تتألف من قاعات صغرى وحجرات متصلة تفتح على قاعة كبيرة وسطى، ويحتوي كل بيت منها على ٨ إلى ١٣ قاعة أو حجرة بمسقط عام يُذكِّر بفراغات العمارة في القصور والبيوت الساسانية الذي شاع في القرنين ١-٢هـ/٧-٨م في القصور الأموية والعباسية. وللقاعات والغرف أبواب واسعة يعلو كلاً منها منور مغشّى بحجاب من الجص المفرغ بأشكال نباتية.

مدخل القصر جدران القصر

 

وكانت فراغات الطابق الثاني وغرفه مطابقة لنظائرها في الطابق الأرضي، وكان النور يدخل إلى الحجرات عن طريق فتحات نوافذ صغيرة مغشّاة بألواح جصّية مفرّغة بتكوينات نباتية وهندسية مميزة.

كشفت أعمال التنقيب أن القصر كان من الداخل غاصّاً بالزخارف المختلفة، فقد عثر شلومبرجيه على العديد من ألواح الفسيفساء التي بقي منها بعض الألواح الصغيرة مع بعض النصوص التي عثر عليها قرب كتلة المدخل الرئيسي للقصر.

كما زُينت الجدران الداخلية للغرف برسوم الفريسك المزدانة بأشكال خطوط أو شرائط أفقية عريضة، ملونة بالأبيض والحديدي والأحمر القاتم، أو بأشكال تشبه تواشيح الرخام، أو زُينت الجدران بأشكال ذات زخارف هندسية أو نباتية. كما عثر به على صورتين جداريتين نُقِلتا إلى متحف دمشق الوطني.

عموماً تتضح بالرسوم الجدارية على الفريسك المنفذة في هذا القصر وجميع القصور الأموية الأخرى تأثيرات الأساليب الساسانية والهيلينية الكلاسيكية، وجاءت هذه الرسوم منفذة بالألوان الزرقاء البراقة والبنية والصفراء والخضراء الداكنة.

كما كانت تغطي الجدران أيضاً مساحات كبيرة من الزخارف الجصية البارزة تتركز حول النوافذ والشبابيك؛ وفوق أبواب الغرف والقاعات، قوامها إما زخارف نباتية تمثل شجرة الحياة وتوجد حول النوافذ العليا، وإمّا هندسية تتألف من دوائر ورسوم نجمية حول النوافذ السفلى. وكذلك ظهرت هذه الزخارف في أماكن عديدة أخرى بالواجهات الداخلية للقصر وفي درابزين الرواق العلوي. وقد ظهرت فيها أيضاً عناصر معمارية أو أشكال لكائنات حية. وقد حلّت هذه النوعية من الزخارف ذات التأثيرات الساسانية محل الزخارف الحجرية البيزنطية التي شاعت خلال القرون السابقة في العمارة السورية.

وقد استُخدم الخشب الملون في تزيين العديد من الجدران الداخلية للقصر، حيث عُثر على العديد من القطع الخشبية التي تحتفظ ببعض الرسوم الملونة والمذهبة تمثل أزهاراً وأشكالاً هندسية.

جانب من جدران القصر تفاصيل العقد

 

أما الزخارف الخارجية للقصر فهي زخارف جصية بارزة ونحتية، تتركز في واجهة القصر بارتفاع ١٤.٤٥م على البرجين المحيطين بالمدخل الرئيسي وفوقه، وهي تتألف من أربعة أقسام: السفلي منها مغطى بزخارف هندسية متشابكة، تنتهي من الأعلى بشريط من الزخارف البارزة لأشكال دائرية متماسة، تتوسّطها كتلة المدخل المؤطرة بإفريز حجري عريض عليه زخارف هندسية ونباتية محفورة، يعلوه عقد نصف دائري عليه بقايا أشكال بارزة لمنحوتات حيوانية. والقسم الثاني يتألف بكلا البرجين من مستطيلات رأسية أسطحها مزخرفة بأشكال هندسية بارزة لأشكال نجمية، وتحصر هذه المستطيلات بينها بائكة مؤلفة من عشرة أعمدة منحوتة تحمل تسعة عقود نصف دائرية. أما القسم الثالث فيحتوي على واجهة رواق معمد يلتف على كامل الواجهة، يحمل عقوداً نصف دائرية ومنكسرة. ويتوسط العقدين الوسطيين أعلى فتحة باب المدخل شباكان نافذان. أما القسم الرابع في أعلى البرجين فيتألف من شُرّافات مسننة محمولة على طنف بارز يستند إلى جامات دائرية، وفوق كتلة المدخل عقدان نصف دائريين أسفلهما بقايا واضحة لتماثيل حيوانية مختلفة لثلاثة خراف وحيوانات أخرى يُميَّز من بينها فهود.

وثمة منشآت أخرى ملحقة أيضاً، منها الحديقة التي بلغ طولها ١٠٥٠م وعرضها ٤٤٢م، ويحيط بها سور أساساته من الحجر ومداميكه من اللِّبن. وله مدخلان تعرضا مع باقي السور للتخريب بالكامل.

أما الحمام الواقع في الجهة الشمالية من القصر على بعد ٣٠م من البرج البيزنطي فله مسقط مستطيل الشكل تقريباً، وهو يتألف من عشر حجرات مع قمرات التسخين التي تُقسم إلى قسمين أحدهما دافئ والآخر بارد. وجدرانه مبنية من الحجر الكلسي واللبن، وماتزال بعض الجدران محفوظة حتى ارتفاع مترين تقريباً. وقد فرشت أرض القسم الدافئ بالرخام، كما طليت الجدران بطلاء ملون تقليداً للرخام.

ويلحق بالقصر أيضاً خان يقع على مسافة عشرة كيلومترات منه، وقد صور بعض الباحثين القصر ومحيطه بشكل مدينة صغيرة كاملة الخدمات؛ إضافة إلى طاحونة وجامع.

وجدير بالذكر أن سد خربقة الذي يبعد ١٦.٥كم جنوبي القصر هو الذي يغذي القصر بالماء عن طريق قناة تصبّ في بركة طول ضلعها نحو ٦٠م وعمقها نحو ٣.٥٠م، وتتفرع منها قنوات أصغر يتم التحكم فيها لتقوم بتوفير الماء اللازم للقصر والحديقة والحمام والطاحون والجامع والخان الذي يقع غير بعيد عن الخزان.

غزوان ياغي

 

مراجع للاستزادة:

- عبد القادر الريحاوي، العمارة العربية الإسلامية خصائصها وآثارها في سورية (منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق ١٩٧٩م).

- دانيال شلومبرجيه، قصر الحير الغربي، تعريب إلياس أبي شبكة (بيروت ١٩٤٥م).


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1040
الكل : 58491771
اليوم : 64285