logo

logo

logo

logo

logo

أنستازيوس (الإمبراطور-)

انستازيوس (امبراطور)

Anastasius -

أنستازيوس (الامبراطور -)

محمود فرعون

 

ولد أنستازيوس Anastasios في مدينة دوراخيون Dyrrachion على شاطئ البحر الأدرياتيكي عام 431م، ثم انتقل إلى العاصمة، وتقلد عدة مناصب إلى أن أصبح أحد كبار موظفي البلاط الملكي.

كان أنستازيوس رجلاً ورعاً يذهب باكراً إلى الكنيسة، ولا يخرج منها إلا بعد انصراف الجميع، وكان يكثر من الصوم والصدقات. وبعد وفاة الامبراطور زينون [ر] Zenon عام 491م اختير أنستازيوس امبراطوراً على عرش بيزنطة من قبل الشعب وبموافقة أريادنه Ariadne أرملة الامبراطور السابق زينون، والتي تزوجته بعد مرور أربعين يوماً على وفاة زوجها السابق، ولقد احتفى الشعب بتمليكه، وهتفوا له كثيراً عند ظهوره أول مرّة.

وأهم المشاكل التي واجهت أنستازيوس هي موقفه من الإيسوريين (وهم من سكان آسيا الصغرى) الذين كان لهم السيطرة في زمن زينون الذي ينتمي إليهم، والذين أثاروا سكان العاصمة عليهم؛ مما دفع أنستازيوس لاتخاذ إجراء حاسم ضدهم، فطردهم من الوظائف الرئيسية، وصادر ممتلكاتهم، وأخرجهم من القسطنطينية. غير أن شوكتهم لم تنكسر إلا عام 498م بعد قتال استمر ست سنوات؛ إذ تم نقل عدد كبير منهم من موطنهم في آسيا الصغرى إلى تراقيا، حيث استقروا هناك، وهكذا تخلص الجيش والإدارة من العناصر الإيسورية.

ومن الناحية الدينية، أعلن أنستازيوس في بداية حكمه أنه يؤيد المذهب الأرثوذكسي، لكنه ما لبث أن انقلب بسياسته الدينية، فأصبح يؤيد المذهب المونوفيزيقي، وقد لقيت هذه السياسة ترحيباً كبيراً في الولايات الشرقية من قبل المصريين والسوريين، كما وقف الصناع والتجار وحزب الخضر وأنصار مذهب الطبيعة الواحدة إلى جانب هذا الامبراطور، في حين استاء البيزنطيون منه، ووقف ضده أصحاب الأراضي وحزب الزرق وأنصار مذهب الطبيعتين.

حاول أنستازيوس إصلاح النقد، فأمر في سنة 498م بصك عملة من البرونز عرفت باسم الفوليس (الفلس Follis) بعد أن ثبت قيمته بربطه بالنقد الذهبي، كما أصلح نظام جباية الضرائب، فرفع عن كاهل نواب البلدية عبء جمع الضرائب، وعهد بتأدية هذا الواجب إلى موظفين خاضعين للولاة مباشرة، يضاف إلى ذلك أنه رفع عن الصناع والتجار ما كان مفروضاً عليهم من ضريبة الحرف. وبذلك أراح أهل المدن من عبء ثقيل الوطأة، كما أسهم في نهوض الصناعة والتجارة؛ غير أن ذلك أدى إلى زيادة الأعباء على الريف، حيث تقرر دفع ضريبة الميرة (القمح) ذهباً لا عيناً، وهذا يعني زيادة الضرائب المفروضة على الأراضي الزراعية؛ مما أدى إلى اضطراب في أوساط الفلاحين وقلقهم. ومع ذلك فإن سياسة الامبراطور أنستازيوس وإصلاحاته المالية الرشيدة أدت إلى زيادة واردات الخزانة زيادة كبيرة؛ إذ كانت الخزانة عند وفاته عامرة بالأموال، حيث وجد فيها نحو 320 ألف قطعة ذهبية.

قطعة نقدية تحمل نقش للامبراطور أنستازيوس

تعرضت الأطراف الشمالية للبلقان في زمن أنستازيوس لغارات البلغار، إضافة إلى الصقالبة (السلاف) الذين توغل قسم منهم داخل شبه جزيرة البلقان بغرض النهب والتخريب، حتى إذا انتهوا من الإغارة عادوا إلى مواطنهم، غير أن هذه الغارات لم تكن سوى تمهيد لغارات الصقالبة الكثيفة التي حدثت فيما بعد. وقد حاول الامبراطور أنستازيوس إرضاء الصقالبة بالمال؛ كي يوقفوا غاراتهم، كما أمر ببناء أسوار جديدة للقسطنطينية وتجهيزها بالحاميات العسكرية اللازمة لحماية العاصمة من هؤلاء البرابرة الجدد.

أما على الجبهة الشرقية فقد رفض أنستازيوس الإعانة السنوية التي كانت تدفعها بيزنطة لفارس لقاء حماية حصن دربند الواقع على بحر الخزر، فأدى ذلك إلى قيام الشاه الفارسي قباد (487-531م) بغزو مدينة آمد في شمال إقليم ما بين النهرين عام 502م، فرد أنستازيوس بحملة عسكرية لغزو الأراضي الفارسية؛ لكنها باءت بالإخفاق الذريع، وتذكر المصادر أن أنستازيوس استطاع استعادة مدينة آمد من الفرس عام 504م، وعقد معاهدة معهم لمدة سبع سنوات تعهد فيها بدفع مبالغ سنوية لفارس نظير حماية ممرات القوقاز. كما شيد أنستازيوس مدينة دارا على الحدود الشرقية مع فارس عام 506م، وبنى قلعة بالقرب منها لتأمين هذه الحدود.

وفي زمن أنستازيوس قامت دولتان داخل حدود الامبراطورية البيزنطية؛ إحداهما مملكة القوط الشرقيين بزعامة تيودوريك الكبير Theodoric the Great في إيطاليا، والأخرى مملكة الفرنجة بزعامة كلوفيس Clovis في بلاد الغال. وعلى الرغم من استقلال كل من الملكين؛ فإن كليهما حرص على أن يحظى برضا الامبراطور البيزنطي كي يرتفع شأنه في أعين أهل البلاد الأصليين. فاعترف أنستازيوس بتيودوريك حاكماً على إيطاليا، فأصبح بذلك ملكاً شرعياً، لكن اختلاف المعتقدات الأريوسية[ر] التي يدين بها القوط عن معتقدات السكان الوطنيين جعل من العسير قيام الود والصداقة بين الطرفين.

أما كلوفيس فقد حصل من الامبراطور أنستازيوس على رتبة قنصل، وعلى الرغم من أن هذه الرتبة لا ترقى إلى منصب الملك؛ فإن حكم كلوفيس أصبح في نظر السكان الوطنيين مشروعاً، وكأنه أصبح نائباً للامبراطور في إقليم يعدّ جزءاً من الامبراطورية البيزنطية.

وتذكر بعض المصادر أن ميل الامبراطور أنستازيوس للمونوفيزيقية كان بتأثير بعض رجال الدين الدعاة، منهم فيلوكسينوس Philoxenos المنبجي وسويروس Severus الأنطاكي، وقد حاول أنستازيوس إقناع أسقف القسطنطينية مقدونيوس الثاني (496- 511م) بضرورة شجب قرارات مجمع خلقدونيا. كما استقبل سويروس الأنطاكي في العاصمة في عام 508م حيث ظل ذلك الداعية المونوفيزيقي ثلاث سنوات يدافع عن مذهبه وبصحبته مئتان من الرهبان، ثم انتخب بطريركاً بمساعدة الامبراطور عام 512م.

وبعد طرد الأسقف مقدونيوس من منصبه عام 511م؛ زاد عداء الشعب لأنستازيوس ولاسيما أن الأسقف كان يحظى باحترام سكان العاصمة، وقد أدى ذلك إلى اندلاع ثورة عارمة كادت تطيح بالامبراطور.

كان لسياسة أنستازيوس المؤيدة للمونوفيزيقية، ولأرباب الحرف والصنائع ولحزب الخضر أبلغ الأثر؛ إذ أدى كل ذلك إلى تذمر الناس وسخطهم، وإلى قيام الاضطرابات، فجرى إشعال الحرائق في المباني العامة، وتحطيم تمثال الامبراطور، والتظاهر ضد الامبراطور في ميدان السباق، وتعرض الامبراطور نفسه للشتائم والقذف بالحجارة، وبلغت الفتنة أشدها عام 513م حين تقدم ڤيتاليانوس Vitalianus قائد جيش تراقيا العسكري في البلقان نحو القسطنطينية يسانده الجيش والأسطول، وهدد العاصمة بالاحتلال؛ غير أن الامبراطور أظهر الاستعداد للوصول إلى اتفاق حينما اشتد الخطر. وعلى الرغم من أنه قام بتعديل سياسته؛ فإن حركة ڤيتاليانوس لقيت تأييداً كبيرا؛ لأنه طالب بإلغاء التسبيح المونوفيزيقي في الكنيسة، وطلب إعادة الأساقفة الأرثوذوكس المنفيين. لكن الحركة أجهضت، وبقي أنستازيوس في السلطة حتى وفاته عام 518م، وقد خلفه الامبراطور يوستين الأول Iustinos I (518 -527م).

مراجع للاستزادة:

- محمد فتحي الشاعر، السياسة الشرقية للإمبراطورية البيزنطية في القرن السادس الميلادي (الهيئة المصرية للكتاب، 1989).

- السيد الباز العريني، الدولة البيزنطية (بيروت 1982).

- A. VASILIEV, The Byzantine Empire (Madison, 1952).


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1050
الكل : 58491515
اليوم : 64029