logo

logo

logo

logo

logo

الحرير (خان-)/دمشق

حرير (خان)/دمشق

-

 ¢ الحرير

الحرير (خان -)/دمشق

 

خان الحرير أحد خانات دمشق الشهيرة التي تعود إلى الفترة العثمانية، يقع على العقار 394 في منطقة باب البريد، إلى الجنوب الغربي من الجامع الأموي في سوق القيشاني (الحرير) الواصل بين شارعي الصاغة ونورالدين الشهيد داخل المدينة القديمة. بناه الوالي درويش باشا بن رستم باشا الرومي- كما هو مثبت في الكتابة المنقوشة على الباب- سنة 981هـ/1573م، وجعله وقفاً على جامعه المعروف في القنوات (جامع درويش باشا)- الذي بناه أيضاً- هو وحمام القيشاني. وقد عُرِف الوالي بنشاطه المعماري، وتولى دمشق في سنة 979هـ/1571م فسار بأهلها سيرة حسنة ونشر الأمن، وروى بعضهم أنه بقي والياً عليها حتى وفاته سنة 982هـ/1574م، ودفن بمدفنه المعروف باسمه جوار جامعه؛ إلا أن ابن العماد روى في المجلد العاشر من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» بأن وفاة درويش باشا كانت في سنة 987هـ/1579م في بلاده قرمان، وليس في دمشق، بل حمل تابوته إلى دمشق ودفن جوار جامعه فيها، وتحدث عنه: «درويش باشا بن رستم باشا الرومي، هو ابن أخت محمد باشا، الوزير، تولى إيالة دمشق، وعمَّر بها الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية، وعمَّر الحمام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي، ويعرف الآن بحمام القيشاني، وعمَّر القيسارية، والسوق والقهوة، ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه، وعمَّر الجسر على نهر بردى عند عين القصارين بالمرجة».

موقع خان الحرير في دمشق القديمة داخل السور

وقد عُرف الخان سابقاً باسم قيسارية درويش باشا؛ إذ ذكر المؤرخون أن التاريخ الفعلي للخان يعود إلى القرن 5هـ/11م في العصر السلجوقي، حيث كان يُعرَف بقيسارية القواسين أو خان القواسين، وقام درويش باشا بإعادة بنائه على صفته الحالية، كما ذكره واتسينجر Watzinger، وذكر أنه كان يُعرف بسوق الفرو عندما زاره سنة 1335هـ/1916م.

المسقط الأفقي للطابق الأرضي

يعد خان الحرير من أكبر خانات دمشق حيث تبلغ مساحته نحو 2500م2. يتم الدخول إليه من جادة سوق الحرير، من ضلعه الشمالية عبر بوابة معقودة؛ عدَّها بعضهم نموذجاً لبوابات خانات دمشق التي تعود إلى العصر العثماني لما حوته من التزويق والتنميق والزخارف، إلا أن ما يمكن تمييزه فيها من زخارف واضحة وأخرى مغطاة بالإكساء وغير ظاهرة بوضوح، وكذلك طراز عقدها (قوسها)؛ قد يرجِّح أن تاريخ البوابة وعناصرها أقدم من الفترة العثمانية.

بوابة خان الحرير

والمدخل يتوسط الواجهة الشمالية بعرض مترين تقريباً، وارتفاع ثمانية أمتار، وتتوسطه قوس مخموسة، يتراجع الجدار داخلها عن سمت الواجهة نحو 80سم، مظهراً الوجه السفلي للقوس والذي تزينه عناصر زخرفية منزّلة بالمعجون. وتعلو القوس المخموسة نافذتان مستطيلتان بسيطتان، يحدهما من اليمين واليسار حشوتان دائريتان من الحجر المزي والبازلتي مشكلتان عنصراً تزيينياً بشكل شعاعي، وتحت كل منهما يمكن تمييز حشوة تزيينية أخرى مربعة الشكل إلا أنها مخفية تحت طبقات إكساء حديثة، كما تحوي الواجهة عناصر تزيينية من أشرطة حجرية مزررة، وأشرطة من الزخارف الحجرية المنحوتة، تتكرر هذه العناصر على جدار البوابة المتراجع ضمن القوس، وبشكل مشابه للحشوات الدائرية. يتضمن داخل القوس عنصرين تزيينين دائريّين منحوتين من الحجر النافر، تتوسطهما لوحة حجرية منحوتة نقش عليها النص التأريخي للخان، والذي يتضمن:

درويش باشا قد بنى

خاناً فريداً في الزمان

ما مثله في الشرق بل

والغرب قد شهد العيان

والعز قال مؤرخاً

أسعدتنا بسليم خان

سنة 981 (1573م)

ويتوسط الجدار الداخلي المتراجع باب ضخم معقود بقوس نصف دائرية، وهو باب تقليدي ملبس بلوح معدني (الصاج)، ويحوي ضمنه بابَ خوخة، يتحرك ضمن زعرور. وما زال يغلق عند نهاية العمل في محلات الخان، ويفتح صباح اليوم التالي.

المسقط الأفقي للطابق الأول

يتألف الخان من طابقين: أرضي وأول؛ يتضمن الطابق الأرضي محلات خارجية واجهاتها مفتوحة على السوق، بلغ عددها 27 دكاناً، وكل هذه المحلات ذات أسقف من قبوات سريرية. أما باقي الدكاكين الداخلية فتفتح على الفسحة السماوية للخان.

اللوحة الكتابية التأريخية فوق مدخل خان الحرير

ويتم الدخول إلى الخان عبر المدخل الرئيسي المذكور أعلاه، وبالنزول ثلاث درجات يتم الوصول إلى المدخل المسقوف بقبوتين متقاطعتين مطليَّتين بالكلسة العربية البيضاء، وعلى اليمين واليسار يوجد درجان من الحجر الكلسي الأصفر، يتم من خلالهما الصعود إلى الطابق الأول. كما يؤدي المدخل المسقوف مباشرة إلى فناء الخان؛ وهو مستطيل مع انحراف بسيط في ضلعه الشمالية، أرضيته مفروشة بالحجر البازلتي الأسود، تتوسطه بركة مياه مستطيلة الشكل من الحجر المزي، ويؤكد شكل البركة والتاريخ المنقوش على اللوحة الخارجية؛ امتدادَ تاريخ الخان إلى فترة أقدم من الفترة العثمانية، كما يحتوي الفناء على عدة أشجار معمرة تظلل البركة وأجزاء من الفناء.

البركة المزية المستطيلة وسط فناء خان الحرير

تنفتح محلات الطابق الأرضي ومخازنه على الفناء بمداخل معقودة، مجاز كل منها يحدد عرض المحل، إلا أن هذه المداخل تعرضت لعمليات تعديل تمثلت بتغيير شكل الفتحات فيها وأبعادها؛ فتم تقليص الفتحة الكبيرة للمدخل وتحويلها إلى مدخل قليل العرض ونافذة أو أكثر توضعت ضمن القوس المحددة للفتحة الأساسية.

 

مقطع شرق غرب في خان الحرير باتجاه الجنوب

مقطع شرق غرب في خان الحرير باتجاه الشمال

كما خضعت تلك المحلات لتعديلات في تقطيعاتها الداخلية؛ إذ قُسِّم عدد كبير منها عدة محلات؛ ولا سيما الكبير منها والذي كان يحتوي على مستودع أو أكثر، ولم يعد يوجد أثر للبائكة التي وردت في أوصاف الخان الأولى. كما يلاحظ التجديد في مواد الأبواب والنوافذ وكذلك مواد إكساء الأرضيات والجدران والأسقف، إلا أن كلَّ الأسقف ذات شكل تقليدي من قبوات سريرية، أو قبوات متصالبة، وقد تمت إضافة مظلات من التوتياء إلى مداخل المحلات المطلة على الفناء عند منسوب سقف الطابق الأرضي. أما الواجهات الداخلية المطلة على الفناء فهي مبنية من الحجر الكلسي الأبيض والأصفر الذي يظهر بوضوح في جدران الطابق الأول المطلة على الفناء؛ في حين يُلاحظ أن ما تم من تعديلات على فتحات الأقواس قد نُفِّذ بالبازلت الأسود. كما يتضمن الخان في زاويته الشمالية الشرقية مكاناً مخصّصاً للخدمات الصحية.

القباب التي تغطي أروقة الطابق الأول

يتم الصعود إلى الطابق الأول من الدرجين الحجريّين على طرفي المدخل، واللذين يؤديان إلى الرواق الداخلي الملتف على الطابق الأول بالكامل، وتنفتح على طرفيه المحلات بأبواب معقودة.

الدرج الحجري الصاعد للطابق الأول

أرضية الرواق إسمنتية، وسقفه مكوّن من القباب ذات الشكل النصف الدائري، تتضمن ذروتها فتحة دائرية، وقد تم تنفيذ تغطية زجاجية حديثة لها لتمنع تسرب مياه الأمطار منها، تستند كلٌّ من تلك القباب إلى الجدارين المحدّدين للرواق، وإلى قوسين وتريَّين معترضين مستندين إلى جداري الرواق يحدد كلٌّ منهما القبة. وقد بلغ عدد هذه القباب تسعاً وثلاثين قبة، وتكسو الجدران والقبة الكلسة العربية البيضاء. أما المحلات فأسقفها قبوات سريرية، وتم تجديد مواد إكساء أرضياتها وجدرانها وأسقفها، وكذلك استخدمت مواد حديثة في أبوابها. وتطل المحلات الداخلية للطابق الأول على الفناء عبر نوافذ مستطيلة ذات أبعاد مختلفة غير منتظمة، ولكل منها ساكف مستطيل من البازلت الأسود أو من الحجر الكلسي الأصفر.

أروقة الطابق الأول وعناصرها الإنشائية

يتم الصعود إلى سطح الخان بوساطة درج حجري في الزاوية الشمالية الغربية من الطابق الأول، يأخذ هذا الدرج شكلاً منكسراً. وإن السطح بمستوى واحد باستثناء قسمين مرتفعين: أولهما وسط الضلع الشمالية فوق مدخل الخان، والآخر وسط الضلع الجنوبية التي تبرز عن الواجهة الداخلية باتجاه الفناء، وتغطي هذين القسمين القباب، ليصبح مجموع القباب اثنتين وأربعين قبة.

الفراغ الداخلي لأحد محلات الطابق الأرضي

وعلى الرغم من التعديلات إلا أن الخان يحافظ بعناصره المعمارية على شخصيته الأصيلة المميزة بين خانات دمشق. وحالة الخان الفيزيائية جيدة؛ فلا تظهر فيه مشاكل إنشائية، وجلّ ما يحتاج إليه بعض عمليات الترميم وإزالة الإشغالات عن واجهاته.

أحمد الدالي

مراجع للاستزادة:

- أكرم حسن العلبي، خطط دمشق (دار الطباع، دمشق ١٩٨٩م).

- قتيبة الشهابي، أسواق دمشق القديمة ومشيداتها التاريخية (منشورات وزارة الثقافة، دمشق ١٩٩٠م).

- كارل ولتسينجر وكارل واتسينجر، الآثار الإسلامية في مدينة دمشق، تعريب قاسم طوير (دمشق ١٩٨٤م).

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1061
الكل : 58492329
اليوم : 64843