logo

logo

logo

logo

logo

حمص في العصر الإسلامي

حمص في عصر اسلامي

-

 حمص

 

 حمص

 حمص في العصر الإسلامي

 

مخطط المدينة

عمران حمص في المراحل التاريخية

العمائر الأثرية في حمص

 

 

بعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك ودخول دمشق سنة ١٤هـ/٦٣٥م سار الصحابي أبو عبيدة بن الجراح مع خالد بن الوليد نحو حمص، فتوقف أبو عبيدة لفتح بعلبك، ولتقديره أن أمر بعلبك قد يطول؛ قدّم أمامه قوة بقيادة السمط بن الأسود إلى حمص، فما إن وصلها حتى صالحه أهلها، فقسم السمط حمص إلى خطط بين المسلمين، وأسكنهم في البيوت التي تركها أصحابها، ولما حضر أبو عبيدة وافق على صلح السمط، وأمضاه، وأقام مسجداً للمسلمين في نصف كنيسة يوحنا المعمدان.

مخطط المدينة:

يغلب على المخطط العام للمدينة الإسلامية القديمة محوران رئيسيان، مع محاور ثانوية لكل الجهات، وهي بقايا من معالم المخطط الهلنستي- الروماني، حيث يتضح في وسطها مكان التترابيل tetrapylon، أي تقاطع الشارع الطويل Decumanus مع الشارع المتعارض Cardo، الذي كان يقع في نقطة يحيط بها الآن: جامع جمال الدين وجامع ذو الكلاع والمدرسة الغسانية. وثمة ملامح من بقايا الشارع الطويل في امتداد شارع جمال الدين، وشارع الملك المجاهد. ويوازيه شارع مارليان وقصر الشيخ وشارع «أبو الهول» حتى الجامع النوري. أما ملامح الشارع المتعارض فتوجد في الطريق الممتدة من صليبة الغفيلة، وبستان الديوان إلى شارع عيسى أسعد.

مخطط مدينة حمص القديمة ضمن الأسوار

 

ومن أهم مسببات تبدُّل ذلك المخطط ما طُبِّق في العصر الإسلامي من تبديل نظام الأبواب الغربي القائم على الرقم أربعة، إلى نظام الأبواب الشرقي القائم على الرقم سبعة، فغدا لحمص سبعة أبواب بدلاً من أربعة؛ مما غير النسيج العمراني القديم؛ فالأبواب الجديدة جرت نهايات الشوارع نحوها فغيرت الشوارع مساراتها على أطراف المدينة قرب الأسوار، لكنها لم تضطر إلى تبديل مواقعها في الوسط حول التترابيل، وأهم دليل ما يزال ماثلاً حتى اليوم هو ميلان شارع الأبرار في نهايته الشرقية نحو باب الدريب، واستقامته في وسط المدينة عند بستان الديوان.

كان مخطط مدينة حمص الإسلامية قريباً من مخططات المدن الشامية، فهي متطاولة من الغرب إلى الشرق، وعلى الرغم من التهديم الذي تعرضت له هذه المدينة ما تزال توجد بعض الجزر المتفرقة من الأبنية القديمة، المتميزة بأزقتها الملتوية والمغلقة في نهاياتها أحياناً، تتخللها بعض الساباطات المرفوعة على عقود حجرية فوق الأزقة، والتي شكلت حلاً هندسياً لتوسيع الكتل المعمارية وربطها من دون إعاقة حركة المرور.

وصف اليعقوبي حمص، فقال: إنها «من أوسع مدن الشام»، فقد كانت حاضرة لأكبر أجناد الشام وفق التقسيم العربي للشام، فكان جند حمص يضم بعد الفتح أواسط سورية وشماليها حتى حدود الدولة البيزنطية. وعندما زار الرحالة ابن جبير مدينة حمص لفت نظره جمال المدينة ونظافتها، فقال: «نـزهة لعين مبصرها من النظافة والملاحة». ووصفها الرحالة ابن بطوطة بأنها «مدينة مليحة، أرجاؤها مونقة، وأشجارها مورقة، وأنهارها متدفقة، وأسواقها فسيحة الشوارع». ويبدو أن تبليط شوارعها بالحجارة أسهم إسهاماً كبيراً بتجميلها ونظافتها، فقد ذكر كثيرون منهم: الإدريسي وابن حوقل والإصطخري أن: «جميع طرق حمص من أسواقها وسككها مفروشة بالحجارة مبلطة بالصخر».

قلعة حمص

عمران حمص في المراحل التاريخية:

العصر الراشدي: لم تذكر المصادر التاريخية ما تم في حمص من عمران في هذا العصر، فقد كانت الدولة ما تزال في مرحلة الاندفاع للفتوحات، ويرجح أن العرب المسلمين في تلك الفترة أقاموا في البيوت المتروكة، أو ظلوا على عادتهم يقيمون بظاهرها، كما فعل خالد بن الوليد الذي أقام شمال المدينة بنحو ميل، قبل أن يتحول مكان إقامته إلى قرية صغيرة، توسعت نحوها حمص في العصر الحديث، وأصبحت «حي الخالدية».

العصر الأموي: بقيت حمص أكبر الأجناد وأهمها، وكان خلفاء بني أمية وأمراؤهم دائمي التردد إليها، وممن أقام فيها: خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وهو أول من اهتم من العرب بعلم الكيمياء؛ إذ بنى في ظاهر سور حمص الجنوبي قصراً استخدمه مختبراً في تجاربه.

العصر العباسي: اضمحل شأن الشام في هذا العصر، وواجهت حمص فيه أسوأ أيامها، حيث دُمرت مبانيها، وهدمت معالمها، وأزيلت أسوارها، وكان ذلك يتكرر عقب كل ثورة مخفقة تقوم بها حمص، فلم يترك أهلها خليفة عباسياً لم يثوروا عليه.

العصر الحمداني: ولما أقام سيف الدولة الحمداني إمارته في حلب مد سيطرته إلى حمص، ولّى عليها ابن عمه الفارس والشاعر أبا فراس الحمداني. وفي عهد سعد الدولة اجتاح الروم البيزنطيون حمص سنة ٣٥٨هـ/٩٦٩م، وأحالوها ركاماً، فسارع سعد الدولة إلى الاهتمام بها، وولى عليها واحداً من مماليكه اسمه «بكجور» الذي صرف همه إلى عمارتها، وترك بها بكجور أثراً معمارياً بقي قائماً حتى مطلع القرن ٢٠م، وهو «المئذنة المقطومة» أو مئذنة بكجور، وهي ما تبقى من بنيان الجامع الكبير. وفي سنة ٣٧٣هـ/٩٨٣م هاجم الروم حمص ثانيةً، فسبوا أهلها، ونهبوها، ثم أحرقوها.

العصر السلجوقي: حرص نور الدين محمود بن زنكي أن يوحّد البلاد الإسلامية، ولما تمكن من ضم حمص التفت إلى بنائها، ولكن الزلازل سرعان ما عاجلتها سنة ٥٥٢هـ/١١٥٧م، فخربت معظم مبانيها، ووقعت الأسواق والأسوار، لكن نور الدين تداركها بالعمارة. ثم تكررت الزلازل سنة ٥٦٥هـ/١١٧٠م؛ مما استدعى أن يسير نور الدين إلى حمص بنفسه ليعيد ترتيب أمورها ويشرف على عمرانها؛ فقام ببناء مدرسة كبيرة في حمص، تجاور القلعة وتطل عليها، ويعتقد أنها كانت في المكان الحالي لجامع مصطفى باشا الحسيني وقصره، وهي التي شاهدها الرحالة ابن جبير الأندلسي في أثناء زيارته. وكذلك بنى نور الدين في حمص البيمارستان النوري، ولكن أهم مبانيه على الإطلاق هو المسجد الجامع، فبعد الزلازل أعاد إعمار الجامع بعد أن ضم إليه الجزء المخصص للكنيسة؛ فسمي الجامع الكبير. واشتهر هذا الجامع حتى قال ابن بطوطة عنه: «إنه من أكبر جوامع مدن الشام»، ووصفه بأنه: «متميز بالحسن الجامع، وفي وسطه ماء».

 
جامع الصحابي خالد بن الوليد حرم الجامع النوري الكبير
   
مدخل جامع السراج مئذنة جامع الزاوية

العصر الأيوبي:

بعد نور الدين تولى حكمَ حمص سلالةٌ من الملوك الأيوبيين هم أبناء أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي، وكان أشهرهم حفيده أسد الدين شيركوه الثاني الذي دام حكمه بضعاً وخمسين سنة مملوءة بالجهاد والعمل لحفظ حمص وعمرانها. وكان لموقع المدينة في مواجهة الفرنج أثره في طبيعة البناء وفي حياة الناس، وأصبحت كما قال ابن بطوطة عنها: «خلقة الأرجاء، ملفقة البناء». كما فقدت شوارعها العريضة الواسعة التي تحولت إلى أزقة متعرجة، وأحياء يكاد يستقل كل منها خلف بوابات وجدران عالية، لكن كل ذلك كان كما قال ابن جبير: «وراء أسوار غاية في العتاقة والوثاقة، مرصوص بناؤها بالحجارة الصم السود، وأبوابها أبواب حديد، سامية الإشراف، هائلة المنظر، تكتنفها الأبراج المشيدة الحصينة».

 

لم تذكر المصادر إلا شذرات من وصف مباني حمص في العصر الأيوبي؛ لذلك فإن المعلومات عنها اقتصرت على ما تبقى من آثارها، أو ما ذُكر في النقوش الحجرية التي تؤرخ لها. وأهم هذه المنشآت:

الباب المسدود: هو الباب الوحيد المتبقي من أبواب حمص، فما تزال أبراجه الجانبية تقوم فوقها طلاّقات الرمي. وقد بُني هذا الباب زمن الملك المنصور إبراهيم بن شيركوه سنة ٦٤١هـ/١٢٤٤م، كما هو مذكور في نقش حجر ساكف الباب.

الجوامع: صحيح أن نور الدين هو من بنى الجامع النوري، لكن ترميمه والعناية به لم ينقطعا خلال هذا العصر؛ فقد جدد الملك المجاهد كامل مئذنته سنة ٦١٥هـ/١٢١٨م؛ وفقاً لما هو منقوش عليها. إضافة إلى بناء الكثير من المساجد في أنحاء المدينة وتجديدها، مثل جامع أبي لبادة بطراز عمارته الأيوبية، وكذلك مسجد كعب الأحبار المقام فوق ضريحه خارج باب الدريب، وأيضاً جامع القلعة أو جامع السلطان؛ نسبة إلى السلطان الأيوبي الملك المجاهد، وهو جامع صغير؛ ولكنه معتبر ومقصود لاحتوائه على مصحف الخليفة عثمان بن عفان، والجامع يضم حرماً وصحناً ورواقاً وغرفاً وقبة للمحراب وفق استكشافات البعثة البريطانية في القلعة، وقد وصفه الشيخ عبد الغني النابلسي في أثناء زيارته للقلعة سنة ١١٠٥هـ/١٦٩٣م: «وفيها جامع مبني وله منارة، وفيه منبر للخطبة...».

جامع الأربعين مسجد أبي الهول
   
جامع دحية الكلبي مسجد «أبو لبادة»

الزوايا والتكايا: حظيت الزوايا والتكايا في مدينة حمص بالدعم الرسمي والشعبي في أثناء العصر الأيوبي، لكن ما عُرف منها قليل، وما تبقى نادر؛ فالزاوية الوحيدة الباقية على حالها اليوم هي زاوية الجباوي في بستان الديوان. وهناك أيضاً زاوية آل خمو «الكيلانية»، الواقعة بين سوق الخضرة والقلعة، ولكنّ بناءها الطيني شبه متهدم. أما الزوايا التي زالت فمنها: زاوية آل الشيخ عثمان النقشبندية، وكانت في ضريح أبي الهول، ثم حل مكانها الجامع الحالي، وكانت قد اشتهرت في حمص الزاوية الحسنوية التي تحدث عنها محمد المكي في يومياته، وقد زالت، وحل مكانها جامع الزاوية في حي الزاوية، وفي محلة قصر الشيخ كانت زاوية الشيخ عبد الله الحراكي، وبجانب سور حمص من الجهة الشمالية كانت آخر التكايا، وهي التكية المولوية التي أزيلت مطلع القرن ٢٠م.

المدارس: استمرت مدرسة نور الدين في التعليم العالي في العصر الأيوبي، ولكن الملك المجاهد بنى مدرسة ثانية في حمص، تشير الأدلة إلى أنها كانت مكان ما يعرف اليوم بمقام رابعة العدوية في حي بني السباعي، وهو ضريح لواحدة من زوجات نور الدين محمود، والبناء يستخدم اليوم مضافة لآل السباعي.

مسجد مصطفى باشا الحسيني

المستشفيات: إضافة إلى البيمارستان النوري أنشأ الملك المجاهد بيمارستاناً آخر، ورتب فيه كل ما يحتاج إليه من أطباء وخدم وأدوية، وقد ضم اختصاصات طبية متنوعة، وكانت تُجرى فيه العمليات الجراحية المعروفة وقتها، وعمل فيه أشهر أطباء ذلك العصر.

العصر المملوكي:

بوفاة الملك الأشرف موسى- حفيد شيركوه الثاني سنة ٦٦٢هـ/١٢٦٤م- انتقلت حمص من مملكة إلى نيابة في السلطنة المملوكية، ثم أُلحِقت بنيابة دمشق. وإن أكثر سلاطين الدولة المملوكية تأثيراً في حمص هم السلطان الظاهر بيبرس والأشرف وابنه الناصر، فقد بنى الظاهر بيبرس مسجداً جامعاً على ضريح الصحابي خالد بن الوليد سنة ٦٦٤هـ/١٢٦٥م، وأمر بصنع ضريح من الخشب النفيس المحفور بالزخارف لقبر خالد. كما بنى عدة تُرَب ذات قباب لبعض الصحابة والأولياء؛ مثل ما بُني على قبر الشيخ مسعود وأبناء جعفر الطيار وسعد بن المدحاس وغيرهم. وكذلك بنى عدة زوايا كزاوية الخضر المهراني العدوي المشهور بشيخ الملك الظاهر. ثم أمر الملك الظاهر جقمق ببناء قناطر الرستن على نهر العاصي، وبُنِي في عهده قصرا الزهراوي [ر] والأمين.

العصر العثماني:

عندما دخل العثمانيون الشام سنة ٩٢٢هـ/١٥١٦م؛ شكّلوا ولاية في مدينة طرابلس، وأضافوا إليها أربعة ألوية، هي: حمص وحماة وسلمية وجبلة؛ فحكم حمص أمير لواء «ميرلِوا» تركي، وفيما بعد متسلم محلي برتبة آغا. ومع ضعف الدولة العثمانية في نهايتها أخذ حال المدينة بالتضاؤل، ونقص عدد سكانها نقصاً ملحوظاً، حتى نصبت الحدائق والبساتين داخل أسوارها فوق خرائب الأبنية. فكان من الطبيعي أن تتحول حمص إدارياً من لواء يتبع إيالة طرابلس إلى قضاء يتبع لواء حماة. ثم أُلحِقت كل من حماة وحمص بدمشق؛ إثر تولي إسماعيل باشا العظم ولاية الشام.

وفي أواخر العصر العثماني قرر السلطان عبد الحميد خان الثاني أن يبني جامعاً فخماً يتناسب مع عظمة القائد خالد بن الوليد، فهدم الجامع القديم كاملاً وبدأ بتشييد الجامع الجديد وفق الطراز العثماني، وانتهى العمل بالجامع سنة ١٣٣١هـ/١٩١٢م ليصبح آية في الجمال والإتقان، ومقصداً للزوار من جميع البلاد الإسلامية.

كان من أهم الميزات المعمارية لمدينة حمص- ولا سيما في العصر العثماني- استعمال الأحجار البازلتية السوداء في البناء؛ حتى سُمِّيت «أم الحجار السود». فقد كانت عمارة البيوت في المدينة من حجر منطقة «الوعر» البازلتي. ولكن بسبب تكاليف قطع الحجر كان الطين والدك المادتين المنافستين له في البناء، وكانت معظم الأزقة مبلطة بالحجر اللبون (الأسود). وكانت الأسقف لجميع الأبنية تقوم على جذوع خشبية طويلة تسمى «سواميك»، وقد يلزم للسقف «ساموك» أو أكثر بحسب مساحته، وترتكز عليها عوارض من الخشب، فوقها حصير من القصب، يعلوها تراب يُرصُّ بواسطة «المَعَرْجلانة»، ثم تُدهن بالطلاء الكلسي الأبيض تحقيقاً للعزل.

العمائر الأثرية في حمص:

خلفت العصور التاريخية المتتالية بعض العمائر القديمة التي نجت من عاديات الزمن والإنسان، وهي قليلة في حمص نسبة إلى باقي بلدان الشام، ومنها:

البيوت:

أقدم بيوت حمص الموجودة اليوم تعود إلى العصر المملوكي، وغالباً ما تكرر ترميمها في العصر العثماني، لكن بعضها حافظ على نمطه المعماري القديم. أما ما تشير إليه المصادر المملوكية باسم دار النيابة؛ فيعتقد أنها من بناء الأشرف موسى الذي قام بعد عودته إلى حمص- نائباً عن السلطان الظاهر بيبرس- بنقل مقر حكمه من القلعة؛ بدليل قيام بيبرس بترميمها، فبنى دار النيابة داخل المدينة، ويؤكد ذلك وجود نقش تزييني في واجهة الجدار الشمالي للباحة، يمثل أسدين متقابلين، وهذا شعار الظاهر بيبرس كما هو معروف. وهذه الدار هي التي تعرف الآن بدار الأزهري، مع وجود خطأ شائع بتسميتها قصر الزهراوي [ر]؛ وذلك لأن عائلة من آل الزهراوي شغلت القصر في مرحلة متأخرة، في حين تذكر لوحة تأسيس البناء الموجودة في المدخل أن بانيه هو علي بن أبي الفضل الأزهري.

وتُعدّ هذه الدار مع بيت مفيد الأمين وبيت عبد الله فركوح من أشهر بيوت حمص الأثرية، ويتبعها قصر مصطفى باشا الحسيني؛ لكنه أحدث، فقد بني في العصر العثماني.

قصر الزهراوي

الجوامع:

ثمة اليوم ضمن أسوار حمص نحو خمسين مسجداً معظمها قديم، حتى إن بعضها كان دار عبادة قبل الإسلام، يدل على ذلك المكتشفات الأثرية فيها والكتابات على أحجارها، ومنها: جامع «أبو لبادة» الذي يحوي كثيراً من الكتابات اليونانية على جدرانه، وجامع الخضر الداخلي «أبو العيون» حيث ما تزال حنية الكنيسة تشكل جداره الشرقي، كما عثر عند ترميمه على مذبح لمعبد وثني.

وأما أهم مساجدها الأثرية- بعد جامع الصحابي خالد بن الوليد والجامع النوري الكبير- جوامع البازرباشي وابن مسعود والفضائل، ثم جوامع السراج وشيركوه ودحية الكلبي والأوزاعي وطليمات والأربعين، وكذلك جوامع ذي الكلاع والعمري والقصيّر والزاوية والصوفي والنبهان والحسيني.

الأسوار:

كان يحيط بحمص سور هو أمنع من القلعة وأسمح من أبراجها في الرفعة؛ كما قال ابن فضل الله العمري، وأضاف ابن جبير: «أسوارها غاية في العتاقة والوثاقة، مرصوص بناؤها بالحجارة الصم السود، أبوابها أبواب حديد، سامية الإشراف، هائلة المنظر، رائعة الإنافة، تكتنفها الأبراج المشيدة الحصينة». ويستدل مما كشف مؤخراً في الجهة الغربية أن الأسوار تتالت عليها الترميمات في مختلف العصور، وأن قواعدها السفلية هي الأجزاء الأصيلة والقديمة، وتتألف من حجارة بيضاء كبيرة الحجم تعود إلى العصر الروماني، ويعلوها حجارة سوداء كبيرة يرجح أنها استخدمت في العصر البيزنطي، وفوقها حجارة سوداء أصغر حجماً تعود إلى العصور الإسلامية المختلفة. وأوضح شاهد على ذلك بناء البرج الدفاعي على الزاوية الشمالية الغربية للسور، ومما ساعد على بقائه تحويله إلى مئذنة جامع صغير بني بجانبه، اسمه جامع الأربعين. ويعود آخر ترميم لهذا البرج إلى زمن الملك الأيوبي المنصور إبراهيم.

الأبواب:

عندما دخل العرب المسلمون حمص وجدوا لها أربعة أبواب، كل منها يتجه نحو جهة من الجهات الأصلية، فسمّوها وفق توجهاتها؛ فالباب الجنوبي سمي باب دمشق، والغربي سمي باب الجبل، والشمالي سمي باب الرستن، والشرقي سمي باب تدمر، وهذا الباب هو الوحيد الذي حافظ على تسميته منذ الفتح حتى اليوم.

وبعد أن سكن العرب المسلمون حمص قاموا بفتح أبواب جديدة للمدينة، هي: من الجنوب «باب السباع»، وهو متاخم لخندق القلعة، وقد اتخذ اسمه من شعار السلطان بيبرس الذي نُقش بأعلاه عند ترميمه. ومن الغرب: بطرف القلعة الآخر «باب التركمان»، نسبة إلى التركمان الذين استوطنوا حمص في الأحياء الواقعة خلفه. وبعده بمسافة بسيطة «الباب المسدود»، وبعده أيضاً «باب هود» نسبة إلى ضريح النبي هود الذي كان بجانب الباب من داخله. ومن الشمال: «باب السوق» أو «باب المدينة» بالمعنى ذاته لوقوع الأسواق خلفه.

وبقي «باب تدمر» بالاسم نفسه، يقابله عند الزاوية الأخرى للسور الشرقي «باب الدريب»، والدريب هي تصغير «الدرب».

وكانت أسماء الأبواب تتبدل في كثير من الأحيان وفق ما يتعارفه السكان. وإضافة إلى أبواب المدينة الرئيسية كان ثمة بوابات للحارات، وكان يغلق مساء «باب البوابة»، فتفصل الحارة أو جزء منها عما حولها.

كنيسة أم الزنار

السبلان:

من أهم المرافق العامة للمدن كانت سُبلان المياه، وتقام على أبواب الجوامع خاصة وفي الأسواق والساحات. لم يتبقَّ في حمص القديمة من عمائر السبلان سوى شواهد قليلة؛ منها السبيل المقام على مدخل قصر الأزهري، وهو من النوع الذي تنقل إليه المياه بالقِرَب.

الخانات:

لم يبقَ اليوم في حمص أي شاهد على الخانات الأثرية القديمة التي بُنيت في العصر العثماني، وثمة بقايا خان بظاهر باب تدمر يلتصق بالسور، تحول حديثاً إلى مقهى «السور الأثري»، وهو قائم حتى اليوم.

الترب والمدافن:

كانت الجبانات تحيط بأسوار حمص القديمة، وتضم رفات بعض الصحابة والتابعين. أما التُّرَب فقد بدأت تظهر في العصر الأيوبي؛ كتربة الملك المجاهد شيركوه، التي بناها قبل موته، وهي اليوم في شارع الملك المجاهد، ومع الأسف لم يبقَ منها إلا حجرة صغيرة فيها الضريح، وما حماها من تجاوزات الجوار إلا تحولها إلى مسجد صغير.

الأسواق:

حافظت حمص على أسواقها الإسلامية القديمة التي تتوسط المدينة، فما تزال مظاهر الحياة التجارية التقليدية والشعبية تزدهر في الأسواق الإسلامية القديمة التي تحيط بجامعها الكبير. وهي مقسمة وفق المهن أو البضائع؛ بحيث يختص كل منها بحرفة أو سلعة معيّنة، مثل أسواق: النحاسين والفرو والعطارين والحرير والمنسوجات، وآخرها سوق الحشيش أو الخضرة.

وأحياناً تسمى الأسواق بحسب رُوَّادها، مثل: سوق البدو وسوق النسوان. ويضاف إلى الأسواق المنشآت التجارية مثل «قيسارية الزيت» في حمص الواقعة في قلب الأسواق المسقوفة، وهي التي أصبحت فيما بعد «قيسارية الحرير»، وما تزال إلى اليوم تقوم بدورها التجاري بوصفها سوقاً شعبياً للألبسة والمنسوجات.

ساباط الأتاسي السوق المغطى ساباط شمس الدين

الحمامات:

يُعدُّ أقدم حمام في حمص «حمام الصغير» الواقع وسط الأسواق المسقوفة، وأقدم الترميمات فيه تعود إلى العصر الأيوبي. أما ما تبقى من حمامات حمص؛ فإنها تعود بمعظمها إلى العصر العثماني. والحمامات التي ما تزال موجودة قليلة، منها: الباشا والصغير والسراج والعصياتي، ولكن ثمة حمام وحيد ما زال يقوم بوظائفه هو «الحمام العثماني» الواقع قرب سوق النسوان.

منذر الحايك

 

 


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1061
الكل : 58492330
اليوم : 64844