logo

logo

logo

logo

logo

الجامع الكبير الأعلى (حماة)

جامع كبير اعلي (حماه)

-

 الجامع الكبير الأعلى /حماة

الجامع الكبير الأعلى /حماة

 

 

يُعدّ الجامع الكبير الأعلى من أشهر جوامع مدينة حماة، ويقع في حي المدينة المعروف بها، بالقرب من القلعة من جهة الغرب.

وهو من أقدم الجوامع الإسلامية وأهمها ليس في مدينة حماة وحدها؛ بل في العالم الإسلامي، ويقال: إنه خامس مسجد بُني في الإسلام بعد قباء والحرمين الشريفين والأقصى، سُمي بالجامع الأعلى؛ لأنه كان مبنياً على وهدة أعلى من الأرض المحيطة بها، وكان يصل إليه المصلّون عبر درج صاعد. وهو من أوائل الجوامع التي أقامها المسلمون مكان كنيسة بعد أن صالحوا أهلها عليها. وتشير الدراسات إلى أن الكنيسة نفسها كانت قد أقيمت على معبد وثني قديم.

الواجهة الشرقية الخارجية للجامع
الواجهة الداخلية الشرقية للصحن
الجزء الشرقي من الواجهة الداخلية الجنوبية للصحن
الجزء الغربي من الواجهة الداخلية الجنوبية للصحن

تشير الدلائل الأثرية إلى وجود معبد قديم في الموقع الحالي للجامع يرجع إلى ما قبل سنة 250م، حين أجريت عليه توسعة وترميمات كبيرة، تم آخرها في أواخر القرن الثالث الميلادي. ومع انتشار المسيحية واعتناق الأباطرة البيزنطيين لها، وفي عهد الامبراطور قسطنطين (306-377م) تم تحويل المعبد إلى كنيسة في سنة 350م، فجاءت واسعة بهية البناء، فخصّها الأباطرة البيزنطيون بعنايتهم، حتى تهدمت أجزاء مهمة منها نتيجة للزلازل المتعددة التي ضربت المنطقة أواسط القرن السادس الميلادي، فأُعيد ترميمها سنة 595م، حيث تحوي الواجهة الغربية نقشاً مكتوباً باليونانية يؤكد إجراء هذا الترميم.

وأشار أبو الفداء إلى أن القائد أبا عبيدة بن الجراح قد دخل مدينة حماة سنة 15هـ/636م صلحاً؛ ضامناً عدم التعرض لسكانها بشرط تنازلهم عن الكنيسة التي حوّلها جامعاً، بعد أن تمّت عملية إزالة الرسوم الجدارية التي تتعارض مع الدين الإسلامي، وطُلِيت الجدران بطلاء عادي.

وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب بُنِيت قبة الخزنة في صحن الجامع بأمر منه؛ حفاظاً على المال في المساجد الجامعة بعد سرقته في مسجد البصرة. وقد بُنِيت على شاكلتها ثلاث قباب أخرى مماثلة في مساجد البصرة والقدس ودمشق.

وفي عهد الخليفة العباسي المهدي (158-169هـ/774-785م) جرت أعمال ترميم واسعة في المسجد، شملت السقف والأعمدة والواجهة الشمالية. وفي عهد السلطان نور الدين محمود بن زنكي تمَّ بناء المئذنة بالزاوية الجنوبية الشرقية سنة 529 هـ/1135م، حيث تم البناء بتولي صلاح الدين أبي جعفر بن أيوب العمادي، وكان اسم المشرف على البناء أبا سالم يحيى بن سعيد. وفي سنة 558هـ/1163م أُعيد بناء الجامع مع أبنية عديدة أخرى في مدينة حماة بعد أن كان الجامع والأبنية الأخرى قد تهدمت أجزاء كبيرة منها من جراء زلزال سنة 552هـ/1157م.

المئذنة
المحراب والمنبر

وقد بُنِيت التربة المسقوفة بالقبة الملساء المدببة والواقعة في زاوية الرواقين الغربي والشمالي للجامع لجعلها مكاناً لدفن ملك حماة الأيوبي المنصور الثاني محمد، ودُعيت من بعد «التربة المظفرية» نسبةً إلى من دفن فيها من بعده؛ وهو ابنه الملك المظفر الثالث محمود. وفي سنة 701هـ/1302م أمر زين الدين كتبغا - نائب المملكة الحموية- ببناء أعمدة الحرم الثمانية التي تحمل السقف، وبناء المنبر الخشبي الثمين الرائع، الذي صنعه علي بن مكي وعبد الله بن أحمد، وطعَّمَه أبو بكر ابن محمد، ونقشه علي بن عثمان؛ كما تدل الكتابات المتعددة المنقوشة عليه.

وفي سنة 763هـ/1362م تم بناء الناعورة المحمدية مع قناتها المحمولة على اثنتين وثلاثين قنطرة في موقع باب النهر؛ لنقل مياه العاصي إلى الجامع الكبير. وعلى وجه القنطرة العاشرة بعد الناعورة توجد كتابة تؤرخ لهذا الحدث المهم.

وفي سنة 823هـ/1420م تم بناء الرواق الشرقي من قبل إبراهيم الهاشمي. وهذا الرواق يدعى اليوم الحرم السعدي (السعدية). وفي سنة 825هـ/1422م تم بناء المئذنة الشمالية بزخارفها ونقوشها الجميلة. وفي سنة 830هـ/1427م صدر أمر شريف بنقل حجارة كل مسجد يخرب إلى الجامع الكبير، وهذه الأحجار استخدمت في أعمال بناء الرواق الشمالي من قبل إبراهيم الهاشمي. وفي عصر المماليك تم نقش مراسيم على أعمدة قبة الخزنة. وفي العصر العثماني دخل المسجد في مرحلة إهمال كما ذكرت سجلات المحكمة الشرعية في حماة. وفي سنة 1412هـ/1991م شهد الجامع أعمال ترميم كبيرة أعادت له بهجته الأصيلة.

الوصف المعماري:

يتبع الجامع الطراز التقليدي، ويبرز مدخله الرئيسي عن واجهته الشمالية، وهو معقود بعقد مدبب ويفتح على صحن كبير تتوسطه بركة مياه مربعة (الميضأة) تحوي في زواياها الداخلية أربع حنايا على الطراز السلجوقي. وتقف قبة الخزنة في جهته الجنوبية الغربية محمولةً على ثمانية أعمدة ذات تيجان كورنثية، وتحمل نقوشاً مهمة لمراسيم مملوكية تتعلق بإبطال المظالم. ورُصِفت أرضية الصحن بحجر مختلف الأنواع (بازلتي كلـسي) ذي زخارف هندسية متنوعة.

الواجهة الداخلية الغربية للصحن
الواجهة الداخلية الشمالية للصحن
الحرم

ويطلّ على الصحن أربع واجهات داخلية، أهمّها واجهة الحرم في الجهة الجنوبية المؤلفة من واجهة حجرية مرتفعة، فُتح فيها ثلاثة أبواب، أوسطها هو الرئيسي، وهو دخلة جدارية مبنية من مداميك الحجر الأبلق؛ في أعلاها شباك صغير، ويفتح في أسفلها باب الدخول ذو الساكف المعقود بعقد وتري ذي صنج بلقاء، يعلوه عقد مدبب مرتفع. وعلى جانبي كتلة المدخل محرابان معقودان بعقد مدبب للمصلى الصّيفي. أما البابان الجانبيان، فلكل منهما فتحة ذات مصراعين من الخشب الأحمر المشغولين بالزخارف الهندسية يعلوها عقد موتور، وفي طرفي هذه الواجهة شباكان مستطيلان ذوا مصراعين، وفُتح في القسم العلوي للواجهة نوافذ مختلفة أبعاداً وشكلاً تساهم في إنارة الحرم. وتنتهي الواجهة من الأعلى ببروز حجري محمول على ثلاثة وثلاثين كابولاً حجرياً.

والحرم ذو مسقط مستطيل، طوله 31,5م وعرضه 20,90م. يتـألف من ثلاث بلاطات. جدرانه الجنـوبية والشـرقية والغـربية أصلية، كما كانت في المعبد والكاتدرائية، وهو مغطى بسقف يتوسطه قبة مركزية فُتح برقبتها اثنتا عشرة نافذة معقودة ومغشاة بالجص المعشق بالزجاج الملون. ويحيط بهذه القبة أربع قباب حجرية، فُتح برقبة كلٍّ منها أربع نوافذ متشابهة؛ في حين يغطي باقي سقف الحرم عدد من القبوات المتقاطعة. وجميع القباب والقبوات المتقاطعة محمولة على عدد من الدعامات الحجرية المثمنة، ويتوسط الجدار الجنوبي للحرم محراب مميز يقع عن يمينه منبرٌ عليه نقش تأسيسٍ باسم الأمير زين الدين كتبغا 701هـ/1301م. ويتوسط الجدار الشمالي للحرم - فوق فتحة باب الدخول- دكة مستطيلة ملتصقة بالجدار الشمالي للحرم ومحمولة على أربعة أعمدة من الرخام. ويحيط بالسدة درابزين من الخشب المشغول بزخارف «العجمي».

دكة المبلغ

أما الواجهات الباقية للصحن فهي ثلاثة أروقة، يتكون كل منها من عدد من العقود المختلفة الأبعاد والمحمولة على دعامات حجرية، استُغلَّت المساحات المغطاة خلفها كغرف لخدمات الجامع، فشُغِل الطرف الجنوبي للرواق الغربي بغرفة لسكن إمام الجامع، واستُغلَّت الجهة الشمالية من الرواق نفسه بعمل خزان مياه للجامع كان يتلقى ماءه من ناعورة المحمدية القريبة. ويُدخل من هذا الرواق أيضاً إلى التربة التي دُفن بها الملك المنصور الثاني وابنه المظفر الثالث.

وفي الرواق الشمالي يقع المدخل الرئيسي والمئذنة المملوكية. ويشكل العقد الجنوبي الأخير للرواق الشرقي المدخل الشرقي للجامع. وحُوِّل جزء من هذا الرواق الشرقي إلى مصلى مغلق، له محراب من الحجر الكلسي. وتتناوب في الجامع مداميك الأحجار السوداء والبيضاء (البلقاء) بشكل بديع تترك في الناظر تأثيراً مميزاً.

وللجامع مئذنتان جميلتان، تتألف المئذنة السلجوقية الواقعة في الزاوية الجنوبية الشرقية للحرم من بدن مربع ممشوق زال نصفه العلوي. جميع جدرانها مشغولة بكاملها بزخارف حجرية هندسية مختلفة؛ إضافة إلى وجود نقش بخط كوفي مميز يحمل نص تأسيس مؤرخ بـ 529هـ/1124م.

أرضية الصحن

أما المئذنة المملوكية الشمالية فتبرز عن سمت الواجهة الشمالية للجامع، وهي تتألف من قاعدة مربعة يعلوها بدن مثمن متطاول، تتوسطه ثماني فتحات مصمتة معقودة بعقود مخموسة مدببة، نصفها مشكلٌ من المخدات المتلاصقة، ونصفها الآخر مُشكلٌ من صنج بلقاء؛ بحيث يشكل النوعان بالتناوب الوجوه الثمانية لهذا البدن، وكل من هذه العقود محمول على عمودين مدمجين (سويريتين)، وينصِّف كلَّ عقد منها جامةٌ مزخرفة بشكل بتلة ذات أوراق محوّرة، ويعلو كل عقد ذي صنج بلقاء جامة أخرى مشابهة. وينتهي أعلى البدن بشرفة محمولة على ثلاثة صفوف من المقرنصات المتصاعدة. ويلف حول الشرفة درابزين من خشب الخرط يعلوه بكل جانب واجهة خشبية ذات عقود ثلاثية، تستند إليها المظلة التي تغطي الشرفة. ويعلو الشرفة جوسق محمول على ثمانية أعمدة حجرية ذات تيجان كأسية تحمل قبة نصف دائرية صغيرة مثبتاً بأعلاها بابة تنتهي بهلال. ويوجد في أعلى مدخل المئذنة نقش بالخط النسخي المملوكي يبيّن تاريخ إنشائها سنة 825هـ/1421م.

غزوان ياغي

 

مراجع للاستزادة:

- غزوان ياغي، المعالم الأثرية للحضارة الإسلامية في سوريا (المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الأسيسكو)، المغرب 2011م).

- أحمد وصفي زكريا، جولة أثرية في بعض البلدان الشامية (دار الفكر، دمشق 1934م).

- أحمد غسان سبانو، مملكة حماة الأيوبية (دار قتيبة، دمشق 1984م).


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1043
الكل : 58491690
اليوم : 64204