logo

logo

logo

logo

logo

جبيل في عصور ما قبل التاريخ

جبيل في عصور ما قبل تاريخ

-

 جبيل

جبيل

 

 

جبيل في عصور ما قبل التاريخ

تقع مدينة جبيل على الساحل الشمالي اللبناني على مسافة ٣٧كم شمال بيروت، حيث تحتل جزءاً من مرتفع صخري يحده غرباً جرف ساحلي من الحجر الرملي، وجنوباً وشمالاً منخفضان يفضي كل منهما إلى خليج طبيعي، ويمثل هذا المرتفع منفذاً لمنطقة زراعية ضيقة، تحدها شرقاً سلسلة جبال لبنان التي أعطت جبيل فرصة تجارية مهمة؛ إذ سمحت لها بتصدير خشب الأرز نحو الشواطئ البعيدة وخاصة شواطئ مصر التي كانت تستهلك هذه المادة بكميات هائلة، لذلك عدّ المصريون جبيل بوابة بلاد الآلهة. ويتميز هذا الموقع بوجود هضبتين:

-هضبة عالية غرباً، تشرف على منخفض فيه نبع المياه الذي يعدّ المركز الحيوي للموقع منذ القديم.

-هضبة أقل ارتفاعاً شرقاً، تعدّ منطقة انتقالية نحو الداخل.

تبلغ مساحة هذا الموقع الدائري الشكل سبعة هكتارات، خمسة منها داخل الأسوار. سكنه الإنسان منذ الألف السادس قبل الميلاد، وتراكمت فيه المعالم السكنية على نحو متواصل حتى بداية القرن العشرين. أدخل موقع جبيل الأثري على لائحة التراث العالمي سنة ١٩٨٤م حيث إنه من أقدم المواقع الأثرية في العالم التي تمثلت فيها جميع الفترات التاريخية.

 

أطلق عليها الإغريق اسم بيبلوس Byblos نسبةً إلى ورق البردي الذي كانت تزودهم به جبيل لصناعة ورق الكتابة الذي استخدموه، ومنه جاءت تسمية الكتاب المقدس Bible وكذلك اسم الورق Paper، أما اسمها الكنعاني فكان «ج ب ل»، ووردت في النصوص المسمارية الأكادية بصيغة «جُبْلا Gubla»، وعرفت لدى القدماء المصريين باسمها الأصلي بعد أن حرفوه بحسب طريقة لفظهم، في حين ذكرت في رسائل تل العمارنة بصيغة «كِبْني Kipni، أو كِبن Kbn».

حدد الموقع القديم لجبيل من قبل البعثة الأثرية الفرنسية بقيادة إرنست رينان Ernest Renan في عام ١٨٦٠-١٨٦١م؛ الممولة من قبل نابليون الثالث، وكانت مهمتها تغطية المنطقة كلها؛ المعروفة باسم الساحل الفينيقي، ومن أهم النتائج التي توصل إليها أن هذا الموقع يعود إلى الألف السابع ق.م. وفي بداية القرن العشرين أُجري العديد من الاكتشافات الأثرية وكان من بينها بعثة السيد مونتيه P. Montet (وهو أحد المختصين بالدراسات المصرية)؛ إذ قام بتشكيل بعثة عام ١٩٢١ استمرت حتى عام ١٩٢٤، لاستكمال أعمال التنقيب في الموقع التي أدت إلى اكتشاف عدد كبير من اللقى التي ظهر فيها الطراز المصري بصورة واضحة؛ مما يدل على أهمية العلاقة بين الساحل المصري والساحل الفينيقي.

تابع موريس دونان M. Dunand التنقيبات في منطقة الأكروبول وقاد في الفترة الواقعة بين سنة ١٩٢٦-١٩٧٣ اثنيتن وأربعين حملة تنقيب أثرية أجريت أولاها أيام الانتداب الفرنسي، أما الحملات التالية فكانت من قبل المديرية العامة للآثار في لبنان والتي قامت آنذاك باستملاك كامل الموقع. وقد عُرف دونان - الذي نشر مجموعة «حفريات جبيل» - بمنهجية خاصة في الحفر من خلال رفع طبقات متساوية سماكتها ٢٠سم ضمن مربعات تغطي حقل الحفريات؛ مفضلاً بذلك توثيقاً طبوغرافياً لكامل الموقع خلافاً للمنهجية الحديثة التي تعتمد على دراسة الطبقات، وعثر ضمن هذه المنطقة على العديد من النصوص الكتابية المصرية المكتوبة محلياً.

يمكن تمييز أربع طبقات أثرية في جبيل خلال عصور ما قبل التاريخ: الأولى هي طبقة العصر الحجري الحديث( النيوليت ما قبل الفخار ب PPNB)، والثانية طبقة النيوليت الفخاري، والثالثة تعود إلى العصر الحجري النحاسي، والأخيرة في فترة العبيد نهاية الألف الخامس ق.م.

خناجر من الصوان من النيوليتي القديم في جبيل

في طبقة النيوليت ما قبل الفخار ب PPNB التي تعود إلى أواخر الألف الثامن ق.م كانت جبيل قرية بدائية على شاطئ المتوسط لجماعات من الصيادين، وقد كشفت الحفريات عن بقايا هذه القرية التي تتمثل بأكواخ ذات حجرة واحدة رُصفت أرضيتها بأحجار من الكلس. وقد عثر في هذه الأكواخ على عدد من الأدوات والأسلحة تتمثل بنوى سفينية الشكل navifom، وكثير من النصال والمناجل وفؤوس صوانية ذات قاطع مصقول؛ وتسليح مؤلف من رؤوس سهام من نمط جديد أطلق عليه «جبيل»؛ وعدد كبير من الرؤوس ذات الفرضات من أنماط واحدة. وقد سادت في هذه الفترة عادة تقديس الجماجم؛ فاتبعت طرق الدفن بقطع رأس الميت، وهي طريقة انتشرت خلال عصر النيوليت ماقبل الفخار PPNB في منطقة المشرق العربي القديم.

أما خلال طبقة عصر النيوليت الفخاري فقد أقام سكان جبيل في مستوطنة صغيرة على شاطئ البحر، بلغت مساحتها ١٠٠×٣٠م، وسكنوا في بيوت مستطيلة مؤلفة من غرفة واحدة وموزعة بلا انتظام، مبنية على الأرض مباشرة بلا أساسات. النصف الأدنى للجدران من الحجر؛ والأعلى من الطين والقصب. وكانت المنازل مطلية بالكلس الأحمر.

القبور ذات نمط فردي وعلى خلاف الفترة السابقة PPNB فإن الجمجمة ليست منزوعة؛ يبدو أن عادة تقديس الجماجم قد انتهت في هذه الفترة في الموقع، كما أنّ بعض القبور وجدت في مهود من الحجر، في حين وجدت قبور أخرى في الأرض مباشرة. كما صنعوا الأواني الفخارية وخاصة الأباريق والصحاف من النوع القاتم المصقول المزخرف بالضغط وطبعات الصدف وبأشكال هندسية تشبه فخار العمق، وعرفوا الأواني والخناجر من الصوان والأواني الحجرية وأدوات من الصوان والأوبسيديان؛ كالمناجل ذات القبضات الخشبية والنصلات الحجرية والمثاقب والخناجر الطويلة الرائعة؛ وأنواع مختلفة من رؤوس السهام وأخرى مصقولة ومنحوتة.

وعملوا بالزراعة إلى جانب استمرارهم بالاعتماد على الصيد، فاصطادوا الغزال والماعز الوحشي خاصة، ولابد أنهم دجنّوا الحيوانات. ومن اللقى النادرة في هذه المرحلة أنواع مبسطة من الحصى المنحوتة بأشكال إنسانية تتمثل برؤوس إنسانية متطاولة مثلثة ذات عيون تشبه حبة القهوة، وكذلك بعض الدمى الإنسانية والحيوانية المختزلة والمبسطة التي صنعت من الطين أو الحجر، كما وجدت أنواع من الأختام المسطحة من الطين ذات الوظيفة الدينية والفنية.

خناجر من الصوان من النيوليتي القديم في جبيل

خلال استيطان العصر الحجري النحاسي ٥٣٠٠-٤٣٠٠ق.م بنيت البيوت كما في السابق وفق أشكال مستطيلة وغرف منفردة من الحجر والطين والقصب، واكتشف منها بيت مستطيل مقسم إلى ثلاثة أجزاء، وجدت فيه الأواني الفخارية والحجرية والأحجار المنحوتة؛ ودفنت تحت أرضيته هياكل بشرية كاملة مغطاة بالطين الأحمر، وقد أعيد تجديد بناء هذا البيت عدة مرات مما يدل على الوظيفة الدينية له. وفي هذا العصر صنعت الأواني الفخارية المزخرفة باللون الأحمر؛ أو الأواني الحمر والسود المصقولة، وظهرت أشكال جديدة متأثرة بالحلفيين كالأباريق القليلة العمق المزخرفة بالمثاعب والأزرار والصحاف ذات الحواف المائلة، كما ظهرت تغيرات مهمة في صناعة الصوان والأوبسيديان المستورد، فازدادت المناجل والأدوات الزراعية والبلطات - وهي أدوات القطع في الخشب- في حين قلت رؤوس السهام وأدوات الصيد. أقام سكان جبيل في هذه المرحلة اتصالات قوية مع المناطق السورية شمالاً والفلسطينية جنوباً، وكانوا جسراً ربط بين هذه المناطق، حيث عثر على العديد من الآثار ذات الصفات المشتركة مع سورية وفلسطين.

انتقل سكان جبيل في نهاية الألف الخامس ق. م إلى مكان آخر مع أن جزءاً منهم بقي يقيم في المستوطنة القديمة، ولم يلاحظ في هذه المرحلة أي تغير في تقنية البناء وإنما اختلفت أشكال البيوت فأصبحت طويلة ومؤلفة من غرفتين أو ثلاث تلتف أحياناً حول ساحة مركزية، كما أن بعضها قد بُني بعناية فائقة، من بينها بيتان في أحدهما طاولة من الحجر تدل على أنها طاولة الأضاحي؛ وأّنّ البيت ربما كان معبداً، ويعزّز هذه الفرضية أن المعابد اللاحقة في العصور التاريخية قد شُيدت فوق هذين البيتين. ومن جهة ثانية فقد تغيرت الصناعة الحجرية واختفت الخناجر ورؤوس السهام وازدادت البلطات والمناجل والقداديم والمطارق، وظهر تراجع في مجال الأواني الفخارية التي أصبحت بدائية غير مصقولة ومزخرفة أحياناً بلا عناية وبخطوط حمر فقط. في نهاية الألف الرابع ق.م تطور نمط المعيشة واستخدم سكان جبيل النحاس إلى جانب أدواته الحجرية، ومارسوا نمطاً جديداً من العادات الجنائزية المتمثلة بدفن الموتى مع بعض متاعهم الشخصي في جرار كبيرة.

جمال تموم

 

التصنيف : عصور ما قبل التاريخ
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58492816
اليوم : 65330