logo

logo

logo

logo

logo

بردى (نهر-)

بردي (نهر)

Barada -

بردى (نهر-)

نظير عوض

 

بردى Barada  النهر الخالد، شريان دمشق وسبب وجودها ومصدر حياة أهلها وواحتها، ورد ذكره في الكتابات القديمة باسم أبانا/أمانا بمعنى دائم التدفق، وأطلق عليه الإغريق واللاتين اسم خريسوروُاس Chrysorrhoas أي نهر الذهب، ودعاه اسطفان البيزنطي منذ القرن الخامس للميلاد «بردنيس Bardanes»، ولاشك في أن اللفظ العربي مأخوذ منه. وثمة رأي يقول إن اسم بردى مأخوذ من كلمة (فرديس) السريانية وتعني الجنة المأخوذة من كلمة (باراديسوس) الإغريقية، ولكن المؤرخين العرب يجمعون على أن اسم بردى عربي ومشتق من كلمة البرودة.

خريطة تظهر مسار النهر وفروعه

وتحدث الكثير من المؤرخين والرحالة عن بردى وتأثيره في حياة دمشق وغوطتها، ووصفوه من منبعه إلى مصبه. قال عنه ياقوت في معجمه: «أنزه نهر في الدنيا»، وذكره أبو الفداء بصيغة «بردا»، ووصفه الخياري  (الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن موسى بن خضر الخياري) من أهالي المدينة المنورة، في القرن الحادي عشر الهجري بـ «أعظم الأنهار السبعة»، ويقصد بها فروع بردى السبعة، وفي صبح الأعشى للقلقشندي تتبين أهمية بردى لدمشق وغوطتها بقوله: «وغوطتها أحد مستنزهات الدنيا العجيبة المفضلة على سائر مستنزهات الأرض». كما وصفه الرحالة والمؤرخون في مواسم الفيضان والشح.

نهر بردى في دمشق في ستينيات القرن العشرين

ينبع نهر بردى من مدينة الزبداني على بعد 7كم إلى الجنوب الغربي منها، متشكلاً من عدة ينابيع على ارتفاع 1102م في أدنى السفح الشرقي لجبل الشير منصور. يسير بعدها مخترقاً وادياً عميقاً قبل أن يدخل مدينة دمشق عند الربوة، بعد أن تكون تفرعت منه ستة فروع (يزيد وثورا) عن يساره، و(المزاوي، الديراني، قنوات، بانياس) عن يمينه، وتعبر هذه القنوات خانق الربوة على مستويات مختلفة، ثم تتباعد على شكل مروحة تغطي جميع أحياء مدينة دمشق.

نهر بردى في دمشق

يتلقى بردى عدة ينابيع، أهمها عين الفيجة الذي تفوق غزارته غزارة نبع بردى بضعفين ونصف. كما ترفده ينابيع أخرى، أهمها ينابيع الزبداني وبلودان ومضايا وبقين.

ثم تتفرع عنه عدة قنوات بعد خروجه من دمشق أهمها قنوات العقرباني والداعياني والمليحي، إضافة إلى فروع وينابيع صغيرة في الغوطة.

ينتهي بردى عند بحيرة العتيبة قاطعاً مسافة 71كم، ومشكلاً تربة لحقية على طرفي الوادي.

يبلغ متوسط غزارة نهر بردى 10م3/ثا في موقع الهامة، تصل إلى 75م3/ثا في ذروة الفيضان، وتهبط إلى 4.5م3/ثا  في موسم الجفاف.

نهر بردى - موقع التكية

دلّت المواقع الأثرية المنتشرة على طول ضفتي النهر من منبعه إلى مصبه على أهمية النهر الاستراتيجية لدمشق، وكذلك للطرق التي تربط دمشق بلبنان فساحل المتوسط.

أثبتت المسوحات الأثرية التي أجرتها المديرية العامة للآثار والمتاحف بين عامي 1998 و2000 وجود الكثير من المواقع الأثرية المهمة التي أكدت أن الإنسان أقام في حوض بردى منذ القدم، فقد عثر على أدواته الصوانية كالفؤوس الآشولية والأدوات اللفلوازية الموستيرية العائدة إلى العصر الحجري القديم في عدة مناطق من الحوض.

كما ظهر العديد من المستوطنات الزراعية في حوض بردى خلال العصر الحجري الحديث كان من أهمها تل أسود الذي كُشف فيه عن قرية تعود إلى الألف  الثامن ق.م، بُنيت بيوتها من اللبن والطين والقصب، ومارس سكانها الزراعة وتدجين الحيوانات، ودلت الدمى والجماجم المقولبة المكتشفة في الموقع على التطور الفكري والروحي لسكان المستوطنة.

تبقى المواقع الأثرية المؤرخة في الفترة الرومانية الأكثر حضوراً من آثار الفترات الأخرى التي يرجح أن عدداً منها دُفن بفعل عوامل طبيعية كالانهيارات الأرضية والزلازل وما شابه ذلك.

إن الموقع الأكثر أهمية وشهرة هو المعبد الذي كُشف عن أجزاء منه على قمة جبل هابيل المطل على قرية سوق وادي بردى على الضفة اليمنى للنهر، حيث وجدت بقايا رومانية، منها مدافن على الضفة اليسرى للنهر محفورة بالصخر بأشكال مختلفة، تعود لأسر من علية القوم عاشت في المكان نفسه حيث تأسس مركز مهم يرتبط بدمشق عُرف بـ «مملكة أبيلا» التي يمر فيها الطريق الروماني المحفور بالصخر على ضفة النهر اليسرى مع لوحة تأسيسية في أوله وأخرى في آخره تشير إلى أن إصلاحاً للطرق تم عام 526 سلوقي(=214م) في عهد الامبراطور الروماني القيصر ماركوس أوريليوس أنطونينوس، أي الامبراطور كركلا.

ثم يأتي معبد قرية «برهليا» على الضفة اليسرى للنهر الذي يتميز بحجارته البيضاء التي أعيد استخدامها في بناء جوامع القرى المجاورة ومنها جامع كفر الزيت القديم.

المسقط الأفقي لمعبد عين الفيجة

عند نبع الفيجة توجد آثار المعبد الروماني الذي تحول إلى كنيسة ثم أصبح حصناً في العهد الإسلامي، وسماه المسلمون «حصن عزتا»، لم يبقَ من هذا المعبد إلا القليل، وقد انتشرت بعض الأحجار والسواكف والتيجان في أماكن مختلفة من القرية. وقد حملت الكثير من النقود نقشاً لمعبد عين الفيجة؛ مما يؤكد عظمة هذا المعبد الذي أقيم مباشرة عند النبع على ضفة بردى اليسرى، ويؤكد أهمية المياه للرومان وارتباطها بطقوس تعبدية مختلفة.

وهناك بقايا قناة قديمة تصل ما بين نبع الفيجة ومنطقة الصالحية في دمشق، يعود تاريخها في الغالب إلى العهد الروماني.

مشهد تخيلي لمعبد عين الفيجة (العصر الروماني)

كما يمكن القول إن الطريق المسايرة لمجرى النهر قديماً سلكها الرومان وحافظوا عليها وأشرفوا على صيانتها وتنظيم الماء على طول الطريق لإمداد الجيش الروماني والفرق العسكرية التي كانت تسلك الطريق، مع الإشارة إلى وجود مواقع محصنة وكذلك معابد على سفوح الجبال المطلة على وادي نهر بردى لا سبيل لذكرها تفصيلياً.

ما يمكن ذكره أخيراً هو القناة التي أنشأها الوالي العثماني ناظم باشا عام 1908م لجر مياه نبع الفيجة إلى دمشق بوساطة قساطل معدنية طولها 23كم وقطرها 25سم، عرفت باسم «قساطل ناظم باشا»، وذلك لتوفير مياه الشرب للمدينة على أثر انتشار وباء الكوليرا. فقدت هذه القناة أكثر أجزائها اليوم ولم يبقَ منها إلا القليل، يمكن مشاهدة بعضها في قرية بسيمة تحت القناة الرومانية القديمة.

مراجع للاستزادة:

- أحمد فرزة طرقجي، «حوض دمشق بين الأمس واليوم دراسة جغرافية، بيئية، اجتماعية»، مهد الجضارات، العدد السادس، 2008.

- محمد حسين العطار الدمشقي، علم المياه الجارية في مدينة دمشق أو رسالة في علم المياه، تحقيق وتقديم أحمد غسان سبانو (دار قتيبة، دمشق 1984).

- Julien Aliquot et Pauline Piraud-Fournet Le sanctuaire d’Ain el-Fijé et le culte du Barada – Syria 85 – pp. 87-98, (2008).


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1046
الكل : 58491558
اليوم : 64072